حجية الاطمئنان

من ویکي‌وحدت
مراجعة ١٥:٣٧، ٢٧ أبريل ٢٠٢١ بواسطة Mohsenmadani (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

حجية الاطمئنان: للاطمئنان الشخصي أو النوعي دور کبير في استنباط الأحکام الشرعية، لأن أکثر الأدلة لايبلغ حدّ القطع واليقين. والمراد في هذا البحث الإجابة عن هذا السؤال وهو أنه هل يتعبدنا الشارع بالاطمئنانات التي يحصل للفقيه حول وجود أو نفي موضوع من الموضوعات أو حكم من الأحكام؟

تعريف الاطمئنان لغةً

الاطمئنان: السكون والاستئناس، يقال: اطمأن قلب الرجل، إذا سكن واستأنس. [١]

تعريف الاطمئنان اصطلاحاً

الاطمئنان درجة عالية من الاحتمال تقارب اليقين والعلم الجزمي، على نحوٍ يبدو احتمال العكس ضئيلاً إلى درجة يلغى عمليا عند العقلاء، كما إذا كان احتمال العكس واحدا بالمئة مثلاً. [٢]
وذلك أنّ الانسان إذا التفت إلى وجود أو نفي موضوع من الموضوعات أو حكم من الأحكام، فإمّا أن يحصل له اليقين بذلك أو الاطمئنان أو الظنّ أو الشكّ أو التوقّف، وهذه الحالات تمثل مستوى أو درجة إيمان أو قناعة الإنسان تجاه وجود أو نفي ذلك الموضوع أو الحكم، وإذا أردنا أن نقرّب ذلك في ضوء النسبة المئوية، بأن نقول: إنّ اليقين يساوي 100%، والاطمئنان يساوي 95% إلى 99%، والظنّ يساوي 51% إلى 94%، والشكّ يساوي 50%، والتوقّف يساوي صفر. [٣]
ويسمّى هذا النوع من الاطمئنان بـ الاطمئنان الشخصي وهو محلّ البحث عند الأصوليين وفي مقابله الاطمئنان النوعي، الذي قد لاتحصل فيه تلك الحالة من الاستئناس بوجود الشيء أو عدمه عند الشخص، بل تحصل للطبيعة البشرية والنوع الإنساني. نعم، قد يتعبدنا الشارع بمثل هذا الاطمئنان في بعض الموارد. [٤]
وقد يعبّر عن الاطمئنان بـ «العلم العادي»[٥]، في مقابل العلم الجزمي أو اليقيني، وأخرى بأ نّه أعلى مراتب الظنّ أو الظنّ الأقوى أو الظنّ الاطمئناني[٦]، كما أنّ ظاهر بعضهم إطلاق لفظ «الاعتقاد»، عليه، وأ نّه فرد من أفراد الاعتقاد. [٧]

حجية الاطمئنان

لا إشكال ولا خلاف في حجّية الاطمئنان[٨]، وإنّما الكلام في منشئها، فهل هي ذاتية وبحكم العقل، كالقطع تنجيزا وتعذيرا، كما هو صريح بعضهم. [٩]
أو أنّ حجيته جعليّة ـ ببناء العقلاء وإمضاء الشارع ـ كـ الأمارات كما هو مختار جماعة من المحقّقين؟[١٠]
قولان؛ بناءً على الأوّل، وأنَّ حجّيته ذاتية، فلسنا بحاجة إلى تعبد شرعي للعمل بالاطمئنان، كما في القطع، نعم، يختلف عن القطع في جواز ردع الشارع عنه؛ لانحفاظ مرتبة الحكم الظاهري معه، فلايلزم التناقض الذي يلزم في الردع عن العمل بالقطع[١١]، فهو في جواز الترخيص فيه كـ الأمارات.
وأمّا على القول الثاني، فلابدّ من دليل على جعل الشارع الحجّية للاطمئنان، والدليل هو القطع بقيام السيرة العقلائية الممضاة من قبل المعصوم عليه‏السلام، وهذا مايقتضي القطع بمعاصرتها له، والقطع بإمضائه لها؛ إذ إنّ مجرّد الاطمئنان بتحقّق هذين الركنين، لايثبت حجّية الاطمئنان؛ للزومه الدور المستحيل؛ إذ إنّنا في مقام الاستدلال على حجّية الاطمئنان، فإذا كان الدليل هو الاطمئنان؛ فهذا يعني توقّف حجّية الاطمئنان على حجّية الاطمئنان؛ فإذا لابدّ من الاستدلال على حجّيته بالقطع.
ولاشكّ في قيام السيرة العقلائية على حجّية الاطمئنان، فسيرة البشرية جمعاء في أعمالهم؛ سواءً ما يرتبط منها بتشخيص الأحكام أوالموضوعات، قائمة على الأخذ به؛ لأ نّه قلّما يوجد مورد يحصل للإنسان به العلم الجزمي الذي لايقبل التشكيك؛ ولهذا ففي الأعم الأغلب تراهم يرتبون آثار الواقع على الاطمئنان ويتعاملون معه معاملة القطع، فلولا الاطمئنان لتوقّف العقلاء في أغلب أمورهم العلمية؛ إذ لا طريق لهم إلى حصول القطع. [١٢]
ولاشكّ أيضا في إمضاء الشارع لهذه السيرة، وعدم ردعه عنها، بل سار عليها؛ إذ لو كان له طريق آخر غير الاطمئنان كان قد جعله لتشخيص أحكامه التكليفية والوضعية وموضوعات أحكامه في جميع موارد العمل والحكم والقضاء وغير ذلك، لكان عليه نصبه وبيانه، والحال أنّ هذا أمر مقطوع العدم. [١٣]
لكنّ بعض المحقّقين ذهب إلى عدم حجّية الاطمئنان في الموضوعات كما هو صريح كلامه. [١٤]
واستدلّ لذلك بعدم قيام السيرة العقلائية عليه، وعلى فرض قيامها فهي مردوعة بعموم اعتبار البيِّنة في الموضوعات وظهور دليلها في حصرها إلاّ ما خرج بالدليل، من قبيل رواية مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه‏السلام، قال: سمعته يقول: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك، ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك، وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة».[١٥] إلاّ أنّ للنقاش مجالاً واسعا في ما ذكر يتبين ممّا قدّمناه وممّا ذكره المحقّقون في فقه هذه الرواية وأمثالها.
هذا كلّه في حجّية الاطمئنان التفصيلي، وهل الاطمئنان الإجمالي أيضا حجّة أم لا؟
فمثلاً إذا حصل لنا اطمئنان إجمالي بصدق رواية واحدة غير معينة من مجموع مئة رواية اخترناها من مختلف أبواب كتاب الوسائل ـ مثلاً ـ وبشكل عشوائي؛ بمعنى أن نجمع روايات متعددة من مختلف الأبواب، ومن دون قصد مسبق لها، فهل هذا الاطمئنان حجّة؟[١٦]
لاشكّ في حجّية الاطمئنان الإجمالي بناءً على أنّ حجّية الاطمئنان ذاتية كالقطع، فكما أ نّه لا فرق في الحجّية بين القطع التفصيلي و القطع الإجمالي، كذلك لا فرق بين الاطمئنان التفصيلي و الاطمئنان الإجمالي.
وأمّا بناءً على أنّ حجية الاطمئنان جعلية فقد تأمّل فيها بعض المحقّقين، قال: (حجّية هذا الاطمئنان مرتبطة بتحديد مدى انعقاد السيرة العقلائية على العمل بالاطمئنان الإجمالي المتكوّن نتيجة جمع احتمالات أطرافه، أو لا؟ إذ قد يمنع عن شمول السيرة لمثل هذه الاطمئنانات الإجمالية). [١٧]

المصادر

  1. كتاب العين 7: 442، لسان العرب 3: 2416 و4: 4060، مجمع البحرين 6: 277 مادة «نوم».
  2. أنظر أصول السرخسي 1: 284 ـ 285، كشف الأسرار البخاري 2: 661، عوائد الأيّام: 435 ـ 436، العناوين الفقهية 2: 202، دروس في علم الأصول 1: 287 و2: 156.
  3. أنظر أصول السرخسي 1: 284 ـ 285، كشف الأسرار البخاري 2: 661، عوائد الأيّام: 435 ـ 436، العناوين الفقهية 2: 202، دروس في علم الأصول 1: 287 و2: 156.
  4. أنظر: مصباح الأصول 2: 240 ـ 241، الرافد في علم الأصول: 131.
  5. معالم الدين: 192، عوائد الأيّام: 435، أجود التقريرات 3: 41، نهاية الأفكار 3: 21، تنقيح الأصول العراقي: 38، كلمة التقوى 2: 72.
  6. أنظر: أوثق الوسائل: 410، بحر الفوائد 3: 280، أجود التقريرات 3: 161، 253.
  7. أنظر: نفائس الأصول 1: 146 ـ 147، بيان المختصر 1: 20، دستور العلماء 2: 209.
  8. منتقى الأصول 4: 32، مصباح الأصول 2: 201، جواهر الكلام 14: 204، وأنظر: بحر الفوائد 3: 287.
  9. أجود التقريرات 3: 254 ـ 255، المباحث الأصولية 8: 208.
  10. بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 230، افاضة العوائد 2: 63، تحريرات في الأصول 6: 297.
  11. منتقى الأصول 4: 186.
  12. المنخول: 166، روضة الناظر: 153.
  13. منتقى الأصول 4: 33.
  14. مقالات الأصول 2: 243.
  15. وسائل الشيعة 17: 89 كتاب التجارة باب 4 من أبواب ما يتكسب به، ح4.
  16. أنظر: الحلقة الثالثة في اُسلوبها الثاني 2: 37.
  17. دروس في علم الأصول 2 : 156، وأنظر: مباحث الأصول الصدر 2 ق 2 : 321 الهامش، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 6: 142 و4: 336.