التلاحم
لا شك في أن قوة المجتمعات وفاعليتها في المجالات المختلفة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات المجتمعية تكمن في طبيعة العلاقة بين أفراد المجتمع، بين الرؤية والسلوك، بين النظرية والتطبيق، بين التخطيط والأهداف، وذلك بالارتهان إلى منظومة من القيم والثوابت الوطنية والأخلاقية، التي تحرس طبيعة الاستجابة للعلاقات الاجتماعية.
ومن هنا نجد أن التلاحم المجتمعي، الذي ينهض بدوره على التماسك الأسري يمثل الخطوة الأولى في طريق السعادة المجتمعية، وفي طريق التنمية المستدامة، لأنه ينهض من رؤية تتكامل فيها العلاقات المجتمعية، كما تتكامل فيه الرؤى والأهداف في البناء الاجتماعي.
وحين نستقرئ هذا الموضوع نجد أنه السمة الأكثر بروزاً في المجتمعات، التي تستجيب للتعددية الثقافية والفكرية، وذلك لتعزيز التآلف بين أفراد المجتمع والتعاون والتضامن، حيث تعتمد قوة التلاحم المجتمعي على ثوابت مبدئية، تتصل بالمصلحة العامة للمجتمع كالشعور بالانتماء وتقبل التعددية والثقة المتبادلة والاحترام المرتهن إلى الهوية الجمعية للمجتمع.
وهناك من يعرف التلاحم المجتمعي بمستوى التعاون بين أفراد المجتمع، على خلفية القيم والمبادئ الوطنية والأخلاقية كالتسامح والتعددية وقبول الآخر والمساواة بين الأعراق والأجناس، بعيداً عن أي إقصاء أو تهميش، وذلك لتوفير أكبر قدر من الرفاه الاجتماعي، لتحقيق التقدم والرقي في المجتمع والحياة، فالتلاحم الاجتماعي هو الضمان لسعادة المجتمع، والضمان لتحقيق الأهداف والغايات على مستوى الأفراد وعلى مستوى المؤسسات، وذلك ارتهاناً إلى المنظومة القيمية المجتمعية والمصلحة العامة للمجتمع.
ولا شك في أن الأهمية البالغة التي يلعبها التلاحم المجتمعي، تؤكد العلاقة الوثيقة بينه وبين النواة المجتمعية الأساس وهي الأسرة، لأن المجتمع المتلاحم هو مجتمع ينهض على أساس التماسك الأسري، المرتهن إلى العلاقات الإيجابية بين أفراد الأسرة، وطبيعة المنظومة الأخلاقية والقيمية التي تحتكم إليها التنشئة الاجتماعية، ليرتبط ذلك برؤية أكثر عمقاً وهو التكامل بين جميع مؤسسات المجتمع، ولا يمكن أن تنهض تنمية المجتمعات وتلاحمها إلا عبر تكامل في الرؤى والأهداف المشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع، سواء التربوية أو الثقافية أ أو التعليمية أو الاقتصادية أو الإعلامية وغيرها من المؤسسات الخاصة والعامة، ليستوي المجتمع على مقامه الأفضل، الذي يضمن سعادة أفراده ونجاح مساعيه نحو المستقبل الأفضل، وضمان التنمية المستدامة، التي هي غاية كل المجتمعات الحية.
وهذا المعنى هو المنسجم مع المجتمع الإماراتي، بقيمه وثوابته وتسامحه وتعدديته الثقافية وهويته الراسخة، ورؤيته للتنمية المستدامة، وتفعيله لرؤية المستقبل، وتمكين أفراده من المشاركة التفاعلية عبر مد جسور التحاور والنقاش الموضوعي على مستوى الأفراد والأسر والمؤسسات والجمعيات المجتمعية الخيرية والإنسانية، والأنشطة التشاركية، وغيرها ما يتصل بتنمية العلاقات الاجتماعية، لأنه مجتمع متناغم بين جميع مكوناته، حيث يشكل التلاحم المجتمعي والتماسك الأسري، جوهر الهوية الإماراتية، من أجل حاضر منفتح على مستقبل أكثر سعادة وإشراقاً.
لتبقى دولة الإمارات معيارية للتلاحم المجتمعي والتماسك الأسري، ومعيارية في التناغم والانسجام بين جميع الأفراد مجتمعها ومؤسساته، وبين مجتمعها والمجتمعات الأخرى، لأنها دولة تردم كل الفجوات والفراغات بين الفكر والسلوك، بين الرؤية والفاعلية في رسم معالم المستقبل للوطن والإنسان.