القرآن
القرآن الکریم كلام اللّه المنزّل على رسوله النبي محمد المصطفى (صلى الله عليه و آله)، والمعجزة الخالدة، وهو المصدر الأوّل من مصادر التشريع عند المسلمين، والعروة الوثقى التي يتمسّك بها لجمع ولمّ شمل الأُمّة الإسلامية. وقد عدّ كثير من المفكّرين والباحثين أنّ أهمّ سبب في انحطاط المسلمين في هذه العصور إنّما هو الابتعاد عن كتاب اللّه وعدم العمل به.
فضل القرآن الكريم في روايات الفريقين
عن طريق الإمامية
القرآن حبل الله المتين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، ان هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين». الإمام الرضا (عليه السلام) قال في صفة القرآن: «هو حبل الله المتين».
عن طريق اهل السنة
قَالَ: وَثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ، فَإِنَّ حَبْلَ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ».
عن طريق الإمامية
القرآن إمامٌ وقائدٌ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن هذا القرآن هو النور المبين. ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله، ومن جعله إمامه الذي يقتدى به ومعوله الذي ينتهي إليه، آواه الله إلى جنات النعيم، والعيش السليم».
عن طريق اهل السنة
عن علي(عليه السلام) قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمهاجرين والأنصار: «عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَاتَّخِذُوهُ إِمَاماً وَقَائِداً فَإِنَّهُ كَلاَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي هُوَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ فَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ».
عن طريق الإمامية
القرآن دواء وشفاء نافع قال الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في تفسيره عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله): «عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع، والدواء المبارك». قال الإمام علي (عليه السلام): «أحسنوا تلاوة القرآن فإنه أنفع القصص، واستشفوا به فإنه شفاء الصدور». الامام علي (عليه السلام): «ما جالس هذا القرآن أحد الَّا قام عنه بزيادة او نقصان: زيادة في هدى، ونقصان من عمى. و اعلموا ! أنه ليس على احد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى. فاستشفوه من أدوائكم، و استعينوا به على لأوائكم، فإنّ فيه شفاء من اكبر الداء، وهو الكفر، والنفاق، والغيّ، والضلال؛ فاسألوا الله به، وتوجّهوا اليه بحبّه». وقال (عليه السلام): «تعلموا القرآن فإنه ربيع القلوب و استشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور».
عن طريق اهل السنة
حَدَّثَ أَبُو الْحَسَنِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُفْلِسِ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُسَيْنِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْأَوْدِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُتْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ الدَّهَّانُ، عَنْ سُعَادٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله وسلم): «الْقُرْآنُ هُوَ الدَّوَاءُ».
عن طريق الإمامية
القرآن غنيٌ لاغنيَ دونه قال (صلى الله عليه وآله) : «القرآن غنى لاغنى دونه، ولا فقر بعده». الإمام علي (عليه السلام): «اعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لاوائكم».
عن طريق اهل السنة
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه و آله وسلم): «الْقُرْآنُ غَنِيٌّ لَا فَقْرَ بَعْدَهُ، وَلَا غِنًى دُونَهُ».
عن طريق الإمامية
القرآن فيه علم الأولين والآخرين محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه، إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم».
عن طريق اهل السنة
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».
القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ
القرآنُ معجزةُ اللهِ الْخالدَةُ الصَّالحَةُ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، وقد تضمَّنت آياته الكريمة كل ما يحتاجه الناس من أمر دينهم ودنياهم، وما يحقق مصالحهم، وتضمن أيضاً كثيرا من الحقائق التاريخية والعلمية التي قد اكتشف الناس بعضها لما تطورت الاكتشافات العلمية، وقد يكون الباقي عليهم أكثر لأنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلاً. والمسلم لا يتغير إيمانه بأنّ القرآن كتاب صدق ذكرت فيه أمور كثيرة، ولكن الاطلاع على كلّ ذلك قد لا يتاح إلاّ في الأزمنة والآجال التي أرادها الله. وفي ما ذكر كفاية لمن كان ذا أذنٍ صاغيةٍ إلى الحق، وإن يكفر به قوم فقد وكل الله به قوما ليسوا به كافرين.
التَّحَدِّي بواسطهِ نبيِّهِ الأمِّيّ
والذي يُطلب دليلا على وجود القرآن الكريم ونزوله من الله تعالى، وعلى صدق نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) في رسالته فهو فأوضح من الشمس في رابعة النهار؛ فإنّ الله تعالى أنزل هذا الكتاب على نبيه الأميّ الذي لم يقرأ الكُتُبَ السّالفةَ ولا تَلَّقَى عن أهلها، ثم أخبر بما كان في الزمن الماضي على نحو مطابق لما بيد أهل الكتاب، وأخبر عن مغيبات فوقعت كما أخبر،
وتحدى به أهل زمانه ومن بعدهم إلى قيام الساعة؛ فالله سبحانه وتعالى تحدَّى الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فلم يستطيعوا، على الرغم من أن الذين تحداهم كانوا أبلغ الخلق وأفصحهم، والقرآن إنما نزل بلغتهم، ومع ذلك فقد أعلنوا عجزهم التام، قال الله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا».
وهذا التحدي الذي تحدى الله تعالى به كفار قريش باقٍ إلى قيام الساعة، فلم يستطع أحد من الخَلق أنْ يأتي بشيءٍ مثله، أو قريب منه بوجهٍ من الوجوه، ولو كان القرآنُ كلامَ بشرٍ لاستطاع بلغاء البشر أنْ يأتوا بمثله أو قريب منه. فقال الله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ».
المستفاد من کلمات العلماء
==المستفاد من کلمات العلماء==
المستفاد من کلمات العلماء ما هو نفيس في بيان دليل صدق النبي (صلى الله عليه وآله) وكون ما أتى به من القرآن إنّما هو من عند الله تعالى؛ ونحن نسوقه هذه الإستفادة ليزداد البصير في أمره بصيرة ولا يبقى للريبة بعدُ موضعٌ. هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدّي الكافرين بالتنزيل الكريم، وقد تحدّاهم الله تعالى في غير موضع منه، فقال في سورة القصص: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».[1] وقال في سورة الإسراء: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً».[2] وقال في سورة هود: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».[3] وقال في سورة يونس: «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ».[4] وكلّ هذه الآيات مكيّةٌ، ثمّ تحدّاهم أيضا في المدينة بقوله: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ». إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم وهم فُرسان الكلام، وأربابُ النّظام، وقد خصُّوا من البلاغة والحكم، ما لم يَخُصُّ به غيرهم من الأمم،
وأوتو من ذرابة اللسان ما لم يؤتَ إنسانٌ، ومن فصلِ الخطاب، ما يقيّد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقةً، وفيهم غريزةٌ وقوّةٌ، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلُّون به إلى كل سبب، فيخطبون بديهاً في المقامات وشديدَ الخَطبِ ويرتجزون به بين الطعن والضَّرب، ويمدحون، ويقدحون، ويتوسلون، ويتوصّلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال، ويطوّقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال، فيخدعون الألباب، ويذلِّلون الصِّعاب، ويذهبون الإحن، ويهيجون الدّمن ويجرّئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيّرون الناقص كاملا، ويتركون النبيهَ خاملاً، منهم البدويّ: ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ، والمنزع القويّ، ومنهم الحضريّ: ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرّف في القول القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوّة الدامغة، والقدح الفالج، والمهبع الناهج، لا يشكُّون أنّ الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قدحوا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كلّ باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفنّنوا في الغثّ والسمين، وتقاولوا في القلّ والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنّهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء، ولم ينبض منهم عرق العصبيّة مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة، وإلقائه الشراشر على المعازّة والمعارّة، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط: إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرّد لهم الحجّة أولا، والسيف آخرا، فلم يعارضوا إلا السيف وحده، فما أعرضوا عن معارضة الحجّة إلا لعلمهم أنّ البحر قد زخر فطمّ على الكواكب، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب، وبذلك يظهر أنّ في قوله تعالى: «وَلَنْ تَفْعَلُوا» معجزة أخرى، فإنَّهم ما فعلوا، وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، قال الحافظ ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»؛ ففكَّر ساعةً ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها، قال: وما هو؟ فقال: «يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر»؛ ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب![5] وحيث عجز عرب ذلك العصر، فما سواهم أعجز في هذا الأمر! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم، أو ذو إستسلام، فدلّ على أنّه ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقا لرسوله، وتحقيقا لمقوله وهذا الوجه ـ أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حدّ خرج عن طوق البشر ـ كاف وحده في الإعجاز، وقد انضمّ إليه أوجه: منها إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر، ومنها: كونه لا يملّه السمع مهما تكرر، ومنها: جمعه لعلوم لم تكن معهودة، عند العرب والعجم، ومنها: إنباؤه عن الوقائع الخالية، وأحوال الأمم، والحال أنّ من أنزل عليه، (صلى الله عليه وآله) كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، لاستغنائه بالوحي، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى، وبذلك يعلم أنّ القرآن أعظم المعجزات، فإنّه آية باقية مدى الدهر، يشاهدها كلّ حين بعين الفكر كلّ ذي حجر، وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها، فلم يبق منها إلا الخبر.
[1] . القصص: 49.
[2] . الإسراء: 88..
[3] . هود: 13.
[4] . يونس: 38ـ 38.
[5] . البداية والنهاية: 6/359.
المستفاد من کلمات العلماء ما هو نفيس في بيان دليل صدق النبي (صلى الله عليه وآله) وكون ما أتى به من القرآن إنّما هو من عند الله تعالى؛ ونحن نسوقه هذه الإستفادة ليزداد البصير في أمره بصيرة ولا يبقى للريبة بعدُ موضعٌ. هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدّي الكافرين بالتنزيل الكريم، وقد تحدّاهم الله تعالى في غير موضع منه، فقال في سورة القصص: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ». وقال في سورة الإسراء: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً». وقال في سورة هود: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ». وقال في سورة يونس: «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ». وكلّ هذه الآيات مكيّةٌ، ثمّ تحدّاهم أيضا في المدينة بقوله: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ». إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم وهم فُرسان الكلام، وأربابُ النّظام، وقد خصُّوا من البلاغة والحكم، ما لم يَخُصُّ به غيرهم من الأمم، وأوتو من ذرابة اللسان ما لم يؤتَ إنسانٌ، ومن فصلِ الخطاب، ما يقيّد الألباب،
جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقةً، وفيهم غريزةٌ وقوّةٌ، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلُّون به إلى كل سبب، فيخطبون بديهاً في المقامات وشديدَ الخَطبِ ويرتجزون به بين الطعن والضَّرب، ويمدحون، ويقدحون، ويتوسلون، ويتوصّلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال، ويطوّقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال، فيخدعون الألباب، ويذلِّلون الصِّعاب، ويذهبون الإحن،
ويهيجون الدّمن ويجرّئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيّرون الناقص كاملا، ويتركون النبيهَ خاملاً، منهم البدويّ: ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ، والمنزع القويّ، ومنهم الحضريّ: ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرّف في القول القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوّة الدامغة، والقدح الفالج، والمهبع الناهج، لا يشكُّون أنّ الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قدحوا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كلّ باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفنّنوا في الغثّ والسمين، وتقاولوا في القلّ والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنّهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء، ولم ينبض منهم عرق العصبيّة مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة، وإلقائه الشراشر على المعازّة والمعارّة، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط: إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرّد لهم الحجّة أولا، والسيف آخرا، فلم يعارضوا إلا السيف وحده، فما أعرضوا عن معارضة الحجّة إلا لعلمهم أنّ البحر قد زخر فطمّ على الكواكب، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب، وبذلك يظهر أنّ في قوله تعالى: «وَلَنْ تَفْعَلُوا» معجزة أخرى، فإنَّهم ما فعلوا، وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، قال الحافظ ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»؛
ففكَّر ساعةً ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها، قال: وما هو؟ فقال: «يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر»؛ ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب! وحيث عجز عرب ذلك العصر، فما سواهم أعجز في هذا الأمر! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم، أو ذو إستسلام، فدلّ على أنّه ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقا لرسوله، وتحقيقا لمقوله وهذا الوجه ـ أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حدّ خرج عن طوق البشر ـ كاف وحده في الإعجاز، وقد انضمّ إليه أوجه: منها إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر، ومنها: كونه لا يملّه السمع مهما تكرر، ومنها: جمعه لعلوم لم تكن معهودة، عند العرب والعجم، ومنها: إنباؤه عن الوقائع الخالية،
وأحوال الأمم، والحال أنّ من أنزل عليه، (صلى الله عليه وآله) كان أميّا لا يكتب ولا يقرأ، لاستغنائه بالوحي، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى، وبذلك يعلم أنّ القرآن أعظم المعجزات، فإنّه آية باقية مدى الدهر، يشاهدها كلّ حين بعين الفكر كلّ ذي حجر،
وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها، فلم يبق منها إلا الخبر.
القرآن من وجهة نظر أهل السنة لكل من الفريقين وجهة نظر حول المصحف الشريف
القرآن من وجهة نظر أهل السنة
بملاحظة قول النبي (ص)
وأحسن ما قال صاحب الشريعة في القرآن ما نقله الفريقين: «انّي تارکٌ فيکم الثِّقلَين؛ کتاب اللهِ وعترتي ما ان تمسّکتم بهما لن تضلّوا ابداً، لن يفترقا حتّي يردا علي الحوض». أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ». حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّزَّازُ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ) قَالَ: «لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ و آله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ».
بملاحظة قول علي بن ابيطالب (ع)
وفي نهاية المطاف نشير إلي کلام امير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: «القرآن أفضل من كلّ شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فمن وقّر القرآن، فقد وقّر الله؛ ومن لم يوقّر القرآن، فقد استخفّ بحقّ الله».
وقال (عليه السلام): «ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لاتُطفأ مصابيحه، وسراجاً لايخبو توقّده، وبحراً لايدرك قعره، ومنهاجاً لايُضلّ نهجه، وشعاعاً لايُظلِمُ ضوؤه، وفرقاناً لايُخمد برهانه، وتبياناً لاتُهدم أركانه، وشفاءً لاتخشى أسقامه، وعزّاً لاتُهزم أنصاره، وحقّاً لاتخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافيُّ الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحر لاينزفه المستنزفون، وعيون لاينضبها الماتحون ، ومناهل لايغيضها الواردون، ومنازل لايضلّ نهجها المسافرون، وأعلام لايعمى عنها السائرون، وآكام لايجوز عنها القاصدون، وحبلا وثيقاً عروته، ومعقلا منيعاً ذروته، وعزّاً لمن تولاّه، وسِلماً لمن دخله، وهدىً لمن ائتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلْجاً لمن حاجّ به، وحاملا لمن حمله، ومطيَّة لمن أعمله،
وآيةً لمن توسّم، وجُنّةً لمن استلأَم، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن ضى».