التعايش السلمي
التعايش السلمي: تعتبر مفردة (التعايش ) من المفردات المهمّة لتواجد الأفراد في داخل المجتمعات، بل هي المفردة الأسمى لتواجد بني الانسان ضمن دائرة الإنسانية الواحدة القادرة على البناء الإنساني المتضامن. ومفردة (التعايش) بما تحمل من معان هي بحدّ ذاتها ثورة لتوحيد المجتمعات.. ثورة على الذات الرافضة للآخر.. ثورة على الآخر الرافض للذات الإنسانية. وهنا المقصود من مصطلح الثورة التحرّك السريع لتوحيد المجتمع ضمن مفردة التعايش السلمي، ولكن -وكما هو معروف لدى المفكّرين والمثقّفين- فإنّ مفردة (الثورة) بحاجة إلى التحرّك المتضامن مع التنظير، فالتنظير يسبق هذه الثورة لضمّ أبناء المجتمع ضمن البناء الواحد، ومفردة (التعايش) لا تخصّ مجتمعاً دون آخر، بل هي لكلّ المجتمعات، ومن طبيعة الإنسان أن يكون متعايشاً مع الآخرين ضمن مناهج الحوار السبّاقة.
مدخل
إنّ موضوع التعايش السلمي من الموضوعات المُهمّة التي تشغل اليوم المُجتمعات الإنسانيّة، والتي يكثر تناولُها في وسائل الإعلام والاتّصال، كما أصبح موضوعاً حارّاً للمُناقشة في الندوات والمُؤتمرات، حيث ازدادت أهمّيته في العصر الذي نعيش فيه، فعلى رغم تطوّر الإنسان علمياً ومدنياً ينحطّ المجتمع البشري من داخله ثقافياً وخلقياً، وكذلك تهبط المودّة الإنسانية والقيم الخلقية.
لقد أصبحت فكرة التسامح الديني والتعايش السلمي دعوة فكرية تحمل في طيّاتها مضامين فكرية وثقافية وحضارية واجتماعية، وقد تُبنى هذه الفكرة وينظر لها من الطرف الإسلامي بأنّها احترام الآخرين وحرّياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقَبول بها، وهو تقديرُ التنوّع الثقافي، وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى في الأديان.
التعايشُ السلمي ليس هو فقط موضوعاً وهاجساً ومشروعاً يهمّ دولة ومُجتمعاً، بل هو أيضاً هاجس إنساني. ويحمل التعايش السلمي قيمة كبيرة في العالم المتحضّر، وقد أصبح مبدأً أساسياً من مبادئ التسامح والتعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها، والذي يتحقّق في ظلّه الازدهار والتقدّم.
يدعو التعايش السلمي بين البشر جميعاً إلى جوّ من الإخاء والتسامح بين كلّ الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. التعايش الإنساني في داخل المجتمع الواحد مطلوب موضوعياً واجتماعياً، مهما اختلفت الأفكار والمفاهيم والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ.
التعايش والتفاهم وقبول الآخر يتمّ عن طريق التواصل بشكل مباشر وبشكل يومي أو شبه يومي في القرية والمدينة والمُجتمع الواحد بشكل عامّ، ولا يجوز الهروب أو رفض هذا الواقع، الذي يضمّ في أكنافه تناقضات واختلافات عديدة في وجهات النظر أو العقائد والمفاهيم وخلافه.
الإسلام هو دينُ التسامح والمحبّة والسلام، وهو عقيدة قوية تضمّ جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية. وقد أولى الإسلام قيمة التسامح مكانة هامّة، وظلّت هذه القيمة سمة من سمات حضارة الإسلام عبر العصور والتاريخ. والتسامح مبدأ من المبادئ التي عمّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض، ومن مبادئ الإسلام الراسخة، وهو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان. ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام إلى التعامل مع غير المُسلمين، فلا تكتمل عقيدة الإسلام إلّا إذا آمن بالرسل جميعاً، لا يفرّق بين أحد منهم، وهذا هو البعد الإنساني الذي يعطي للتسامح في الإسلام مساحات واسعة.
ومن الوالضح أنّ التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف، ويؤسّس العلاقات الإنسانية التي يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصومات العقائدية والحضارية والثقافية قد لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصومات أن تمنع التعارف بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها، ومفهوم التعارف ذو سعة، يمكن أن يشمل كلّ المعاني التي تدلّ على التعاون والتساكن والتعايش، ويمكن أن يستوعب التعارف قيم الحوار والجدل بالتي هي أحسن والاحترام المُتبادل.
إنّ ضرورة التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات تزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتّصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب.
التسامح الدينيّ يُساعد على تحقيق السلام الاجتماعي والتعايش السلمي، ويصون المجتمع لتحقيق الحياة الآمنة السعيدة.والتعايش السلمي يمثّل أساس السلم الاجتماعي لأيّ مُجتمع بهدف إبعاده عن النزاعات والصراعات والسير بخطى ثابتة نحو التنمية المُستدامة. فالتسامح الدينيّ والتعايش السلمي ضرورة الوقت بين الأفراد والجماعات والأديان وعلى صعيد الأسرة والمُجتمع الدولي.
تعريف التعايش السلمي
تَعايَشَ: فعل، تعايشَ يتعايش، تعايشاً، فهو مُتعايش، وتَعايَشُوا، أي: عاشوا على الأُلفة والمَوَدَّةِ.
والتعايش في المجتمع: يعني أنّه مُجْتَمَعٌ متكوّن من طوائف يَعِيشُ أَهْلُهُ فِي تَعَايُشٍ وَوِئَامٍ.. أي، يَعِيشُونَ فِي تَسَاكُنٍ وَتَوَافُقٍ دَاخِلَ الْمُجْتَمَعِ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ اخْتِلاَفِهِمُ الدِّينِيِّ وَالْمَذْهَبِيِّ.
والتعايش: احترام الآخرين وحرّياتهم، والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد، والقبول بها، وتقدير التنوع الثقافي.
والتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ: تَعْبِيرٌ يُرَادُ بِهِ خَلْقُ جَوٍّ مِنَ التَّفَاهُمِ بَيْنَ الشُّعُوبِ بعيداً عَنِ الحَرْبِ وَالعُنْفِ.
كما يعرّف بأنّه: الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة. وهذا التعريف يعني قبل كلّ شيء اتّخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحقّ الآخرين في التمتّع بحقوقهم وحرّياتهم الأساسية المعترف بها عالمياً.
التعايش السلمي والتسامح
التسامح ثمرةٌ للتعايش ونتيجةٌ عنه، فلا يمكن أن يكون التسامح إلّا بعد عيش مشترك لجماعة من الناس، تحمل أفكاراً وتصوّرات متباينة، وتمارس عادات متنوّعة، وتنتمي إلى ديانات مختلفة. وهو قيمة راقية لا تصدر إلّا عن نفوس كريمة. وللتسامح الديني آثارٌ على الفرد والمجتمع، كما أنّه يسهم في البناء الحضاري الذي يعني انطلاق نمط من أنماط السلوك الإنساني، يعترف بالآخر، فيؤثّر فيه ويتأثّر به، وهو ما يعني حضارةً قويةً وممتدّةً، لن تعصفَ بها التقلّباتُ المختلفة كما قيل.
فالتعايش السلمي يدعو الناس إلى التسامح والتآخي، فإذا حقّقوا ذلك استطاعت مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وكذلك دول العالم أجمع، رسم ملامح الحضارة الإنسانية المبنية على الحقوق والواجبات.
خصائص التعايش السلمي
للتعايش خصائص تتمثّل فيما يأتي:
1- القول بحرّية التدّين، والتركيز على القواسم المشتركة.
2- منع كلّ ألوان الاعتداء على الآخر.
3- منع الكراهة الدينية، والدعوة إلى الإخاء الإنساني.
4- المطالبة بالحرّية الدينية للأقلّيات غير المسلمة في البلاد الإسلامية، والعكس بالعكس، والتعامل معهم على أساس الوحدة الوطنية.
5- الإقرار بالأديان السماوية جميعاً.
6- الاجتماع على تقوية الصلة بالله في النفوس، وخاصّة بعد طغيان المادّية وتفشّي قيمها المسيطرة على الشباب في العالم.
7- البعد عن العنف والإرهاب والتطرّف الديني والتكفير، وأيضاً البعد عن التدخّل في خصوصيات الآخر الدينية.
أهمّية التعايش السلمي
التسامح والتعايش مفتاح للتخلّص من الخلافات، وهو شرط ضروري للسلام والتقدّم الاجتماعي، ومن خلاله نستطيع التغلّب على التعصّب والتمييز والكراهية.
ومن أبرز الآثار الإيجابية التي يمكن أن تتحقّق بالتسامح والتعايش ما يأتي:
1.الاحترام المتبادل بين الأديان والطوائف والمذاهب.
2.ثبات واستقرار المجتمع.
3.ترسيخ قيم التعايش والحوار الحرّ العقلاني.
4.التغلّب على المواقف التعصّبية والتحيّزية.
5.إيجاد التوافق الاجتماعي وتحقيق المكاسب المشتركة.
6.الانفتاح بين الثقافات وتحقيق المكاسب المشتركة.
7.احترام حرّيات الإنسان وحقوقه.
أدوات ووسائل تحقيق التعايش السلمي
1.الحوار العقلاني الهادف.
2.التهدئة.
3.احترام حرّية الآخرين.
4.رحابة الصدر.
5.إعطاء الأولوية للمصلحة العامّة.
6.التعليم والتثقيف.
قواعد في كيفية التعايش السلمي
1.وجود المنطقة المشتركة مع الآخر.
2.البحث عن كلّ علم يساعد في إيجاد منطقة مشتركة مع الآخر.
3.الاندماج في المجتمع الصالح وعدم العزلة عنه.
4.عدم رفض أيّ فكرة بشكل مطلق حتّى وجود إمكانية الاستفادة منها في منطقة مشتركة.
5.عدم ظلم المخالف في الرأي، فيتحوّل إلى عدوّ.
6.الصدق في التعامل مع الآخرين.
واليوم نحن في العراق نحتاج هذه المفردة وتطبيقاتها اكثر من اي وقت مضى حيث ان بلادنا فيها من الطوائف والاثنيات والعرقيات الشيء الكثير فاذا لا يكون هناك تعايشا سلميا بين كل هذه الفسيفساء الجميلة في العراق لا نضمن استقرارا مرتكزا في هذا البلد ومبنيا على معاني الصدق والاخلاص لبناءه فالعراق متوزع وتكمن جمالياته في اطيافه المتعددة من سنة وشيعة وكرد وتركمان وصابئة وشبك وايزيديين ومسيح وغيرهم والعراق منذ الازل بني على كل هذه الشرائح المهمة القادرة على بناءه من جديد بعد عصف الدكتاتوريات المتعاقبة والارهاب الحالي ولكن تطبيق التعايش بين هذه الطوائف يتطلب التركيز على عدة نقاط مهمة تعتبر هي الكفيلة بانجاح التعايش السلمي بين العراقيين وبالامكان اجمالها بالنقاط التالية :
سبل إنجاح التعايش السلمي
1- ان يكون هناك تحاور بين كل الطوائف والقوميات وهذا التحاور مبنيا على اسس متينة من الصدق مع الاخر والاخلاص للاخر ويكون ايضا حوارا مبنيا على المصالح المشتركة لا مصلحة طرف دون اخر وان يسبق هذا الحوار تنظيرا على كافة المستويات ويكون بين رؤساء وعمداء الطوائف في البلد وان لا يستثنى منه احد هذا التحاور سيضع جوا من الحب والتعايش والتقاء الاخر والقرب منه بعيدا عن كل المشاحنات والاتهامات وغيرها من الامور .
2- ان تخرج توصيات من هذه الحوارات بين الطوائف والقوميات وان تكون هذه التوصيات ملزم العمل بها اي ان تدخل حيز التنفيذ لا ان تبقى حبرا على ورق وهذه التوصيات تتضمن امورا عدة منها :
أ- التاكيد على وحدة العراق والعراقيين .
ب- عدم التفريق بين الوان الطيف العراقي حسب العرق او الطائفة او المذهب .
ت- التاكيد على نبذ الارهاب ومن كل الجهات والمنظمات الداعمة له ,
ث- التاكيد على النقاط المشتركة ونبذ نقاط الخلاف بين الوان الطيف العراقي.
3- ان تبنى اجهزة الدولة على اساس من الكفاءات وبعيدا عن المحاصصات الطائفية التي تثير النزعات وبالنتيجة يسلم البلد الى حكومة كفوءة لتقدم البلد وازدهاره .
4- ان يكون رجال الدين طرف اساسي ومشارك فعال في المؤتمرات والحوارات والتركيز على مسالة مهمة الا وهي دور الدين في التسامح واشاعة مفاهيم الرافة والرحمة .
5- اشاعة المفاهيم الدينية الصحيحة بين افراد المجتمع وطبع الكتيبات والكراسات التي تحث على مناهج التعايش وان لا سبيل لوحدة المجتمعات الا بالتعايش السلمي القائم على اساس من الثقة المتبادلة بين الطيف العراقي ككل .
ان العراق يعيش اليوم دوامة من زعزعة الثقة بيين اطياف الشعب وذلك لان الحركات الارهابية تحاول ان تزرع الفتنة بين الشعب وتعرقل بناء العراق الديمقراطي الجديد عراق الانسان ولكن ان بناء العراق لا يتم الا بعد ان يكون هناك تعايشا بين الشعب والا كيف نبني وغيرنا يهدم وهنا يقول الشاعر :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
كما ان لاشاعة مفاهيم الانسانية دور اساسي في ضرب مفاهيم الاستبداد والتفرد في الراي في ادارة المجتمعات ولا سيما المجتمع العراقي اذن فالدور الذي تناط به القوى الوطنية والاحزاب الدينية والسياسية في هذه المرحلة دور اساسي وخطير ويجب ان يتكافل الجميع في سبيل انجاح المسعى الطالب لاشاعة مفاهيم التعايش السلمي وانقاذ العراقيين من شفا حرب اهلية لا قدر الله والتعايش يستند الى عدة نقاط اساسية نجملها بالشكل التالي :
1- التسامح وهو دعامة اساسية لرفد مفهوم التعايش .
2- ضرب مفاهيم الاستبداد والغاء الاخر واقصاءه .
3- التاكيد على مفهوم الهوية الوطنية العراقية وهذه هي مهمة المثقف العراقي وهي بلا شك مهمة صعبة فالمثقف اليوم عليه دور كبير في دراسة الواقع العراقي ورفد الحركة المجتمعية .
4- ان يكون الادب والفن من شعر وقصة ورواية وغيرها في خدمة الواقع والتركيز على مفهوم التعايش السلمي .