جبهة النصرة
جبهة النصرة المعروفة بـ «جبهة فتح الشام» هي منظمة جهادية سلفية وذراع للقاعدة في سوريا، كانت تقاتل ضد القوات الحكومية السورية بهدف تأسيس دولة إسلامية في سوريا.
خلفية التشكيل
بدأت الثورة السورية في مارس 2011. بالتوازي مع هذه الثورة، تشكلت مجموعات سلفية جهادية. واحدة من هذه المجموعات كانت «جبهة النصرة». بعد فترة زمنية قصيرة نسبياً، استطاعت هذه الجبهة أن تحقق نفوذاً واسعاً في الأوساط السورية؛ كما تمكنت من تثبيت وجودها السريع من خلال تنفيذ سلسلة من الانفجارات، حيث استهدفت مبنى قيادة الأركان في دمشق، ومبنى الاستخبارات الجوية في «حرستا»، ونادي الضباط في حلب.
اتخذت العديد من المجموعات المعارضة السورية التي تجمعت تحت مسمى «الجيش الحر» موقفاً محافظاً تجاه هذه الجبهة؛ ومع ذلك، استطاعت جبهة النصرة خلال بضعة أشهر أن تفرض نفسها كركيزة وقوة أساسية في جبهات القتال في سوريا. وضعت هذه الجبهة العمليات الانتحارية ضمن خططها، وكانت هذه العمليات فعالة في الهجمات على مواقع قوات الأسد، ونفذتها المجموعات المعارضة السورية.
لم يمض وقت طويل حتى أدرجت الولايات المتحدة اسم جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية، وأعلنت عن ارتباط هذه الجبهة بالقاعدة. وقد أثار هذا الأمر ردود أفعال. أدانت انتفاضة سوريا والقوى السياسية المعارضة هذا القرار، وعلى نطاق أوسع، انطلقت مظاهرات متعددة للإعلان عن الدعم لجبهة النصرة، وتم تقديمها كواحدة من نوى الثورة السورية.
وبذلك، أصبحت جبهة النصرة، بغض النظر عن موقف السوريين أو القوى الدولية تجاهها، واحدة من أهم الجماعات العسكرية الفاعلة في الصراعات السورية، وتعتبر بشكل عام واحدة من أبرز الفاعلين في ساحة المعركة في سوريا.
كيفية التشكيل
من العراق إلى سوريا؛ قصة النشأة تختلف قصة تشكيل جبهة النصرة عن بقية النوى العسكرية والسياسية في سوريا. يعود ذلك إلى أن جبهة النصرة في الأصل، مرتبطة بتشكيل سياسي ـ عسكري ذو تاريخ طويل وبنية منظمة وتجربة كبيرة تُعرف باسم «القاعدة». هذه العلاقة تفسر سرعة نفوذ جبهة النصرة في سوريا ودخولها المباشر في عمليات القتال ضد قوات الأسد. من الصعب التمييز بين تشكيلتي «الدولة الإسلامية» بقيادة «أبو بكر البغدادي» وجبهة النصرة بقيادة «أبو محمد الجولاني». كلف البغدادي الجولاني بتأسيس النوى والمجموعات التابعة لهذه التشكيلة في سوريا، ثم خرجت جبهة النصرة من تحت مظلة هذه التشكيلة. ينطبق هذا الأمر أيضاً على تنظيم الدولة، حيث يتبع هيكلية القاعدة الدولية، وقد أصدرت القاعدة في عام 2003 أمر تأسيس فرعها العراقي بقيادة «أبو مصعب الزرقاوي». كلا التنظيمين في العراق وسوريا، يتبعان القاعدة بقيادة «أيمن الظواهري». بالطبع، قبل أن تتسلل الخلافات بين هذه الأجنحة، ويتحول الأصدقاء السابقون إلى ألد الأعداء.
في عام 2011، اعتمدت تشكيلات الدولة الإسلامية في العراق على أبو محمد الجولاني في سوريا. يُعتبر الجولاني أحد القادة الموثوقين لهذه التشكيلات. كانت مهمته الإشراف على المجاهدين السلفيين في سوريا وتنظيمهم. في عام 2012، وتحديداً في 25 يونيو، أعلنت جبهة النصرة عن وجودها لأول مرة. نفذت هذه الجبهة عدة عمليات انتحارية في سوريا، وبشكل خاص في دمشق، حيث استهدفت القواعد الأمنية والدولية التابعة لحكومة الأسد.
حتى وقت إعلان جبهة النصرة عن وجودها وقيامها بعمليات مباشرة، لم تحدث أي توترات بين هذه الجبهة وتشكيلات الدولة؛ لأنها كانت تُعتبر في ذلك الوقت جزءًا من الدولة الإسلامية في سوريا، وكان الجولاني يُعرف كقائد مُعين من قبل البغدادي، حتى أعلن البغدادي في أبريل 2013 عن دمج تشكيلات الدولة الإسلامية والنصرة. وقد قوبل هذا الأمر بردود فعل من الجولاني، حيث عبر عن عدم علمه بهذا القرار، ونفى في بيان له الاندماج مع تشكيلات الدولة، وفي رد فعل عملي، بايع أيمن الظواهري، زعيم القاعدة. وهكذا، أعلنت جبهة النصرة عن نفسها كفرع للقاعدة في سوريا، دون أن يحدث أي سوء فهم.
لا توجد معلومات موثوقة حول شخصية الجولاني. وينطبق هذا الوضع أيضاً على المصادر المالية، وعدد المقاتلين، والشخصيات الحقيقية للقادة من الدرجة الأولى والثانية. المعلومات الوحيدة المتاحة تتعلق بما كشفه بعض المقاتلين الذين كانوا نشطين في صفوف هذه الجبهة ثم انفصلوا عنها بعد فترة. هناك أيضاً بعض التقارير الاستخباراتية التي تكشف عن أسرار قليلة من جبهة النصرة.
يقال إن الجولاني، أو كما تقول بعض المصادر «أسامة الحداوي»، من قرية «الشحيل» التابعة لـ «دير الزور». كان يدرس في عام 2003 في جامعة دمشق في تخصص الطب. ثم توجه مع شقيقه «ثامر الحداوي»، خريج تخصص الاقتصاد، للقتال ضد القوات الأمريكية المحتلة في العراق. قُتل ثامر في العراق، وأقام أسامة علاقة وثيقة مع الزرقاوي ثم البغدادي. هذا الأمر ليس بعيداً عن التنبؤات التي يصعب إثباتها، حيث يعتقد بعض المحللين أن الجولاني هو نفسه «أبو مصعب السوري»، لأن خطاب هذين الشخصين يتوافق مع بعضهما البعض. التشابه وأحياناً المطابقة بين أفكار الجولاني وأطروحات أبو مصعب السوري جعل بعض الكتاب والباحثين يعتبرون هذين الشخصين واحداً.
يُقال إن الجولاني بعد عودته من العراق، تم اعتقاله من قبل جهاز المخابرات السوري، وفي عام 2011 أُطلق سراحه مع باقي رفاقه الجهاديين في ذلك الوقت. بخلاف هذا الخبر، لم يُذكر اسم الجولاني في سوريا حتى أواخر عام 2011. في نهاية هذا العام، ارتبط اسمه بجبهة النصرة، وتم التعرف عليه كمسؤول ومؤسس لهذه الجبهة.
في أواخر عام 2011، شكلت هذه الجبهة نواها التابعة لها؛ لكن حتى أبريل 2012، لم تصدر أي بيانات بشأن إعلان وجود هذه النوى. بعد هذا التاريخ، أصبحت جبهة النصرة جزءاً أساسياً من الصراعات في سوريا. في البداية، دخلت الساحة كجناح جاء لمساعدة أهل الشام، وبعد فترة، ظهرت كواحدة من النوى الرئيسية والفعالة في النزاع السوري.
على مستوى قادة الجبهة، يجب القول إن معظمهم من المجاهدين العرب، أي أولئك الذين اكتسبوا تجارب كبيرة في أفغانستان والعراق. من بين القادة السوريين يمكن الإشارة إلى الجولاني و«أبو همام الشامي»، ومن بين القادة من جنسيات عربية مختلفة يمكن الإشارة إلى «العريدي»، «أبو مارية» و«التبوكي»؛ لكن جميع هؤلاء القادة كانت لهم علاقات وثيقة مع مجاهدي القاعدة.
بعد فترة، تخلّى أبو محمد الجولاني عن الارتباط بالقاعدة لتجنب عواقب هذه الانتساب وللحصول على حرية عمل، وتعاون مع بعض المجموعات المعارضة الأخرى للحكومة السورية.
في أواخر يوليو 2016، أعلن أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة، عن قطع ارتباط هذه الجبهة مع التنظيم المركزي للقاعدة، وغير اسم تنظيمه السلفي - العسكري إلى جبهة فتح الشام بعد هذا الائتلاف. استمر النشاط الائتلافي، مما أدى إلى تعزيز هذا الائتلاف وتأسيس هيئة تحرير الشام في يناير 2017. تم الإعلان عن الانفصال عن القاعدة كبرنامج جدي تم السعي لتحقيقه. ومع ذلك، استمر هذا المسار على الأقل من الناحية الظاهرة ليصبح أكثر وضوحاً. حيث حاول الجولاني في أواخر نوفمبر 2017 الضغط على مؤيدي القاعدة داخل جبهة النصرة. لذلك، اعتقل شخصيات مثل الدكتور سامي العريدي، فاروق السوري، بلال خريسات، أبو القاسم الأردني وغيرهم من القادة المؤيدين للقاعدة. ومع ذلك، تم الإفراج عنهم بعد عدة أسابيع من قبل هيئة تحرير الشام، وسعوا لتأسيس فرع جديد للقاعدة في سوريا وبدأوا برنامج تجنيد من بين المعارضين السوريين.
مع كل هذه التنوع من الأسماء والائتلافات الجديدة، لا يمكن تجاهل المحورية السياسية - الفكرية لجبهة النصرة.
المصادر المالية
عندما بايع أبو محمد الجولاني الدكتور أيمن الظواهري، انتهت الأسئلة والأجوبة حول طبيعة ارتباط جبهة النصرة، وأصبحت هذه الجبهة تُعتبر جزءاً أساسياً من التشكيلات الدولية للقاعدة. يُظهر هذا أن أحد أهم المصادر المالية لجبهة النصرة هو التشكيل الرئيسي للقاعدة. وفقاً لمعلومات من مصادر متنوعة، كانت جبهة النصرة تتلقى في البداية الدعم المالي والتسليحي من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. أشار أبو بكر البغدادي، قائد هذا التنظيم، في بيان تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام في 9 أبريل 2013 إلى هذا الدعم، قائلاً: "عندما تخلت أهل الأرض عن مساعدة أهل الشام، دعونا الجولاني مع مجموعة من أبنائنا، وأرسلناه من العراق إلى الشام ليلتقي بهيئاتنا. وضعنا لهم خطة واستراتيجية؛ رسمنا رؤيتهم السياسية؛ وبما كان لدينا من أموال بيت المال، ساعدناهم، وقدمنا لهم نصف الميزانية شهرياً، ووقفنا معهم بقوات مؤهلة في مجال الجهاد". بعد أن قطع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة علاقاتهما، قامت الجبهة بتوفير مصادر مالية خاصة بها، وأهمها:
الغنائم
مع زيادة ساحات المعارك للجماعات المعارضة العسكرية ضد قوات الأسد، انتشر مصطلح "الغنائم" في أوساطهم. أصبحت مخازن الذخائر والمعدات التي استولت عليها جبهة النصرة مصدراً مهماً لتأمين جزء من الأسلحة والذخائر اللازمة لهذه الجبهة. خلال الحرب، وقعت قاعدة "شيخ سليمان"، اللواء 46، ومخازن "خان طومان" و"مهين" في قبضة النصرة. خصصت جبهة النصرة 40% من الغنائم لنفسها، حيث شاركت في العمليات العسكرية جنباً إلى جنب مع الجماعات المعارضة الأخرى.
آبار النفط والموارد العامة
بعد انسحاب موظفي حكومة الأسد من العمل في آبار النفط، تمكنت جبهة النصرة من الاستيلاء على هذه الآبار. وبالتالي، أصبحت آبار النفط واحدة من أهم المصادر المالية لهذه الجبهة. ومنذ بداية عام 2013، سعت النصرة للسيطرة على آبار النفط في محافظتي "دير الزور" و"الحسكة". أدى ذلك إلى نشوب حرب مدمرة مع تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يسعى أيضاً للسيطرة على الموارد النفطية وكسب ملايين الدولارات يومياً. بالإضافة إلى السيطرة على العديد من آبار النفط، كانت جبهة النصرة تهدف أيضاً إلى تنظيم الحياة الاجتماعية في مناطقها، لذا وضعت السيطرة على البنية التحتية والمرافق العامة في جدول أعمالها واستثمرت فيها للحصول على أرباح كبيرة من هذه المصادر؛ على سبيل المثال: تولت إدارة صوامع القمح وموارد الطاقة؛ فرضت ضرائب على النقل؛ واستفادت من حافلات النقل العام في حلب ومناطق ريف إدلب لمصالحها.
اختطاف وابتزاز
تقوم جبهة النصرة بعمليات اختطاف شخصيات مهمة، بدءاً من الصحفيين وصولاً إلى رجال الدين، وتطلب مبالغ ضخمة مقابل الإفراج عن هؤلاء الأشخاص. على سبيل المثال: تم اختطاف 12 من الراهبات من دير "معلولا" شمال دمشق. لعبت قطر دوراً محورياً في مفاوضات الإفراج عن هؤلاء الراهبات. وفقاً لبعض المصادر، دفعت قطر 16 مليون دولار للخاطفين للإفراج عن الراهبات.
من بين الرهائن الآخرين الذين لعبت قطر دوراً في الإفراج عنهم، يمكن الإشارة إلى "بيتر ثيوكرتيس" الأمريكي الذي أمضى حوالي عامين في احتجاز جبهة النصرة، وإطلاق سراح 45 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (من فيجي) الذين كانوا في مهمة على الحدود السورية الإسرائيلية.
المساعدات المالية من الشيوخ والمؤسسات الخيرية الخليجية
بعد أن بايع الجولاني أيمن الظواهري زعيم القاعدة، أصبحت جبهة النصرة معترف بها من قبل هذه التشكيلات، وتلقت الدعم المالي من مؤيديها، أي الشيوخ والمؤسسات الخيرية الخليجية. وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" في 8 سبتمبر 2014: "قدمت قطر ملاذاً آمناً لبعض الشيوخ والدعاة، أي الذين وضعت وزارة الخارجية الأمريكية أسمائهم في قائمة الداعمين الرئيسيين لفرع القاعدة السوري. من بين هؤلاء الأشخاص، يمكن الإشارة إلى "الشيخ حجاج العجمي" الكويتي". وأشارت الصحيفة إلى أن العجمي ألقى كلمة في مؤتمر في الدوحة لعدد من الأثرياء القطريين، حيث قال: "تبرعوا بأموالكم لمن سيستخدمها في سبيل الجهاد، وليس في أمور أخرى". لا يقتصر هذا الأمر على قطر فحسب، بل يشمل أيضاً السعودية والكويت.
المصادر الإقليمية
لا توجد وثائق أو أدلة تؤكد الآراء السائدة حول الدول الداعمة لجبهة النصرة؛ لذلك، فإن ما يُقال يدخل في إطار التحليل والتوقع. تُشير أصابع الاتهام نحو قطر فيما يتعلق بتمويل جبهة النصرة. على الرغم من عدم وجود دليل ملموس على ذلك، إلا أن هناك العديد من المؤشرات والأدلة التي تقودنا إلى هذه النتيجة. على سبيل المثال: على الرغم من التدابير الأمنية لجبهة النصرة، تمكنت الشبكة الفضائية المرتبطة بالحكومة القطرية من إجراء مقابلة حصرية مع الجولاني قائد جبهة النصرة؛ بينما يُقال إن حتى القادة الكبار في جبهة النصرة لم تتح لهم فرصة التعرف على الجولاني. نحن نعتقد أن هذا الأمر يدل على مدى وطبيعة العلاقة القوية بين شبكة الجزيرة والحكومة القطرية مع جبهة النصرة. هذه العلاقة منحت قطر الفرصة للتعرف على أحد أخطر الشخصيات في العالم، وهو أبو محمد الجولاني، وهي فرصة لا تتوفر لدولة أخرى.
من ناحية أخرى، هناك عشرات الشيوخ والمؤسسات في قطر تعمل بشكل علني على جمع التبرعات المالية لجبهة النصرة وغيرها من فروع القاعدة في دول أخرى. تتم جميع هذه الأنشطة تحت نظر الحكومة القطرية. لا يُخفى على أحد الدور المحوري والوسيط الذي قامت به قطر عدة مرات. لقد قامت هذه الدولة بالتوسط للإفراج عن عدد كبير من الأشخاص المخطوفين، وفي معظم الحالات، دفعت مبالغ ضخمة كفدية لهؤلاء الأشخاص لجبهة النصرة، مما يدل على الشبكات المالية غير المباشرة التي أنشأتها قطر لجبهة النصرة.