حجية الظن
حجية الظن: الظن هو الاعتقاد الراجح الذي لم يبلغ إلی حدّ اليقين، وبما أن أکثر الادلة الاستنباطية في الفقه والأصول ظني قسم الأصوليون الظنَ إلی معتبر وغيرمعتبر. والغرض في هذا المقال بيان حجية بعض أقسام الظن وإقامة الدليل عليه.
حجية الظن
طرح اُصوليو أهل السنة موضوع الظنّ في إطار الأدلّة غير القطعية، كمصاديق للظنّ، مثل: القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة. والملاحظ في بحوثهم قول أكثرهم بحجّية هذه الأدلّة. وبناء على هذا فإنّهم يوسّعون من نطاق حجّية الظنّ المعتبر لديهم ولا يحدّونه.
أمّا اُصوليو الشيعة فيذهبون إلى حرمة العمل بالظنّ خلافا للعلم الذي يجب العمل وفقه؛ وذلك بمقتضى الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظنّ، وكذلك أدلّة واعتبارات اُخرى، وردت تحت مدخل انسداد باب العلم.
كما أنّهم التزموا بأصل أولي هنا وهو حرمة العمل بالظنّ المطلق دون قيام دليل على حجّيته، فهو ليس من قبيل القطع الذي حجّيته ذاتية، ولأجل هذا أسّسوا هنا أصلاً أجمعوا عليه، وهو عبارة عن عدم حجّية الظنّ إلاّ ما خرج بدليل، وذلك بناء على بيانين:
أحدهما: إنّ القواعد العملية العقلية والشرعية التي تجري عند فقد البيان تكون جارية حتّى مع ورود مشكوك الحجية، فقيام المشكوك لا يغيّر من الموقف العملي للمكلّف، سواء على مبنى قبح العقاب بلا بيان أو مبنى حق الطاعة. فلو فرض قيام مشكوك الحجية على جزئية أمر ما في الصلاة، فإنّ مقتضى القواعد هو الرجوع إلى اطلاقات الأدلّة الاجتهادية لنفي هذا الجزء، وإذا لم تكن هناك أدلّة اجتهادية نرجع إلى الأصول العملية كأصل البراءة لنفي الجزئية، وقيام أمارة مشكوك في حجّيتها (وهي الظنّ المطلق) لا يغيّر شيئا من هذه القواعد.
ثانيهما: كون الأحكام الواقعية فعلية حتّى على فرض الشكّ فيها، أمّا وصولها إلينا فهو شرط الفاعلية لا الفعلية، لكن الأحكام الظاهرية المستفادة من الظنون من سنخ الأحكام التي لا تتحقّق فعليتها إلاّ بوصولها للمكلّف وإلاّ فلا، فيكون الشكّ في حجّيتها مساوقا للقطع بعدم فعليتها[١].
وقد طرحوا مجمل النقاش في عدم حجّية الظنّ المطلق في باب انسداد العلم، واستدلّوا هناك على عدم حجّيته بالآيات والروايات الناهية عن العمل بالظنّ، مضافا إلى أدلّة عقلية، كما أنّ جزءاً من بحوثه طرحوها تحت موضوع الخبر والظواهر والتقليد كذلك.
هذا بالنسبة إلى الظنّ المطلق، حيث يلحق بـ الشك، أمّا بالنسبة إلى الظنّ الخاصّ المعتبر فيلحق بالقطع[٢]. وإلحاق الظنّ المعتبر بالقطع ليس ذاتيا، بل بجعل ودليل واعتبار من الشارع، ولأجل ذلك قد يوصف بأنّه علم تعبّدا [٣].
وفيما يخصّ الظنّ المانع والممنوع فهناك أقوال:
أوّلها: حجّية المانع دون الممنوع؛ لأنّهما بمثابة الشك السببي والمسببي في الاستصحاب، فيقدم السببي.
ثانيهما: حجّية الممنوع دون المانع؛ لأنّ الظنّ الممنوع ظنّ بالحكم الفرعي، بينما الظنّ المانع ظنّ بالحكم الاُصولي وهو الحجية، والمتيقن من دليل الانسداد هو حجّية الممنوع فقط دون الثاني.
ثالثها: لزوم اختيار أقواهما لو كان هناك أقوى وإلاّ فيتساقطان؛ لعدم وجود المرجح.
رابعها: تقسيم كلّ من الظنّين (المانع والممنوع) إلى موضوعي وطريقي، وفي هذا المجال اختلاف في اعتبار وإمكانية أخذ الظنّ موضوعا أو طريقا، والاختلاف يعود إلى اختلاف الفقهاء والأصوليين وآرائهم في هذا المجال [٤] .
لكن اشتهر في ألسنة الأصوليين أنّه يجب الأخذ بالظنّ المانع مطلقا سواء كان أضعف من الظنّ الممنوع أو أقوى؛ وذلك لأنّ دليل الانسداد يشمله[٥].
هذا مع أنّ البعض يرى كون البحث ساقطا من البداية؛ لعدم حجّية الظنّ المانع والممنوع أصلاً[٦]. على أنّ المسألة لاتخلو من نقاشات وردود مطوّلة[٧].
حجّية الظنّ في اُصول الدين
ممّا نوقش في ذيل موضوع الظنّ هو حجّيته في اُصول الدين، وقد أورد البعض في هذا المجال ستّة أقوال:
الأوّل: اعتبار العلم الفعلي.
الثاني: اعتبار العلم الفعلي ولو عن تقليد.
الثالث: كفاية الظنّ مطلقا.
الرابع: كفاية الظنّ المستفاد من النظر والاستدلال دون التقليد.
الخامس: كفاية الظنّ المستفاد من أخبار الآحاد، وهو الظاهر عن الأخباريين، حيث لايعوّلون في أصول الدين وفروعه إلاّ على الأخبار.
السادس: كفاية الجزم، بل الظنّ من التقليد، وبرغم وجوب النظر إلاّ أنّه معفوّ عنه[٨].
ومع غضّ النظر عن وجود قائل لهذه الأقوال أو عدم وجود قائل بها، فإنّ جلّ الشيعة يذهبون إلى عدم حجّية الظنّ في أصول الدين[٩].
وقد استدلّ على عدم حجّيته بنفس الأدلّة التي استدلّ بها على عدم حجّية الظنّ المطلق في الشؤون الفقهية مثل الآيات الناهية عن الظنّ كقوله تعالى: «إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»[١٠]. فهي تفيد قاعدة كلّية مفادها المنع من العمل بالظنّ وخاصّة أنّ بعض هذه الآيات وردت في شؤون أصول الدين مثل موضوع اتّخاذ شركاء للّه، بل هو القدر المتيقن من تلك الآيات[١١].
كما أنّ هناك نقاشا في خصوص حجّية الظنّ في أصول الدين الناشئ عن أخبار الآحاد، فقد ينسب القول به إلى الأخبارية[١٢].
المصادر
- ↑ . اُنظر: الظنّ الحيدري 169 ـ 171.
- ↑ . أجود التقريرات 3: 9، فوائد الاُصول 3: 4.
- ↑ . منتهى الاُصول 2: 523، مصباح الاُصول 2: 84.
- ↑ . اصطلاحات الاُصول: 161 ـ 163.
- ↑ . مطارح الأنظار 2: 619، فوائد الاُصول 3: 322.
- ↑ . مصباح الاُصول 2: 235.
- ↑ . اُنظر: فرائد الاُصول 1: 532 ـ 536، كفاية الاُصول مع حواشي المشكيني 3: 482، عناية الاُصول 3: 370 ـ 371، إفاضة العوائد 2: 131 ـ 137.
- ↑ . فرائد الاُصول 1: 554 ـ 555.
- ↑ . مفاتيح الاُصول: 455، الأنصاري مجموعة رسائل فقهية واُصولية: 85، مقالات الاُصول 2: 135، كفاية الاُصول (مع حواشي المشكيني) 2: 416.
- ↑ . النجم: 28.
- ↑ . تعليقه على معالم الاُصول 5: 91 و 382 ـ 395، حقائق الاُصول 2: 211 ـ 220، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 332، منتهى الدراية 5: 340.
- ↑ . نهاية الوصول 3: 403، واُنظر: الوافية: 159.