تجمّع العلماء المسلمين
تجمّع العلماء المسلمين هو مشروع انبثق عن مؤتمر المستضعفين الذي عُقد في طهران سنة 1402 ه، وضمّ منذ تأسيسه حتّى انطلاقته بعد موقفه من اتّفاق 17 / آيار / 1983 م ما يزيد على عشرين عالماً من الطائفتين السنّية والشيعية، يمثّلون جيلاً من العلماء الشباب الذين مارسوا العمل الحركي في تنظيمات إسلامية وأطلّوا على الساحة السياسية بخلفية عقائدية وتنظيمية لا تستشعر حسّاسية تجاه بعضهم. وكان لوجود هؤلاء العلماء في إطار مشترك يمارس نشاطاً شبه يومي - عدا اجتماعه الأُسبوعي والذي لم ينقطع حتّى الآن - الأثر الكبير في إزالة أيّة شائبة أو شبهة تعترض مسار وحدة الحركات الإسلامية على ساحة الجهاد والمقاومة.
وبعد ما يقارب السنة على انطلاقته وفي شعبان 1403 ه - أواخر آيار 1983 م، اجتمع أعضاء التجمّع في خلية أحد المساجد في بيروت، وأقرّوا ميثاقاً يستهدون به في عملهم، ويكون الأساس في عملية الانتساب التي شهدت إقبالاً لوضوح الخطّ والمسار، وأجروا تقويماً لعملهم خلال سنة، ونظّموا شؤونهم الإدارية على أساس نظام داخلي خاصّ.
وقد اعتمد التجمّع ميثاقاً ضمّن مقدّمته خلاصة مركّزة لفكر الأعضاء المؤسّسين حول قيمة الإنسان في الإسلام، ودور الأنبياء والعلماء، والغرض الأقصى من عملهم، والذي هو إقامة حكم الإسلام على الأرض، واعتبار الوحدة واتّفاق الكلمة المنقذ الوحيد، وأنّه المقدّمة التي عليهم أداؤها ليستحقّوا توفيق اللّٰه إلى ذلك.
إنّ أعضاء التجمّع المنتسبين هم من علماء المسلمين السنّة والشيعة، ويدرس التجمّع إمكانية ضمّ عدد من علماء الدروز بناءً لطلبهم، والأعضاء الفعليّون الآن هم من خيرة علماء لبنان، فيهم القضاة الشرعيّون وأئمّة الجمعة والجماعة والمدرّسون والكتّاب وأساتذة الكلّيات والمعاهد الدينية. ولا يشترط النظام الداخلي لقبول العضوية في نصوصه المعدّلة مذهباً معيّناً، ولا يستبعد مذهباً، بل إنّه في شروطه الستّة الأصلية أو الخمسة المعدّلة لم يلحظ عنده المسألة إطلاقاً، واكتفىٰ من ذلك في الميثاق بالقول:
«إنّه تجمّع لعلماء الدين المسلمين»، وفي الشروط : «أن يكون قد بلغ من العلم مرحلة تؤهّله ممارسة التوجيه الديني بجدارة»، و«أن يكون ملتزماً بالزيّ الديني».
وعند انطلاق التجمّع للعمل كانت الدولة في أسوأ حالاتها، ناهيك عن الظلم الذي مارسته أجهزتها، فلم يكن طبيعياً لحركة علمائية معارضة أن ترهن نفسها بطلب ترخيص رسمي يقيّدها إلى أبعد الحدود فضلاً عن الجزم برفض طلب كهذا، فاستمرّ التجمّع بعمله دون ترخيص قانوني إلى 1 / 11 / 1989 م، لكنّه لم يعمل في الخفاء، فكان مجاهراً بمواقفه وتحرّكاته واجتماعاته واعتصاماته، وقد جاء في ميثاقه النقطة رقم 2 : «إنّه تجمّع علني ينطلق في أعماله ومواقفه من علاقته بالناس على أساس قيادة العلماء العدول، وبالأخصّ الفقيه العادل».
وقد ناصر التجمّع الحركات الإسلامية التحرّرية المخلصة في العالم، فقام بالترحيب بنتائج الانتخابات التي حملت الإسلاميّين إلى المجالس النيابية، كما حدث في الأردن والجزائر وتركيا، وأيّد قيام حكومة إسلامية في السودان، وانتصر للثورة الأفغانية، وغير ذلك.
هذا في الخارج، أمّا في الداخل فقد سعى التجمّع «لتوحيد العمل الإسلامي، وإلى سدّ الثغرات الثقافية في برامج العاملين وثقافة المسلمين، واتّخاذ المواقف المناسبة من كلّ ما يهمّ الناس بما يراه التجمّع مناسباً للمصلحة الإسلامية، والعمل على بناء شخصية العالم والعامل المجاهد والمخلص وإبراز دوره القيادي في جهاد الأُمّة وإرادة التحرّر وإبلاغ كلمة اللّٰه تعالى وحثّ الأُمّة على الانقياد لهم».
وقد قدّم التجمّع عام 1987 م ورقة عمل داخلية لتشكيل هيئة عليا للعمل الإسلامي في لبنان، وحضّر للمؤتمر الإسلامي الأوّل سنة 1988 م في قاعدة مسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله، فحضرته الهيئات العلمائية كافّة والحركات والتنظيمات الإسلامية على الساحة اللبنانية، في خطوة لتنسيق الجهود عملياً وبلورة موقف موحّد من القضايا الوطنية والعامّة.
وبرز تأثير التجمّع على التنظيمات الإسلامية والجماهير في الانتخابات التشريعية النيابية اللبنانية سنة 1992 م، حيث ساهم في دعم مرشّحي القوى الإسلامية للوصول إلى المجلس النيابي، وهو يتدخّل لدى القوىٰ الإسلامية الكبيرة في لبنان لتأكيد خطّ الوحدة الإسلامية في بياناتها ونشراتها ومناسباتها.