آیة النفر

آية النفر إحدی الآیات القرآنیة التي استدل بها علماء الاصول من الشیعة والسنة علی حجیة خبر الواحد، و علی حجیة الإجتهاد والتقلید، ويطلق عليها آية الإنذار أيضاً.

آیة النفر

وهي قوله تعالى: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ».[١]

مقدمة

هذه الآية الكريمة تنفي وجوب النفر الجماعي من أجل التفقّه في الدين، بل صرّحت بكفاية تصدّي طائفة من كل فرقة من المؤمنين، وبعد رجوعهم يقومون بمهمة إنذار وتعليم أقوامهم الذين سيحذرون من العقاب على أثر ذلك. والآية وإن ورد فيها ألفاظ تدلّ على الجمع نحو: «طائفة» و «قوم»، إلاّ أنّ الظاهر من هذه الجموع أنّها إنحلالية، وليست مجموعية، بمعنى أنّ كلّ واحد من هذه الطائفة مسؤول عن تعليم بعض المكلّفين، لا أنّ المجموع مسؤولون عن تعليم المجموع، كما هو المفهوم عرفاً في مثل هذه الخطابات. واستغرق البحث في الاستدلال بهذه الآية مساحة معتدّاً بها، واستدلّ بها على عدّة أحكام وفي عدّة مجالات:

الإستدلال بالآیة علی حجّية خبر الواحد

إذ إنّ الآية دلّت على مطلوبية الحذر من العقاب عند الإنذار؛ بقرينة وقوع الحذر موقع الترجّي بدخول «لعلّ» عليه، وجعله غاية للإنذار الواجب، ثمّ إنّ كون الحذر مطلوباً يلازم وجوبه، هذا أوّلاً. وثانياً: إنّ وجوب الحذر وجعله مترتّباً على إنذار الطائفة يدلّ على لزوم قبول خبرها وإنذارها، وهذا مساوق لحجّية إخبارها. وثالثاً: إنّ وجوب الحذر مطلق وغير مقيّد بصورة حصول العلم من قول المنذِر. وهذا معناه كون خبر المنذِر حجّة مطلقا، سواء حصل منه العلم أو لا. بل استدلّ بعضهم بأنّ الطائفة هاهنا عدد لايفيد قولهم العلم، ومتى وجب الحذر بإخبار عدد لايفيد قولهم العلم، فقد وجب العلم بالخبر الذي لا نقطع بصحته. [٢] والأصوليون على ديدنهم لم يمرّوا على هذه الاستدلالات دون مناقشة وبحث. [٣]

الإستدلال بالآیة علی مشروعیة الاجتهاد والتقليد

أفادوا من الآية عدّة دلالات: منها: وجوب تحصيل الاجتهاد حفظا للشريعة من الاندراس؛ وذلك لدلالتها على وجوب النفر للتفقّه في الدين، وأنّ هذا الوجوب وجوب كفائي وليس عينيّا، فإذا قامت به مجموعة من المؤمنين سقط عن الباقين. [٤] ومنها: وجوب الإفتاء؛ وذلك لدلالتها على وجوب الإنذار؛ فإنّ الإنذار قد يكون بالدلالة المطابقية كما لو قال المنذر: «اتقوا اللّه‏ ولا تشربوا الخمر»، أو بالدلالة التضمنية أو الالتزامية كما في إفتاء المجتهد، فإنّه يدلّ تضمناً أو التزاماً على استحقاق العقاب عند المخالفة، كما لو فعل المحرّم أو ترك الواجب. [٥] ومنها: دلالتها على حجّية إنذار المنذِر ـ وهو الفقيه ـ وإفتائه؛ وذلك لأ نّه لو لم يكن الإنذار حجة شرعاً لم يكن هناك أيّ مقتضٍ لوجوب التحذّر عند الإنذار، فوجوب التحذّر بإنذار الفقيه يستلزم حجّية الإنذار لا محالة. ومنها: دلالتها على حجّية الفتوى مطلقا، وبنحو صرف الوجود الصادق على البعض أو الكلّ، فيجوز تقليد أيٍّ من المجتهدين دون الاختصاص بالبعض. [٦] ومنها: دلالتها على وجوب التقليد في الأحكام؛ لدلالتها على وجوب التحذّر بإنذار الفقيه، وهذا إنّما يتحقق بالعمل طبقا لإنذاره وفتواه. [٧] إلى غير ذلك.

منابع

  1. (سورة التوبة، الآیة 122)
  2. (فخرالرازی، المحصول، 2 : 171.)
  3. (انظر : الفصول في الأصول 3 : 76 ـ 77، الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 103 ـ 108، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 291 ـ 293، فرائد الأصول 1 : 277 ـ 286، مباحث الأصول (الصدر) 2 ق2 : 457 ـ 476.)
  4. (انظر : التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 66.)
  5. (انظر : المصدر السابق : 86 .)
  6. (المصدر نفسه.)
  7. (حکیم، مستمسك العروة الوثقى 1 : 12 ـ 13؛ خویی، التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 : 86 .)