السيد مجتبى نوّاب صفوي
مجتبى نوّاب صفوي: من رجال السياسة والدين في إيران، وأحد الوحدويّين.
ولد سنة 1343 ه في بلدة خاني آباد الواقعة قريباً من طهران على ما جاء في أحد
المصادر عن مكان ولادته، ولكنّ مصدراً آخر قال: إنّه ولد في محلّة فقيرة من محلّات طهران نفسها، وكان أبوه من طلبة العلم ثمّ أصبح محامياً، سجن أيّام الشاه رضا بهلوي، كما أنّ مصدراً آخر قال: إنّه ولد في قرية من قرى أصفهان.
دخل مدرسة الصناعة بعد إكمال الدراسة الابتدائية، وكان خلال دراسته هذه يتابع دراسة اللغة العربية والعلوم الدينية،
وكانت أُمنيته أن يدرس في النجف الأشرف، لكنّ أحواله المادّية لم تسمح له بذلك، فذهب إلى الأهواز واشتغل بما تخصّص به في مدرسة الصناعة، ولكن لم تطل إقامته هناك؛ إذ ساهم بمظاهرات وخطب بالمتظاهرين، فأرادت السلطات القبض عليه، فاستطاع الفرار حتّى وصل النجف الأشرف، وكان أحمد كسروي قد جاهر بدعوته الإلحادية الهدّامة في إيران سواء بأحاديثه أم بمطبوعاته،
ووصلت أخباره إلى النجف، فقرّر المترجم العودة إلى إيران لمناوأة كسروي والقضاء عليه، فاعتقل وأُودع السجن، ثمّ أُطلق سراحه، فدخل كلّية الشريعة، ولكنّه لم يلبث أن تركها عائداً إلى النجف بعد أن كان قد دبّر اغتيال رئيس الوزراء حسين إمامي، ولبث في النجف مدّة يدرس على علمائها، ثمّ عاد إلى إيران.
ويبدو أنّ دعوة كسروي الإلحادية هي التي أنبتت في ذهنه وجوب إيجاد تنظيم اسلامي واع يرتكز على جماعات متكاتفة تقاوم الدعوات الهدّامة، وتدعو إلى الإسلام، وتحارب الإلحاد. فاتّصل أوّل الأمر بأحمد كسروي والتقى به في عدّة جلسات يناقشه ويحاوره، فلم يزدد كسروي إلّاعناداً واسترسالا في دعايته وبثّها في الناس، فصمّم المترجم على القضاء عليه، واستطاع الحصول على 300 تومان من أحد المؤمنين،
فاشترى بها مسدّساً وترصّد لكسروي في أحد المنعطفات حتّى إذا مرّ أطلق عليه النار، لكنّ الرصاصة أصابت رجله، ولمّا رأى المترجم أنّ كسروي لم يقتل انهال ضرباً بالمسدس على رأسه ووجهه، فتجمّع عليهما الناس وخلّصوه منه، فقبض على نوّاب صفوي ونقل كسروي إلى المستشفى، وصدف أن زار وفد حكومي إيراني بعض العلماء في النجف الأشرف، فتوسّطوا لإطلاق صفوي، فنجحت الوساطة وأُطلق.
ويقول السيّد اللواساني الذي كان عضواً في منظّمة «فدائيان إسلام» في حديث له
لرسالة الثورة الإسلامية نشرته في العدد السادس سنة 1402 ه (1982 م)، وذلك بعد أن ذكر الوقائع المتقدّمة «من هنا بدأ هذا التنظيم»، ثمّ ينقل عن لسان صفوي: «لقد فكّرت عندما أصدرت أوّل منشور، فتبادر إلى ذهني اسم «فدائيان إسلام»- أي: فدائيو الإسلام- وقد كنت آنذاك وحيداً فريداً،
ولكن بعد ذلك التحق بي الأُخوة الراغبون المؤمنون الثوريّون وأبدوا استعدادهم للتعاون معي في هذا المجال».
وكان أوّل عمل قام به التنظيم أن نجح في اغتيال أحمد كسروي، واهتدت السلطة إلى الفاعلين، فاعتقلت «إمامي» المنفّذ للاغتيال ورفاقاً له وسجنتهم تمهيداً لمحاكمتهم والحكم عليهم، وصدف أنّ الشاه محمّد رضا أرسل وفداً إلى النجف الأشرف ليعزّي الحوزة العلمية بوفاة السيّد أبي الحسن الأصفهاني، فأسرع صفوي للاتّصال بالسيّد حسين القمّي الذي كان شبه منفي في العراق ليحمل العلماء على التوسّط لإطلاق المعتقلين، ونجحت الوساطة فأُطلقوا، وساعد على إطلاقهم أنّ الشعب الإيراني كان قد أبدى ضروب الابتهاج بقتل أحمد كسروي وأبدى تضامنه مع منفّذي هذا القتل، فرأت السلطات أنّ في إطلاقهم تقرّباً لعلماء النجف وإرضاءً لعواطف الشعب.
وفي سنة 1953 م كان أمر التنظيم قد استقرّ وانتشرت دعوته وعمّت شهرته، وبدأ يدعو لمبادئه الإسلامية، وينشط في مختلف ميادين العلم ويتّصل بالدعوات خارج إيران، ويعقد معها الصلات... في هذه السنة زار صفوي الأردن لحضور مؤتمر القدس في مدينة القدس،
ووجّه للملك حسين عندما قابله كلمة جريئة نشرتها الصحف آنذاك، وزار سوريا، كما زار مصر بدعوة من الإخوان المسلمين، وكانت الأُمور قد تأزّمت بين الإخوان وحكومة الثورة وأوشك الانفجار بينهما أن يقع، وجاء يوم 12/ كانون الثاني/ 1954 م، فاحتشد الإخوان وطلّابهم في حرم جامعة القاهرة للاحتفال بذكرى بعض ضحاياهم، كما حضرت جماعات من خصومهم، وأقبل جمهور من طلّاب الإخوان على الاجتماع حاملين نوّاب صفوي على الأكتاف، ثمّ أوصلوه إلى المنصّة، حيث خطب في الجماهير، وكان موضوع فلسطين أهمّ ما في خطابه، فكان جمهور الإخوان يقابل فقرات خطابه بهتافهم
التقليدي «اللَّه أكبر، وللَّه الحمد»، فيردّ عليهم خصومهم بهتاف «اللَّه أكبر، والعزّة لمصر»، فهاجمهم جمهور الإخوان واشتبكوا معهم وعمّت الفوضى، وكان هذا الحادث مفتاح الواقعة التي وقعت بين حكومة الثورة والإخوان المسلمين؛ إذ قبض على زعمائهم وشرّد رجالهم، وأصبح نوّاب صفوي ضائعاً في القاهرة، إلى أن تسنّى له الخروج منها.
وكان قبل وصوله إلى مصر قد لقى كلّ الحفاوة في سوريا وفلسطين، وعندما قابل الزعيم أديب الشيشكلي رئيس الجمهورية السوري قال له: «لقد لمست أنّ الشعب لا يحبّك وليس معك؛ لأنّك تضغط عليه وتكبت حرّيته، ولذا فمن واجبك أن تكون مع الشعب لتبقى».
أمّا أهداف «فدائيان إسلام» فقد عبّر عنها نوّاب صفوي نفسه في حديث له مع مندوب وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، حين سأله المندوب عن الهدف الرئيسي للحركة، فأجابه قائلًا: «إنّنا نعتقد بوجوب نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة في العالم كلّه، ونعتقد بوجوب تطبيق شريعة الإسلام الكاملة في جميع الدول الإسلامية... إنّنا نعتقد أنّ التعاليم الإسلامية الصحيحة هي وحدها التي يمكن أن تنقذ البشرية من الحروب والجرائم، وفي سبيل هذه العقيدة بدأنا العمل لكي نجعل من إيران قدوة للعالم المتمدّن». وسأله مندوب الوكالة عن مدى استعداده للتضحية في سبيل هذا الهدف، فأجابه: «أعتقد أنا وإخواني أنّ أرخص شيء عندنا في الحياة هي أرواحنا،
ونحن نعتقد أنّنا لا يمكن أن نخدم الإسلام إلّا بإعطاء أرواحنا ودمائنا في طريق هذا الهدف المقدّس... إنّ «فدائيان إسلام» هم أُناس أقوياء وشجعان لا يخافون أيّ شيء في طريق الهدف المقدّس الذي يحملونه، وإنّنا جميعاً مستعدّون للشهادة، ونستقبلها بفارغ الصبر إذا كانت من أجل اللَّه والأُمّة الإسلامية... إنّكم في المستقبل سوف تعرفون صحّة هذا الكلام».
يقول السيّد حسن الأمين: «ويمكن اعتبار نواب صفوي أوّل من كتب برنامجاً مفصّلًا ومتكاملًا عن الحكومة الإسلامية، وكان عمره إذ ذاك ستّة وعشرون عاماً. ويبدو من النصوص التي بين أيدينا أنّ التأسيس الفعلي للحركة كان سنة 1945 م، ولم يكن في منهج صفوي الاستناد إلى الوسائل السلمية الكلامية في تحقيق أهداف حركته، بل كان يرى
التوسّل بكلّ وسيلة مهما كانت نارية عنيفة، ويعتقد أنّ اغتيال رموز النظام واحداً بعد واحد يوهن عزائم هذا النظام ويقضي في النهاية عليه».
وبفضل اتّفاق الحركة مع الجهة الوطنية التي كان يرأسها الدكتور مصدّق ودعمهم لها استطاع مصدّق أن يأتي إلى الحكم ويشكّل حكومة وطنية برئاسته ويقدم على تأميم النفط في إيران، ولكنّ «الفدائيّين» لم يقنعهم تأميم النفط وحده، فقد كان طموحهم أن يقيم الحكومة الإسلامية،
لذلك اختلفوا معه، وأدّى الأمر إلى أنّ حكومة مصدّق اعتقلت أعضاء في منظّمة «فدائيان إسلام» ونفتهم إلى الأماكن النائية، ثمّ اعتقلت نوّاب صفوي نفسه وأودعته السجن، وذكر اللواساني أنّه خلال وجود صفوي في السجن حاول الشيوعيّون السجناء في السجن نفسه أن يقابلوه ويتحالفوا معه في محاربة العدوّ المشترك «حكومة مصدّق» التي كان الشيوعيّون في عداء معها،
ولكن صفوي رفض هذا اللقاء ورفض أيّ بحث في هذا الموضوع، وقال: «ليس لنا هدف مشترك مع أحد... إنّنا مسلمون وفي جهاد مستمرّ مع كلّ معادٍ للدين، ونحارب على عشر جبهات لوحدنا، نحن لا نعترف بالهدف المشترك»، وكان يقول: «قد تستفيد روسيا من جهادنا الفعلي في مقاومة أمريكا، لكن هذا لا يدلّ على أنّنا متّفقون مع السوفيت! نحن في جهادنا مع أمريكا نسير وفقاً لأهدافنا، ونحاول إلّايستفيد أعداؤنا الآخرون من هذا الجهاد، إلّاأنّه شئنا أم أبينا فإنّهم يستفيدون ولو بعض الشيء».
وكانت نهاية نوّاب صفوي ومنظّمة «فدائيان إسلام» أنّه بعد انقلاب زاهدي وعودة الشاه إلى طهران، أخذت السيطرة العسكرية تبسط سلطانها وأخذ الحكم يشدّد قبضته على البلاد مدعوماً من القوى الأمريكية، وأخذت السجون تمتلئ بالناس، والإعدامات تنفّذ، فقبض على صفوي فيمن قبض عليهم بتهمة الإعداد لاغتيال رئيس الوزراء «حسين علاء»، وتمّ القبض عليه بعد فشل عملية الاغتيال،
وقدّم إلى المحاكمة هو وعدد من أنصاره، واستمرّت المحاكمة شهرين، حكم في نهايتها عليه وعليهم بالإعدام رمياً بالرصاص سنة 1375 ه، وصودف أن كان يوم إعدامه يوم ذكرى وفاة النبي صلى الله عليه و آله، فاعتبرها
الإيرانيّون مكرمةً له.
وقالت جريدة «التايمس» البريطانية- وهي تنشر خبر إعدامه وإعدام رفاقه-:
«بإعدام أعضاء فدائيان أسلام أبعد الغرب عن طريقه أخطر عدوّ عرّض مصالح الغرب للخطر في السنين الأربعة الماضية!».
يقول الأُستاذ حميد عنايت: «كانت حركة فدائيان إسلام هي الجماعة الوحيدة التي كانت لها علاقات تعليمية عقائدية- وقيل: تنظيمية أيضاً- مع مثيلاتها عند أهل السنّة في العالم العربي، وخلال السنوات العشر الأخيرة ترجمت كثير من مؤلّفات سيّد قطب ومحمّد الغزالي ومصطفى السباعي إلى الفارسية على أيدي الفدائيّين أو حماتهم ونشرت في إيران.
فإنّ تجلّي مثل هذه الروح التي تتجاوز أيّ نوع من التمذهب من إحدى أكثر الجماعات الشيعية المعاصرة نضالًا أمر جدير بالإعجاب».
وينقل الأُستاذ محمّد علي الضناوي في كتابه «كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث» نقلًا عن المستشرق الإنجليزي برنارد لويس قوله: «بالرغم من مذهبهم الشيعي فإنّهم يحملون فكرة عن الوحدة الإسلامية تماثل إلى حدّ كبير فكرة الإخوان المصريّين، ولقد كانت بينهم اتّصالات». وعندما يلخّص الأُستاذ الضناوي بعض مبادئ «فدائيان إسلام» يجد فيها: أوّلًا: الإسلام نظام شامل للحياة. ثانياً: لا طائفية بين المسلمين، أي: بين السنّة والشيعة، ثمّ ينقل عن نوّاب قوله: «لنعمل متّحدين للإسلام، ولننس كلّ جهادنا في سبيل عزّ الإسلام... ألم يأن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعة وسنّة؟!».
وقال عنه الشيخ هاشم الخطيب من علماء السنّة في دمشق: «لقد نهض بأبناء طائفته الجعفرية في سوريا ولبنان وجبل عامل نهضة مباركة».
المراجع
(انظر ترجمته في: مستدركات أعيان الشيعة 1: 250 و 280- 283، عظماء الإسلام: 264- 265، الشيعة في مصر لصالح الورداني: 121- 122).