محمد الحسين كاشف الغطاء
الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء: مرجع دين شهير، ورائد من روّاد التقريب، ومصلح كبير، ومؤّلف مكثر، وأديب متمكّن. جال في الأقطار الإسلامية، واتّصل بكبار العلماء وقادة الفكر، وألقى المحاضرات والخطب الملهبة داعياً المسلمين إلى الوفاق وإعمال اليقظة والنهوض، وساهم بشكل فعّال في المؤتمرات الإسلامية المهمّة، وساند الحركات التحرّرية، وكتب في أُمّهات الصحف العربية بحوثاً قيّمة وقصائد متينة.
الاسم | محمّد الحسين كاشف الغطاء |
---|---|
الاسم الکامل | محمّد الحسين بن علي بن محمّد رضا المالكي آل كاشف الغطاء |
تاريخ الولادة | 1876م/1293ق |
محلّ الولادة | النجف (العراق) |
تاريخ الوفاة | 1954م/1373ق |
المهنة | عالم دین ، مرجع تقلید، مصلح اجتماعي، من روّاد التقريب |
الأساتذة | السيّد محمّد كاظم اليزدي، والشيخ رضا الهمداني، والميرزا الشيرازي، والآخوند الخراساني |
الآثار | تحرير المجلّة، الدين والإسلام، دائرة المعارف العليا، المراجعات الريحانية، تنقيح الأُصول، عقود حياتي، حاشية العروة الوثقى، جنّة المأوى |
المذهب | شیعي |
الولادة والنشأة
ولد الشيخ محمّد الحسين بن علي بن محمّد رضا بن موسى بن جعفر المالكي النجفي آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف عام 1876 م، ونشأ وترعرع في كنف أُسرة تعدّ من ألمع الأُسر العلمية والأدبية في العراق.
الدراسة الحوزوية
تتلمذ في الفقه والأُصول على مجموعة من الفطاحل، كالسيّد محمّد كاظم اليزدي، والشيخ رضا الهمداني، والميرزا الشيرازي، والآخوند الخراساني، وغيرهم.
التلاميذ
تتلمذ على يديه الكثير من الفضلاء، كالشيخ كاظم موسى كاشف الغطاء، والشيخ محمّد جواد مغنيّة، والشيخ محمّد تقي الفقيه، والسيّد محمّد رضا شرف الدين، والشيخ مهدي صحين الساعدي.
النشاطات
جال في الأقطار الإسلامية، واتّصل بكبار العلماء وقادة الفكر، وألقى المحاضرات والخطب الملهبة داعياً المسلمين إلى الوفاق وإعمال اليقظة والنهوض.
وساهم بشكل فعّال في المؤتمرات الإسلامية المهمّة، وساند الحركات التحرّرية، وكتب في أُمّهات الصحف العربية بحوثاً قيّمة وقصائد متينة.
كان مضرب المثل في الخلق الرفيع، والسلوك الاجتماعي الرزين، والقدرة العلمية الفائقة، والحنكة السياسية المميّزة، والذوق الشعري الممتاز.
المؤلّفات
من مؤلّفاته: تحرير المجلّة، الدين والإسلام، دائرة المعارف العليا، المراجعات الريحانية، تنقيح الأُصول، عقود حياتي، حاشية العروة الوثقى، جنّة المأوى، الآيات البيّنات، الوجيزة، أصل الشيعة وأُصولها، النفحات العنبرية، حاشية على التبصرة، الفردوس الأعلى، عين الميزان، ديوان شعر، حاشية على الأسفار، حاشية على الكفاية.
الوفاة
توفّي عام 1954 م، ودفن في وادي السلام بالنجف الأشرف.
رحلاته
كانت الرحلة الأولى في بداية شهر شوال سنة 1328هـ قاصداً مكة لأداء فريضة الحج، ثم عرَّج على دمشق وبيروت، وأخذ يتنقل بينهما نحو شهرين.ثم أقام في صيدا عدة شهور، وطبع عدة كتب من مصنفاته، وأشرف على طبع بعض الكتب العلمية والأدبية وعلق عليها.
ثم سافر من صيدا إلى القاهرة ليبقى فيها أكثر من ستة أشهر، اجتمع فيها إلى علماء الأزهر يأخذ عنهم ويأخذون عنه، ثم حاضَرَ في الأزهر الشريف وفي الكنائس مفنّداً مزاعم المبشّرين.
سافر إلى فلسطين عام 1350 هـ ليحضر المؤتمر الإسلامي المعقود في القدس، ولما حضر المسجد الأقصى دُعي للخطابة والصلاة بجميع المشاركين في المؤتمر آنذاك، وتجول بعد ذلك في مدن فلسطين كحيفا ويافا ونابلس.
وفي عام 1352هـ سافر إلى إيران فأقام صلاة الجمعة في جميع المدن التي زارها، وألقى الخطب، واتصل بالعلماء الأعلام هناك، كما زار إيران في عامي 1366 هـ، 1367هـ. وفي عام 1371هـ سافر إلى باكستان بدعوة من حكومتها، فشارك خير مشاركة في مؤتمر لمعالجة الشؤون الاجتماعية والسياسية في الدول الإسلامية، وقد كانت له الباع الطويلة في فضح دسائس الاستعمار التي أراد المستعمرون إدخالها في مقررات ذلك المؤتمر. مواقفه
لم يصرفه الانشغال في التدريس والتصنيف عن الجهاد في سبيل الله، فقد شارك مع السيّد محمد اليزدي وغيره من العلماء في المضي إلى سوح الجهاد في الكوت أمام قوات الإنكليز، كما أنه كان أبرز المؤيدين للنهضة الإصلاحية في العالم الإسلامي، ولم تزده محاولات الاستعمار للتفرقة الطائفية المذهبية بين أبناء الشعب العراقي إلاّ إصراراً على مكافحة هذا المرض الوبيل بالقول النافع والعمل الجاد الدؤوب الذي قطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، وبذلك كان مرجع الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها لأنهم أعطوه الثقة الكاملة لما وجدوه فيه من طهارة الذات ونبل المقصد وصلابة الموقف وحصافة الرأي وبعد النظر، ولولا مواقفه السامية الخالدة هذه لوقعت الفتنة الكبرى والطامة العظمى.
لقد كان يؤمن بأن أهم وظائف العالم وواجباته الأولى: معالجة الشؤون السياسية وفهمها حق الفهم. وقد أعطى تعريفاً للسياسة بأنها «الوعظ والإرشاد والنهي عن الفساد، والنصيحة للحاكمين بل لعامة البلاد، والتحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد ووضع القيود والأغلال على البلاد وأبناء البلاد».
وقد سنحت له الفرصة بزيارة السفير البريطاني لمدينة النجف واجتماعه به يوم 20 جمادى الأولى 1373 هـ / 1953م، فواجهه بالمنكرات التي أقدم عليها الإنكليز في كافة أنحاء العالم، بما فيها سعيهم إلى ضياع فلسطين وسقوطها بأيدي اليهود ومساعدتهم على استعمارها أرضاً وشعباً، ثم تهجيرهم إلى كل حدب وصوب.
ثم كان له لقاء بالسفير الاميركي، فواجهه أيضاً بما لأمريكا من اليد الطولى في تثبيت إسرائيل بأرض فلسطين، وما تسبب عن ذلك من أعمال وحشية يندى لها جبين الإنسانية. وكانت أبرز مواقفه رفضه حضور مؤتمر بحمدون الذي روّجت له أبواق الاستعمار، بل كان رده على دعوة الحضور حاسماً بليغاً جداً، مع كتاب في خدمة الأمة الإسلامية والذب عن حماها في مواجهة الاستعمار الكافر وهو كتاب «المُثُل العليا في الإسلام لا في بحمدون».
لقد كانت الدعوة موجهة له من قبل نائب رئيس جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في أميركا لحضور مؤتمر لرجال الدين من المسلمين والمسيحيين يعقد في لبنان لبحث القيم الروحية في الديانتين والأهداف المشتركة وموقف الديانتين من الشيوعية، وقد كان موقفه رفض الحضور مع بيان مثالب الحضارة الغربية القائمة على ضرب القيم الروحية، لذلك خاطبه في هذا الكتاب: «ألستم أنتم أخرجتم تسعمائة ألف نسمة من العرب، أخرجتموهم من أوطانهم وبلادهم وشردتموهم بالصحاري والقفار يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء. وكانوا في أوطانهم أعزاء شرفاء، يكاد يتفجع لحالهم الصخر الأصم، ويبكي لحالهم الأعمى والأصم، وأنتم لا تزالون تغرون اليهود بالعدوان عليهم. فهل فعل نيرون كأفعالكم هذه، والعجب كل العجب أنكم في الوقت نفسه تطلبون من المسلمين والعرب الانضمام إلى جهتكم، والتحالف معكم، وإبرام المعاهدات لكم، فإنكم تضربون العرب بأرجلكم ورجالكم تصفعونهم على عيونهم بيد، وتمسحون رؤوسهم باليد الأخرى»
الشيخ أبو عبد الحليم، محمّد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمّد رضا كاشف الغطاء، وينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل مالك الأشتر النخعي.
أبوه
الشيخ علي، قال عنه الشيخ آل محبوبة(قدس سره) في ماضي النجف وحاضرها: «هو زعيم الأُسرة الجعفرية في عصره وشيخها المقدّم، علا مجده وسعد جدّه، تربّع على منصّة الزعامة الطائفية في بيته، وكان مهاباً مبجّلاً محترماً». ولادته
ولد عام 1294ه بالنجف الأشرف. دراسته وتدريسه
بدأ بدراسة العلوم الدينية في مسقط رأسه، واستمرّ في دراسته حتّى نال درجة الاجتهاد، وصار من العلماء الأعلام في النجف، كما قام بتدريس العلوم الدينية فيها. من أساتذته
السيّد محمّد كاظم اليزدي، الشيخ محمّد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند الخراساني، الشيخ محمّد حسن المامقاني، الميرزا محمّد تقي الشيرازي، الشهيد الميرزا محمّد باقر الإصطهباناتي، الشيخ علي محمّد النجف آبادي، الشيخ أحمد الشيرازي، الشيخ رضا الهمداني. من تلامذته
الشهيد السيّد محمّد علي القاضي، الشيخ عبد الحسين الأميني، السيّد إسماعيل المرعشي، السيّد مسلم الحلّي، السيّد أمير محمّد القزويني، الشيخ علي الخاقاني، الشيخ محسن شرارة، الشيخ عبد الله المشطوب، الشيخ محمّد المهدوي السعيدي. من أقوال العلماء فيه
1ـ قال الشيخ حرز الدين(قدس سره) في معارف الرجال: «وكان عالماً أُصولياً فقيهاً، وكاتباً بارعاً، لا يُدانيه أحد في عصره بقلمه وخطابه ومجالسته، صرع الكتاب بقلمه، وأفحم المتكلّمين بمنطقه، أرجف ممثّلي الدول والساسة بحديثه وشخصيّته، إضافة إلى أنّه كان بحّاثة منقّباً مؤرّخاً أديباً شاعراً».
2ـ قال الشيخ آل محبوبة(قدس سره) في ماضي النجف وحاضرها: «هو عميد الطائفة الجعفرية وزعيمها، وعلم من أعلام الفرقة الناجية وناصرها، منبع العلوم والآداب، وكعبة الفضل التي إليها تحث الركاب سرّ الفصاحة وبحر البلاغة».
3ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهراني(قدس سره) في طبقات أعلام الشيعة: «هو من كبار رجال الإسلام المعاصرين، ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة… والحقيقة أنّه من مجتهدي الشيعة الذين غاصوا بحار علوم أهل البيت(عليهم السلام)، فاستخرجوا من تلك المكامن والمعادن جواهر المعاني ودراري الكلم فنشروها بين الجمهور».
4ـ قال السيّد الإصفهاني الكاظمي(قدس سره) في أحسن الوديعة: «وهو العلّامة الكبير، والمصلح الشهير، والعالم النحرير، لطيف التقرير، جيّد التحرير، وقلمه قلم عصري، ومؤلّفاته تُوافق ذوق العصر الحاضر… وهو اليوم من كبار رجال العلم والدين، وأحد مراجع المسلمين».
5ـ قال الشيخ الخاقاني(قدس سره) في شعراء الغري: «أشهر مشاهير زعماء الدين في العالمينِ الشرقي والغربي… والإمام المترجم له شخصية فذّة يصعب على الزمن أن يأتي بمثلها، فقد جمعت كثيراً من النواحي التي عزّ أن تُجمع في فقيه أو في زعيم ديني».
6ـ قال الشيخ محمّد هادي الأميني(قدس سره) في معجم رجال الفكر والأدب في النجف: «من أعلام الطائفة، ومنابع العلم والأدب والفقه، وأئمّة القريض والفصاحة والبيان». من صفاته وأخلاقه
كان(قدس سره) شجاعاً بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنىً في جميع المجالات العلمية والسياسة وغيرها، وكمثال على شجاعته السياسية ما كتبه في إحدى رسائله، من أنّ أمريكا تُبقي شعوبنا رازحة تحت أشكال الفقر والجهل والتخلّف، وكذلك في مجال الزراعة والصناعة؛ لكي تجعلنا أذلّاء خاضعين لها، وفي مقابل ذلك كلّه تسعى للسيطرة على ثرواتنا واستثمارها ونحن راضين.
وكان من صفاته: العفو عمّن أساء إليه، والحلم والصبر عمّن أخطأ بحقّه، ولم يكن مستبدّاً برأيه، يتقبّل النقد برحابة صدر، وإذا تبيّن له بأنّ الرأي الذي كان يعتمده خطأ كان يتركه ويأخذ بالصحيح، وكان يعتمد على نفسه، وفي الوقت نفسه لم يكن متكبّراً أو معجباً بنفسه، وكان نقي السريرة لا يحقد على الناس، لذلك لم ينظر إلى أحد نظرة حسد أو حقد أو ما شابه ذلك، وكان متواضعاً للجميع، الصغير منهم والكبير، والقريب والبعيد، وكلّ مَن جاء لمقابلته أو زيارته من جميع أرجاء العالم تحدّث عن تواضعه واحترامه واهتمامه بالجميع.
الرؤى التقريبية والوحدوية
دعا الشيخ كاشف الغطاء إلى الوحدة، وبارك وأثنى على كلّ خطوة تدعو إلى الاتّحاد والتقريب، وطلب من العلماء والمفكّرين والمثقّفين أن يبحثوا بحثاً موضوعياً في الوحدة بعيداً عن جميع التراكمات التي خلقتها الفرقة المذهبية، وقام بنفسه الشريفة بالسفر إلى عدّة بلدان عربية وإسلامية في سبيل هذا الهدف، فخفّف من النزعات اللاإنسانية، وعرّف الأُمّة بحقيقة الإسلام بعيداً عن المنحى الطائفي والتعصّب العرقي والمذهبي، وندب إلى الوحدة الأخلاقية والإيمانية ووحدة الإخاء والمودّة، ودعا إلى بذل الجهد في هذا المجال وأن لا يُقتصر على المقولات والآمال فقط، بل يُترجم ذلك إلى واقع عملي ملموس، وحذّر المسلمين من حيتان الغرب وأفاعي الاستعمار كما كان يسمّيها. ومن أجمل كلماته في هذا المجال قوله: «إنّ الإسلام بُني على دعامتين: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، فإذا لم تتوحّد الكلمة- يا أيّها المسلمون- فعلى الإسلام السلام!».
يمثّل الإمام كاشف الغطاء الحركة الهادفة والمعطاءة من أجل تثبيت دعائم الإسلام وتركيز مفاهيمه في قلوب الناس، وكان يعتصر قلبه ألماً وحرقة لما يعاني منه المسلمون من الفرقة والتناحر والابتعاد عن الإسلام. ولم تكن تحرّكاته في نشر مفاهيم الإسلام والدعوة إلى اللَّه مقتصرة على النجف الأشرف، بل امتدّت إلى مختلف بقاع العالم الإسلامي، كما كان يتّصل برؤساء الدول والسياسيّين، ويزرع في نفوسهم روح الخير والفضيلة، والتأكيد على دور الإسلام في توحيد الصفوف ونبذ الخلاف والفرقة.
لقد كان للإمام آل كاشف الغطاء حضور واسع وفعّال في الساحة السياسية، حيث عرف أنّه كان متتبّعاً لجميع الأحداث التي مرّت على المسلمين من خلال مواقفه وكتاباته وأسفاره... فيرى أنّ تدهور حياة الأُمم وانحلال هيكليتها وتماسكها سببه الاستعمار، فهو يعمل على تمزيق الأُمّة وتشتتها؛ لتسهل سيطرته عليها، وهذا العمل- وذلك في رأيه- يقع ضمن دائرتين، هما:
1- الإفساد الخلقي: فقد أكّد على أنّ السبب الرئيسي للفساد الخلقي في بلاد المسلمين يعود إلى الاستعمار، لذا نجده يقول: «أفسدوا أخلاق كلّ قطر من الأقطار، وسلبوا كلّ عزّة وكرامة ونبل وشهامة....».
2- زرع الاضطرابات والفتن داخل كلّ بلد مستعمر، ويقول بهذا الصدد: «وهكذا الدول الاستعمارية تصنع معنا- معاشر المسلمين- إذا اشتكينا إليهم يضربون بعضنا ببعض، ويلقون بأسنا بيننا، ثمّ يسلّطون اليهود علينا....».
وقد أشار الشيخ المجاهد إلى المساعدات الحربية للاستعمار والتي تعتبر الأدوات لاقتتال الأُخوة بقوله: «إنّ أمريكا تبذل الأسلحة الفتّاكة لإسرائيل نقداً ولا وعداً، تدفعها بلا قيد ولا شرط بأن لا ولو تقاتل بها العرب، بل على أن تقاتل بها العرب. أمّا العرب فتبذل لهم الأسلحة الرمزية العاطلة وعداً لا نقداً، وبشرط أن لا تقاتل بها إسرائيل»، ويضيف قائلًا:
«ما أدري، إذا لم نقاتل بها إسرائيل فمن نقاتل؟! وأيّ عدوّ لنا أمرّ وأدهى من إسرائيل؟! ومن خلق وأنشأ دولة إسرائيل؟! نعم، تقول أمريكا بلسان الحال الذي هو أبلغ من لسان المقال: أُعطيكم السلاح على أن يقاتل بعضكم بعضاً حتّى تهلكوا جميعاً!».
وقد نبّه الشيخ الأُمّة الإسلاميّة على ضرورة الاستقلال وعدم الميل للشرق أو الغرب، حيث يقول: «فلسنا مع اليمين ولا مع اليسار، بل جعلنا اللَّه «أُمّة وسطاً» شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، وهذا من أهداف الإسلام ومثله العليا».
كما يشير الإمام كاشف الغطاء إلى ثلاثة شياطين أو عفاريت- حسب تعبيره- تكيد للإسلام والمسلمين وتخطّط لإمرار مشاريعها المنحرفة، وهذه الشياطين هي: الشيوعية، والصهيونية، والاستعمار.
يصرّح الشيخ المجاهد بأنّ اختلاف كلمة المسلمين وعدم توحّدهم هو السبب الرئيسي لتدهورهم على مرّ العصور، ويستشهد بالأمثلة التاريخية التالية:
1- سبب حدوث الحرب الصليبية.
2- غلبة المغول والتتر على الممالك الإسلامية.
3- الاستعمار الأوروبّي للبلاد الإسلامية.
4- «إنّ اختلاف دول العرب هو الذي أدّى إلى الكارثة، ولا يتمكّن العرب من إيقاف نمو إسرائيل أو القضاء عليها إلّابتضامنهم واتّحادهم....».
ويلفت الشيخ أنظار المسلمين إلى سرّ انتصار المسلمين بوحدتهم وتكاتفهم، فيقول:«عرفنا أنّ الداء العضال والمرض القتّال إنّما هو التفرقة الناشئة من توغّل الأنانيات، والعصبيات الباعثة على التفاخر، ثمّ التنافر، فالتقاطع، فالتدابر، فدكّ العنصريات، وسحق القوميات، واستهلاك العصبيات. فصرّح الوحي على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه و آله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» (سورة الحجرات: 13)، ثمّ زاد وأوضح البيان: «الناس كلّهم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلّابالتقوى»، «ليس منّا من دعا إلى عصبية»، يعني: لا فخر بعجمية، ولا عربية، ولا هندية، ولا تركية، وإنّما الفخر بالعمل الصالح والمزايا الطيّبة، فالعصبية والأنانية هي كلّ الداء، والاعتماد على الفضيلة هو منتهى الدواء. لقد كان الرسول صلى الله عليه و آله ينادي في كلّ ملأ ومجتمع: «أما والذي نفس محمّد بيده، إنّكم لن تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتّى تجتمعوا، ولن تجتمعوا حتّى تتحابّوا»، ثمّ مضى على ذلك صحبه الكرام، فساروا على خطّه ومنهجه واحداً بعد واحد، فكانوا إخواناً على صفاء.... حتّى خاضوا البحار وملكوا الأقطار، وهم أعراب بادية، لا درس ولا مدرسة، ولا كتاب ولا مكتبة! وبنفس المضمون يقول الإمام علي عليه السلام: «إيّاكم والفرقة، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه»، ويعني بهذا الشعار: شعار التفرقة.
يرى الإمام كاشف الغطاء أنّ هناك أُفقاً أوسع للوحدة، يشمل الوحدة بين المسلمين وغيرهم من الكتابيّين، حيث يقول: «وحدة الإيمان تدعو إلى وحدة اللسان، ووحدة اللسان واللغة رابطة، والرابطة إخاء، وأُخوّة الأدب فوق أُخوّة النسب، وهي التي توحّد العناصر المختلفة والمذاهب المغايرة، فالنصراني واليهودي والمجوسي والصابئي الذين يخدمون لغتنا وثقافتنا، ويسالموننا ويواسوننا في السرّاء والضرّاء، ولا يساعدون الأعداء علينا، ويحامون عن أوطاننا، هم إخوان المسلمين، وداخلون في ذمّتهم، ويلزمهم حمايتهم، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وتجمعنا معهم الوحدة القومية، والقرآن الكريم ينادي ويشهد بذلك كما في قوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (سورة الممتحنة: 8)، «فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ» (سورة التوبة: 7). وينطلق الإمام كاشف الغطاء في ذلك إلى وحدة اللسان، ووحدة اللغة، ووحدة الإيمان باللَّه، حتّى لو كانوا يدينون بدين آخر، ينطلق بذلك من الرواية المأثورة عن الإمام علي عليه السلام في شأن النصراني، حيث تذكر الرواية: أنّه عليه السلام مرّ بشيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين: «ما هذا؟» فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنّه نصراني، فقال الإمام: «استعملتموه، حتّى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال».
أمّا بخصوص مسألة تعميق الإيجابيات في الأُمّة فنلاحظ في سيرة كاشف الغطاء ما يأتي:
1- التركيز على تطوير وجود المرجعية، وتجذيرها في الأُمّة من خلال أداء دورها العملي والحقيقي الكامل.
2- التركيز على نشر مفاهيم الإسلام وأحكامه في أوساط الجماهير الإسلامية، وتوضيح المواقف من الأحداث الجارية في الساحة باعتباره متصدّياً للمرجعية آنئذٍ.
3- التركيز على الجانب العلمي والابتعاد عن إثارة الشعارات المجرّدة والأفكار النظرية... لذا نجد أنّ بعض ممارساته قد وصلت إلى مرحلة الصراع المسلّح والسياسي، وذلك من خلال مشاركته في الحرب العالمية الأُولى إلى جانب الدولة العثمانية آنذاك ضدّ الدول المستعمرة والكافرة كبريطانيا، وكذلك مشاركته في ثورة النجف ضدّ القوّات البريطانية، بالإضافة إلى تأييده لحركة مايس عام 1941 م ضدّ الإنجليز.
4- الملاحظ في حياته سعة تحرّكه السياسي خارج العراق بشكل هادف، حيث قام بزيارة مختلف البلدان الإسلامية باتّجاه تعميق الأهداف الإسلامية، وذلك لشعوره بأنّ العالم الإسلامي وحدة متّصلة متداخلة وأنّ موقعه القيادي لا يعرف الحدود التي صنعها الاستعمار، فقام بزيارة المراكز المهمّة والحسّاسة في الصراع السياسي، وكانت زياراته من أوّليات اهتماماته، فقد زار كلّاً من: الجزيرة العربية، وبلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين)، ومصر، وإيران، وباكستان، واتّصل بأهل الحلّ والعقد، ورفض النظرية القائلة بضرورة ابتعاد رجل الدين عن السياسة... ولعل أوّل باب فتحه خارج النجف الأشرف كان عن طريق المراسلات التي جرت بينه وبين الأديب أمين الريحاني.
5- الاهتمام بأُسلوب الكتابة والتأليف، حيث نهج فيه نهجاً يختلف عمّا تعارف عليه العلماء الذين سبقوه، فلم يقتصر في كتاباته على البحوث الفقهية والأُصولية، بل توجّه في تحرّكاته ونشاطاته العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية إلى معالجة قضايا الأُمّة المعاصرة.
كما حذّر الشيخ المجاهد من خطر التبشير على الأُمّة الإسلامية، وله كتاب قيّم بهذا الصدد موسوم ب «التوضيح في بيان حال الإنجيل والمسيح» يردّ به ردّاً علمياً دقيقاً وشاملًا على المبشّرين، وكان يفتتح خطاب التحذير بجمل من قبيل: «أيّها المسلم، إذا وسوس لك المبشّر بأباطيله، ودعاك إلى الإيمان بأناجيله، ودفع لك المنشورات والجزوات من أضاليله، فارمها تحت قدميك، وقل له: أتدعوني إلى الإيمان بالكتب المشحونة بالأكاذيب؟!».
ولم يقصد الإمام التهجّم على المسيحيّين، فهو يحترمهم بحكم احترام الإسلام لأهل الكتاب، ولكنّه الدفاع عن النفس والواجب الشرعي.
وكما يحذّر الشيخ كاشف الغطاء الدول الإسلامية من توقيع المعاهدات مع الدول الاستعمارية والدخول في أحلاف معها، فإنّه في الوقت نفسه يؤكّد على أنّ سموّ الأُمّة الإسلامية ورفعتها هو في وحدتها، وبهذا الصدد يقول: «ولو أنّ هذه الشعوب والممالك أخلصت للَّهنيّتها، وأحكمت وحدتها، ووحّدت كلمتها، وسحقت الأطماع وسياسة الخداع ما بينها، عارفة حقّ اليقين أنّ مصارع العقول تحت بروق المطامع، وأنّ الاتّحاد قوّة، والاجتماع ثروة....».
وعلى صعيد آخر يقول الشيخ: «نعم، من الواجب واللازم إنشاء حلف صادق بين الدول العربية والإسلامية، مشروط بعدم دخول دول الاستعمار فيه».
لقد كان الشيخ كثيراً ما يؤكّد على أهمّية الاتّحاد بين الجمهور والإمامية تحت لواء الإسلام ومبادئه الأساسية الحقّة، وللشيخ رسالة صغيرة سمّاها: «كيف يتّحد المسلمون؟» بيّن فيها أفكاراً مهمّة لتوحيد المسلمين، منها: وحدة أبناء التوحيد تحت شعار: «لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه»، والاتّحاد من خلال العمل.
وقد أرسل الإمام كاشف الغطاء رسالة لدار التقريب مشجّعاً فيها فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وفيها يقول: «فضيلة العالم الجليل الشيخ محمود شلتوت (أيّده اللَّه): «اطّلعت على كلمة لكم في بعض الصحف كان فيها للَّهرضى وللأُمّة صلاح، فحمدناه تعالى على أن جعل في هذه الأُمّة وفي هذا العصر من يجمع شمل الأُمّة، ويوحّد الكلمة، ويفهم حقيقة الدين، ويزيد الإسلام لأهله بركة وسلاماً، وما برحنا منذ خمسين عاماً نسعى جهدنا في التقريب بين المذاهب الإسلامية وندعو إلى وحدة أهل التوحيد....».
كما يقول: «ودبّت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة، وصار يتقارب بعضهم مع بعض، ويتعرّف فريق لفريق، وكان أوّل بزوغ لشمس تلك الحقيقة ونمو لبذر تلك الفكرة ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الإسلامي العامّ في القدس الشريف من اجتماع ثلّة من كبار المسلمين وتداولهم في الشؤون الإسلامية....».
وقد طلب الشيخ من المفكّرين والعلماء والمثقّفين أن يبحثوا بحثاّ علمياً موضوعياً بعيداً عن كلّ التراكمات والخلفيات النفسية التي خلقتها الفرقة المذهبية. كما طلب منهم أن يعملوا بكلّ جدّ وإخلاص على تهدئة الجوانب العاطفية المتأجّجة في المجال الشعبي التي تقف أمام الخلافات بحدّة، وأن يوضّحوا للأُمّة بأنّ الخلافات ما هي إلّااجتهادات اقتنع بها كلّ مجتهد من خلال اجتهاده، والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب، ولا تكون الخلافات في الرأي مصدر تضليل، ولا هي العقدة، فهناك أكثر من رأي يتبنّاه الناس في هذه الدائرة الأُخرى من دون أن يشعروا بالعقدة، فذلك عندنا في الدوائر الإسلامية وفي دوائر المذهب السنّي أو الشيعي».
وأخيراً هاك- عزيزي القارئ- مقتطفات من أقواله وكلماته في الوحدة والتوحيد:
- إنّ الاتّفاق والاتّحاد ليس من مقولة الأقوال، ولا من عالم الوهم والخيال، ويستحيل أن توجد حقيقة الاتّفاق والوحدة في أُمّة ما لم يقع التناصف والعدل بينها بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، والمساواة في الأعمال والمنافع، وعدم استئثار فريق على آخر.
- قد بني الإسلام على دعامتين: توحيد الكلمة، وكلمة التوحيد... توحيد الخالق، وتوحيد بين الخلائق. وحرام وأفظع من كلّ حرام أن يحارب المسلم أخاه المسلم من أيّ عنصر كان ومن أيّ بلاد يكون.
- إنّ العناصر المختلفة والشعوب المتفرّقة من: إيراني أو تركي أو هندي أو صيني أو غيرهم إذا دانوا بدين الإسلام، وحافظوا على لغة القرآن والحديث، فهم إخواننا بجامعة الإسلام، بل وبالوحدة القومية بمعناها الواسع. كما أنّ الواجب الأكيد على جميع المسلمين أن يلتفّوا حول راية الإسلام، ويكونوا قلباً واحداً ويداً واحدةً، ولا يتركوا مجالًا للحزازات الطائفية والمذهبية في نفوسهم.
- أما آن لهذه الحكومات والشعوب أن تستيقظ من رقدتها، و تنشر من موتتها، وتتدارك أمرها؟! أما أيقنت وأذعنت أنّ هذا الاستعمار الأعمى الظالم بل المجنون العارم يستحيل التخلّص منه إلّابالاتّحاد العميق والاتّفاق الوثيق؟!
- تربط الأُمّة الإسلامية ثلاث أواصر: إله واحد، وكتاب واحد، وقبلة واحدة.
المصدر
(انظر ترجمته في: معارف الرجال 2: 272- 276، ريحانة الأدب 3: 343، نقباء البشر 2: 612- 619، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة 2: 1649، الطليعة من شعراء الشيعة 2: 204- 210، شعراء الغري 8: 99- 183، معجم مؤلّفي الشيعة: 339، أدب الطفّ 10: 46- 61، الأعلام للزركلي 6: 106- 107، معجم المؤلّفين 9: 250، موسوعة النجف الأشرف 11: 303- 304، موسوعة العتبات المقدّسة 6: 181- 182 و 310 و 324، هكذا عرفتهم 1: 227- 252، دائرة المعارف الشيعية العامّة 16: 330- 331، معجم المؤلّفين والكتّاب العراقيّين 7: 162، أعلام اليقظة الفكرية في العراق الحديث: 110- 116، مع علماء النجف الأشرف 2: 402- 403، معجم الأُدباء للجبوري 5: 253- 254، معجم الشعراء للجبوري 4: 422- 424، موسوعة أعلام العرب 1: 456- 458، مخزن المعاني: 333، كفاح علماء الإسلام: 189- 194، أساطين المرجعية العليا: 173- 262، معجم مؤرّخي الشيعة 2: 177- 178، فهرس التراث 2: 413- 417، موسوعة طبقات الفقهاء 14: 683- 686، رجالات التقريب: 337- 352، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 2: 101- 102).