عبد الرزّاق السنهوري
عبد الرزّاق أحمد السنهوري: حقوقي شهير، ومفكّر إسلامي كبير، وداعية إصلاح.
ولد بالإسكندرية سنة 1312 ه الموافق 1895 م، وتوفّي سنة 1391 ه الموافق 1971 م.
تعلّم في الإسكندرية بالمدرستين الابتدائية والثانوية حتّى نال شهادة الثانوية سنة 1913 م، وانتقل إلى القاهرة، فنال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 م، وعيّن عضواً بالنيابة العامّة، ثمّ وكيلًا للنائب العامّ، فمدرّساً للقانون بمدرسة القضاء الشرعي، فمبعوثاً إلى فرنسا، حيث حصل على درجتي دكتوراه، واحدة في العلوم القانونية وأُخرى في العلوم الاقتصادية والسياسية، وعيّن بعد عودته مدرّساً بكلّية الحقوق، ثمّ رقّي أُستاذاً مساعداً، فأُستاذاً، فعميداً للكلّية سنة 1936 م، وترك الجامعة إلى القضاء بالمحاكم المختلطة، وإلى
وكالة وزارة المعارف،
ثمّ اختير وزيراً للمعارف سنة 1945 م، فرئيساً لمجلس الدولة حتّى سنة 1954 م، واختير عضواً بمجمع اللغة العربية سنة 1946 م، ومشتركاً في عدّة لجان مهمّة أدّى دوره القيادي بها أحسن الأداء.
كما سعدت الدولة العربية بمعونته القانونية، إذ إنّه بعد أن وضع القانون المدني المصري الجديد، اختير لوضع القوانين المدنية في العراق وسوريا وليبيا، أمّا الكويت فقد حظيت بنصيب وافر من جهوده، حيث قام بوضع قوانين التجارة، والشركات، والقانون الجنائي، وقوانين أُخرى في شتّى التشريعات الإدارية والمالية والدستورية، كما أسّس معهد الدراسات العربية بمصر، وأُوفد لمؤتمرات علمية كثيرة بأوروبّا، فكان ذا صوت مسموع بين كبار العلماء.
والدكتور عبد الرزّاق السنهوري علمٌ من أعلام الشريعة الإسلامية بما قدّمه من جهود علمية وعملية في نطاقها الواسع، فوق كونه علماً من أعلام القانون الوضعي والتربية والسياسة والاجتماع.
لقد كانت آثاره العلمية في حقل تقنين الشريعة الإسلامية متميّزة مرموقة في العالم الأوربّي المناهض للفكرة الإسلامية، وكان سقوط الخلافة العثمانية مدعاة انتقاص هناك للشريعة وافتراء على قوانينها الإلهية، فصمّم على أن تكون رسالة الدكتوراه عن الخلافة في الإسلام؛ لتبيّن الحقائق المجهولة عن الخلافة، وليفضح هؤلاء الذين يلوكون الأكاذيب عنها،
وقد أشفق الأُستاذ لامبير على تلميذه الذي يواجه أوروبّا جميعها بما يكشف عن خطئها في تصوّر الحكم الإسلامي، فقال: «لقد راودني القلق عندما وجدت السنهوري ينقاد رغم مقاومتي واعتراضي نحو موضوع عميق الأثر شديد التعقيد، هو موضوع الخلافة، وتاريخها كما يراه أنّه المرآة الكبرى التي يتتبّع من خلالها المراحل التاريخية لوحدة العالم الإسلامي، ثمّ تقويم الجهود المبذولة في العصر الحاضر استعداداً لإعادة بنائها الذي يقترح أن يكون في صورة أكثر مرونة لمتطلّبات القوميات الناشئة، وللمرّة الثانية بعد سبقه في الدكتوراه الأُولى كان عناء السنهوري وتمرّده خصباً مثمراً، فإنّ كتابه الذي قدّمه
(يريد كتاب الخلافة) ليس أقلّ امتيازاً من كتابه الأوّل».
أمّا تلخيص أهمّ النقاط التي سجّلها الدكتور السنهوري في رسالته فقد قام به الأُستاذ توفيق الشاوي في الكلمة الحافلة التي كتبها لمقدّمة كتاب «فقه الخلافة وتطوّرها»، كما ترجم رسالة الدكتوراه إلى اللغة العربية، فأدّى خدمة كبرى لمن يجهلون الفرنسية، والتلخيص كما يلي بتصرّف يقتضيه المقام:
1- إنّ الخلافة معناها إقامة نظام يحقّق وحدة الأُمّة الإسلامية في صورة من التنظيم السياسي، ويضمن لها المكانة الدولية التي تتناسب مع رسالتها السامية، تتضمّن سيادة الشريعة الإسلامية.
2- يتعذّر في الظروف الحاضرة إقامة خلافة كاملة،
فلا بدّ من إقامة خلافة ناقصة ليتمّ الكمال تدريجياً.
3- إنّ تعطيل الشورى وتوقّف الاجتهاد نتج عن سيطرة حكّام مستبدّين، مع جمود اجتماعي، فلا بدّ من علاج يضمن الشورى ويحمّي استقلال الأُمّة الإسلامية بما يضمن وحدتها ووقوفها أمام نزعات التجزئة والتفرّق.
4- يجب بدء حركة علمية تجديدية للفقه الإسلامي، وتقنينه في صورة عصرية، وتنظيم الاجتماع، ليكون إلى جانب الاجتهاد تصوّراً حيّاً للفقه، وليكون تجمّع المسلمين مبنياً على وحدة العقيدة والشريعة والتكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي.
5- سعي الشعوب الإسلامية للتحرّر والاستقلال يجب أن يستمرّ، بشرط ألّا يتعارض مع تطلّعها إلى التقارب والوحدة؛ لأنّ الاستقلال الوطني لا يمكن أن يكون الهدف النهائي للدول الصغيرة؛ لكونه لا يحقّق أمنها ولا استقرارها، وإنّما يكون قاعدة متينة لبناء وحدة شاملة على أساس التكامل، يحمي الدول الصغيرة لتصبح قوّة لها مكانتها في العالم.
6- يجب أن يكون في كلّ قطر إسلامي حركات سياسية تدعو إلى إقامة منظّمة دولية إسلامية، أو جامعة للدول الشرقية والإسلامية المستقلّة؛ لتنظيم التعاون بينها، ومساعدة الشعوب الأُخرى على الحرّية والاستقلال.
7- عندما تنجح الحركة العلمية في تطبيق الفكر الإسلامي وتنجح الحركات في إنشاء منظّمة إسلامية للدول الإسلامية يمكن أن يختار المسلمون رئيساً للجامعة على أساس وحدة الأُمّة والشورى الحرّة وتطبيق الشريعة.
كما ألقى الدكتور السنهوري عدّة محاضرات سياسية تظهر عوار النظم السياسية المعاصرة من نازية وفاشية وشيوعية ورأسمالية؛ لينتهي إلى أنّ شريعة الإسلام هي المنقذ الوحيد للمسلمين.
وقد حمل حملات كبيرة على القوميات الضيّقة التي ينادي بها من لايعرف أنّ الإسلام دين عالمي ينشد السعادة للجميع، كما دعا إلى إنشاء معهد للفقه الإسلامي يكوّن جمهرة من الباحثين في الشريعة على الأُسلوب العلمي، ويمهّد لإنشاء معهد للبحوث الفقهية الحالية، فيجمع أساتذة يضعون المؤلّفات الحديثة، ويزوّدون المكتبة الفقهية بنمط عصري من الدراسات النافعة، مع الاهتمام الكبير بالمخطوطات الفقهية التي لم تنشر بعد، والعمل على تحقيقها وطبعها في مظهر مناسب؛ لتفيد جمهرة الباحثين.
وعلى رغم ما أُصيب به السنهوري من المحنة السياسية وتعرّضه عام 1954 م للاغتيال بعد مظاهرة غوغائية، فإنّه لم يسلم القياد، إذ لجأ بعلمه إلى الدول العربية التي ألّحت في استقدامه ليضع لها قوانينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فأجاب عن طوع،
وقدّم من المجلّدات القانونية في أكثر بلاد العرب ماكان موضع العجب لهذا الجهد الجبّار الذي واصله بعد البدء به من قبل، حتّى أصبح ذخيرة كبرى للأُمّة العربية، كما صارت رسالته عن الخلافة موضع إعزاز كامل لمن يعرفون وجه الحقيقة فيما أُذيع عن الشريعة الإسلامية بعامّة وعن الحكم في الإسلام بخاصّة من أراجيف سطعت عليها شمس الحقيقة فبدّدت الضياء.
من مؤلّفاته: القيود التعاقدية في حرّية العمل (رسالة الدكتوراه بالفرنسية) سنة 1925 م، الخلافة الإسلامية وتطوّرها لتصبح عصبة أُمم شرقية (رسالة الدكتوراه بالفرنسية سنة 1926 م)، عقد الإيجار، مصادر الحقّ في الفقه الإسلامي (ستّة أجزاء)، نظرية العقد، الموجز للنظرية العامّة للالتزامات، أُصول القانون، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد
(سبعة أجزاء)، الوجيز في شرح القانون المدني الجديد (ثلاثة أجزاء)، نظرية العقد الإسلامية في الفقه (ستّة أجزاء)، بالإضافة إلى بحوث قانونية شتّى يرجع لها في مجلّدات كلّية الحقوق بالجامعة المصرية.
المراجع
(انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي 3: 350، موسوعة المورد 8: 203، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 3: 196- 210، موسوعة ألف شخصية مصرية: 368- 369، من أعلام الإحياء الإسلامي: 233- 295، الإسلام والتحدّيات المعاصرة: 195- 238، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي:
668- 671).