المبادئ القرآنية للوحدة
المبادئ القرآنية للوحدة جملة من أهمّ ما نصّ عليه القرآن الكريم من قواعد لتأسيس الأرضية التي تبتني عليها وحدة الأُمّة الإسلامية ونهضتها.
ويمكن إيجازها من خلال هذا السرد لهذه الطائفة من الآيات المباركة التي تدلّ عليها، وذلك بالنحو التالي:
المبادئ القرآنية للوحدة
المبدأ الأوّل: الربّانية
قال سبحانه وتعالى: (كُونُوا رَبّٰانِيِّينَ بِمٰا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ اَلْكِتٰابَ وَ بِمٰا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (سورة آل عمران: 79).
وتعني: وثاقة الصلة باللّٰه، ويتحقّق ذلك عن طريقين: ربّانية الغاية والجهة، وربّانية المصدر والمنهج.
فأمّا الطريق الأوّل - وهو ربّانية الغاية والجهة - فقد أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: (يٰا أَيُّهَا اَلْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاٰقِيهِ) (سورة الانشقاق: 6)، (وَ أَنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلْمُنْتَهىٰ) (سورة النجم: 42).
ولهذه الربّانية معطيات في النفس والحياة، يمكن ذكرها بما يلي:
المعطى الأوّل:
معرفة غاية الوجود الإنساني: (أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ) (سورة المؤمنون: 115).
المعطى الثاني:
الاهتداء إلى الفطرة: قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اَللّٰهِ اَلَّتِي فَطَرَ اَلنّٰاسَ عَلَيْهٰا لاٰ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اَللّٰهِ) (سورة الروم: 30).
المعطى الثالث:
سلامة النفس من التمزّق والضياع: قال تعالى: (إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً) (سورة الإنسان: 3)، (وَ هَدَيْنٰاهُ اَلنَّجْدَيْنِ) (سورة البلد: 10).
المعطى الرابع:
التحرّر من العبودية للأنانية والشهوات: قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسٰاءَ فَعَلَيْهٰا) (سورة فصّلت: 46، سورة الجاثية: 15)، (وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ) (سورة الحشر: 9).
المعطى الخامس:
تصحيح الغايات والأهداف لدى الأفراد، وذلك من خلال تعميق روح الارتباط بالخالق جلّ وعلا، وذلك بإثارة مبدئين:
أوّلهما: استشعار مبدأ الرقابة الإلهية، قال سبحانه وتعالى: (إِنْ يَعْلَمِ اَللّٰهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّٰا أُخِذَ مِنْكُمْ) (سورة الأنفال: 70)، (يَعْلَمُ خٰائِنَةَ اَلْأَعْيُنِ وَ مٰا تُخْفِي اَلصُّدُورُ) (سورة غافر: 19)، (أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوٰاهُمْ وَ أَنَّ اَللّٰهَ عَلاّٰمُ اَلْغُيُوبِ) (سورة التوبة: 78).
ثانيهما: استحضار الرقابة الإلهية الفعلية، قال عزّ من قائل: (أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اَللّٰهَ يَرىٰ) (سورة العلق: 14)
(وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ) (سورة ق: 16).
وأمّا الطريق الثاني الذي تتحقّق به وثاقة الصلة باللّٰه عزّ وجلّ - وهو ربّانية المصدر والمنهج - فقد أشار إليه عزّ وجلّ بقوله:
(وَ لَوْ أَنَّ مٰا فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاٰمٌ وَ اَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مٰا نَفِدَتْ كَلِمٰاتُ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة لقمان: 27)، (وَ اَللّٰهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهٰاتِكُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصٰارَ وَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (سورة النحل: 78)، (عَلَّمَ اَلْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ) (سورة العلق: 5)، (خَلَقَ اَلْإِنْسٰانَ * عَلَّمَهُ اَلْبَيٰانَ) (سورة الرحمٰن: 3-4)، (وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ) (سورة الأنبياء: 16، سورة الدخان: 38).
ولهذه
الربّانية معطيات
، هي:
المعطى الأوّل:
رأب النقص وعصمة الخطأ، وإليه الإشارة بقوله عزّ من قائل: (أَ فَلاٰ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ وَ لَوْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اَللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلاٰفاً كَثِيراً) (سورة النساء: 82)، (وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) (سورة الأنعام: 153)
(أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَ اِسْتَغْفِرُوهُ) (سورة فصّلت: 6)، (إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ * `لِمَنْ شٰاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (سورة التكوير: 27-28).
المعطى الثاني:
نبذ سلطة النفس الأمّارة ومظاهرها في الحياة: قال تعالى: (وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اِتَّبَعَ هَوٰاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اَللّٰهِ) (سورة القصص: 50)، (يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لاٰ تَتَّبِعِ اَلْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ) (سورة ص: 26)،
وقوله: (ثُمَّ جَعَلْنٰاكَ عَلىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ اَلْأَمْرِ فَاتَّبِعْهٰا وَ لاٰ تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ) (سورة الجاثية: 18)، وقوله: (وَ أَنِ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ وَ لاٰ تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ اِحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ إِلَيْكَ) (سورة المائدة: 49).
المعطى الثالث:
إلغاء السلطة الشخصية الإنسانية أمام السلطة الإلهية العليا: قال
تعالى: (وَ لَوِ اِتَّبَعَ اَلْحَقُّ أَهْوٰاءَهُمْ لَفَسَدَتِ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ اَلْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ) (سورة المؤمنون: 71)،
(أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحٰادِدِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِداً فِيهٰا ذٰلِكَ اَلْخِزْيُ اَلْعَظِيمُ) (سورة التوبة: 63)، (وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (سورة الأحزاب: 36).
المعطى الرابع:
القضاء على العبوديات الزائفة وتحرير الإنسانية من القيود المصطعنة الدخيلة: قال تعالى:
(وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ إِذٰا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (سورة الروم: 20)، (وَ لَقَدْ بَعَثْنٰا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ اِجْتَنِبُوا اَلطّٰاغُوتَ) (سورة النحل: 36)، (فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثٰانِ وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ) (سورة الحجّ: 30)، وفي الحديث النبوي: «كلّكم لآدم، وآدم من تراب».
المبدأ الثاني: الإنسانية
ويمكن أن نلحظها جلياً من خلال مجمل المحاور الرئيسية التالية:
المحور الأوّل:
ما يتناول حفظ النفس ووقايتها: (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا) (سورة النساء: 93)، (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي اَلْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ اَلنّٰاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة: 32).
المحور الثاني:
ما يتناول حفظ المال والعرض: (وَ اَلسّٰارِقُ وَ اَلسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا) (سورة المائدة: 38)، (اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ) (سورة النور: 2).
المحور الثالث:
ما يتناول حفظ الحقوق العامّة: (وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي اَلْأَلْبٰابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة: 179)، (وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا) (سورة النساء: 14)،
(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لاٰ نِسٰاءٌ مِنْ نِسٰاءٍ عَسىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لاٰ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لاٰ تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ) (سورة الحجرات: 11)، (وَ لاٰ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (سورة الحجرات: 12).
ومن معطيات هذه الخصيصة كما نستفيده منها:
المعطى الأوّل:
مراعاة الكيان الإنساني وطاقاته وما يصدر عنه من خلل وقصور في أنماط السلوك: قال عزّ وجلّ: (لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اِكْتَسَبَتْ) (سورة البقرة: 286)، وقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «رفع عن أُمّتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».
المعطى الثاني:
انتفاء العسر في التكليف وبناء الأحكام الشرعية بما يتناسب مع الإرادة الإنسانية وطموحاتها في الحياة: قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ) (سورة البقرة: 185)، (يُرِيدُ اَللّٰهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ اَلْإِنْسٰانُ ضَعِيفاً) (سورة النساء: 28)، (مٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) (سورة المائدة: 6)، (وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبٰادِ) (سورة غافر: 31).
المعطى الثالث:
آدمية البعثة وإنسانية القدوة: قال عز وجل: (لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (سورة الممتحنة: 6)، (قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ) (سورة الكهف: 110)، (قُلْ يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اَللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (سورة الأعراف: 158).
المعطى الرابع:
ركائزية الإنسانية في مبدئه وأهدافه وغاياته: قال سبحانه وتعالى: (وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً) (سورة البقرة: 30)، (وَ لَقَدْ كَرَّمْنٰا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰاهُمْ مِنَ اَلطَّيِّبٰاتِ وَ فَضَّلْنٰاهُمْ عَلىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنٰا تَفْضِيلاً) (سورة الإسراء: 70).
المبدأ الثالث: القرآنية
(وَ مٰا عَلَّمْنٰاهُ اَلشِّعْرَ وَ مٰا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ) (سورة يس: 69)، (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * `فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (سورة البروج: 21-22).
المبدأ الرابع: السلامة من التحريف
قال تعالى: (إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ) (سورة الحجر: 9)، (أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرٰاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيٰاتٍ
وَ اُدْعُوا مَنِ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ) (سورة هود: 13).
المبدأ الخامس: نزاهة حملته
قال تبارك وتعالى: (وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم: 4)، (وَ لَقَدْ رٰاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (سورة يوسف: 32)، (فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ) (سورة التوبة: 114).
المبدأ السادس: الشمول للمكان والإنسان والزمان
قال تعالى: (وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذٰا جٰاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ) (سورة يونس: 47)، (وَ لِكُلٍّ دَرَجٰاتٌ مِمّٰا عَمِلُوا وَ مٰا رَبُّكَ بِغٰافِلٍ عَمّٰا يَعْمَلُونَ) (سورة الأنعام: 132)، (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنٰا مَنْسَكاً هُمْ نٰاسِكُوهُ فَلاٰ يُنٰازِعُنَّكَ فِي اَلْأَمْرِ وَ اُدْعُ إِلىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلىٰ هُدىً مُسْتَقِيمٍ) (سورة الحجّ: 67).
المبدأ السابع: الوسطية أو التوازن
قال عزّ من قائل: (لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْمِيزٰانَ لِيَقُومَ اَلنّٰاسُ بِالْقِسْطِ) (سورة الحديد: 25)، (وَ اَلسَّمٰاءَ رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ اَلْمِيزٰانَ * أَلاّٰ تَطْغَوْا فِي اَلْمِيزٰانِ *وَ أَقِيمُوا اَلْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لاٰ تُخْسِرُوا اَلْمِيزٰانَ) (سورة الرحمٰن: 7-9)، (إِنّٰا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنٰاهُ بِقَدَرٍ) (سورة القمر: 49).
المبدأ الثامن: الواقعية
ولها معان:
أوّلها: واقعية المصدرية الإلهية وربّانية التشريع.
ثانيها: المطابقية بين أحكامه وتقنيناته وبين موضوعاتها.
ثالثها: واقعية التجانس الفطري مع حجم وطبيعة وحدود تلك التشريعات الإلهية، حيث نجد أنّ المفروض منها على الإنسان كلّه ممّا يتّفق مع حدود إمكانيات القدرة البشرية المخاطبة بها، وأنّ القدرة متوفّرة على الامتثال بها عند تلقّيها بالقبول والطاعة وبذل الجهد والطاقة من دون فرق بين الفعل والترك.
المبدأ التاسع: الوضوح
(وَ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) (سورة النحل: 89)، (وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (سورة النحل: 44)، (يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ قَدْ جٰاءَكُمْ بُرْهٰانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (سورة النساء: 174).
المبدأ العاشر: الجمع بين الثبات والمرونة
وذلك في أحكامه ومبادئه وقيمه ومثله: قال عزّ وجلّ: (مٰا فَرَّطْنٰا فِي اَلْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ) (سورة الأنعام: 38)، (وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ) (سورة الأنعام: 59)، (أَ فَغَيْرَ اَللّٰهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَ هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ اَلْكِتٰابَ مُفَصَّلاً) (سورة الأنعام: 114)، (وَ لَقَدْ جِئْنٰاهُمْ بِكِتٰابٍ فَصَّلْنٰاهُ عَلىٰ عِلْمٍ هُدىً وَ رَحْمَةً) (سورة الأعراف: 52).
المبدأ الحادي عشر: البرهانية والاقناعية: قال تعالى: (تِلْكَ أَمٰانِيُّهُمْ قُلْ هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ) (سورة البقرة: 111)، (أَ إِلٰهٌ مَعَ اَللّٰهِ قُلْ هٰاتُوا بُرْهٰانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ) (سورة النمل: 64).
المبدأ الثاني عشر: الرحمانية
قال عزّ وجلّ: (وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلرَّحْمٰنُ اَلرَّحِيمُ) (سورة البقرة: 163)، (رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً) (سورة غافر: 7)، (وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ) (سورة الأنبياء: 107).
ولهذا المبدأ معطيات يمكن إيجازها بما يلي:
المعطى الأوّل:
انحصار اللطف والرحمة في الرسالة الخاتمة: (أَ فَغَيْرَ دِينِ اَللّٰهِ يَبْغُونَ) (سورة آل عمران: 83)، (إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّٰهِ اَلْإِسْلاٰمُ) (سورة آل عمران: 19)، (ذٰلِكَ اَلدِّينُ اَلْقَيِّمُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ) (سورة يوسف: 40).
المعطى الثاني:
المبالغة في المسامحة والمراعاة: (لاٰ يُؤٰاخِذُكُمُ اَللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اَللّٰهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (سورة البقرة: 225)، (وَ هُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُ اَلتَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ اَلسَّيِّئٰاتِ وَ يَعْلَمُ مٰا تَفْعَلُونَ) (سورة الشورى: 25).
المعطى الثالث:
إرساء معالم المحبّة والتوادد والتآلف والالتحام: قال سبحانه وتعالى: (وَ جَعَلْنٰا فِي قُلُوبِ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَ رَحْمَةً) (سورة الحديد: 27)، (وَ تَوٰاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (سورة البلد: 17)، (إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ) (سورة النحل: 90).
المبدأ الثالث عشر: حتمية التطبيق وإقرار أُسسه ومبادئه
قال عزّ اسمه: (وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا إِلىٰ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ وَ إِلَى اَلرَّسُولِ) (سورة النساء: 61)، (وَ آمَنُوا بِمٰا نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (سورة محمّد: 2)، (هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً) (سورة الفتح: 28)، (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ) (سورة المائدة: 44).
المبدأ الرابع عشر: العزّة والسموّ والرفعة
قال تبارك وتعالى: (مَنْ كٰانَ يُرِيدُ اَلْعِزَّةَ فَلِلّٰهِ اَلْعِزَّةُ جَمِيعاً) (سورة فاطر: 10)، (وَ لاٰ تَهِنُوا وَ لاٰ تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ اَلْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (سورة آل عمران: 139).
المبدأ الخامس عشر: قدسية العهود والمواثيق
قال عزّ من قائل: (مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اَللّٰهَ عَلَيْهِ) (سورة الأحزاب: 23)، (وَ إِذٰا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ وَ بِعَهْدِ اَللّٰهِ أَوْفُوا) (سورة الأنعام: 152)، (وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اَللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ) (سورة النحل: 91).
المبدأ السادس عشر: المثالية
قال سبحانه وتعالى: (وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ) (سورة النساء: 125)، (وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) (سورة النساء: 86)، (وَ قُلْ لِعِبٰادِي يَقُولُوا اَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة الإسراء: 53).
المبدأ السابع عشر: التغييرية
(إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ) (سورة الرعد: 11)، (قٰالَتِ اَلْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ اَلْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (سورة الحجرات: 14)، (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ) (سورة الصفّ: 3).
المبدأ الثامن عشر: الخاتمية
قال عزّ اسمه: (مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اَللّٰهِ وَ خٰاتَمَ اَلنَّبِيِّينَ) (سورة الأحزاب: 40)، (وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (سورة المائدة: 48).
وفكرة النبوّة الخاتمة لها مدلولان: سلبي ينفي ظهور نبوّة أُخرى بعدها، وإيجابي يؤكّد
استمرارية النبوّة الخاتمة مع الزمن بكلّ ما يحمل من عوامل التطوّر والتجديد حتّى انقضاء الحياة الدنيوية.
المبدأ التاسع عشر: الأُممية
قال عزّ اسمه: (إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء: 92)،
(يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ) (سورة الحجرات: 13).
المبدأ العشرون: العالمية
قال عزّ من قائل: (وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ) (سورة الشعراء: 192)، (إِنْ هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ) (سورة يوسف: 104، سورة التكوير: 27)، أي: ذكر وبيان وإنذار عالمي المبدأ والعرض والأهداف والأُسس والرسالة والبعثة، وقال تبارك وتعالى: (فَقٰالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ) (سورة الزخرف: 46).
ومن خلال هذا الاستعراض الموجز لمبادئ وحدة الأُمّة الإسلامية ونهضتها من خلال آيات القرآن الكريم يمكن إدراك عظمة الرسالة النبوية الخاتمة التي تتمثّل فيما ترتكز عليه من فهم معنوي اجتماعي للحياة وإحساس خلقي بها،
والخطّ العريض في هذا النظام هو اعتبار الفرد المسلم والمجتمع معاً، وتأمين الحياة الفردية والاجتماعية بشكل متوازن، وضمان السعادة الأُخروية مضافاً للدنيوية. نعم، هذه هي مبادئ الوحي المنزل التي تكفل وحدة الأُمّة ونهضتها، وهذا هو طريق خلاص المسلمين بالإسلام العظيم على هدي القرآن الكريم في أخصر عبارة وأروعها، فهو عقيدة معنوية روحية وخلقية سلوكية راقية، ينبثق عنها نظام متكامل للإنسانية، يرسم لها طريقها الواضح المحدّد في صورتها الجماعية ومعالم حضارتها العلمية، ويضع لها هدفاً أعلى في ذلك الطريق هو رضا اللّٰه سبحانه وتعالى، ويعرّفها على مكاسبها الدنيوية والأُخروية منه.
كلّ ما تقّدم في بيان هذا المصطلح مستفاد من كلمات الشيخ محسن آل عصفور أحد الباحثين في البحرين.