الانقياد

من ویکي‌وحدت

الانقياد: اصطلاحٌ أصوليٌ مقابل التجري، والمراد بالانقياد إتيان غير المأمور به مع القطع أنّه مأمور به، کما إذا اعتقد أنّ الصلاة واجبة وءاتاها بينما أنّها لیست بواجبة، وأما التجري فهو مقابل الانقياد بمعنی أنّ المکلّف اعتقد بأنّ المايع الفلاني خمرٌ فشربها وانکشف أنّه ماء وليست خمراً.

تعريف الانقياد لغةً واصطلاحاً

الانقياد في اللغة هو الخضوع[١]. وأما في الاصطلاح فهو إتيان غير المأمور به مع القطع أنّه مأمور به[٢]. وأخذ في هذا التعريف قيد القطع في تحقّق الانقياد. وهناك من أطلق أو عمم الانقياد إلى صورة القطع بالحكم أو احتماله، كما في تعريف البجنوردي له بأنه: موافقة الحجة غير المصادفة للواقع[٣] أو تعريف الحكيم له بأنه: الاقدام على الموافقة في مورد اعتقاد التكليف أو احتماله مع عدم ثبوت التكليف واقعا[٤].
وقد يصطلح عليه بـ «الاطاعة الحكمية»[٥].
ويمثّل له بما إذا قتل العبدُ شخصا باعتقاده أنّه عدوّ مولاه وظهر في الواقع أنه ليس بعدوّه[٦].
وذكر له ابن عبدالسلام أمثلة كثيرة من الفقه كالحاكم يحكم في دعوى معينة ثم يتبيّن خطأه في ذلك، أو من يصلي على مرتد باعتقاد كونه مسلما، وغير ذلك[٧].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ إمتثال

وهو الاتيان بالمأمور به بداعي الأمر المولوي المتوجه إليه[٨].
يفترق الامتثال عن الانقياد بأنه قد اُخذ في الأخير قيد عدم إصابة الحجة وعدم وجود حكم في الواقع، بخلاف الامتثال فإنّه لم يؤخذ فيه هذا القيد.

2 ـ طاعة

وهي موافقة الحجة المصادفة للواقع والعمل على طبقها[٩].
وهي بهذا تكون مباينة للانقياد بمعناه المصطلح؛ لأنّه قد أخذ فيها قيد المصادفة للواقع، وإن كانت من مصاديقه بمعناه اللغوي؛ لانها نوع من الخضوع.

3 ـ تجرّي

وهو مخالفة الحجة غير المصادفة للواقع[١٠].
لا فرق بين التجري والانقياد من ناحية الفاعل حيث إنه في التجري يعتقد أنه عاصٍ للشارع ويظهر خلاف ذلك، وفي الانقياد يعتقد أنّه مطيع للشارع ويظهر خلاف ذلك.
وقع الكلام في الترابط بين التجري والانقياد في ملاك استحقاق العقاب والثواب، فذهب الأكثر إلى أنه لا اشكال في ترتب الثواب على الانقياد وإن لم يقال بثبوت العقاب في التجري[١١]. وفي المقابل ذهب المحقق الخراساني إلى أن الانقياد والتجري كلاهما من وادٍ واحد والملاك الذي أوجب استحقاق الثواب في الانقياد هو نفسه الذي أوجب العقاب في التجري[١٢].

أقسام الانقياد

يمكن أن يتصور الانقياد على قسمين[١٣]:
الأول: الانقياد إلى العمل مع قيام الدليل المنجّز من قطع أو أمارة أو أصل مع عدم ثبوت التكليف واقعا.
الثاني: الانقياد إلى العمل مع قيام الدليل المؤمن عن التكليف من أمارة أو أصل مع احتمال وجود الخطأ في هذا المؤمن، فيأتي بالعمل مع عدم ثبوت التكليف به واقعا.

حكم الانقياد

لا اشكال عند الشيعة الإمامية في أنّ الانقياد لايحقق الامتثال المطلوب في المأمور به والمنهي عنه؛ وذلك لأن مجرد القصد إلى الامتثال لايحققه ما دام الفعل لم يتحقق خارجا. نعم يظهر من الشاطبي وجود خلاف في ذلك عند أهل السنّة[١٤].
ولا اشكال أيضا في حسن الانقياد عقلاً وترتب الثواب عليه شرعا وذكر لذلك عدة أدلة:
منها: العقل، فإنّه يحكم بحسن الانقياد بمعنى ادراكه بأنّ المكلف عمل على طبق وظيفته وبما يراه ويعتقده من كونه بصدد إتيان وامتثال ما أمر به الشارع فيكون مستحقا للمدح والثواب من قبل الشارع[١٥].
بل يذكر المحقق الاصفهاني بأنّ الانقياد بداعي احتمال وجود الأمر مع عدم وجوده واقعا أولى بالثواب من الانقياد عن الأمر في صورة وجوده واقعا[١٦].
والوجدان حاكم باستحقاق الفاعل للثواب على الفعل المنقاد به ومدحه على ذلك[١٧].
ومنها: السمع، استدل من السمع بقوله تعالى: «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورا رَّحِيما»[١٨]، وقوله(ص): «نية المؤمن خير من عمله»[١٩]، على أن نية الاتيان بالعمل يثاب عليه المكلف وإن لم يصادف عمله الواقع[٢٠].

شرط الانقياد

يشترط في حسن الانقياد وترتّب الثواب عليه أن لايكون على خلاف الدليل القائم من قطع أو أمارة أو أصل[٢١].

حسن الانقياد فعلي أم فاعلي

وقع الخلاف في أنّ الانقياد هل هو من صفات الفاعل أم من صفات الفعل وموجبا لتعنون الفعل بعنوان حسن.
والمراد بالحسن الفعلي هو الحسن الناشئ من جهة صدور عمل حسن من قبل المكلّف، وهذا الفعل وقع موقع المدح من قبل الشارع أو العقلاء، والمراد بالحسن الفاعلي هو الحسن الناشئ من جهة قصد الفعل الحسن وإن لم يقع الفعل منه خارجا.
ذهب الأكثر إلى أنه من صفات الفاعل لا من صفات الفعل، وعليه فإنّ الفاعل يستحق الثواب بملاك الحسن الفاعلي ولا دخل للفعل في ترتب الثواب عليه؛ لأن الفعل قد يكون قبيحا في واقع الأمر مع أن الفاعل يستحق المدح والثناء لكونه بصدد الجري والعمل على وفق ما يعتقد كونه طاعة للمولى، وهذا ما أشار إليه ابن عبدالسلام بقوله إن المنقاد: «يثاب فاعله على قصده دون فعله»[٢٢]. على أن الاصابة للواقع وعدمها خارجة عن اختيار المكلف، وعليه فلايمكن أن تكون مطابقة الفعل للواقع وعدمها دخيلة في ترتّب الثواب في الانقياد[٢٣].

ثمرة الخلاف

الثمرة في كون الانقياد من صفات الفاعل أو من صفات الفعل هي أنه لو كان الانقياد من صفات الفعل سوف لايكون الاحتياط إذا اعتبرناه نوعا من الانقياد مجزيا وموجبا لتحقق الامتثال؛ لأنّه قد يصادف الانقياد فعلاً مبغوضا في نفسه، ومعه لا تمكن سراية حسن الانقياد إلى الفعل فلايقع الاحتياط المذكور حسنا[٢٤].
نعم لو قيل بأن ملاك حسن الاحتياط هو الطاعة وموافقة أحكام المولى لا الانقياد لأمكن القول بحسن الاحتياط وإجزائه عن الواقع على كل حال[٢٥].

الملاك في ثواب الانقياد

ذكر المحقق الاصفهاني[٢٦] أن الملاك في ثواب الانقياد هو مجموع أمرين:
الأول: انطباق عنوان حسن عليه.
الثاني: اضافته إلى من يستحق من قبله المدح والثواب بالذات أو بالعرض. وكلا الامرين موجودان في الانقياد فيترتب الثواب عليه من قبل الشارع ويستحق المكلف من قبله.
ذكروا أن معنى الاستحقاق هو كونه أهلاً لأن يجازيه المولى بالثواب، لا بمعنى الالزام على الشارع[٢٧].

المصادر

  1. . لسان العرب 3: 3344، مجمع البحرين 3: 133 مادة «قود».
  2. . وقاية الاذهان: 467.
  3. . القواعد الفقهية 3: 331 ـ 332.
  4. . المحكم في أصول الفقه 3: 50.
  5. . أنظر: فرائد الأصول 2: 157، نهاية الأفكار 3: 38.
  6. . كفاية الأصول: 260.
  7. . قواعد الاحكام 1: 22.
  8. . المحكم في أصول الفقه 2: 256 ـ 257.
  9. . منتهى الأصول 2: 31.
  10. . المصدر السابق: 30 ـ 31.
  11. . أنظر: فرائد الأصول 2: 108، مستمسك العروة الوثقى 6: 16.
  12. . دُرر الفوائد 1 ـ 2: 217 ـ 218.
  13. . حقائق الأصول 2: 11، المحكم في أصول الفقه 3: 50.
  14. . الموافقات 2: 342 ـ 347.
  15. . أنظر: نهاية الأفكار 3: 38، مستمسك العروة الوثقى 6: 16، مصباح الأصول 2: 25.
  16. . نهاية الدراية 1: 322.
  17. . كفاية الأصول: 259.
  18. . النساء: 100.
  19. . وسائل الشيعة 1: 53 كتاب الطهارة، باب 6 استحباب نية الخير والعزم عليه ح5.
  20. . وقاية الاذهان: 467.
  21. . حقائق الأصول 2: 11.
  22. . قواعد الاحكام 1: 22.
  23. . أنظر: كفاية الأصول: 259 ـ 260، منتقى الأصول 1: 478 ـ 479.
  24. . منتقى الأصول 1: 479.
  25. . المصدر السابق: 480.
  26. . نهاية الدراية 1: 320 ـ 321.
  27. . أنظر: منتهى الأصول 2: 212، منتقى الأصول 1: 476، المحكم في أصول الفقه 3: 51.