وحدة البعد الإنساني

وحدة البعد الإنساني: إنّ من الأركان والأُسس الكفيلة بتحقيق الوحدة- والتي تبتني عليها أواصر الأُخوّة- هي وحدة البعد الإنساني، مضافاً إلى وحدة: العقيدة، والعمل والاتّباع، والقيادة، والهدف المشترك، والخصال الحميدة المشتركة، والوحدة الثقافية، وغيرها. وسنتناول في هذه المقالة وحدة البعد الإنساني.

يتّضح البعد الإنساني لوحدة الأُمّة الإسلامية جلياً في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة، فالله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى وحدة الأصل الإنساني. فالناس جميعاً قد خلقهم الله من نفس واحدة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة) (سورة النساء: 1)، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) يؤكّد هذا المعنى أيضاً في قوله: «يا أيّها الناس، ألا إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلّا بالتقوى».

والإسلام لا يفصل هذا البعد الإنساني عن البعد الديني المشار إليه كما كانت تفعل ـ ولاتزال ـ بعض الآيديولوجيات والفلسفات في القديم والحديث التي تصل بالإنسان إلى حدّ التأليه وتجعله صاحب السلطان الأوحد في هذا الكون!

ويبيّن لنا القرآن الكريم أنّ الإنسان الذي ينكر أصله أو يجحد خالقه هو إنسان يعمل ضدّ طبيعته وفطرته التي فطره الله عليها. فالله سبحانه قد أخذ عليه ميثاقاً لا يجوز له أن يتجاهله أو يغفل عنه؛ لأنّه مركوز في أصل فطرته. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذَا غَافِلِينَ) (سورة الأعراف: 172). ومن بين القلائل من فلاسفة الغرب الذين أكّدوا هذا المعنى كان الفيلسوف الفرنسي «ديكارت» الذي قال: «والحقّ أنّه لا ينبغي أن نعجب من أنّ الله حين خلقني غرس فيّ هذه الفكرة ـ أي : فكرة وجود الله ـ لكي تكون علامة للصانع مطبوعة على صنعته».

وهذا الارتباط الوثيق بين كلّ من البعد الديني والبعد الإنساني في وحدة الأُمّة الإسلامية له دلالة هامّة؛ إذ يعني أنّ هذه الأُمّة التي أراد الله لها أن تكون خير أُمّة أُخرجت للناس من شأنها أن تكون عنصر أمان واستقرار في هذا العالم، فهي أُمّة ترتبط بخالقها بعلاقة العبودية له سبحانه، وترتبط بغيرها من بني البشر بعلاقة الإنسانية التي لا تنسى عبوديتها لخالق الكون كلّه.

وهذه الصلة الوثيقة بالله إذا استقامت فإنّها كفيلة بتصحيح مسار الأُمّة الإسلامية في هذا الوجود، وبذلك تتحقّق خيريتها، إنّها أُمّة تسع الإنسان أينما كان وأنّى كان، وتشمل برعايتها وأمنها كلّ من يعيش على أرضها.

المصدر

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 76.