شبهات حول التقريب
تتضمّن سياسة فرّق تسد ({L Divide and Rule L})مبدأً سياسياً تسلّطياً قديماً يقضي بإضعاف الخصوم عن طريق شقّ صفوفهم وإثارة الخلافات والانقسامات فيما بينهم، أو بالحيلولة دون توحّدهم عن طريق تجزئة قواهم وإثارة الواحد ضدّ الآخر.
وقد تناول «ميكافيلي» شرح هذا المبدأ وتطبيقه من خلال مجلس الشيوخ الروماني وملوك أُوروبّا.
وفي التاريخ الحديث نجد العديد من الأمثلة على هذه السياسة في نهج الدول الاستعمارية المتّبع في المستعمرات وفي الخارطة السياسية التي تمخّضت عن انحسار الاستعمار التقليدي ونشوء ظاهرة الاستعمار الجديد.
فقد اتّبعت بريطانيا على سبيل المثال سياسة إثارة النعرات الدينية والإقليمية والقبلية بين سكّان المستعمرات ؛ لمنع توحّد هؤلاء في مقاومة الوجود والاستغلال الاستعماري.
وليس من الضروري أن تلجأ الدول الغاشمة إلى اختراع التناقضات، بل يكفي أن تغذّيها وتدفعها في اتّجاه الصِدام ومنع التعايش ؛ لكي تستطيع أن تقطف ثمار التفرقة بين أبناء الشعب الواحد أو الإقليم الواحد.
وهذا ما فعلته الدول السلطوية تجاه الشعوب الإسلامية، ومن هنا يبرز دور التقريب بين المذاهب في خلق جوّ من الصفاء بين أبناء الشعوب الإسلامية ودفع هذه السياسة الغاشمة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ «مايكل أيونيدس» أحد كبار الخبراء الإنجليز قد وضع كتاباً حول سياسة بريطانيا في المشرق العربي واعتمادها الأساسي على سياسة «فرّق تسد» دون أن تتمكّن في النهاية من إحراز أهدافها، وعنوان الكتاب الذي نشره في لندن سنة 1960 م هو «فرّق واخسر».