السيد كاظم الحائري
آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري رجل دين عراقي بارز، من مراجع التقليد المعاصرين (القرن 15 هـ)، وأحد أبرز تلامذة السيد محمد باقر الصدر. بعد استشهاد أستاذه رجع إليه الكثير من العراقيين في التقليد وفي إدارة شؤونهم السياسيّة. أصدر الحائري في أول صفر عام 1444 هـ بياناً أعلن فيه عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر.
مولده ونسبه
وُلد السيد كاظم الحسيني الحائري في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1938 (1357 للهجرة)، في مدينة كربلاء بجنوب غربي بغداد، والده السيد علي الحسيني الحائري، من مواليد كربلاء، انتقل إلى النجف لإكمال دراسته الدينية، وأصبح من أبرز علمائها الشيعة، وتوفي عام 1978، و لسماحة السيد الحائري خمسة أشقّاء توفّي اثنان منهم في سنّ الطفولة، واستشهد واحد منهم في سجون النظام البعثيّ البائد تحت التعذيب، وهو الشهيد سماحة آية الله السيّد محمّد علي الحسينيّ الحائريّ ، والباقي اثنان، وهما : سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد حسين الحسينيّ الحائريّ. وسماحة آية الله السيّد علي أكبر الحسينيّ الحائريّ، انتقل السيد الحائري مع أبيه إلى النجف وهو رضيع، وعندما بلغ 22 من عمره تزوج ابنة عمه، ورُزق منها 4 أبناء، الشهيد السيّد جواد الذي رافق أباه في الهجرة إلى إيران، وحينما شنّ النظام الصدّامي الحرب العدوانيّة على الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران شارك في الحرب مدافعاً عنها حتّى بلغ مرتبة الشهادة وله من العمر ثمان عشرة سنة، والسيّد صادق، وحجة الإسلام السيّد علي والسيّد محمّد رضا.[١].تلقّب سماحة السيّد بالحسينيّ الحائريّ، فأمّا الحسينيّ فنسبة إلى نَسبه الشريف الذي ينتهي إلى الإمام زين العابدين، ثُمّ الإمام الحسين، ثُمّ أمير المؤمنين والزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وأمّا الحائريّ فنسبة إلى أنّ ولادته وولادة أبيه من قبله في كربلاء المقدّسة المشتملة على الحائر الحسيني، وسُمّيت تلك البقعة بذلك للكرامة التي ظهرت للروضة الشريفة عندما أمر المتوكّل العبّاسيّ ـ لعنه الله ـ بشقّ نهر من الفرات يمرّ بالروضة المطهّرة يريد بذلك محو أثرها، فكان الماء يطوف حول الروضة المطهّرة وينصرف، فسمّيت بالحائر; لأنّ الماء كان يحور حول الروضة الطاهرة.[٢].
دراسته الحوزوية
بدأ دراسته في السنة الخامسة من عمره على يد والدته الفاضلة، فتعلّم القراءة والكتابة، والقرآن الكريم، والأدعية والزيارات، وعدداً من الرسائل العمليّة، وعدداً من كتب الحديث الشريف ككتاب (عين الحياة) للمرحوم المجلسيّ . ثُمّ تتلمذ على يد والده، فبدأ بعلوم اللغة العربيّة، وانتهى بكتاب (المكاسب) للشيخ الأنصاريّ ، وكتاب (الكفاية) للشيخ الآخوند الخراسانيّ ، ودرس بعض المقاطع من السطح على يد آخرين. ولم يكن قد أكمل السابعة عشرة من عمره إلاّ وقد أكمل السطح العالي، ودخل درس المرحوم سماحة آية الله العظمى السيّد محمود الشاهروديّ ، فشارك في خارج الفقه والاُصول معاً، فكان البعض يتضايق من حضوره لصغر سنّه، ويطلب من أبيه أن لا يحضر في مثل هكذا درس ضخم، وكان والده يقول لهم: امتحنوه، فإنّه أهل للحضور. واستمرّ في ملازمة السيّد الشاهروديّ سنين طويلة، ولـمّا غزر علمه أحال السيّد الشاهروديّ عليه بعض الاستفتاءات، وكانت مدّة تتلمذه على يد السيّد الشاهروديّ ما يقارب أربع عشرة سنة. ولمّا تعرّف باُستاذه الثاني سماحة آية الله العظمى السيّد الشهيد محمّدباقر الصدر ، حدثت له نقلة في حياته العلميّة، فأخذ بملازمة السيّد الشهيد ردحاً طويلاً من الزمن درس عليه الفقه والاُصول، والفلسفة والاقتصاد، وكان يساعد اُستاذه علميّاً في تأليف كتاب (الاُسس المنطقيّة للاستقراء) الذي يمثّل القمّة في البناء الهرميّ لفكر اُستاذه الشهيد، وكانت مدّة تتلمذه عند اُستاذه السيّد الشهيد الصدر(قدس سره) اثنتي عشرة سنة.[٣].
نشاطه الحوزوية== منذ أن وطأت قدماه أرض قم المقدّسة أوقف نفسه للعلم وطلاّبه، فدرّس في بعض السنين أربعة دروس لخارج الفقه والاُصول يوميّاً، مضافاً إلى انشغاله في الأجوبة عن الاستفتاءات التي كانت ولاتزال ترد عليه من شتّى أنحاء العالم; إذ رجع إليه الكثيرون من مقلّدي سماحة السيّد الشهيد الصدر في التقليد وفي إدارة شؤونهم السياسيّة.
وقد درّس دورة اُصوليّة كاملة بتحقيق عميق ودقيق، ثمّ شرع في الدورة الاُصوليّة الثانية، كما درّس كثيراً من أبواب الفقه على مستوى الدراسات العليا (أبحاث الخارج)، وقد درّس بعض أبواب الفقه دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والفقه الوضعي كالقضاء وولاية الأمر في عصر الغيبة وفقه العقود، وهو مستمرّ الآن في تدريس أبحاث الخارج فقهاً واُصولاً، ودام تدريسه هذا ما يقارب ثلاثين سنة.
تلأسيس مدارس الدينية
وقد أخذ العراق منه جلّ اهتمامه، فبادر إلى تأسيس مدرسة علميّة في سنة (۱٤٠۱ ه ق ) تهتمّ بتربية الشباب العراقيّين علميّاً وروحيّاً; ليكونوا علماء العراق مستقبلاً، وأفلح والحمد لله في ذلك، فخرّجت المدرسة إلى هذا اليوم أفواجاً من العلماء والأساتذة وكثيراً من المبلّغين الواعين ولايقلّ عددهم عن ألفي طالب، وتفتخر المدرسة بثلّة من خرّيجيها المجاهدين الذين حملوا السلاح في وجه طاغية العراق، واستشهدوا على أرضه دفاعاً عن الإسلام، فطوبى لهم وحسن مآب.
وسمّى سماحته المدرسة باسم اُستاذه آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره); لتكون حاملةً لأفكاره، ومواصلةً لنهجه، وكانت المدرسة الوحيدة في ذلك التأريخ التي تدرّس علوم أهل البيت (عليهم السلام) باللغة العربيّة في حوزة قم المقدّسة، وهي أوّل مدرسة ـ أيضاً ـ تبنّت منهج الشهيد الصدر الأوّل (قدس سره) في دراسة اُصول الفقه
ثُمّ عمد (دام ظله) من خلال مكتبه في قم المقدّسة إلى تأسيس مؤسّسة تهتمّ بإرسال العلماء إلى مناطق تبليغيّة، وتسهيل مهمّتهم ومتابعتهم، وسمّـاها ـ أيضاً ـ باسم اُستاذه الشهيد (قدس سره). ومارس التربية بنفسه، فأخذ يلقي كلّ ليلة جمعة من أيّام الدراسة محاضرة في التزكية، أو العقائد على رغم انشغاله طوال الاُسبوع، وله برامج طوال في شهر رمضان المبارك، وتكون له في كلّ ليلة منه محاضرة يقصدها طلاّب العلم والمعرفة. ويسجّل كلّ حديث يلقيه سماحته في شريط التسجيل، ويوضع في المكتبة الصوتيّة المعدّة ـ في مكتب سماحته ـ لإعادة أنواع الدروس الحوزويّه إعانةً لطالب العلم ومساعدةً له. وقد أسّس سماحته مدرسة اُخرى باسم اُستاذه الشهيد الصدر رضوان الله عليه في النجف الأشرف بعد سقوط النظام البعثي الكافر، وهي تتبع المنهج نفسه. وكان ينقل مراراً عن اُستاذه الشهيد (قدس سره) أنّه كان يقول: يجب أن نهتمّ بالتربية العلميّة للطلاّب الكفوئين الواعين; كي يكون الأعلم دائماً منهم. وتراه يبذل في هذا السبيل ما بوسعه لتحقيق هذا الهدف الساميّ الذي يحمي الاُمّة، ويصونها عن كلّ شرّ وسوء. وفّقه الله لما يحبّ ويرضى. [٤].
نشاطاته السياسية والإجتماعية
التجربة الدينية والسياسية
كان الحائري يتابع الوضع السياسي وهو في النجف، وقدّم توجيهات وفتاوى، منها كتابه "طريق المجاهد" الذي كان مرجعا لبعض المناهضين لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وقبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أصدر الحائري بيانات مشهورة، منها بيان "إهدار دم رموز البعثيين"، وبيان رفض فيه الاعتراف بالدستور المؤقت، وذكر فيه أنّ "هذا الدستور بحذافيره دستور غير شرعي، وليس ملزما لأحد من المسلمين". وعليه، أمر الحائري مكتبه بإعداد دستور دائم للبلاد نشره باسم "لبنة أولية مقترحة لدستور الجمهورية الإسلامية في العراق".
وبسبب موقفه من الحكومة وقتئذ، خرج من النجف عام 1974 متوجها إلى مدينة "قُم" الإيرانية التي تعدّ المركز العلمي الديني للشيعة بعد النجف، حيث نزل في "حوزة علمية" (الحوزات هي مراكز دراسية لطلبة العلوم الدينية الشيعة) وبدأ نشاطه العلمي بالتدريس هناك.
وبعد إعدام محمد باقر الصدر في عهد الرئيس الراحل صدام حسين عام 1980، واكب الحائري ما تعرف بـ"الحركة الإسلامية العراقية" وشجع على "الجهاد" ضد حكم صدام.
أسس الحائري مطلع ثمانينيات القرن الماضي مدرسة علمية تختص بتدريس علوم "أهل البيت"، وأطلق عليها اسم أستاذه "محمد باقر الصدر"، وكانت أول مدرسة تدرس المذهب الاثني عشري باللغة العربية وقتئذ، وأول مدرسة تتبنّى منهج الصدر في أصول الفقه، ثم أسس مؤسسة تهتم بإرسال "العلماء" للتبليغ في مناطق متعددة.