«أداء التکليف»: ويراد بهذا الاصطلاح فعل العبادة في وقتها المعيّن لها شرعا، أو تسليم عين الواجب إلى مستحقه. وفي مقابله «قضاء التکليف».

تعريف الأداء لغةً

الأداء: الإيصال والتسليم وإعطاء الحق لصاحب الحق[١]، ومنه قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»[٢]، وقوله تعالى: «أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ»[٣]، وقد يستعمل القضاء بمعنى الأداء لغةً، ومنه قوله تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُم مَنَاسِكَكُمْ».[٤].[٥]

تعريف الأداء اصطلاحاً

عرّف الأداء بعدّة تعريفات:

التعريف الأول

فعل العبادة في وقتها المعيّن لها أولاً شرعا، إذا لم تسبق بأخرى على نحوٍ من الخلل[٦]، وهو ما ذهب إليه جلّ الأصوليين من مختلف المذاهب. [٧] فخرج بقيد (في وقتها) ما لايقصد فيه الوقت من العبادات فلا يوصف بأداء ولا قضاء، لأنَّ المقصود منه الفعل في أي زمان كان، ولم يُقدَّر له زمان في الشرع، كالنفل والنذر المطلقين وإنْ كان فوريا، كالإيمان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد عند حضور العدو. [٨] وخرج به أيضا القضاء؛ لأ نّه فعل العبادة خارج الوقت، وخرج بقيد عدم سبقها بأخرى على نحو الخلل الإعادة؛ لأ نّها فعل العبادة بعد فعلها مرة، كما سنوثّق ذلك في بحث الألفاظ ذات الصلة، واحترزنا بقولنا (أولاً) عن قضاء رمضان؛ فإنّه مؤقت بما قبل رمضان الذي بعده ومع ذلك هو قضاء، لأ نّه توقيت ثانٍ لا أول. [٩]

التعريف الثاني

تسليم عين الواجب إلى مستحقه[١٠]، وهو ما ذهب إليه الأحناف من عدم تقييده بوقت، حيث قال ابن الهمام: (الأداء: فعل الواجب في وقته المقيّد به شرعا) [١١] والمراد بتقيده به شرعا جعله ظرفا لإيقاعه لاتخصيصه بوقت من الأوقات، فإنّه يخرج ما جعل العمر وقتا له، وإليه أشار بقوله (العمر وغيره) أي غير العمر من الأوقات المحدودة، فاندرج فيه الواجب المطلق والمؤقت. [١٢] فخالفوا بذلك عامة الفقهاء والأصوليين، فلم يقيدوا الأداء بالوقت، بل ذكروا أنّ غير المؤقت يسمّى أداءً شرعا قال تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»[١٣] نزلت الآية في تسليم مفتاح الكعبة وهو غير مؤقت، وعليه توصف العبادات المؤقتة وغير المؤقتة بالأداء عندهم، ويختص القضاء بالمؤقت، وذكر الزركشي أنّ هذا بالمعنى اللغوي والكلام في الاصطلاحي. [١٤]

هل الواجبات الفورية داخلة في تعريف الأداء؟

من الأحكام ما تعيّن، وقته، ويوصف بالأداء والقضاء كالصلاة المفروضة، ومنها ما تعيّن وقته ولايوصف بالأداء ولا القضاء[١٥] وإن كان الزمان ضروريا لفعله[١٦]، كـ : الواجبات الفورية من قبيل: ردّ المغصوب، وإنقاذ الغريق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد عند حضور العدو، ومع ذلك يلاحظ انطباق تعريف الأداء عليها، فإنّ الشرع حدّ لها زمانا وهو زمان الوقوع، فأوله أول زمان التكليف، وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها[١٧]، ممّا تطلب الاحتراز عنها في تعريف الأداء، وتوجد محاولتان لذلك:

المحاولة الأولى

ما ذكره القرافي من تعديل تعريف الأداء بنحو يمنع الأغيار المشار إليها، فقال: الأداء: هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا؛ لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الأول. فقوله: (لمصلحة اشتمل عليها الوقت) احتراز من تلك النقوض كلّها، وذكر في توضيحه: أنّ جعل الأحكام الشرعية تابعة للمصالح التي يعلمها الشارع، فحينئذٍ تتعين أوقات العبادات لمصالح فيها، في حين أنّ تعيين الفوريات ليس كذلك، بل تبع لتحقق الأسباب، فالغريق لو تأخر سقوطه في البحر تأخر زمان إنقاذه. [١٨]

المحاولة الثانية

لا تلجأ إلى تعديل التعريف، وترى الواجبات المذكورة لايقصد منها الزمان من الأساس حتى الفوري منها[١٩]، وبعبارة أخرى: هذا النوع من الواجبات لا تقيّد له بالزمان، ولا يكون للزمان أي دخل في تحقق مصلحته، وإن كان تحققه في الخارج محتاجا إلى الزمان، من باب أنّ الإنسان لمّا كان وجوده زمانيا تكون أفعاله زمانية أيضا، بحيث لو أمكن انفكاك هذه الأفعال عن الزمان لما وقع خلل في تحقق المقصود ووقوع المصلحة، فتكون واجبات مطلقة من هذه الناحية. [٢٠]

الألفاظ ذات الصلة

أ) الإعادة:

اسم لما فُعِل ثانيا في الوقت، بعد ما فعل مرة على نوع من الخلل. [٢١]

ب) القضاء:

اسم لفعل مثل ما فات وقته المحدود. [٢٢]

النسبة بين الإعادة والأداء

قيل: إنّ الأداء اسم لما وقع في الوقت مطلقا مسبوقا كان أو سابقا، وإنْ سبقه أداء مختل سمي إعادة، فالإعادة قسم من أقسام الأداء، فكلّ إعادة أداء ولا عكس. [٢٣] واعترض عليه: بأنّ ظاهر كلام المتقدمين والمتأخرين أ نّها أقسام متباينة، وإن ما قيل ثانيا في وقت الأداء ليس بأداء ولا قضاء[٢٤]، وهو ما يقتضيه كلام ابن الحاجب[٢٥]. وقال العلاّمة: لا استبعاد في اجتماع الإعادة مع الاداء إذا لم يلحظ فيه الأولية، ومع القضاء إذا لم يلحظ فيها فعلها في الوقت، فتكون النسبة بين الاعادة وبين كلٌّ من الأداء والقضاء هي العموم من وجه. [٢٦]

ج) الإجزاء:

هو الأداء الكافي التعبّد به. ويجب حمله على الأداء اللغوي؛ لأنّ الإجزاء كما يكون في الأداء يكون في القضاء والإعادة. [٢٧] والإجزاء في العبادات: ما أسقط الأمر. [٢٨]

أقسام الأداء

قسّموا الأداء بلحاظات متعددة منها:

التقسیم الأول: تقسيمه بلحاظ صفة إيقاعه

قسّم الأحناف الأداء إلى ما ليس في معنى القضاء، وهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: الأداء الكامل

وهو ما استجمع جميع الأوصاف كالصلاة جماعة.

الثاني: الأداء القاصر

وهو كما لو أتى بالمكتوبة منفردا، أو بدون تعديل أركانها. وإلى ما في معنى القضاء، كفعل اللاحق بعد فراغ الإمام، فهو أداء باعتبار وقوعه في الوقت، وقضاء باعتبار فوات الجماعة. [٢٩]

التقسیم الثاني: تقسيمه بلحاظ الوقت إلی أقسام

الأول: المضيّق

وهو ما كان الوقت يسع الفعل وحدّه ولايفضل عن أدائه، كالصوم في شهر رمضان، ويسمّى (معيارا) أو (مساويا).

الثاني: الموسّع

وهو ما يكون الوقت فيه يفضل عن أدائه، كوقت أداء الصلاة اليومية، ويسمّى (ظرفا).

الثالث: شبه المضیّق والموسّع

وهو ما يشبه المعيار (المضيّق) والظرف (الموسّع) كالحج فهو يشبه المعيار؛ لأنّ المكلّف لايؤدي حجتين في عام واحد، ويشبه الظرف؛ لأنّ زمانه يفضل عن أدائه. [٣٠]

التقسيم الثالث: تقسيمه إلى ما يصاحبه الإثم وإلى ما لا يصاحبه الإثم

ذهب اليه القرافي وذكر أ نّه أشكل هذا الفرق على جماعة، إذ كيف تكون العبادة أداء وفاعلها آثم، والسرّ في هذا الفرق أنّ أصحاب الأعذار يدركون الظهر والعصر عند غروب الشمس بإدراك ما يكفي لإدراك خمس ركعات بعد الطهارة، ومنع الشرع من لا عذر له من تأخير العبادة إلى آخر الوقت، فإذا أخّر الفعل إليه كان مؤديا آثما. [٣١]

حكم الأداء والقضاء في العبادة

وقع البحث في أمور:

الأمر الأول

ما يتحقق به الأداء في الصلاة أوهَم تعريف الأداء بأنّه إيقاع الفعل في الوقت، اشتراطَ إيقاع جميع أجزاء الفعل داخل الوقت، وهو تساهل في التعبير، والشرط هو وقوع ابتدائه في الوقت[٣٢]، واختلفوا هنا، فذهب الأحناف إلى كفاية وقوع التحريمة في الوقت. [٣٣] وذهب جمهور المسلمين[٣٤] إلى تحققه بايقاع ركعة داخل الوقت، لقول النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة».[٣٥]

الأمر الثاني

لو غلب على ظنه في الواجب الموسّع أ نّه يموت لو لم يشتغل به، فإن أخّره وعاش ثمّ اشتغل به، ففي كونه أداءً أو قضاءً قولان: الأول: أنّه قضاء، وتبناه الباقلاني. [٣٦] واستدلّ بأ نّه تعيّن وجوب فعله بغلبة الظن بالموت، فيجب أن يكون ما يفعل بعد ذلك مع بقاء المكلّف مفعولاً على وجه القضاء. الثاني: أنّه أداء، وهو للجمهور[٣٧] واستدلوا بأ نّه لمّا انكشف خلاف الظن زال حكمه، فصار كما لو علم أ نّه يعيش[٣٨] وبأنّه كان وقتا للأداء، والأصل بقاء ما كان على ما كان، وعصيان المكلّف بالتأخير لايلزم منه مخالفة هذا الأصل. [٣٩]

المصادر

  1. الصحاح 6 : 2266، لسان العرب 1 : 66 ، تاج العروس 19 : 146، مادة «ادى».
  2. النساء : 58.
  3. الدخان : 18.
  4. البقرة : 200.
  5. المصباح المنير : 507 مادة «قضا».
  6. التمهيد الأسنوي : 63.
  7. انظر : المستصفى 1 : 111، المحصول الرازي 1 : 27، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 95، مبادئ الوصول : 86 ، نهاية الوصول 1 : 110، المختصر في أصول الفقه : 59، مفاتيح الأصول : 297.
  8. البحر المحيط 1 : 332 ـ 333، تقرير الشربيني 1 : 176.
  9. التمهيد الأسنوي : 63، تمهيد القواعد : 42.
  10. أصول السرخسي 1 : 44، أصول الشاشي : 112.
  11. التحرير 2 : 165.
  12. تيسير التحرير 2 : 198.
  13. النساء : 58.
  14. البحر المحيط 1 : 333.
  15. الفروق 2 : 56.
  16. جمع الجوامع 1 : 179.
  17. الفروق 2 : 56.
  18. شرح تنقيح الفصول : 72، الفروق 2 : 56.
  19. جمع الجوامع 1 : 179 نضد القواعد الفقهية : 205 ـ 206.
  20. أنوار الأصول 1 : 489.
  21. المستصفى 1 : 111، التقريب والإرشاد 2 : 231، المحصول الرازي 1 : 27، روضة الناظر : 35، مبادئ الوصول : 86 ، نهاية الوصول 1 : 110، مفاتيح الأصول : 297.
  22. المستصفى 1 : 111، المحصول الرازي 1 : 27، روضة الناظر : 35، مبادئ الوصول : 86 ، نهاية الوصول 1 : 109، مفاتيح الأصول : 297.
  23. البحر المحيط 1 : 333، اللمع : 53 ـ 54، شرح مختصر المنتهى 2 : 146، القواعد والفوائد 2 : 100، تمهيد القواعد : 42، فواتح الرحموت 1 : 85 .
  24. حاشية التفتازاني 2 : 147.
  25. سلّم الوصول المطيعي 1 : 109.
  26. نهاية الوصول 1 : 110.
  27. الإبهاج في شرح المنهاج 1 : 71.
  28. مبادئ الوصول : 86 .
  29. تيسير التحرير 2 : 203، أصول السرخسي 1 : 48، أصول الشاشي : 112، التلويح إلى كشف حقائق التنقيح 1 : 360 ـ 361.
  30. كشف الأسرار النسفي 1 : 115، 130، تيسير التحرير 2 : 210 ـ 211.
  31. الفروق 2 : 59.
  32. تيسير التحرير 2 : 198.
  33. تيسير التحرير 2 : 198، البحر الرائق 2 : 84 .
  34. الأم 1 : 92، الموطّأ 1 : 6، الخلاف الطوسي 1 : 268، الفروق 2 : 59، شرح الجلال المحلّي 1 : 177 ـ 178.
  35. مسند أحمد 2: 530 ح7609، وسائل الشيعة 4: 218 كتاب الصلاة، باب 30 أنّ من صلّى ركعة ثمّ خرج الوقت أتمّ صلاته أداءً ح4.
  36. التقريب والإرشاد 2 : 231.
  37. المستصفى 1 : 111، روضة الناظر : 35، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 95 ـ 96، نهاية الوصول 1 : 110 ـ 111، تمهيد القواعد : 42.
  38. المستصفى 1 : 111.
  39. الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 95 ـ 96.