الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١١:١٨، ١٨ أكتوبر ٢٠٢١ بواسطة Mohsenmadani (نقاش | مساهمات) (←‏المصادر)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين: يشير إلى بحث عريق جرى منذ خمسة قرون (من القرن العاشر حتی الآن) بين الأخباري والأصولي حيث إن لکل منهما أصولاً فكرية للإجتهاد والاستنباط في مختلف الأبواب الفقهية. فنقدم هذا البحث للقراء الکريم حتی يتبيّن نقاط الاختلاف ومحاوره بين الأخباريين والأصوليين.

محاور الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين

اختلفت الأنظار في نقاط الاختلاف ومحاوره بين الأخباريين و الأصوليين، فبين قائل بأنّها ستة وثمانين فرقا[١]، إلى قائل بأ نّها ثمانين[٢]، إلى قائل بأ نّها أربعين[٣]، إلى قائل بأ نّها ثمانية، منتهيا إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين؛ فإنّ ما ذكروه من وجوه الفرق بينهما، جلّه بل كلّه لايثمر فرقا في المقام[٤]، وانتهاءً بمن يقول: الحق إنّ النزاع بينهم لفظي. [٥] إلاّ أنّ الصحيح هو وجود بعض المحاور التي تصلح أن تكون محلّ الخلاف بين الطائفتين، بحيث إمّا يرجع غيرها إليها، أو أ نّها اختلافات جزئية لا صلة لها بالمنهج، كجواز تقليد الميّت وعدمه[٦]. أو أ نّها قصد بها توسعة رقعة الخلاف بين المدرستين. [٧] وسنقتصر في هذا المقال على ذكر هذه المحاور وما يعتقده الأخباريون فيها، مع بعض ما أقاموه دليلاً عليها، محولين أمر تقييمها ونقدها إلى الأبواب الخاصة بها، وعند المصطلحات المناسبة لها.

المحور الأول: الحركة الأخبارية و الاجتهاد والتقليد

رفضت الحركة الأخبارية في مرحلتها القديمة الاجتهاد وتقسيم الناس إلى مجتهد ومقلِّد رفضا باتا، يقول الأسترآبادي في الردّ على من قال بالاجتهاد والتقليد، أي اتّباع الظن في نفس الأحكام الإلهية: «عند قدماء أصحابنا الأخباريين قدّس اللّه‏ أرواحهم ـ كالشيخين الأعلمين الصدوقين، والإمام ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، وكما نطق به باب التقليد وباب الرأي والمقاييس... فإنّها صريحة في حرمة الاجتهاد والتقليد، وفي وجوب التمسّك بروايات العترة الطاهرة عليهم ‏السلام المسطورة في تلك الكتب المؤلّفة بأمرهم».[٨] ويقول في موضع آخر: «لا مدرك للأحكام الشرعية النظرية فرعية كانت أو أصلية إلاّ أحاديث العترة الطاهرة عليهم ‏السلام ».[٩] وقد ذكر الأسترآبادي جملة من الأدلة لإثبات موقف الحركة الأخباريةذاك. [١٠] وقال في موضع آخر مؤرّخا لبداية الافتراق: «واعلم أنّ الطريقة التي مهّدها أصحاب العصمة لعمل الشيعة بها، كانت سهلة سمحة بيّنة واضحة في زمن الأخباريين من علمائنا، ثمّ لمّا لفّق العلاّمة ومن وافقه بين طريقة العامة وطريقة أصحاب العصمة عليهم ‏السلام التبست طريقة الحق بالباطل واشتبهت واستصعبت».[١١] يقول بعض المحقّقين في هذا المقام : «فزعموا ـ الأخباريون ـ أنّ مرجع العلماء ومرجع العوام واحد ، فيجب على العوام الرجوع إلى الكتاب والسنّة وأن يعملوا بالعلم دون الظن، ويكون الفقيه راويا لهم»[١٢] وسيأتي آخر المقال بعض الأسباب التي أدّت بالحركة الأخبارية إلى التزام هكذا معتقدات.

المحور الثاني: الحركة الأخبارية وأحاديث الكتب الحديثية الأربعة

ادّعى الأخباريون «قطعية صدور كلّ ما ورد في الكتب الحديثية الأربعة من الروايات؛ لاهتمام أصحابها بتدوين الروايات التي يمكن العمل والاحتجاج بها، وعليه فلا يحتاج الفقيه إلى البحث عن أسناد الروايات الواردة في الكتب الأربعة... أمّا الأصوليون فلهم رأي آخر في ما ورد في الكتب الأربعة، ويقسّمون الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة: الصحيح، والحسن، والموثّق، والضعيف، ويأخذون بالأولين أو بالثلاثة الأول دون الأخير».[١٣] وقد استدلّ زعيم الحركة الأسترآبادي على مدّعاه ومؤرِّخا لتقسيم الحديث أنّ «أول من قسّم أحاديث أُصول أصحابنا ـ التي كانت مرجعهم في عقائدهم وأعمالهم في زمن الأئمة عليهم ‏السلام وكانوا مجمعين على صحّة نقلها كلّها عنهم عليهم ‏السلام ـ إلى الأقسام الأربعة المشهورة بين المتأخرين العلاّمة الحلّي (ت726ه ) أو رجل آخر قريب منه، ثمّ من جاء بعده وافقه كـ : الشهيد الأول و... والسبب في إحداث ذلك غفلة من أحدثه عن كلام قدمائنا، والسبب في غفلته أُلفة ذهنه بما في كتب العامة».[١٤] ونقل عن العلاّمة الحلّي قوله: «إنّه كان عند قدمائنا أصحاب الأئمة عليهم ‏السلام كتب وأصول كانت مرجعهم في عقائدهم وأعمالهم، وإنّهم كانوا متمكنين من استعلام أحوال أحاديث تلك الكتب والأصول،
ومن أخذ الأحكام عنهم عليهم‏السلام بطريق القطع واليقين، ومن التمييز بين الصحيح وغير الصحيح لو كان فيها غير صحيح. ومن المعلوم أنّ مثلهم لايغفل عن هذه الدقيقة ولايقصّر في رعايتها».[١٥] وأمّا المحدّث البحراني من المرحلة الثانية من مراحل الحركة الأخبارية، فقد ذكر إيراد الاختلاف بين الأصوليين والأخباريين في وصف مذهبه في المقام بقوله: «والحق الحقيق بالاتباع ما سلكه طائفة من متأخري المتأخرين، كالمجلسي وطائفة ممّن أخذ عنه، فإنّهم سلكوا في طرق الخلاف بين ذينك الفريقين طريقا وسطى بين القولين، ونجدا أوضح من ذينك النجدين (وخير الأمور أوسطها)... من حيث ثبوت صحة تلك الأخبار عندنا، والوثوق بورودها عن أصحاب العصمة صلوات اللّه‏ عليهم».[١٦] ثمّ تعرض بعد ذلك إلى تعريف الحديث الصحيح والضعيف، بما يظهر منه أ نّه لايؤمن بوجود أخبار آحاد غير مقترنة بما يقطع معه بصدورها عن المعصوم، وعلى هديه تتنوع الأخبار التي وصلت إلينا مدوّنة من المجاميع الحديثية ـ على رأي صاحب الحدائق ـ إلى ثلاثة أنماط، هي: 1 ـ الخبر المتواتر... 2 ـ خبر الواحد المقترن بما يفيد القطع بصدوره عن المعصوم... 3 ـ الخبر الضعيف وهو ما نص الأصحاب على ضعفه، وهو قليل. [١٧] كما أ نّه يظهر منه أنّ هناك بعض التطور في الموقف تجاه الأخبار وتقسيمها، بالنسبة إلى المرحلة المعتدلة من مرحلتي المدرسة الأخبارية.

المحور الثالث: الحركة الأخبارية وظواهر القرآن الكريم

ذهب بعض الأخباريين إلى استثناء ظواهر الكتاب الكريم من الحجّية، وقالوا بأ نّه لايجوز العمل فيما يتعلق بالقرآن العزيز، إلاّ بما كان نصا في المعنى، أو مفسّرا تفسيرا محدّدا من قبل النبي(ص) أو المعصومين من آله(ع). [١٨] ولم ينكر الأخباريون حجّية الظهور من أصلها، فإنّ «أصل حجّية الظهور في الجملة ممّا هو مسلّم بين الكلّ، وعليه يدور المدنية والالتيام بين الأنام، وإنّما وقع الإشكال في بعض جزئياته، فمنهم من أشكل في حجّية ظواهر الكتاب بخصوصها».[١٩] يقول الأسترآبادي مبيّنا عقيدته في المقام ومستدلاً عليها: «الصواب عندي مذهب قدمائنا الأخباريين وطريقهم، أمّا مذهبهم، فهو: إنّ كلّ ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عليه دلالة قطعية من قبله تعالى حتى ارش الخدش، وإنّ كثيرا ممّا جاء به النبي(ص) من الأحكام، وممّا يتعلق بكتاب اللّه‏ وسنة نبيه(ص) من نسخ وتقييد وتخصيص وتأويل مخزون عند العترة الطاهرة(ع)،
وإنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية، وكذلك كثير من السنّن النبوية، وأ نّه لا سبيل لنا فيما لا نعلمه من الأحكام الشرعية النظرية أصلية كانت أو فرعية إلاّ السماع من الصادقين(ع) وأ نّه لايجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب اللّه‏، ولا من ظواهر السنّن النبوية ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكر(ع)، بل يجب التوقف والاحتياط فيهما... وإنّه لايجوز القضاء ولا الإفتاء إلاّ بقطع ويقين، ومع فقده يجب التوقف».[٢٠] وأمّا مدرسة الاعتدال في الحركة الأخبارية، فيقول ممثلها الشيخ البحراني في المقام: «وأمّا الأخباريون، فالذي وقفنا عليه من كلام متأخريهم ما بين إفراط وتفريط...
والقول الفصل والمذهب الجزل في ذلك ما أفاده شيخ الطائفة ـ رضوان اللّه‏ عليه في كتاب (التبيان) وتلقاه بالقبول جملة من علمائنا الأعيان»[٢١] ومعنى هذا أنّ المحدّث البحراني يأخذ في هذه المسألة بالرأي الأصولي. [٢٢]

المحور الرابع: الحركة الأخبارية والإجماع

نسب إلى الأخبارية عدم القول بحجّية الإجماع محصّلاً ومنقولاً[٢٣]، وقد مضى من كلماتهم ما يشير إلى هذا المطلب، وقد عقد الأسترآبادي لردّه وعدم حجّيته عنوانا خاصا في الفصل السادس من كتابه الفوائد المدنية[٢٤]، حيث إنّه تعرّض لمعنى الاجماع المعتبر بزعمه عند العامة وهو: «اتفاق مجتهدي عصر على رأي في مسألة» ولمعناه عند بعض الإمامية وهو: «اتفاق اثنين فصاعدا على حكم، بشرط أن يعلم دخول المعصوم في جملتهم علما إجماليا» وذكر جملة من الأدلّة على ذلك. نعم، ذكر في آخر المطلب أنّ: «جمعا من أصحابنا أطلقوا لفظ الإجماع على معنيين آخرين: الأول: اتفاق جمع من قدمائنا الأخباريين على الافتاء برواية، وترك الإفتاء برواية واردة على خلافها، والإجماع بهذا المعنى معتبر عندي... الثاني: إفتاء جمع من الأخباريين ـ كالصدوقين و محمد بن يعقوب الكليني، بل الشيخ الطوسي أيضا فأ نّه منهم عند التحقيق وإن زعم العلاّمة أ نّه ليس منهم ـ بحكم لم يظهر فيه نص عندنا ولا خلاف يعادله. وهذا أيضا معتبر عندي؛ لأنّ فيه دلالة قطعية عادية على وصول نص إليهم، يقطع بذلك اللبيب المطّلع على أحوالهم».[٢٥] وأما المحقّق البحراني فيقول في المقام: «ومجمل الكلام فيه ما أفاده المحقّق طاب ثراه في (المعتبر)، واقتفاه فيه جمع ممّن تأخر، قال قدس‏سره: وأمّا الإجماع، فهو عندنا حجّة بانضمام المعصوم، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجّة، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجّة، لا اعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه‏السلام... انتهى، وحينئذٍ فالحجّة هو قوله عليه‏السلام لا مجرد الاتفاق».[٢٦] وذكر في معرض تعليقه على هذا المطلب: «أنّ تحقق الإجماع في زمن الغيبة متعذّر، لتعذر ظهوره(ع) وعسر ضبط العلماء على وجه يتحقق دخول قوله في جملة أقوالهم».[٢٧] وبالنظر لتعذّر الاجماع ـ ولا أقل من تعسّره ـ في زمن الغيبة، فإنّه يجوّز مخالفة الإجماعات المذكورة في كتب القوم؛ لعدم إحراز كشفها عن رأي المعصوم. [٢٨] والرأي الذي يتخذه زعيم المدرسة المعتدلة ـ البحراني ـ يشبه إلى حدٍّ كبير، بل يتطابق مع ما يراه مشهور المتأخرين من أصوليي الإمامية. [٢٩]

المحور الخامس: الحركة الأخبارية ودليل العقل

وقد كان موقف الحركة الأخبارية من دليلية العقل واضحا، بحيث عُدّ معلما من معالم هذه الحركة وصفة مميزة من صفاتها، حيث «شطبت على العلوم العقلية بقلم عريض، ولم ترَ للعقل أيّ وزن واعتبار لا في العلوم العقلية ولا في العلوم النقلية».[٣٠] وتوضيح محلّ النزاع: ذكر بعض العلماء: «أنّ الظاهر انحصار المستقلات العقلية التي يستكشف منها الحكم الشرعي في مسألة واحدة، وهي مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وقد وقع البحث هنا في أمور متلاحقة وهي: أ نّه بعد فرض القول بأنّ للأفعال في حدِّ أنفسها حسنا وقبحا،
هل يتمكن العقل من إدراك وجوه الحسن والقبح مستقلاً عن تعليم الشارع وبيانه أم لا؟ وعلى تقدير تمكنه هل للمكلّف أن يأخذ به بدون بيان الشارع وتعليمه أم ليس له ذلك إمّا مطلقا أو في بعض الموارد؟ وهذه المسألة هي إحدى نقط الخلاف المعروفة بين الأصوليين وجماعة من الأخباريين. أ نّه بعد فرض أنّ للأفعال حسنا وقبحا، وأنّ العقل يدرك الحسن والقبح، يصح أن ننتقل إلى التساؤل عمّا إذا كان العقل يحكم أيضا بالملازمة بين حكمه وحكم الشرع، بمعنى أنّ العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه هل يلزم عنده عقلاً أن يحكم الشارع على طبق حكمه؟
وهذه هي المسألة الأصولية المعبّر عنها بمسألة الملازمة التي وقع فيها النزاع، فأنكر الملازمة جملة من الأخباريين وبعض الأصوليين. ثم إنّه بعد ثبوت الملازمة وحصول القطع بأنّ الشارع لابدّ أن يحكم على طبق ما حكم به العقل، فهل هذا القطع حجّة شرعا؟ ومرجع هذا النزاع الى ناحيتين: الأولى: في إمكان أن ينفي الشارع حجّية هذا القطع وينهى عن الأخذ به. الثانية: بعد فرض إمكان نفي الشارع حجّية القطع، هل نهى عن الأخذ بحكم العقل وإن استلزم القطع... والنزاع في هاتين الناحيتين وقع مع الأخباريين جلّهم أو كلّهم».[٣١] وأمّا المحقّق البحراني فيلخّص موقفه من دليل العقل بأ نّه: «لاريب أنّ الأحكام الفقهية من عبادات وغيرها توقيفية تحتاج إلى السماع من حافظ الشريعة،
ولهذا قد استفاضت الأخبار... بالنهي عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع منهم عليهم‏السلام وعلم صادر عنهم، ووجوب التوقف والاحتياط مع عدم تيسّر طريق العلم ووجوب الردّ إليهم في جملة منها، وما ذلك إلاّ لقصور العقل المذكور عن الاطلاع على أغوارها، وإحجامه عن التلجج في لجج بحارها، بل لو تمّ للعقل الاستقلال بذلك لبطل إرسال الرسل وإنزال الكتب، ومن ثمَّ تواترت الأخبار ناعية على أصحاب القياس بذلك».[٣٢] وبعد نقل جملة من الأخبار التي أشار إليها، ذكر ما يُفهم منه: إنّه يلتقي برأيه في العقل مع الرأي الأصولي القائل بحجّية العقل الفطري، الذي يراد به المدركات البديهية، إلاّ أ نّه يذهب إلى ندرته وقلة وجوده. [٣٣]

المحور السادس: الحركة الأخبارية وأصالة الاحتياط والبراءة

وأهم ما اختلفت فيه المدرستان من مسائل المنهج ـ على الإطلاق ـ هو الشبهات الحكمية التحريمية، فقد تركز الخلاف فيها واستحكم، حتى عدت أهم المسائل أو المسألة الوحيدة التي تمثّل قمة الخلاف بين المنهجين. وتتمحور نقطة الخلاف في تحديد وتعيين الأصل العملي الذي يرجع إليه في الحالات التالية: 1 ـ فقدان النص الشرعي الذي يمكن أن يستفاد منه الحكم الشرعي. 2 ـ إجمال النص الشرعي إجمالاً تسد معه جميع أبواب التفصيل. 3 ـ تعارض النصين الشرعيين تعارضا مستحكما لايستطاع معه حلّ مشكلة التعارض. في مثل هذه الحالات يعتبر الأصوليون الشك في هذه الشبهة شكا في أصل التكليف ويجرون لرفع هذا الشك أصالة البراءة... بينما يذهب الأخباريون إلى أنّ الشك هنا شك في المكلّف به، ... ومن هنا يجرون أصالة الاحتياط، وفحواها: أن يأتي المكلّف من الفعل أو الترك ما يحرز فراغ ذمته من التكليف. [٣٤] وقد استدلّ الأخباريون لما ذهبوا إليه بجملة من الأدلة ذكروها في ما ألفوه من كتب، وذكرها الأصوليون مع ردّ لها في مباحث البراءة من علم الأصول.

بعض أسباب نشوء الحركة الأخبارية ومقاومتها لعلم الأصول

وقد ذكر أنّ من جملة الأسباب الباعثة على نشوء الحركة الأخبارية ومقاومتها لعلم الأصول هي: 1 ـ عدم استيعاب ذهنية الأخباريين لفكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط؛ فقد جعلهم ذلك يتخيلون أنّ ربط الاستنباط بالعناصر المشتركة والقواعد الأصولية، يؤدي إلى الابتعاد عن النصوص الشرعية والتقليل من أهميتها... 2 ـ سبق السنّة تأريخيا إلى البحث الأصولي والتصنيف الموسّع فيه، فقد أكسب هذا علم الأصول إطارا سنّيا في نظر هؤلاء الثائرين عليه... 3 ـ وممّا أكد في ذهن بعض الأخباريين الإطار السنّي لعلم الأصول، أنّ ابن الجنيد ـ وهو من رواد الاجتهاد وواضعي بذور علم الأصول في الفقه الامامي ـ كان يتفق مع أكثر المذاهب الفقهية السنّية في القول بالقياس... ولكن ذلك لايعني بحال أنّ علم الأصول قد استورده الشيعة من الفكر السنّي وفرض عليهم من قبله، بل هو ضرورة فرضتها على الفقه الإمامي عملية الاستنباط، وحاجات هذه العملية. 4 ـ وساعد على إيمان الأخباريين بالإطار السنّي لعلم الأصول تسرب اصطلاحات من البحث الأصولي السنّي إلى الأصوليين الإماميين وقبولهم بها، بعد تطويرها وإعطائها المدلول الذي يتفق مع وجهة النظر الإمامية. ومثال ذلك كلمة «الاجتهاد»... فتراءى لعلمائنا الأخباريين الذين لم يدركوا التحوّل الجوهري في مدلول المصطلح، أنّ علم الأصول عند أصحابنا يتبنى نفس الاتجاهات العامة في الفكر العلمي السنّي، ولهذا شجبوا الاجتهاد وعارضوه. 5 ـ وكان الدور الذي يلعبه العقل في علم الأصول مثيرا آخر للأخباريين على هذا العلم؛ نتيجة لاتجاههم المتطرّف ضد العقل. 6 ـ حداثة علم الأصول، فهو علم لم ينشأ في النطاق الإمامي إلاّ بعد الغيبة، وهذا يعني أنّ أصحاب الأئمة عليهم‏السلاموفقهاء مدرستهم مضوا بدون علم أصول ولم يكونوا بحاجة إليه... فلا ضرورة للتورط فيما لم يتورطوا فيه، ولا معنى للقول بتوقف الاستنباط والفقه على علم الأصول. [٣٥] كما أنّ بعض قد أرجع أسباب نشأة الحركة الأخبارية إلى الوضع السياسي والاجتماعي الذي أوجب نشوء نزعة التصوف عند العامة والعلماء. ومن جهة أخرى يحدث رد فعل لهذا الغلو، فينكر على الناس أن يركنوا إلى العقل وتفكيره... [٣٦] كما نقل بعضهم عن البروجردي اعتقاده أنّ نشأة الحركة الأخبارية كانت رد فعل للمدرسة الحسيّة التي ولدت في أوربا. [٣٧]

المصادر

  1. فاروق الحق 1 : 83 .
  2. الحق المبين في تصويب المجتهدين و تخطئة الأخباريين 1 : 125.
  3. راجع : روضات الجنات 4 : 250 حيث نقل ذلك عن المحدّث السماهيجى البحراني.
  4. الحدائق الناضرة 1 : 167.
  5. انظر : الفوائد الطوسية : 447.
  6. تأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 386.
  7. مقدمة رياض المسائل 1 : 106.
  8. الفوائد المدنية : 91.
  9. المصدر السابق : 92.
  10. المصدر نفسه : 93 ـ 97، 104 ـ 105، 261.
  11. المصدر نفسه : 498.
  12. الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين 1 : 125.
  13. مقدمة رياض المسائل 1 : 106.
  14. الفوائد المدنية : 172 ـ 173، وراجع أيضا لمعرفة المزيد عن عقيدة الحركة الأخبارية هنا الكتب الرجالية المعروفة، ككتاب معجم رجال الحديث 1 : 19 ـ 35.
  15. الفوائد المدنية : 175، ولمعرفة الأدلة التي أقامتها الحركة الأخبارية على مدّعاها في هذا المقام راجع : المصدر نفسه : 371 وما بعدها.
  16. الحدائق الناضرة 1 : 14 ـ 15.
  17. هكذا قرأتهم 2 : 160 ـ 161.
  18. دروس في علم الأصول 1 : 305 بتصرّف. وراجع أيضا : أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 162.
  19. أجود التقريرات 3 : 156.
  20. الفوائد المدنية : 104 ـ 105.
  21. الحدائق الناضرة 1 : 27 ـ 32.
  22. هكذا قرأتهم 2 : 158.
  23. راجع : تأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 385، مقدمة رياض المسائل 1 : 106، مصادر الاستنباط بين الأصوليين والأخباريين : 161 ـ 166.
  24. الفوائد المدنية : 265 ـ 267.
  25. المصدر السابق : 268.
  26. الحدائق الناضرة 1 : 35 وانظر : المعتبر في شرح المختصر 1 : 31.
  27. الحدائق الناضرة 1 : 35.
  28. هكذا قرأتهم 2 : 179.
  29. راجع لذلك مبحث الإجماع في : كفاية الأصول : 288 وما بعدها، وأصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 102 وما بعدها، ودروس في علم الأصول 2 : 158 ـ 165.
  30. تأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 384.
  31. أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 268 ـ 270 بتصرّف، وراجع أيضا : الفصول الغروية : 337، فرائد الأصول 1 : 51 وما بعدها، أجود التقريرات 3 : 67، الأصول العامة للفقه المقارن : 284، مباحث الأصول (الصدر) 1 ق 2 : 202.
  32. الحدائق الناضرة 1 : 131.
  33. هكذا قرأتهم 2 : 180 ـ 181.
  34. هكذا قرأتهم 2 : 181 ـ 182، وراجع أيضا : فرائد الأصول 2 : 20، فوائد الأصول : 3 : 371، أجود التقريرات 3 : 288 وما بعدها، مباحث الأصول الصدر 3 ق 2 : 83 وما بعدها.
  35. المعالم الجديدة للأصول : 98 ـ 101 بتصرّف، وراجع أيضا : الرسائل الخميني 2 : 97، وتهذيب الأصول (الخميني) 2 : 513، وتأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 385.
  36. مقدمة جامع السعادات 1 : 9.
  37. ده گفتار بالفارسية : 104.