تحقيق المناط

مراجعة ٠٢:٤١، ١٣ يونيو ٢٠٢١ بواسطة Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''تحقيق المناط:''' والمراد بالمناط هو العلّة التي رتّب عليها الحكم في الأصل، وهو قريب من القيا...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

تحقيق المناط: والمراد بالمناط هو العلّة التي رتّب عليها الحكم في الأصل، وهو قريب من القياس لکنّ الفرق بينه وبين القياس هو أنّ القياس العلّة فيه ظنّية في الغالب، بينما العلّة في تحقيق المناط متحققة بالنصّ أو الإجماع فهي قطعية، ولذلك سمّي بـ القياس الجلي.

تعريف المناط لغةً

المناط: مأخوذ من النوط، وهو التعليق[١]، والمناط ما نيط به الحكم، أي علّق به، وهو العلّة التي رتّب عليها الحكم في الأصل[٢].

تعريف المناط اصطلاحاً

عرّف تحقيق المناط بتعريفين:
الأوّل: بمعنى القاعدة الكلّية الثابتة بالنصّ أو الإجماع ويجتهد في تطبيقها على مصاديقها[٣].
الثاني: وهو أن يُعرف علّة حكم ما في محلّه بنصّ أو اجماع فيتبيّن المجتهد وجودها في الفرع[٤]. أو هو النظر في معرفة وجود العلّة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها أمّا بالنصّ أو إجماع أو استنباط[٥].

الألفاظ ذات الصلة

الغاء الفارق

وهو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل إلاّ فيما لايؤثّر فيلزم اشتراكهما في المؤثّر[٦]. والفرق بين الغاء الفارق وبين تحقيق المناط (بمعناه الثاني) هو أنّ الأوّل يرتكز على مجرّد ابداء عدم الفرق بين الأصل والفرع مع عدم معرفة العلّة بشخصها، بينما في تحقيق المناط العلّية ثابتة عيانا إمّا بالنصّ أو الإجماع، لكن يراد التحقّق من وجودها في صورة اُخرى ومورد آخر.

تخريج المناط

وهو تعيين العلّة في الأصل بمجرّد المناسبة بينها وبين الحكم في الأصل لا بالنصّ ولا بغيره كوصف الإسكار بالنسبة إلى تحريم الخمر[٧].
والفرق بين تخريج المناط وبين تحقيقه (بمعناه الثاني) أنّ الأوّل إبداء واستكشاف العلّة بمجرد المناسبة والملائمة، بينما في الثاني العلّة منصوص عليها في الأصل غاية الأمر أنّ المجتهد في إثبات وتحقيق تلك العلّة في الفرع؛ لكي يثبت الحكم له.

تنقيح المناط

وهو أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب وينوطه به وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة، فتحذف من درجة الاعتبار حتّى يتّسع الحكم[٨].
والفرق بين تنقيح المناط وبين تحقيقه (بمعناه الثاني) أنّ العلة في الأوّل غير متعينة بعد ويراد تعيينها من طريق إلغاء الأوصاف الاُخرى، بينما في الثاني العلّية فيه ثابتة بالنصّ أو الإجماع فهو أعلى درجة من الأوّل، فالأوّل يراد به إثبات العلّة في الأصل، بينما الثاني يراد به إثبات العلّة في الفرع بعد إحرازها في الأصل.

السبر والتقسيم

وهو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل الصالحة للتعليل في عدد، ثُمّ إبطال بعضها وهو ما سوى الذي يدّعى أنّه علّة[٩].
والفرق بين السبر والتقسيم وبين تحقيق المناط (بمعناه الثاني) هو أنّ العلية في الأوّل غير ثابتة بعدُ ويراد اثباتها به، بينما في الثاني العلّية ثابتة فيه بالنصّ أو الإجماع.

القياس

وهو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما، كحمل النبيذ على الخمر في الحرمة بجامع الإسكار[١٠].
الفرق بين القياس وبين تحقيق المناط (القسم الثاني) هو أنّ القياس العلّة فيه ظنّية في الغالب، بينما العلّة في تحقيق المناط متحققة بالنصّ أو الإجماع فهي قطعية، ولذلك سمّي بالقياس الجلي[١١].
هذا كلّه في الفروق بين تلك الاُمور وبين تحقيق المناط بمعناه الثاني لاشتراكها في جانب، وهو كونها جميعا من مباحث إلحاق المسكوت بالمنطوق وتعالج ما لم ينصّ عليه، أمّا بالنسبة لتحقيق المناط بمعناه الأوّل فلا توجد جهة اشتراك حتّى يعمد إلى بيان الفرق بينها وبينه.

حجية تحقيق المناط

يذكر تحقيق المناط في كلمات الأصوليين بمعنيين:
المعنى الأوّل: القاعدة الكلّية الثابتة بالنصّ أو الإجماع ويجتهد في تطبيقها على مصاديقها[١٢]. كأن يرد نصّ من الشارع يوجب الصلاة خلف العادل دون غيره، فيجتهد في تطبيق الكبرى المذكورة على مصاديقها وأفرادها، وأمثلته في الفقه كثيرة، يقول الشاطبي: «إنّ الشريعة لم تنصّ على حكم كلّ جزئية على حدّتها، وإنّما أتت باُمور كلّية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لاتنحصر»[١٣]. ويقول الحكيم: «إنّ جميع القضايا الشرعية إنّما وردت على سبيل القضايا الحقيقية لا القضايا الخارجية فلاتتكفل تشخيص وتعيين موضوعاتها خارجا، وإنّما يترك تشخيص الموضوعات إلى المكلّفين أنفسهم بالطرق والقواعد المجعولة من قبل الشارع لذلك»[١٤]. فان قوله تعالى: «فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ»[١٥]. فإنّه يدلّ على أصل وجوب المثل، لكن يجتهد الفقيه في تعيين وتطبيق المثل فيذهب إلى جواز دفع حمار الوحش عن قتل البقرة لكونه مثلاً لها[١٦]. وكذلك وجوب التوجّه إلى القبلة معلوم بالنصّ ولا خلاف فيه، وإنّما يجتهد في تعيين جهتها[١٧]. وهذا المعنى من تحقيق المناط أنكروا إطلاق اسم القياس عليه؛ لعدم انطباق مفهومه عليه، و«هو من ضروريات الشريعة لعدم وجود نصّ على جزئيات القواعد الكلية كعدالة الأشخاص وتقدير كفاية كلّ شخص ونحو ذلك»[١٨].
وحجّية هذا النوع من تحقيق المناط ممّا لا خلاف فيه بين الأصوليين[١٩].
وذكر الشاطبي: إنّ هذا النوع من تحقيق المناط يحتاج إلى إعمال الفقيه لاجتهاده ورأيه في تشخيص أو تعيين مورد القاعدة الكلّية ولاتناط دائما إلى المكلّفين، فإنّه هناك كثير من الموضوعات الشرعية يعسر تشخيصها إلاّ على المجتهدين، بل هناك بعض الموضوعات يُختلف فيها حتّى من قبل المجتهدين أنفسهم، مثل: تعيين القاعدة القضائية «البينة على المدّعي واليمين على من أنكر»، ولابدّ للمجتهد من تحقيق المناط بمعنى القاعدة الكلّية في تلك الموضوعات وإحرازه فيها[٢٠].
المعنى الثاني: وهو أنّ يعرف علّة حكم ما في محلّه بنصّ أو إجماع فيتبيّن المجتهد وجودها في الفرع[٢١]. وسمّي تنقيح المناط؛ لأنّ المناط وهو الوصف علم أنّه مناط، وبقي النظر في تحقيق وجوده في الصورة المعينة[٢٢].
ويمثّل له بقوله(ص) في الهرّة: «إنّها ليست بنجس إنّها من الطوافين عليكم والطوافات»[٢٣]، حيث يستظهر من الحديث كون العلّة في الطهارة هو الطواف وهي موجودة في الفأرة ونحوها من الطوافات[٢٤]، فالعلّة ثابتة ويجتهد في تعيينها في الفرع والصورة المتنازع عليها.
وأكثر الأصوليين بحثوا تنقيح المناط بمعناه الأوّل ولم يبحثوا بمعناه الثاني[٢٥].
ولا خلاف في حجّيته بهذا المعنى بين المسلمين أيضا[٢٦]. وهو من نوع القياس الجلي[٢٧].
وإنّما الخلاف واقع فيما إذا استفيدت العلّة بـ الاستنباط لا بالنصّ أو الإجماع ويراد تحقيقها في بعض الفروع[٢٨].

المصادر

  1. . لسان العرب 4: 4052 مادة «نوط».
  2. . شرح مختصر الروضة 3: 233.
  3. . روضة الناظر: 146، شرح مختصر الروضة 3: 233.
  4. . شرح مختصر الروضة 3: 235، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 82.
  5. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 264، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 4: 163.
  6. . تشنيف المسامع 2: 99.
  7. . الوافية: 239.
  8. . المستصفى 2: 108.
  9. . الوافية: 239.
  10. . شرح مختصر الروضة 3: 219.
  11. . روضة الناظر: 146.
  12. . أنظر: روضة الناظر: 146، شرح مختصر الروضة 3: 233.
  13. . الموافقات 4: 92.
  14. . الأصول العامة للفقه المقارن: 300 ـ 301.
  15. . المائدة: 95.
  16. . أنظر: شرح مختصر الروضة 3: 233 ـ 234.
  17. . أنظر: روضة الناظر: 146.
  18. . شرح مختصر الروضة 3: 235.
  19. . أنظر: المستصفى 2: 108، الموافقات 4: 89 ـ 90، الأصول العامة للفقه المقارن: 300.
  20. . الموافقات 4: 92 ـ 93.
  21. . شرح مختصر الروضة 3: 233، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 82.
  22. . إرشاد الفحول 2: 189.
  23. . سنن الدارقطني 1: 70، ح 22، روضة الناظر: 146.
  24. . أنظر: روضة الناظر: 146، شرح مختصر الروضة 3: 235.
  25. . أنظر: المستصفى 2: 109، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 82، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4: 163 ـ 164، الموافقات 4: 92، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 264.
  26. . أنظر: نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4: 164، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 264.
  27. . روضة الناظر: 146.
  28. . أنظر: نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4: 164.