التآخي

إن اللَّه تعالى يحب لنا أن نعيش متماسكين، يساعد بعضنا بعضاً وليس أشتاتاً متفرقين قد ذهبت بنا المذاهب كل مذهب، فضاعت الأهداف ومعها فقدنا السبل والوسائل إليها، ولا يتصور مجتمع واحد يشترك أهله في تحمل شؤونه وشجونه، وهو لا تحكمه روح المؤاخاة، بل لو سادت روحية الاخوة فيه شكلاً لا مضموماً ومظهراً لا جوهراً كذلك لا يقدر لهذا المجتمع النجاح، فحتى يؤتي أكله ويتجه إلى حيث أراد اللَّه تعالى له لا بد أن تكون الأعمال ترجمان الأقوال، والمواقف معربة عما تحويه الضمائر وتكنّه السرائرفترى من يتغنى بالصلة المميّزة مع فلان من الناس ويعتبره أخاه، هو لا يخذله في وقت الشدة ولا يتركه للدهر فيكون عوناً له على الدهر لا عوناً للدهر عليه وكذلك من يكثر الثناء والمديح أو ابداء الاعجاب بشخص ما لما يتحلى به من صفات، لا يترك زيارته إذا مرض ولا السؤال عن حاله فيؤلمه ما آلمه ويسعده ما أسعده.

وهنا يتجلّى الدور الفعّال للتآخي في الحياة الاجتماعية، إذا قام كل فرد بما توجبه عليه أخوته الإيمانية اتجاه الآخرين يقول الصادق عليه السلام:

"المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن أشد اتصالاً بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها"10.

فالتآخي مما يكسب المجتمع قوة في جوانب عديدة منها:


1- القدرة العالية على تجاوز ما يعصف به من ملمّات صعبة وفتن ومحن.

2- الارتقاء إلى قمة البذل والعطاء والايثار.

3- توحيد المنطلق الإيماني في النظرية والتطبيق.

4- سيادة روحية الجماعة واضمحلال روحية الفرد والشخصانية.

5- الحصانة الأخلاقية في اتجاهاتها الثلاثة مع اللَّه تعالى ومع الناس ومع النفس.


ويمكننا قراءة هذه الجوانب بأجمعها عبر التاريخ الممتد من زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مع صفوة أصحابه ومع أمير المؤمنين عليه السلام من خيرة من وقف معه في حربه وسلمه، وكذلك في حياة أصحاب الإمامين الحسن و الحسين عليهم السلام خصوصاً في كربلاء حيث اجتمعت كل معاني الأخوة الجليلة والجميلة في تلك المواقف العظيمة المشهودة التي جعلت أصحاب السبط الشهيد عليه السلام في مقام خاص لا يبلغه غيرهم، وقلّدتهم وسام العطاء الأبدي.

1- الكافي، ج2، ص133، ح4.


أنعم الله على وطنا بقيادة تُعلي القيم والشأن الإنساني دائماً فوق كل اعتبار، وهي تريد أن يكون السلام والانفتاح والتآخي نهجاً حياتياً تتنعم به وتعيشه جميع الشعوب، بعد أن ساهمت بإثراء الفكر الإنساني برمته بتقديم مجتمع متعدد ومنفتح يحظى الجميع فيه بكل ما ترسخه قيم الإنسانية وتؤكد من خلال احتضان مقيمين من أكثر من 200 جنسية أن التعايش دليل تحضر قوي لأي أمة حيث ينعم فيها الجميع من كافة الأديان والأعراق واللغات والثقافات بروح المحبة والسلام، وتأتي أهمية النهج الوطني في الوقت الذي تعاني فيه البشرية منذ عقود طويلة خلافات وصراعات وهي بأشد الحاجة إلى من يدفع بالقيم ويعطي التعايش الزخم اللازم، فبات التعدد قوة مضاعفة والانفتاح ميزة والتنوع غنى والتراحم بين الجميع والتنعم بمظلة من المحبة تبين أنها تتسع الجميع من ميزات المجتمع الإماراتي وما يمثله من تجربة ملهمة قل نظيرها حول العالم. لقد بينت النظرة البعيدة والرؤية السديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كيف أن القادة الذين يصنعون التاريخ المشرف الذي تريده جميع الأمم قادرون على تحقيق الإنجازات المتفردة في محافل الإنسانية، فكانت وثيقة الأخوة الإنسانية التي احتضنتها أبوظبي عاصمة المحبة والسلام هدية الإمارات للعالم أجمع، لتشكل محطة مفصلية في رحلة البشرية نحو تعزيز جسور التواصل وإنهاء الفوارق بين أممها وشعوبها، ولأن العالم أجمع يحتاج إلى المبادرات الكبرى التي يرعاها قادة عظماء فسرعان ما تحولت الوثيقة التي وقعها كل من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى يوم عالمي للأخوة الإنسانية تم إقراره من قبل الأمم المتحدة ويهدف إلى الانفتاح والتضامن بين البشر. ولأن المبادرة حية وتستهدف تحقيق الأهداف النبيلة في كل زمان ومكان، كان لابد من تسليط الضوء على أصحاب المواقف الداعمة، فكانت جائزة “زايد للأخوة الإنسانية”، وهي التي تقترن باسم قائد عظيم أثرى بقيمه ونهجه الإنسانية جمعاء وبنى وطناً عماده السلام والتسامح والارتقاء بالنفس الإنسانية، وأرسى مدرسة خالدة للمواقف النبيلة والمناهج الإنسانية القائمة على التضامن والانفتاح وعدم الاعتراف بكل ما يفرق بين البشر، واليوم فإن منح الجائزة الذي تم بالتزامن مع اليوم العالمي للأخوة الإنسانية يحمل الكثير من المعاني والدلالات النبيلة والرسائل المعبرة عن أهمية القيم كأمر ضروري لتقدم الأمم وعدم وضع الحواجز بينها، حيث إن السلام والحوار والانفتاح كفيل بالتغلب على كل فكر يعتقد أن هناك خلافات عندما تكون القيم دستور الجميع في الحياة، وهذا ما ترسخه وتؤكده جميع الأديان السماوية، ومن هنا تنطلق نظرة قيادتنا الرشيدة في المبادرات الهادفة وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال تهنئة كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والناشطة الفرنسية من أصول مغربية لطيفة ابن زياتين على الفوز بـ”جائزة زايد للأخوة الإنسانية” بالقول: “في اليوم الدولي للأخوة الإنسانية.. نؤكد التزامنا بتعزيز قيم التآخي والحوار والتعايش.. وبهذه المناسبة وتقديراً لإسهاماتهما وجهودهما نهنئ أنطونيو غوتيريس ولطيفة بن زياتن بحصولهما على جائزة زايد للأخوة الإنسانية التي أطلقتها دولة الإمارات منبثقة من ” وثيقة الأخوة الإنسانية”. حيث يحل السلام والتآخي يسود الأمن وتنتشر المحبة وتقوى التنمية وتتحقق الإنجازات وهي جميعها أهداف إنسانية ومطالب لجميع أمم وشعوب الأرض.