سلفية

السلفية هي فكرة مذهبية وحركة إجتماعية عند بعض أهل السنة لم يعلم حتّى الآن من يعنون بالسلف الصالح، ترى أن طريق حل مشاكل المسلمين هو اتباع منهج السلف (المسلمون الأوائل)، هناك منهم من ادّعى بأنّهم على مذهب أحمد بن حنبل، إلاّ أنّه ليس بصحيح، لأنّ الحنابلة أنكروا ذلك وردّوا عليهم، منهم: الشيخ سليمان بن عبد الوهّاب الحنبلي، أخو محمّد بن عبد الوهّاب، له كتاب " الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية " وهو مطبوع، ويوجد اختلاف بين الفرق الإسلامية في من هم السلف، فذهب الأكثر إلى أنَّ المراد من «السلف الصالح» هم شخصيات القرون الثلاثة الأولى للإسلام (نبي الإسلام، والصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين). دليلهم على هذا حديث «خير القرون الأولى» الذي تم نقله عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، حيث جاء فيه: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»ويُعتبر ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، ومحمد شوكاني، ورشيد رضا من أهم المنظرين السلفية، ومن أشهر الحركات السلفية المعاصرة هي: الوهابية، والإخوان المسلمون،

مفهوم السلفية لغةً وإصطلاحاًً

فهوم السلفية لغةً

كلمة "سلف" في اللغة العربية تعني الماضي، او المتقدم ابن منظور، لسان العرب، ج 9، ص 158. فقوم السلاف هم الجماعة التي عاشت في الماضي، وبالطبع، كل زمان بالنسبة للأزمان التي سبقته هو خلف، السلفية من الناحية اللغوية تعني الانتساب إلى الماضي أو الأسلاف، وهي تقريبًا تعني التوجه نحو الماضي. لذلك يمكن القول إن السلفية تعني تقليد الأسلاف.

مفهوم السلفية إصطلاحاً

السلفية (أصحاب السلف الصالح) بالمعنى الاصطلاحي، هي اسم لحركة مذهبية تمسكت بالإسلام وتعتبر نفسها تابعة للسلف الصالح، وتحاول في أعمالها وسلوكياتها ومعتقداتها أن تتبع النبي محمد (ص)، الصحابة، والتابعين. يعتقدون أن العقائد الإسلامية يجب أن تُعرض بالطريقة نفسها التي كانت موجودة في عصر الصحابة والتابعين؛ أي أن العقائد الإسلامية يجب أن تُستقى من الكتاب والسنة، ولا ينبغي للعلماء أن يطرحوا أدلة غير تلك التي يوفرها القرآن، وبهذا الوصف، "السلفي هو الذي يرجع في الأحكام الشرعية إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إلى غيرها" بشیر حسن، تاریخ فرهنگی سلفیه، از متن‌ گرایی تا زمینه‌ گرایی، تهران، انتشارات دانشگاه امام صادق.

خلفية هذا التوجه الفكري والإجتماعي

يمكن تتبع جذور هذا التوجه في القرن الأول الإسلامي في فرقة الخوارج، ثم في القرن الثاني الهجري ظهر تيار يُسمى "أهل الحديث" الذي وقف من الناحية الكلامية في مواجهة المعتزلة البوطی، محمد سعید سلفیه بدعة أو مذهب، الطبعة الرابعة، مشهد: انتشارات آشتان قدس رضوی. ومن الناحية الفقهية في مواجهة أهل الرأي ، مما مهد الطريق لظهور اتجاهات مثل التجسيم، وتراجعت هذه المجموعة حتى أعاد محمد بن عبد الوهاب إحياء هذه الأفكار في القرن الثاني عشر الهجري في الجزيرة العربية. في الواقع، تؤكد السلفية على نقاء الاعتقاد في تعاملها مع التيارات المعارضة داخل صفوف الإسلاميين. كما تؤكد على مرجعية السلف في التعامل مع جميع القضايا والمسائل، بحيث لا تخرج عن حدود الآراء الشائعة لدى السلف، وفي حالة اختلاف السلف على رأيين، لا تجيز تأسيس رأي ثالث.

إصلاحات الأشعري

في عام 305 هـ، قام أبو الحسن الأشعري (توفي 324 هـ) تحت عنوان "إحياء مدرسة أهل الحديث" وبشكل خاص أحمد بن حنبل، بتأسيس مدرسة فكرية وسعى لإجراء إصلاحات في عقيدة أهل الحديث؛ لأن عقيدتهم كانت قد اختلطت بالكثير من الخرافات، وكانوا يقولون باستمرار: "القرآن قديم"، وأن البشر يفتقرون إلى "الإرادة" في حياتهم، وأن لله يدًا وقدمًا وعينًا وأعضاء أخرى! وقام الأشعري بإصلاحات في هذه المدرسة، لكن المتعصبين من أهل الحديث طردوه من بينهم. قال أبو عبد الله الحمراني: "دخل الأشعري بغداد وذهب إلى رئيس مذهب أهل الحديث، البربهاري، وقال: لقد ناقشت رؤوس المعتزلة مثل الجبائي وأبي هاشم، وحطمت منطق اليهود والنصارى." فرد رئيس مذهب أهل الحديث: "أنا لا أفهم شيئًا من كلامك، وأؤمن فقط بما قاله أحمد بن حنبل." ثم كتب الأشعري كتاب "الإبانة" لكسب تأييد أهل الحديث، وهو كتاب يعبر إلى حد ما عن عقيدة أهل الحديث . ومع ظهور مدرسة الأشعري، نشأت فجوة كبيرة بين أهل الحديث والأشاعرة، وكانوا في صراع مستمر، وأحيانًا كانت خلافاتهم تؤدي إلى إراقة الدماء، وذلك لأن الأشعري أجرى إصلاحات في عقيدة أهل الحديث وادعى لنفسه مكانة في القضايا العقائدية.

دور ابن تيمية

خلال كل هذه الفترة التي كان فيها أهل الحديث على جانب والأشاعرة على الجانب الآخر، لم تكن "السلف" أو "السلفية" مذهبًا معروفًا حتى جاء ابن تيمية (توفي 728 هـ) وجعل الدعوة إلى منهج "السلف" شعارًا لمدرسته؛ لكنه لم يستخدم مصطلح "السلفية"، بل قال: "نحن نتبع أهل السنة والجماعة الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى"، أي من القرن الأول إلى القرن الثالث الهجري. بعد وفاة ابن تيمية وهجوم فقهاء جميع المذاهب ضده، لم تكن الدعوة إلى اتباع أهل الحديث، وخاصة بهذه الطريقة المحدودة، ذات شعبية كبيرة. وبعض تلاميذه مثل الذهبي (توفي 748 هـ) وابن قيم الجوزية (توفي 751 هـ) وابن كثير (توفي 774 هـ) لم يتمكنوا من نشر منهجه وجذب أتباع؛ لأنه طرح هذه الفكرة في الشام ومصر، وهي مراكز العلم والفقه.

دور محمد بن عبد الوهاب

تم إحياء هذا المنهج فيما بعد على يد محمد بن عبد الوهاب (توفي 1207 هـ) في نجد، وهي منطقة تفتقر إلى الثقافة الإسلامية والعلماء البارزين. ثم بفضل دعم آل سعود، أصبح هذا المذهب المذهب الرسمي في نجد، ومع احتلال الحرمين الشريفين بدعم من الاستعمار البريطاني، تم فرض هذا المذهب على هذه المناطق، وسيطر أتباعه على جميع المراكز العلمية والجامعات والمساجد والمنابر، بينما حُرِمَت المجموعات الأخرى من هذه المؤسسات.

شعار السلفية

وفقًا للباحثين، ظهر شعار "السلفية" لأول مرة في الصحافة المصرية عندما احتلت إنجلترا مصر، واعتقد مجموعة من المصلحين مثل سيد جمال الدين الأفغاني (توفي 1316 هـ) والشيخ محمد عبده (توفي 1323 هـ) أن الطريق للتحرر من قبضة المحتلين هو دعوة الناس إلى الإسلام الأصلي للأوائل، في مواجهة أولئك الذين تأثروا بالثقافة الغربية. واختاروا شعار "السلفية" ليقولوا إنهم يتبعون الإسلام الأصيل للقرون الأولى، لكنهم لم يقصدوا تكفير الآخرين أو خلق انقسام بين المسلمين، بل كانوا يعتقدون أن هذا المنهج هو الطريق الصحيح.

اهتمام الإخوان المسلمين

عندما تأسست جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر عام 1929 م، أبدوا اهتمامًا بهذا المنهج، معتقدين أن اتباع الصحابة والتابعين هو طريق إنقاذ الأمة الإسلامية، لكنهم في نفس الوقت كانوا يتعاملون بإيجابية مع جميع الفرق، وركزوا على القضايا السياسية وخاصة تأسيس الدولة.

السلفية في نجد

أما السلفية في نجد، التي تعتبر نفسها وريثة محمد بن عبد الوهاب، فقد أطلقت موجة من التشدد والتطرف، وبدأت بتكفير جميع المسلمين، وتكفير الشيعة أحيانًا لإسكات المعارضين، ووصفت الأشاعرة والصوفية والمذاهب الأخرى بأنهم أهل بدعة، وادعت أن الإسلام النقي كان في يد السلف، وفهمهم للكتاب والسنة هو الحجة للجميع. يجب أن نلاحظ أن السلفيين النجديين ليسوا مجموعة واحدة، بل هناك "سلفيون تبليغيون" و"سلفيون جهاديون" الذين يدعون إلى الإطاحة بالحكومات عبر الحركات المسلحة السرية.

المنهج الفكري للسلفية

لدى السلفية منهجان فكريان متقاربان:

• مجموعة تعتبر الكتاب والسنة فقط حجة، ولا تستخدم العقل في الحكم.
• مجموعة أخرى تقول إن القرآن والسنة حجة فقط إذا كان فهمهما وفقًا لفهم "السلف"، ولا يفرقون بين الخبر المتواتر والخبر الواحد في العقائد، ويعتبرون الخبر الواحد حجة في العقائد. ووصفوا الله بصفات بشرية مثل الضحك والبكاء والمشي والجلوس.

مكانة العقل في مذهب السلفية

السؤال الثامن: كيف يمكن للسلفية أن تهمل العقل بينما القرآن يؤكد على أهمية العقل في فهم الدين؟ إن إهمال العقل يؤدي إلى تزعزع أساس الدين، الذي يعتمد على معرفة الله والأنبياء. حتى القرآن يستخدم العقل لإثبات التوحيد.

مثال على استنباط السلفية

اتباع الصحابة في حديث "خير القرون

يعتبر السلفيون أن فهم الصحابة والتابعين هو المقياس للحق والباطل، ويستدلون بحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم....ويقسمون هذه القرون إلى ثلاثمائة سنة.

إشكالات الاستدلال

الخروج عن المعنى اللغوي لكلمة

قرن" في اللغة العربية، لا تعني كلمة "قرن" مئة عام كما هو شائع في الاصطلاح المعاصر، بل تشير إلى مجموعة من الناس يعيشون في فترة زمنية معينة، ثم يأتي بعدهم جيل آخر ليحل محلهم. وقد استخدم القرآن الكريم كلمة "قرن" بهذا المعنى أيضًا. وردت كلمة "قرون" في القرآن الكريم سبع مرات، ولم تُقصد بها أبدًا "المئة عام" بالمعنى الاصطلاحي، بل استُخدمت بمعنى "قوم من الناس يعيشون في فترة زمنية واحدة" .ومن الأمثلة على هذا الاستخدام قوله تعالى:«أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ»أي: "ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من أقوامٍ مكناهم في الأرض أكثر مما مكناكم، وأرسلنا عليهم السماءَ بالغيث غزيرًا، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم، فأهلكناهم بذنوبهم، وأنشأنا من بعدهم قومًا آخرين." وبالتالي، فإن تفسير حديث "خير القرون" بأنه يشير إلى ثلاثمئة عام لا أساس له من الصحة، ولا يمكن للاصطلاح المعاصر أن يكون دليلاً على تفسير الحديث. وقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب" أن "القرن" يعني الجيل الذي يأتي بعد جيل آخر، وهناك اختلافات في تحديد المدة الزمنية بين الجيلين، مثل عشر سنوات، عشرين سنة، ثلاثين سنة، ستين سنة، سبعين سنة، أو ثمانين سنة. وفي "النهاية" لابن الأثير، ورد أن "القرن" يعني قومًا من الناس يعيشون في فترة زمنية واحدة، وهو مشتق من مادة "اقتران". ودليل على أن "القرن" يعني قومًا من الناس يعيشون في زمان واحد، قول الشاعر:إذا ذهب القرنُ الذي أنت فيهم • وخُلِّفتَ في قرنٍ فأنت غريبٌأي: "إذا رحل القوم الذين كنت بينهم وبقيت بين قوم آخرين، فأنت غريب .

رأي ابن حجر في الإستدلال

فسر ابن حجر العسقلاني في شرح حديث "خير القرون..." كلمة "قرن" بأنها تعني قومًا من الناس يعيشون في فترة زمنية واحدة: «القرنُ: أهلُ زمانٍ واحد متقارب اشتركوا في أمرٍ من الأمور، ويقال: إن ذلك مخصوصٌ بما إذا اجتمعوا في زمان نبيٍّ أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهبٍ أو عملٍ، ويطلق القرنُ على مدةٍ من الزمان.» . أي: "القرن هم أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور، ويقال إن ذلك يخص من اجتمعوا في زمان نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل، ويطلق القرن أيضًا على مدة من الزمان."ثم حاول ابن حجر، من خلال حساب تخيلي، أن يجعل مدة القرن مئة عام لتشمل القرون الثلاثة الأولى من التاريخ الإسلامي . واستدل بأن أحد الصحابة، وهو أبو الطفيل، توفي بعد مئة عام من الهجرة، وبالتالي فإن عصر الصحابة يجب أن يكون مئة عام. ولكن المعيار هو عمر غالبية الصحابة، وليس الأفراد النادرين الذين عاشوا حتى السبعين من العمر. وهو نفسه يعتقد أن متوسط عمر الأفراد هو سبعون عامًا.

تعارض الحديث مع الواقع

نذكر هنا أنه مع الاختلاف الكبير في تحديد مدة "القرن"، لا يمكن تفسيره بأنه مئة عام. بالإضافة إلى ذلك، فإن القرآن هو أفضل دليل على أن "القرن" لم يُقصد به مئة عام، بل قوم من الناس يعيشون في فترة زمنية واحدة، ويُحسب أقصى عمر لأهل زمان واحد بسبعين عامًا، وليس أكثر. ولنفترض أن المقصود هو القرون الثلاثة الأولى، فكيف يمكن أن نطلق عليها "خير القرون" بينما معظم ما يعتبره أهل الحديث بدعًا قد ظهر في المئة عام الأولى أو ما يزيد قليلاً؟ فقد بدأ ظهور "الخوارج" في عام 39 هـ، واستمر بعد ذلك، ثم انقسموا إلى فرق مختلفة. ومؤسس "المرجئة" هو الحسن بن محمد الحنفية الذي توفي في أواخر القرن الأول، وإن كانت "المرجئة" قد اتخذت معاني مختلفة عبر الزمن. وبدأ "التفكير القدري" من معبد بن عبد الله الجهني البصري، المتوفى سنة 80 هـ، ثم حمل لواء "القدرية" غيلان بن مسلم الدمشقي الذي أُعدم في دمشق سنة 105 هـ. وتم تأسيس "التفكير المعتزلي" في سنة 105 هـ، عندما انفصل واصل بن عطا عن مدرسة أستاذه الحسن البصري وأسس الاعتزال. وبما أن معظم المذاهب والفرق التي تعتبرها "السلفية" باطلة قد ظهرت في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني، فكيف يمكن أن نطلق على تلك القرون الثلاثة "خير القرون"؟ باختصار، يمكن القول إن حديث "خير القرون" يعاني من مشكلتين:من حيث تفسير كلمة "قرن" بأنها تعني مئة عام، ومن حيث اعتبار جميع من عاش في تلك القرون الثلاثة. من حيث الواقع والتطبيق الخارجي؛ لأن المذاهب المنحرفة قد نمت وانتشرت في القرنين الأولين، وظهرت التجمُّعات والفرق في ذلك الوقت.

الاختلاف في فهم السلف

السؤال الثاني: إن الطبيعة البشرية تتسم دائمًا بالاختلاف والتباين في الفكر والرأي، ولم يكن الصحابة ولا حتى التابعون مستثنى من هذه الطبيعة. بل إنه حتى في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ناهيك عن الفترة التي تلت وفاته، كانت هناك تفسيرات مختلفة للإسلام. وسنذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك.

الخلافات في عصر النبوة

الخلاف حول غنائم معركة بدر: بعد انتصار المسلمين في معركة بدر، اختلف الصحابة حول كيفية التعامل مع الأسرى والغنائم. فبعضهم أصر على قتل الأسرى، بينما اقترح آخرون أخذ الفدية وإطلاق سراحه . وكان هذا الخلاف شديدًا لدرجة أن القرآن ذمهم على ذلك: «لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم» . صلح الحديبية: عندما عقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلحًا مع قريش في الحديبية، ووافق على حذف لقب "رسول الله" من الوثيقة، نشأ خلاف بين الصحابة. فبعضهم رأى أن الصلح يمثل إذلالًا، وقالوا: «علام نعطي الدنية في ديننا؟»، بينما كان آخرون مطيعين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). الصيام في السفر: في السنة الثامنة للهجرة، خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة في اليوم العاشر من رمضان. وعندما وصل إلى مكان يُسمى "كراع الغميم"، طلب كأس ماء وشربه أمام الجميع. وعندما أُخبر أن بعض الصحابة ما زالوا صائمين، قال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» . منع كتابة الرسالة: عندما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فراش الموت، طلب إحضار قلم وورقة ليكتب وصية تمنع الضلال بعد وفاته. فاختلف الصحابة حول هذا الطلب، فبعضهم وافق والبعض الآخر عارض بشدة. وعندما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلافهم، قال: «قوموا، لا ينبغي عندي التنازع». السؤال الآن: مع وجود هذه الخلافات بين الصحابة، ما هو التكليف؟ هل يجوز لنا أن نتبع أي رأي، أم هناك طريقة للترجيح بينها؟

الخلاف بعد عصر النبوة

الاختلاف الفكري بين البشر أمر طبيعي، ولم يكن الصحابة والتابعون استثناءً من ذلك. بل إن خلافاتهم في المسائل العقدية والشرعية كانت أكثر مما نذكره هنا. فلم تجف ماء غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اختلف الصحابة حول اختيار الخليفة، ووصل الأمر إلى الاشتباك بالسيوف. ومن يقرأ أحداث "سقيفة بني ساعدة" في تاريخ الطبري وغيره، سيدرك عمق هذا الخلاف. وبعد استقرار الخلافة، انتشرت الخلافات الفكرية بين الصحابة، وظهرت الفرق الإسلامية مثل القدرية والمرجئة والمعتزلة والمجسمة في القرن الأول الهجري، واستمرت في التوسع في عصور التابعين. السؤال: إذا كان يجب أن نأخذ بفهم "السلف" لفهم القرآن والسنة، فأي فهم نعتمد؟ فقد ظهرت "الفرق الثلاثة والسبعون" في تلك العصور، فلماذا تُعتبر كلها ضالة إلا واحدة؟

الفهم الناقص للسلف

السؤال الثالث: إذا كان المقياس هو فهم السلف، فهذا يعني تعطيل عقولنا واقتصارنا على أقوالهم. فكيف نتعامل مع المسائل التي لم يتطرق لها السلف؟ مثلًا، كيف يمكن لنا أن نقبل رأي أحمد بن حنبل بأن القرآن قديم، بينما القرآن والسنة لم يذكرا ذلك؟

إهمال مكانة أهل البيت

السؤال الرابع: إذا كنا نرجع إلى فهم السلف الصالح، فلماذا لا نأخذ بفهم أهل البيت (عليهم السلام)؟ فهم من السلف الصالح، وكانوا أعلم الناس بالدين. وقد أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بهم مع القرآن: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدًا» . فلماذا لا نرجع إلى أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي وصفت فاطمة (عليها السلام) بـ"سيدة نساء العالمين"، وأولادها بـ"سفينة نوح"؟ .

عدم حجية قول الصحابة

السؤال الخامس: المسلمون يعتقدون بشهادة القرآن أن رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي خاتمة الرسالات ونبوته هي نهاية النبوات. وما يتعلق بالدين والشريعة يجب أن يصل إلى الناس من خلال الرسول نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم). وبالنظر إلى هذا المبدأ، كيف يمكن اعتبار فهم الصحابة حجة للآخرين، بينما هذا يعني أن باب النبوة والإخبار عن العالم الغيبي لم يُغلق بعد، وأن أحد حجج الله هو فهم واجتهاد الصحابة؟ الشوكاني - من أنصار المذهب الوهابي - اعترف بهذه الحقيقة وقال: "الحق أن قول الصحابي ليس بحجة. الله لم يرسل لهذه الأمة إلا رسولًا واحدًا. الصحابة ومن جاء بعدهم مكلفون باتباع الكتاب والسنة، ومن قال إن هناك حجة غير الكتاب والسنة فقد قال في دين الله ما لم يأمر به الله.".

عدم صلاح جميع السلف

السؤال السادس: السلفيون يقولون إنهم يجعلون سيرة السلف الصالح أساسًا لعملهم. إذا كان "الصالح" قيدًا احترازيًا ويقسم السابقين إلى مجموعتين: صالحة وغير صالحة، فما هو الطريق لتمييز الصالح من غير الصالح؟ هل حكام بني أمية الذين سفكوا دماء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآلاف الأبرياء هم من السلف الصالح؟ هل خلفاء بني العباس، وأول خليفة لهم معروف بـ"السفاح"، هم من "السلف الصالح"؟ المحدثون والفقهاء الذين كانوا متوافقين مع هذه الأنظمة ومبررين لأفعالهم، من أي فئة هم: صالحون أم غير صالحين؟ بالتأكيد، هذه المجموعة تعتبر القيد "صالح" قيدًا توضيحيًا وتعتبر كل "السلف" صالحين؛ لكن التاريخ يرفض هذا الاعتقاد بشدة. بمنطق السلفية، كيف يمكن تبرير قتل الخليفة الثالث؟ المقتول من الصحابة والقاتلون أيضًا من الصحابة والتابعين! كيف يمكن تبرير الحروب الثلاثة: "الجمل"، "صفين"، و"نهروان"؟ هل الذين ثاروا ضد الخليفة المنتخب كانوا جميعًا من السلف الصالح؟ السلفيون يقولون: "لا ينبغي لنا أن نتحدث عنهم. الله قد طهر سيوفنا من دمائهم، فلنلوث ألسنتنا أيضًا." الآن يجب أن نسأل: هل هذا المنطق هو وحي أم كلام بشر خطاء؟ كيف يمكننا التحدث عن التابعين ولكن ليس لدينا الحق في التحدث عن الصحابة؟ القرآن تحدث عن الخطوط الحمراء لكنه لم يجعلها خطوطًا حمراء. بالإضافة إلى ذلك، هم وسطاء في إيصال الدين إلينا، والصمت عنهم لا يحل أسئلتنا.

التكفير ومنهج السلف

السؤال السابع: منهج السلف كان اعتبار من نطق بالشهادتين مسلمًا، ولم يكونوا أبدًا يشقون قلوب الناس ليفتشوا عن عقائدهم. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "لم أُرسل لأشق قلوب الناس وأطلع على ما في داخلها." قال هذا عندما قال له خالد بن الوليد: "كثير من المصلين يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدون في قلوبهم." فأجابه النبي: "إني لم أُؤمر بأن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم." .السلف الصالح كانوا يعملون بهذا المنهج، ولم يكن التكفير منهجًا إلا لدى فئة قليلة مثل الخوارج. كانوا ينتقدون الآخرين لكنهم لم يكفروا بعضهم بسبب الاختلافات الفكرية أو العقدية أو العملية. الآن، مجموعة تدعي اتباع هذا السلف الصالح، تواجه المسلمين بسلاح التكفير والتدمير والعمليات الانتحارية. موجة التكفير التي أطلقها التيار السلفي تعرض سمعة الإسلام للخطر في العالم وأعادت إحياء الفكرة الباطلة التي كان يقولها القساوسة: "الإسلام انتشر بحد السيف!"

المنهج الصحيح للسلف الصالح

في الختام، نذكر أن منهج السلف الصالح في جميع المواجهات العسكرية كان اللين والتسامح والتكيف مع عادات الناس وأعرافهم. سر نجاح الإسلام وانتشاره السريع كان بسبب عدم التدخل في عادات الشعوب وثقافاتها. بعد الإقرار بالتوحيد والإيمان بالآخرة ونبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، كانوا لا يتدخلون في بقية الأمور إلا في حالات محدودة مثل تحريم الخمر والقمار. الهدف كان تحرير الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله. هل منهج السلفيين اليوم هو نفسه؟ هل الأفراد أحرار في أداء واجباتهم الدينية في الحرمين الشريفين؟ مسألة زيارة القبور والتوسل بالأرواح المقدسة أصبحت في صدارة القضايا، بينما السلف الصالح لم يكونوا يهتمون بها. منع انتشار القمار والخمر والعلاقات غير الشرعية بين الجنسين وإنشاء البنوك الربوية، وتربية الجيل الجديد وإيصال رسالة الإسلام للجاهلين وإظهار رحمة الإسلام، كل هذه الأمور ليست على أجندتهم. احتلال الأراضي الإسلامية وسيطرة الكفار على المسلمين وسفك دماء الأبرياء واغتصاب أراضيهم وبيوتهم، كل هذا لا يهم السلفيين. نحن ندعو علماء الإسلام الحقيقيين في كل مكان إلى عقد مؤتمر محايد حول الدعوة إلى الوحدة والتقريب وإصلاح المناهج الفكرية والعقدية، حتى يتمكن خلف هذه الأمة من الوصول إلى العزة والكرامة التي أرادها الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

المواضيع ذات الصلة

• الزيدية
• الإباضية
• الشيعة

المصادر

• [موقع البحث العلمي، مستقبس من مقالة «سلفی و سلفی گری» تمذهب السلفي والسلفية ]، تاريخ النشر: 2018 ابريل 20 تاريخ المشاهدة: 23 فبراير 2025م .
• [دائرة كلام الإسلامي ، مؤسسه الامام الصادق(ع)، بمقتبس من مقالة «آشنایی با مکتب سلفیه» التعرف على مذهب السلفية، رقم العدد ۴۳ ]، تاريخ النشر: 2012 يناير 20 وتاريخ المشاهدة: 23 فبراير 2025م .