خير الدين باشا التونسي: المفكّر، والسياسي، والمصلح، ورجل الدولة.

خير الدين التونسي
الاسم خير الدين التونسي‏
الاسم الکامل خير الدين پاشا التونسي‏
تاريخ الولادة 1820م/1235ق
محل الولادة ترکیه
تاريخ الوفاة 1890م/1307ق
المهنة رجل سیاسی، متفکر و مصلح اجتماعی
الأساتید
الآثار أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك
المذهب سنی

الولادة

ولد سنة 1225 ه (1810 م) في إحدى القرى الصغيرة بجبال القوقاز بقبيلة «أباظة» الشركسية.

قصة اختطافه ورقيته حتى وصوله الى منصب الوزير الأكبر

لقد اختطفه تجّار الرقيق صغيراً، وجاءت به قافلتهم إلى الأستانة عاصمة السلطنة العثمانية، حيث بيع كما يباع الرقيق في سوق النخاسة! ثمّ تناقلته الأيدي بالبيع والشراء رقيقاً، إلى أن وصل إلى قصر حاكم تونس الباي أحمد باشا (1252- 1272 ه/ 1836- 1856 م)، فتعلّم هناك القراءة والكتابة، وفرائض الدين الإسلامي، وفنون العسكرية والسياسة والتاريخ، وأجاد اللغة الفرنسية، إلى جانب العربية والتركية، وتدرّج مترقّياً- وذلك لألمعيته ونجابته ومثابرته وذكائه- في المناصب حتّى أصبح «الوزير الأكبر» في البلاد!
وبفضل إصلاحاته في تونس أعلن دستور المملكة التونسية سنة 1284 ه- 1867 م... فلمّا أُبعد عن الوزارة سنة 1294 ه- 1877 م ذهب إلى عاصمة السلطنة (الأستانة)، وتولّى الصدارة العظمى للسلطان عبد الحميد (1258- 1336 ه/ 1842- 1918 م)... فلمّا أعياه الإصلاح استقال في العام التالي،
وأصبح عضواً في مجلس الأعيان، حتّى وافته المنية هناك سنة 1308 ه/ 1890 م.

اعتزاله وكتابة أقوم المسالك

وفي تونس وأثناء أزمة من أزماته مع الباي محمّد الصادق (1275- 1299 ه/ 1859- 1882 م) اعتزل خير الدين جميع مناصبه الحكومية لعدّة سنوات (1278- 1286 ه/ 1862- 1869 م)، واعتكف في بستان له، كما اعتزل ابن خلدون من قبل في إحدى قلاع تونس فكتب المقدّمة والتاريخ، اعتزل خير الدين واعتكف في بستانه، فكتب على غرار ابن خلدون كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» الذي طبع بتونس للمرّة الأُولى (1284 ه- 1868 م)، والذي أودع مقدّمته خلاصة آرائه في التمدّن والإصلاح.

مشروعه الإصلاحي

ولقد كان خير الدين بحكم عصره وموقعه بعد رفاعة الطهطاوي (1216- 1290 ه- 1801- 1873 م) أبرز من أطلّ على الحضارة الغربية، وجاء مشروعه للإصلاح في ضوء علاقة العالم الإسلامي يومئذٍ بها. فلقد كان تجاهل التأثير الأوربّي في ذلك التاريخ وتلك الملابسات ضرباً من المحال، ففرنسا كانت قد شرعت في احتلال الجزائر سنة 1246 ه- 1830 م، وشرعت في مدّ نفوذها الاقتصادي إلى تونس بتقديم القروض، وأخذت تتدخّل في شؤونها المالية تمهيداً للسيطرة، فالاحتلال.
وكان الباي أحمد صاحب محاولات في الإصلاح، يترسّم فيها خطى محمّد علي باشا الكبير (1184- 1265 ه/ 1770- 1849 م) بمصر، فأنشأ في «باردوا» بفرنسا سنة 1256» ه- 1840 م «مكتب العلوم الحربية؛ ليتعلّم فيه الجنود التونسيّون علوم الهندسة والمساحة والحساب وغيرها، وعهد إلى خير الدين بالإشراف على هذا المكتب (المدرسة) الذي رأسه المستشرق الإيطالي «كاليفاريس»، وهناك عايش خير الدين الحضارة الأوروبّية ولمس تأثيراتها، ولقد اكتملت معرفته بها في سفارته للباي لدى عديد من ممالك أُوربّا، مثل فرنسا والسويد وبروسيا وبلجيكا والدانمارك وهولندا.
ولقد تبلورت دعوة خير الدين إلى إصلاح أحوال المسلمين في ضرورة الأخذ عن الحضارة الغربية التنظيمات والتجارب والتراتيب الإدارية، وضرورة التجديد والاجتهاد في چ الشريعة الإسلامية كي تواكب المصالح المتجدّدة للمسلمين، فتحدّث عن العلاقة بأوروبّا قائلًا: «إنّه لن يتهيّأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلّابمعرفة أحوال من ليس من حزبنا!
فالدنيا بصورة بلدة متّحدة، تسكنها أُمم متعدّدة. حاجة بعضهم لبعض متأكّدة!».
أمّا هذا الرأي الذي رآه لائقاً بالمسلمين لينهضوا به من ثمرات الحضارة الغربية ... فإنّ في مقدّمته:
1- التنظيمات السياسية: والتي هي في الحقيقة السبب في تقدّم الأوربيّين في المعارف، وهذه التنظيمات لا بدّ أن تكون مؤسّسة على العدل والحرّية. ولذلك أدان التونسي الاستبداد بالسلطة وحكم الفرد، ودعا إلى إحياء هيئة «أهل الحلّ والعقد» الإسلامية، وزكّى في مذكّراته تكوين المجالس النيابية بالانتخاب العامّ، وألحّ على ضرورة تقييد جهاز الدولة بالقوانين، سواء منها تلك التي تنظّم علاقة الرعية بالدولة، أو العلاقة بين المواطنين، وطالب بأن تكون مباشرة الحكم التنفيذي من اختصاص الوزراء لا الحاكم الأعلى، وأن يكون الوزراء مسؤولين أمام وكلاء الأُمّة ونوّابها المنتخبين، وقال: «إنّ أوروبّا إذا كانت قد صنعت وأقامت هذه التنظيمات السياسية انطلاقاً من القوانين العقلية الطبيعية غير الإلهية، فإنّ المسلمين أولى من الأوربيّين بذلك؛ لأنّ هذه التنظيمات ممّا يحقّق غاية الشريعة الإسلامية ومقاصدها».
2- الحرّية السياسية: والغاية من التنظيمات السياسية عند خير الدين التونسي هي تحقيق العمران للبلاد، وأساس هذا العمران هو العدل، أي: الحرّية السياسية للمواطنين. كما أنّ اتّساع نطاق المعارف في المجتمع إنّما يرجع كذلك إلى اتّساع نطاق الحرّية. وإذا كانت الحرّية الشخصية ضرورة ليتصرّف الإنسان في ذاته وكسبه وهو آمن على نفسه وعرضه وماله مطمئن إلى تساويه مع أبناء جنسه، فإنّ الحرّية السياسية أدخل في الضرورة واللزوم؛ لأنّها هي التي تحقّق اشتراك الرعية في توجيه سياسة الدولة كي تأتي على وفق المصلحة العامّة للمجموع. وتدخل في الحرّية السياسية حرّية نشر الأفكار التي يسمّيها التونسي:
«حرّية المطبعة!»، حيث لا يمنع الإنسان من أن يكتب ويذيع ما يعتقده صواباً ومصلحة، أو يعرض ذلك على أجهزة الدولة ومجالسها حتّى ولو تضمّن ذلك الاعتراض على مناهجها.
3- الحرّية الاقتصادية: فلقد ارتبطت في فكر خير الدين الحرّية السياسية بالحرّية
الاقتصادية، كما ارتبط نمو المعارف بنمو الصنائع،
الأمر الذي يثمر زيادة الأنشطة الحرّة في الميادين الاقتصادية، فالرخاء لا يتحقّق بالخصوبة وتوافر الإمكانات المادّية وحدها، وإنّما بالحرّية الاقتصادية التي تجعل أرباب النشاط الاقتصادي والاستثمار المالي آمنين على ثرواتهم وأموالهم.
4- التقدّم في المعارف والعلوم: فلقد أراد خير الدين التونسي لدعوة الحرّية التي بشّر بها أن تكون متكاملة، فأكّد على أنّ نمو المعارف والعلوم إنّما هو ثمرة طبيعية للحرّية السياسية التي تنمّي حرّية الفكر، وللحرّية الاقتصادية التي تفتق طاقات الإبداع بإبرازها الضرورات والاحتياجات، وأنّ جميع ألوان الحرّية هذه مؤسّسة على وجود التنظيمات... وإذا كان هذا هو موقفه من الثمرات الحضارية لأوروبّا الناهضة، فلقد اختلف موقفه من «أوروبّا الاستعمار»، فكان داعية إلى اليقظة لأطماع الدول الأوربّية في أقاليم البلاد الإسلامية، وإلى الحذر من الشراك التي ينصبونها كي نقع فيها، فدعا إلى رفض الاقتراض من الأجانب، وإلى أن تتّجه الحكومة إلى الاقتراض الداخلي، حتّى ولو زاد سعر «الفائدة»؛ لأنّ المموّلين الوطنيّين لن يمثّلوا خطراً استعمارياً خارجياً، كما أنّ أرباحهم لن تغادر السوق الوطني الداخلي. ومن كلماته في هذا الموضوع: «إنّ من الأفضل أن ندفع غالياً ثمن اقتراض نقترضه في بلدنا ونحافظ بذلك على حرّيتنا،
من أن نربح بعض الفوائد المادّية على حساب استقلالنا».
5- التصدّي للجمود: وكان طموح خير الدين التونسي أن ينهض فقهاء الإسلام بالاجتهاد والتجديد؛ حتّى تستطيع الشريعة الإسلامية أن تقدّم الحلول للمشكلات الجديدة، فلا يضطرّ المصلحون إلى الأخذ عن أوروبّا غير التنظيمات. كان يريد «المحتوى الإسلامي» لهذه الأوعية الأوربّية، ولذلك كان له جهاد على هذه الجبهة كبير... لقد ساءه أن يكون على الأُمّة جهلاء بأمراضها وبأدوية هذه الأمراض، وأن يضيّق الكثيرون منهم نطاق السياسة الشرعية، فلا يرونها شرعية إلّاإذا كانت لها نصوص في الكتاب والسنّة، فكتب ليذكّرهم بمناهج العلماء السابقين الذين وسّعوا هذا النطاق لتصبح‏
السياسة الشرعية هي كلّ ما لا يخالف الكتاب والسنّة، وليس فقط ما له نصّ في الكتاب والسنّة.
لقد كانت عينه في النهضة الأوربّية على الأوعية والأدوات، وفي مقدّمتها التنظيمات السياسية، وعينه على التراث الإسلامي ليستجيب بالاجتهاد والتجديد إلى احتياجات العصر ومتطلّبات مشكلاته، فيقدّم المضامين والحلول التي تتّخذ من التنظيمات أدوات للحركة والنهضة والإحياء. وفي ذلك يقول: «إنّ الأُمّة الإسلامية تقتدر أن تكتسب بما بقي لها من تمدّنها الأصلي وبعاداتها التي لم تزل مأثورة عن أسلافها، ما يستقيم به حالها، ويتّسع به في التمدّن مجالها، ويكون سيرها في ذلك المجال أسرع من غيرها كائناً من كان، إذا أُزكيت حرّيتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة تسهّل لها التدخّل في أُمور السياسة».
فالعناصر الأصلية في التمدّن الأصلي والحرّية الكامنة التي أقرّتها وقرّرتها الشريعة الإسلامية مع التنظيمات التي لا بدّ من أخذها عن أوروبّا كفيلة بجعل هذه الأُمّة تخطو على درب النهضة بأسرع ممّا صنع ويصنع الآخرون.
توفّي خير الدين سنة 1308 ه/ 1890 م.

المراجع

(انظر ترجمته في: زعماء الإصلاح: 112- 139، موسوعة السياسة 2: 637، الموسوعة العربية العالمية 10: 200، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 341- 344، نثر الجواهر والدرر 1: 417، شخصيات لها تاريخ لمحمّد عمارة: 163- 170، موسوعة الأعلام 2: 45).