الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإرادة والطلب»

لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''الإرادة والطلب''' اصطلاح کلامي وفلسفي يراد بها الاختيار والمشيئة. ولکن وقع البحث في أنّ هذا هل هو داخل في مباحث أصول الفقه أيضاً أو لا؟ اعترض بعض الأصوليين على إقحام بحث الإرادة في الأصول؛ لكونه بحثا كلاميا فلسفيا، إلاّ أنّ بعضهم يرى في بحث الإرادة جنبةً أصوليةً ينبغي التعرض لها، وهي علاقتها بالطلب، وهل هي متحدة معه، أم مغايرة له؟ فعلی هذا يبدو أن البحث في الإرادة وأنّها المغاير للطلب أو هي نفس الطلب، أمرٌ ضروريّ التحقيق في أصول الفقه؛ لأنّ أصول الفقه علم يبحث فيه عن دلالات الأدلة الشرعية على مدلولاتها التي هي الأحكام.
'''الإرادة والطلب:''' اصطلاح کلامي وفلسفي يراد بها الاختيار والمشيئة. ولکن وقع البحث في أنّ هذا هل هو داخل في مباحث أصول الفقه أيضاً أو لا؟ اعترض بعض الأصوليين على إقحام بحث الإرادة في الأصول؛ لكونه بحثا كلاميا فلسفيا، إلاّ أنّ بعضهم يرى في بحث الإرادة جنبةً أصوليةً ينبغي التعرض لها، وهي علاقتها بالطلب، وهل هي متحدة معه، أم مغايرة له؟ فعلی هذا يبدو أن البحث في الإرادة وأنّها المغاير للطلب أو هي نفس الطلب، أمرٌ ضروريّ التحقيق في أصول الفقه؛ لأنّ أصول الفقه علم يبحث فيه عن دلالات الأدلة الشرعية على مدلولاتها التي هي الأحكام.


==تعريف الإرادة لغةً==
=تعريف الإرادة لغةً=
الارادة هي المشيئة يقال: أراد الشيء إذا شاءه<ref> انظر : الصحاح 2 : 478، تاج العروس 4 : 466 مادة «رود».</ref>
الارادة هي المشيئة يقال: أراد الشيء إذا شاءه<ref> انظر : الصحاح 2 : 478، تاج العروس 4 : 466 مادة «رود».</ref>


==تعريف الإرادة اصطلاحاً==
=تعريف الإرادة اصطلاحاً=
ليس للأصوليين مصطلح خاص في الإرادة، بيدَ أنّهم تابعوا [[الفلاسفة]] و [[المتكلمين]] في تفسيراتهم المختلفة لها، وتعرضوا إلى موردين:
ليس للأصوليين مصطلح خاص في الإرادة، بيدَ أنّهم تابعوا [[الفلاسفة]] و [[المتكلمين]] في تفسيراتهم المختلفة لها، وتعرضوا إلى موردين:
===المورد الأول: [[الإرادة الإلهية]]===
 
==المورد الأول: [[الإرادة الإلهية]]==
وقد وقع الخلاف في ماهيتها وحقيقتها، وما يهمنا في المقام هو المقدار الذي تعرض له الأصوليون، فقد اختلفوا فيها على معانٍ:
وقد وقع الخلاف في ماهيتها وحقيقتها، وما يهمنا في المقام هو المقدار الذي تعرض له الأصوليون، فقد اختلفوا فيها على معانٍ:
====المعنی الأول: أنّها صفة ذاتية====
===المعنی الأول: أنّها صفة ذاتية===
أي تنتزع من مقام الذات، كالعلم والحياة، وهو المنسوب للفلاسفة<ref> نسبه السيد الخوئي لمشهور الفلاسفة، انظر : مصباح الأصول 1 ق 1 :  279.</ref>، وجماعة من المتكلمين<ref> انظر : أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة : 323.</ref>، ثمّ اختلفت كلماتهم في تلك الصفة، فالمتفق عليه بين الأشاعرة أنّ إرادته تعالى صفة قديمة زائدة على الذات المقدّسة قائمة بها. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 3 : 62، لوامع الأنوار البهية 1 : 145.</ref>
أي تنتزع من مقام الذات، كالعلم والحياة، وهو المنسوب للفلاسفة<ref> نسبه السيد الخوئي لمشهور الفلاسفة، انظر : مصباح الأصول 1 ق 1 :  279.</ref>، وجماعة من المتكلمين<ref> انظر : أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة : 323.</ref>، ثمّ اختلفت كلماتهم في تلك الصفة، فالمتفق عليه بين الأشاعرة أنّ إرادته تعالى صفة قديمة زائدة على الذات المقدّسة قائمة بها. <ref> انظر : الكاشف عن المحصول 3 : 62، لوامع الأنوار البهية 1 : 145.</ref>
وذهب جملة من الفلاسفة<ref> الشيخ الرئيس في الإلهيات من كتاب الشفاء : 362 ـ 370، و [[صدر المتألهين]] في الحكمة المتعالية 8 : 333، والسبزواري في شرح المنظومه قسم الحكمة 2 : 648 ـ 469.</ref> إلى أنّ إرادته تعالى عبارة عن علمه بالنظام الأكمل، ومال إليه بعض أصوليي الإمامية<ref> نسبه السيد الخوئي إلى جماعة من الأصوليين، انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 : 34.</ref>، ففي تفسير الإرادة التكوينية قال المحقّق الخراساني: «هي العلم بالنظام على النحو الكامل...». <ref> كفايه الأصول : 67.</ref>
وذهب جملة من الفلاسفة<ref> الشيخ الرئيس في الإلهيات من كتاب الشفاء : 362 ـ 370، و [[صدر المتألهين]] في الحكمة المتعالية 8 : 333، والسبزواري في شرح المنظومه قسم الحكمة 2 : 648 ـ 469.</ref> إلى أنّ إرادته تعالى عبارة عن علمه بالنظام الأكمل، ومال إليه بعض أصوليي الإمامية<ref> نسبه السيد الخوئي إلى جماعة من الأصوليين، انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 : 34.</ref>، ففي تفسير الإرادة التكوينية قال المحقّق الخراساني: «هي العلم بالنظام على النحو الكامل...». <ref> كفايه الأصول : 67.</ref>
وناقش فيه بعضهم بأنّ العلم مغاير للإرادة مفهوما وإن اتّحدا مصداقا، فالعلم عبارة عن الانكشاف، بينما إرادته تعالى بمعنى الابتهاج والرضا بذاته وبلوازم ذاته، ثمّ نسب هذا المعنى لبعض الأكابر. <ref> نهاية الدراية 1 : 278 ـ 279.</ref>
وناقش فيه بعضهم بأنّ العلم مغاير للإرادة مفهوما وإن اتّحدا مصداقا، فالعلم عبارة عن الانكشاف، بينما إرادته تعالى بمعنى الابتهاج والرضا بذاته وبلوازم ذاته، ثمّ نسب هذا المعنى لبعض الأكابر. <ref> نهاية الدراية 1 : 278 ـ 279.</ref>
ومع قبوله بعض تفريق الأخير بين العلم والإرادة إلاّ أنّه لم يرتضِ تعريف الإرادة بالابتهاج والرضا؛ لعدم مفهومية ذلك لا لغةً ولا عرفا، مضافا إلى أنّ هذا المعنى اصطلاح خاص بالفلاسفة في تفسيرهم للإرادة الأزلية، وهو ـ  على حدّ تعبيره  ـ تفسير خاطئ. <ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 34 ـ 36.</ref>
ومع قبوله بعض تفريق الأخير بين العلم والإرادة إلاّ أنّه لم يرتضِ تعريف الإرادة بالابتهاج والرضا؛ لعدم مفهومية ذلك لا لغةً ولا عرفا، مضافا إلى أنّ هذا المعنى اصطلاح خاص بالفلاسفة في تفسيرهم للإرادة الأزلية، وهو ـ  على حدّ تعبيره  ـ تفسير خاطئ. <ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 34 ـ 36.</ref>
====المعنی الثاني: أنّها صفة فعليّة====
===المعنی الثاني: أنّها صفة فعليّة===
ذهب بعض الأصوليين<ref> انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 :39، أوائل المقالات : 58.</ref> إلى أنّ إرادته تعالى صفة فعليّة وليست ذاتية، قال  السيد الخوئي: «إنّه لا مقتضي لما التزم به الفلاسفة وجماعة من الأصوليين... من كون إرادته تعالى صفة ذاتية له»<ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 39.</ref>، ثمّ دعم قوله بكون إرادته ـ  تعالى  ـ فعليّة بنصوص عدّة:
ذهب بعض الأصوليين<ref> انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 :39، أوائل المقالات : 58.</ref> إلى أنّ إرادته تعالى صفة فعليّة وليست ذاتية، قال  السيد الخوئي: «إنّه لا مقتضي لما التزم به الفلاسفة وجماعة من الأصوليين... من كون إرادته تعالى صفة ذاتية له»<ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 39.</ref>، ثمّ دعم قوله بكون إرادته ـ  تعالى  ـ فعليّة بنصوص عدّة:
منها: قوله تعالى: '''«إنّما أمره إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»'''<ref> يس : 82 .</ref>، فإنّ صفاته الذاتية القديمة لايصح وقوعها بعد إذا الشرطية أو الزمانية.
منها: قوله تعالى: '''«إنّما أمره إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»'''<ref> يس : 82 .</ref>، فإنّ صفاته الذاتية القديمة لايصح وقوعها بعد إذا الشرطية أو الزمانية.
سطر ٢١: سطر ٢٢:
قسّم بعض المحققين إرادته تعالى إلى فعليّة وذاتية وحمل النصوص الواردة ـ  التي تقدّم ذكر بعض منها  ـ على خصوص الفعليّة من الإرادة، وحاصل ما أفاد (أنّ مشيئته تعالى على قسمين: '''مشيئة ذاتية:''' وهي عين ذاته المقدّسة كبقية صفاته الذاتية، فهو تعالى صرف المشيئة وصرف القدرة وصرف العلم... وهكذا، فالمشيئة الواجبة عين الواجب تعالى. و '''مشيئة فعليّة:''' وهي عين الوجود الإطلاقي المنبسط على الماهيات، والمراد من المشيئة الواردة في الروايات هو المشيئة الفعليّة. <ref> انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 : 39.</ref>
قسّم بعض المحققين إرادته تعالى إلى فعليّة وذاتية وحمل النصوص الواردة ـ  التي تقدّم ذكر بعض منها  ـ على خصوص الفعليّة من الإرادة، وحاصل ما أفاد (أنّ مشيئته تعالى على قسمين: '''مشيئة ذاتية:''' وهي عين ذاته المقدّسة كبقية صفاته الذاتية، فهو تعالى صرف المشيئة وصرف القدرة وصرف العلم... وهكذا، فالمشيئة الواجبة عين الواجب تعالى. و '''مشيئة فعليّة:''' وهي عين الوجود الإطلاقي المنبسط على الماهيات، والمراد من المشيئة الواردة في الروايات هو المشيئة الفعليّة. <ref> انظر : محاضرات في أصول الفقه 2 : 39.</ref>


===المورد الثاني: [[الإرادة الإنسانية]]===
==المورد الثاني: [[الإرادة الإنسانية]]==
وفيها آراء مختلفة أيضا:
وفيها آراء مختلفة أيضا:
====الرأي الأول: أنّها صفة تقتضي الترجيح====
===الرأي الأول: أنّها صفة تقتضي الترجيح===
أي أنّ النفس الإنسانية عندما يعرض لها أمر فيه طرفان جائزان، فإنّها ترجّح أو تخصّص أحد الطرفين من خلال صفة الإرادة. وهذا هو مذهب الأشاعرة واختاره بعض الأصوليين. <ref> انظر : تهافت الفلاسفة : 102 ـ 103، نفائس الأصول 3 : 1197، إرشاد الطالبين : 118، اللوامع الإلهية : 136.</ref>
أي أنّ النفس الإنسانية عندما يعرض لها أمر فيه طرفان جائزان، فإنّها ترجّح أو تخصّص أحد الطرفين من خلال صفة الإرادة. وهذا هو مذهب الأشاعرة واختاره بعض الأصوليين. <ref> انظر : تهافت الفلاسفة : 102 ـ 103، نفائس الأصول 3 : 1197، إرشاد الطالبين : 118، اللوامع الإلهية : 136.</ref>
====الرأي الثاني: أنّها اعتقاد النفع أو ظنه====
===الرأي الثاني: أنّها اعتقاد النفع أو ظنه===
نسب هذا القول لأكثر المعتزلة<ref> انظر : كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 552.</ref>، وحاصل كلامهم: أنّ نسبة القدرة الإنسانية إلى طرفي الفعل والترك على السوية، فإذا حصل في القلب اعتقاد النفع في أحد طرفيه أو ظنه، ترجّح بسببه ذلك الطرف وصار مؤثرا عنده. <ref> شرح المصطلحات الكلامية : 14.</ref>
نسب هذا القول لأكثر المعتزلة<ref> انظر : كشاف اصطلاحات الفنون 1 : 552.</ref>، وحاصل كلامهم: أنّ نسبة القدرة الإنسانية إلى طرفي الفعل والترك على السوية، فإذا حصل في القلب اعتقاد النفع في أحد طرفيه أو ظنه، ترجّح بسببه ذلك الطرف وصار مؤثرا عنده. <ref> شرح المصطلحات الكلامية : 14.</ref>
====الرأي الثالث: أنّها ميل وشوق مؤكد====
===الرأي الثالث: أنّها ميل وشوق مؤكد===
وهو المنسوب للفلاسفة<ref> نسبه الرازي في المطالب العالية 3 : 175.</ref>، قال السبزواري: «إنّ الإرادة فينا شوق مؤكد، يحصل عقيب داعٍ هو إدراك الشيء الملائم إدراكا يقينيا أو ظنيا أو تخييليا، موجبا لتحريك الأعضاء لأجل ذلك الشيء».<ref> شرح المنظومة قسم الحكمة 2 : 648.</ref>
وهو المنسوب للفلاسفة<ref> نسبه الرازي في المطالب العالية 3 : 175.</ref>، قال السبزواري: «إنّ الإرادة فينا شوق مؤكد، يحصل عقيب داعٍ هو إدراك الشيء الملائم إدراكا يقينيا أو ظنيا أو تخييليا، موجبا لتحريك الأعضاء لأجل ذلك الشيء».<ref> شرح المنظومة قسم الحكمة 2 : 648.</ref>
وهو المشهور عند الإمامية<ref> انظر : كفاية الأصول : 65، فوائد الأصول 1 ـ 2 : 132، أجود التقريرات 1 : 135، نهاية الدراية 1 : 279، منتهى الأصول 1 : 115، محاضرات في أصول الفقه 2 : 38، بدايع البحوث 1 : 165.</ref>، وأنكره الإمام الخميني قائلاً: «فما في كلام القوم ـ من أنّ الإرادة هو الاشتياق الأكيد أو أنّ الاشتياق من مقدماتها ـ ليس على ما ينبغي»<ref> رسالة الطلب والإرادة : 23.</ref>، وبيّن بعض الأعلام أنّ «السرّ في التعبير عنها بالشوق فينا...أنا لمكان إمكاننا ناقصون غير تامين في الفاعلية، وفاعليتنا لكل شيء بالقوة، فلذا نحتاج فيالخروج من القوة إلى الفعل إلى أمور زائدة عن ذواتنا من تصور الفعل والتصديق بفائدته والشوق الاكيد».<ref> نهاية الدراية 1 : 279.</ref>
وهو المشهور عند الإمامية<ref> انظر : كفاية الأصول : 65، فوائد الأصول 1 ـ 2 : 132، أجود التقريرات 1 : 135، نهاية الدراية 1 : 279، منتهى الأصول 1 : 115، محاضرات في أصول الفقه 2 : 38، بدايع البحوث 1 : 165.</ref>، وأنكره الإمام الخميني قائلاً: «فما في كلام القوم ـ من أنّ الإرادة هو الاشتياق الأكيد أو أنّ الاشتياق من مقدماتها ـ ليس على ما ينبغي»<ref> رسالة الطلب والإرادة : 23.</ref>، وبيّن بعض الأعلام أنّ «السرّ في التعبير عنها بالشوق فينا...أنا لمكان إمكاننا ناقصون غير تامين في الفاعلية، وفاعليتنا لكل شيء بالقوة، فلذا نحتاج فيالخروج من القوة إلى الفعل إلى أمور زائدة عن ذواتنا من تصور الفعل والتصديق بفائدته والشوق الاكيد».<ref> نهاية الدراية 1 : 279.</ref>


==هل الإرادة بحث أصولي؟==
=هل الإرادة بحث أصولي؟=
اعترض بعض الأصوليين<ref> انظر : منتقى الأصول 1 : 381، تحريرات في الأصول 2 : 24.</ref> على إقحام بحث الإرادة في الأصول؛ لكونه بحثا كلاميا فلسفيا، إلاّ أنّ بعضهم<ref> ابن عبّاد العجلي في الكاشف عن المحصول 3 : 57، والمحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية 1 : 261.</ref> يرى في بحث الإرادة جنبة أصولية ينبغي التعرض لها، وهي علاقتها بالطلب، وهل هي متحدة معه، أم مغايرة له؟
اعترض بعض الأصوليين<ref> انظر : منتقى الأصول 1 : 381، تحريرات في الأصول 2 : 24.</ref> على إقحام بحث الإرادة في الأصول؛ لكونه بحثا كلاميا فلسفيا، إلاّ أنّ بعضهم<ref> ابن عبّاد العجلي في الكاشف عن المحصول 3 : 57، والمحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية 1 : 261.</ref> يرى في بحث الإرادة جنبة أصولية ينبغي التعرض لها، وهي علاقتها بالطلب، وهل هي متحدة معه، أم مغايرة له؟
قال ابن عبّاد العجلي: «الطلب المغاير للإرادة أو هو الإرادة، أمرٌ ضروريّ التحقيق في أصول الفقه؛ لأنّ أصول الفقه علم يبحث فيه عن دلالات الأدلة الشرعية على مدلولاتها التي هي الأحكام».<ref> الكاشف عن المحصول 3 : 57.</ref>
قال ابن عبّاد العجلي: «الطلب المغاير للإرادة أو هو الإرادة، أمرٌ ضروريّ التحقيق في أصول الفقه؛ لأنّ أصول الفقه علم يبحث فيه عن دلالات الأدلة الشرعية على مدلولاتها التي هي الأحكام».<ref> الكاشف عن المحصول 3 : 57.</ref>


==شبهة إرادية الإرادة==
=شبهة إرادية الإرادة=
وقع البحث حول الإرادة، هل هي إرادية أم غير إرادية؟
وقع البحث حول الإرادة، هل هي إرادية أم غير إرادية؟
وقد نشأ البحث من شبهة حاصلها: أنّ الإرادة فعل من الأفعال، فإن كان بدون إرادة فإنّه يلزم الجبر والإلجاء في الفعل، وإن كان بإرادة أخرى فإننا ننقل الكلام إليها، فإما أن يتسلسل، أو ينتهي إلى الجبر.
وقد نشأ البحث من شبهة حاصلها: أنّ الإرادة فعل من الأفعال، فإن كان بدون إرادة فإنّه يلزم الجبر والإلجاء في الفعل، وإن كان بإرادة أخرى فإننا ننقل الكلام إليها، فإما أن يتسلسل، أو ينتهي إلى الجبر.
وقبل بيان عباراتهم ينبغي البحث في: أنّ الإرادة هل هي نفس الاختيار، أم مغايرة له؟ ظاهر كلماتهم أنّ الإرادة هي نفس الاختيار، إلاّ أنّ هناك من ادّعى المغايرة بينهما، حيث جعل الإرادة عبارة عن القدرة والسلطنة، أمّا الاختيار فهو أمر متوسط بين الإرادة والفعل، فعند حصول الإرادة تكون للإنسان قدرة على الفعل والترك، فإن شاء فعل وإن شاء ترك. <ref> انظر : مقالات الأصول 1 : 212، محاضرات في أصول الفقه 2 : 59، منتقى الأصول 1 : 385.</ref>
وقبل بيان عباراتهم ينبغي البحث في: أنّ الإرادة هل هي نفس الاختيار، أم مغايرة له؟ ظاهر كلماتهم أنّ الإرادة هي نفس الاختيار، إلاّ أنّ هناك من ادّعى المغايرة بينهما، حيث جعل الإرادة عبارة عن القدرة والسلطنة، أمّا الاختيار فهو أمر متوسط بين الإرادة والفعل، فعند حصول الإرادة تكون للإنسان قدرة على الفعل والترك، فإن شاء فعل وإن شاء ترك. <ref> انظر : مقالات الأصول 1 : 212، محاضرات في أصول الفقه 2 : 59، منتقى الأصول 1 : 385.</ref>


==جواب الشبهة==
=جواب الشبهة=
أجاب عن هذه الشبهة بعض علماء الإمامية بما حاصله: أنّ الاختيار وإن لم يكن بالاختيار، إلاّ أنّ بعض مبادئه غالبا بالاختيار للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة. <ref> كفاية الأصول : 68.</ref>
أجاب عن هذه الشبهة بعض علماء الإمامية بما حاصله: أنّ الاختيار وإن لم يكن بالاختيار، إلاّ أنّ بعض مبادئه غالبا بالاختيار للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة. <ref> كفاية الأصول : 68.</ref>
وأشكل عليه: بأنّ الفعل الاختياري على الفرض ما كان مبادئه بالاختيار، فحينئذٍ ننقل الكلام إلى تلك المبادئ التي ادّعي أنّها بالاختيار، هل تكون الإرادة المتعلقة بها بالإرادة واختيارها بالاختيار فيتسلسل، أو يلزم محذور الجبر. <ref> رسالة الطلب والإرادة الخميني : 50.</ref>
وأشكل عليه: بأنّ الفعل الاختياري على الفرض ما كان مبادئه بالاختيار، فحينئذٍ ننقل الكلام إلى تلك المبادئ التي ادّعي أنّها بالاختيار، هل تكون الإرادة المتعلقة بها بالإرادة واختيارها بالاختيار فيتسلسل، أو يلزم محذور الجبر. <ref> رسالة الطلب والإرادة الخميني : 50.</ref>
سطر ٥١: سطر ٥٢:
وعلى هذا فإنّ الإرادة من أفعال النفس، ولم يكن سبيلها سبيل الشوق والمحبة من الأمور الانفعالية، فالنفس مبدأ الإرادة ولم تكن مبدئيتها بالآلات الجسمانية، بل هي موجدة لها بلا وسط جسماني، وما كان حاله كذلك في صدوره من النفس لا يكون، بل لايمكن أن يكون بينه وبين النفس إرادة زائدة متعلقة به، بل النفس موجدة له بالعلم والاستشعار. <ref> رسالة الطلب والإرادة : 53 ـ 56.</ref>
وعلى هذا فإنّ الإرادة من أفعال النفس، ولم يكن سبيلها سبيل الشوق والمحبة من الأمور الانفعالية، فالنفس مبدأ الإرادة ولم تكن مبدئيتها بالآلات الجسمانية، بل هي موجدة لها بلا وسط جسماني، وما كان حاله كذلك في صدوره من النفس لا يكون، بل لايمكن أن يكون بينه وبين النفس إرادة زائدة متعلقة به، بل النفس موجدة له بالعلم والاستشعار. <ref> رسالة الطلب والإرادة : 53 ـ 56.</ref>


==الألفاظ ذات الصلة==
=الألفاظ ذات الصلة=
===1 ـ الطلب: لغةً===
==1 ـ الطلب: لغةً==
هو محاولة وجدان الشيء<ref> العين 7 : 430 مادة «طلب».</ref>، وعند بعض الأصوليين: هو القدر المشترك بين الوجوب والندب<ref> معالم الدين : 46.</ref>، واختلفوا في أنّه نفس إرادة المأمور به أو غيره على قولين، وسوف يأتي الكلام فيه.
هو محاولة وجدان الشيء<ref> العين 7 : 430 مادة «طلب».</ref>، وعند بعض الأصوليين: هو القدر المشترك بين الوجوب والندب<ref> معالم الدين : 46.</ref>، واختلفوا في أنّه نفس إرادة المأمور به أو غيره على قولين، وسوف يأتي الكلام فيه.
===2 ـ الاختيار===
==2 ـ الاختيار==
وهو وقوع الفعل لا على وجه الإلجاء<ref> رسائل الشريف المرتضى 2 : 262.</ref>، وفسّره بعضهم بنفس الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر أن يختار<ref> انظر : الكليات : 62.</ref>، وعند آخر من مبادئ الإرادة. <ref> مقالات الأصول 1 : 213.</ref>
وهو وقوع الفعل لا على وجه الإلجاء<ref> رسائل الشريف المرتضى 2 : 262.</ref>، وفسّره بعضهم بنفس الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر أن يختار<ref> انظر : الكليات : 62.</ref>، وعند آخر من مبادئ الإرادة. <ref> مقالات الأصول 1 : 213.</ref>
===3 ـ الميل===
==3 ـ الميل==
وهو الذي يسميه بعض المتكلمين (اعتماد)، والمقصود منه: كيفية بها يكون الجسم مدافعا لما يمنعه<ref> انظر : كشف المراد : 312.</ref>، وبعض الفلاسفة فسّر الإرادة به كما تقدم.
وهو الذي يسميه بعض المتكلمين (اعتماد)، والمقصود منه: كيفية بها يكون الجسم مدافعا لما يمنعه<ref> انظر : كشف المراد : 312.</ref>، وبعض الفلاسفة فسّر الإرادة به كما تقدم.
===4 ـ القصد===
==4 ـ القصد==
عرّفه بعضهم بأنّه خلوص الداعي إلى فعله أو ترجحه عن الصارف. وجعله آخر إسما للإرادة، قال الطوسي: «إن كانت الإرادة مصاحبة للفعل سميت قصدا».<ref> الرسائل العشر : 76.</ref>
عرّفه بعضهم بأنّه خلوص الداعي إلى فعله أو ترجحه عن الصارف. وجعله آخر إسما للإرادة، قال الطوسي: «إن كانت الإرادة مصاحبة للفعل سميت قصدا».<ref> الرسائل العشر : 76.</ref>


==أقسام الإرادة==
=أقسام الإرادة=
قسّموا الإرادة من حيثيات عديدة إلى أقسام مختلفة:
قسّموا الإرادة من حيثيات عديدة إلى أقسام مختلفة:


===1 ـ الإرادة التكوينية والتشريعية===
==1 ـ الإرادة التكوينية والتشريعية==
قسّم بعض الأصوليين ـ  تبعا للفلاسفة  ـ الإرادة إلى التكوينية والتشريعية<ref> انظر : كفاية الأصول : 67، نهاية الدراية 1 : 280.</ref>، وقد عبّر عنها بعضهم بالإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية. <ref> انظر : مذكرة أصول الفقه : 190.</ref>
قسّم بعض الأصوليين ـ  تبعا للفلاسفة  ـ الإرادة إلى التكوينية والتشريعية<ref> انظر : كفاية الأصول : 67، نهاية الدراية 1 : 280.</ref>، وقد عبّر عنها بعضهم بالإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية. <ref> انظر : مذكرة أصول الفقه : 190.</ref>
ثمّ اختلفت كلماتهم في معيار الفرق بينهما، فقال بعضهم: إنّ الفرق بينهما هو أنّ التكوينية عبارة عن علمه بالنظام على النحو الكامل التام، أمّا التشريعية فهي علمه بالمصلحة في فعل المكلّف. <ref> انظر : كفاية الأصول : 67.</ref>
ثمّ اختلفت كلماتهم في معيار الفرق بينهما، فقال بعضهم: إنّ الفرق بينهما هو أنّ التكوينية عبارة عن علمه بالنظام على النحو الكامل التام، أمّا التشريعية فهي علمه بالمصلحة في فعل المكلّف. <ref> انظر : كفاية الأصول : 67.</ref>
سطر ٧٠: سطر ٧١:
ونسب السيد محمد تقي الحكيم إلى الأصوليين تفريقهم بينهما من حيث المتعلق، وإنّه في التكوينية خصوص الأمور الواقعية من أفعال المكلفين وغيرها، وفي التشريعة خصوص الأمور المجعولة على أفعال المكلفين من قِبل المشرع. <ref> انظر : الأصول العامة للفقه المقارن : 144.</ref>
ونسب السيد محمد تقي الحكيم إلى الأصوليين تفريقهم بينهما من حيث المتعلق، وإنّه في التكوينية خصوص الأمور الواقعية من أفعال المكلفين وغيرها، وفي التشريعة خصوص الأمور المجعولة على أفعال المكلفين من قِبل المشرع. <ref> انظر : الأصول العامة للفقه المقارن : 144.</ref>


===2 ـ الإرادة الحقيقية والإنشائية===
==2 ـ الإرادة الحقيقية والإنشائية==
وهذا التقسيم مبني على تخيل كون لفظ الإرادة مترادفا مع الطلب، وحسبان أنّ لمعناهما مصداقا حقيقيا هو الصفة النفسانية، ومصداقا إنشائيا هو الطلب الانشائي<ref> كفاية الأصول : 64 ـ 65.</ref> وستأتي الإشارة اليه تحت عنوان «الإرادة والطلب».
وهذا التقسيم مبني على تخيل كون لفظ الإرادة مترادفا مع الطلب، وحسبان أنّ لمعناهما مصداقا حقيقيا هو الصفة النفسانية، ومصداقا إنشائيا هو الطلب الانشائي<ref> كفاية الأصول : 64 ـ 65.</ref> وستأتي الإشارة اليه تحت عنوان «الإرادة والطلب».


===3 ـ الإرادة الاستعمالية والجدّية===
==3 ـ الإرادة الاستعمالية والجدّية==
قسّم الأصوليون ـ  أيضا  ـ إرادة المتكلم إلى إرادتين: الإرادة الاستعمالية، والإرادة الجدّية.
قسّم الأصوليون ـ  أيضا  ـ إرادة المتكلم إلى إرادتين: الإرادة الاستعمالية، والإرادة الجدّية.
أمّا الإرادة الاستعمالية: فقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنّ المراد منها: هو أن يقصد المتكلم إفناء اللفظ في المعنى، فتكون الإرادة الاستعمالية بمعنى لحاظ اللفظ لحاظا آليا فانيا في المعنى<ref> انظر : حقائق الأصول 1 : 27.</ref>، وهناك تفسير آخر للإرادة الاستعمالية، تبناه السيد الشهيد الصدر قدس‏سره، وحاصله: أنّ الإرادة الاستعمالية تعني أنّ المتكلم يريد إحضار المعاني في ذهن المخاطب، فعندما يقول (ماء) مثلاً مع قصد إحضار معنى ذلك السائل المخصوص في ذهن السامع، تسمى إرادة استعمالية. <ref> دروس في علم الأصول 1 : 94، المعالم الجديدة للأصول : 154 ـ 155.</ref>
أمّا الإرادة الاستعمالية: فقد ذهب بعض الأصوليين إلى أنّ المراد منها: هو أن يقصد المتكلم إفناء اللفظ في المعنى، فتكون الإرادة الاستعمالية بمعنى لحاظ اللفظ لحاظا آليا فانيا في المعنى<ref> انظر : حقائق الأصول 1 : 27.</ref>، وهناك تفسير آخر للإرادة الاستعمالية، تبناه السيد الشهيد الصدر قدس‏سره، وحاصله: أنّ الإرادة الاستعمالية تعني أنّ المتكلم يريد إحضار المعاني في ذهن المخاطب، فعندما يقول (ماء) مثلاً مع قصد إحضار معنى ذلك السائل المخصوص في ذهن السامع، تسمى إرادة استعمالية. <ref> دروس في علم الأصول 1 : 94، المعالم الجديدة للأصول : 154 ـ 155.</ref>
سطر ٨١: سطر ٨٢:
ويظهر من بعض الأصوليين عدم الفرق بين الإرادتين، بل الإرادة الاستعمالية هي عينها الإرادة الجدّية ـ  عندهم  ـ <ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 517 ـ 518، منتهى الأصول 1 : 448.</ref>، قال النائيني: «ليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعي، فالمستعمل إن كان قد أراد المعاني الواقعة تحت الألفاظ فهو، وإلاّ كان هازلاً... والحاصل: أنّ تفكيك الإرادة الاستعمالية عن الإرادة الواقعية ممّا لامحصّل له».<ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 517 ـ 518.</ref>
ويظهر من بعض الأصوليين عدم الفرق بين الإرادتين، بل الإرادة الاستعمالية هي عينها الإرادة الجدّية ـ  عندهم  ـ <ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 517 ـ 518، منتهى الأصول 1 : 448.</ref>، قال النائيني: «ليس للاستعمال إرادة مغايرة لإرادة المعنى الواقعي، فالمستعمل إن كان قد أراد المعاني الواقعة تحت الألفاظ فهو، وإلاّ كان هازلاً... والحاصل: أنّ تفكيك الإرادة الاستعمالية عن الإرادة الواقعية ممّا لامحصّل له».<ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 517 ـ 518.</ref>


===4 ـ الإرادة الفعلية والاستقبالية===
==4 ـ الإرادة الفعلية والاستقبالية==
فالإرادة الفعلية هي التي تتعلق بأمرٍ حالي، كما إذا أراد الإنسان تحريك يده الآن. والإرادة الاستقبالية هي التي تتعلق بأمرٍ استقبالي، كما إذا  أراد الإنسان الصوم في الغد أو السفر بعد يوم أو  شهر.
فالإرادة الفعلية هي التي تتعلق بأمرٍ حالي، كما إذا أراد الإنسان تحريك يده الآن. والإرادة الاستقبالية هي التي تتعلق بأمرٍ استقبالي، كما إذا  أراد الإنسان الصوم في الغد أو السفر بعد يوم أو  شهر.
وهذا في الواقع تقسيم للإرادة بالعرض والمجاز، وإلاّ فهو في الحقيقة تقسيم للمراد. <ref> اصطلاحات الأصول : 29، وانظر : هداية المسترشدين2 : 268، تعليقة على معالم الأصول القزويني : 589، 598، كفاية الأصول : 104.</ref>
وهذا في الواقع تقسيم للإرادة بالعرض والمجاز، وإلاّ فهو في الحقيقة تقسيم للمراد. <ref> اصطلاحات الأصول : 29، وانظر : هداية المسترشدين2 : 268، تعليقة على معالم الأصول القزويني : 589، 598، كفاية الأصول : 104.</ref>


==الإرادة والطلب==
=الإرادة والطلب=
عند تعرض الأصوليين لحدّ الأمر وأنّه: «اللفظ الدالّ على الطلب» تصدّوا لبيان مفهوم الطلب إفصاحا للحدّ المذكور، فانقسموا إلى فريقين:
عند تعرض الأصوليين لحدّ الأمر وأنّه: «اللفظ الدالّ على الطلب» تصدّوا لبيان مفهوم الطلب إفصاحا للحدّ المذكور، فانقسموا إلى فريقين:


===1 ـ القائلين بالمغايرة بين الطلب والإرادة===
==1 ـ القائلين بالمغايرة بين الطلب والإرادة==
ذهبت [[الأشاعرة]] إلى أنّ الطلب معنى قائم في النفس وجعلوه من أقسام الكلام النفسي<ref> قال ابن حجر : «قالت الأشاعرة : كلام اللّه‏ ليس بحرف ولا صوت، وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقتة معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة» فتح الباري 13 : 393.</ref> ـ  عندهم  ـ المغاير للإرادة، وصرّح بذلك جملة من الأصوليين<ref> الغزالي في المستصفى 1 : 90، والكلوذاني في التمهيد في أصول الفقه 1 : 124، والرازي في المحصول 1 : 191، والآمدي في الإحكام 1 ـ 2 : 364، وابن عبّاد العجلي في الكاشف عن المحصول 3 : 60، والقرافي في نفائس الأصول 3 : 1194، والزركشي في تشنيف المسامع 2 : 581، والمرداوي في التحبير شرح التحرير 5 : 2169، والدكتور عبدالكريم النملة في الجامع لمسائل أصول الفقه : 216.</ref>، قال السبكي: «إن الطلب قد يتحقق بدون الإرادة؛ وذلك لأنّه قد يجتمع مع كراهيته، ويستحيل أن تجتمع إرادته مع كراهته، فالأمر غير الإرادة».<ref> الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 11.</ref>
ذهبت [[الأشاعرة]] إلى أنّ الطلب معنى قائم في النفس وجعلوه من أقسام الكلام النفسي<ref> قال ابن حجر : «قالت الأشاعرة : كلام اللّه‏ ليس بحرف ولا صوت، وأثبتت الكلام النفسي، وحقيقتة معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة» فتح الباري 13 : 393.</ref> ـ  عندهم  ـ المغاير للإرادة، وصرّح بذلك جملة من الأصوليين<ref> الغزالي في المستصفى 1 : 90، والكلوذاني في التمهيد في أصول الفقه 1 : 124، والرازي في المحصول 1 : 191، والآمدي في الإحكام 1 ـ 2 : 364، وابن عبّاد العجلي في الكاشف عن المحصول 3 : 60، والقرافي في نفائس الأصول 3 : 1194، والزركشي في تشنيف المسامع 2 : 581، والمرداوي في التحبير شرح التحرير 5 : 2169، والدكتور عبدالكريم النملة في الجامع لمسائل أصول الفقه : 216.</ref>، قال السبكي: «إن الطلب قد يتحقق بدون الإرادة؛ وذلك لأنّه قد يجتمع مع كراهيته، ويستحيل أن تجتمع إرادته مع كراهته، فالأمر غير الإرادة».<ref> الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 11.</ref>
واستدلوا على المغايرة بوجوه:
واستدلوا على المغايرة بوجوه:
سطر ١٠٣: سطر ١٠٤:
ومن هنا يتبين أنّ استدلال الإمامية ـ  ممن قال بالمغايرة  ـ ونظرهم يختلف عمّا ذهب إليه الأشاعرة، ولذا قال المحقّق العراقي: «وبالجملة ما في ألسنة بعض المعاصرين من تصور مغايرة الطلب مع الإرادة... أجنبية عن مرام الأشاعرة المؤسسين لهذا الأساس».<ref> مقالات الأصول 1 : 210.</ref>
ومن هنا يتبين أنّ استدلال الإمامية ـ  ممن قال بالمغايرة  ـ ونظرهم يختلف عمّا ذهب إليه الأشاعرة، ولذا قال المحقّق العراقي: «وبالجملة ما في ألسنة بعض المعاصرين من تصور مغايرة الطلب مع الإرادة... أجنبية عن مرام الأشاعرة المؤسسين لهذا الأساس».<ref> مقالات الأصول 1 : 210.</ref>


===2 ـ القائلين بالاتحاد بين الطلب والإرادة===
==2 ـ القائلين بالاتحاد بين الطلب والإرادة==
أمّا المشهور بين العدلية من المعتزلة وأكثر الإمامية<ref> انظر : تعليقة على معالم الأصول القزويني 3 : 25، كفاية الأصول : 64، نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 163.</ref> فهو اتحاد الطلب والإرادة.
أمّا المشهور بين العدلية من المعتزلة وأكثر الإمامية<ref> انظر : تعليقة على معالم الأصول القزويني 3 : 25، كفاية الأصول : 64، نهاية الأفكار 1 ـ 2 : 163.</ref> فهو اتحاد الطلب والإرادة.
قال الآخوند الخراساني: «الحق كما عليه أهله ـ  وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة  ـ هو اتحاد الطلب والإرادة»<ref> كفاية الأصول : 64.</ref> مستدلين عليه بحكم الوجدان<ref> انظر : أجود التقريرات 1 : 135.</ref>، وأنه لا نرى غير الإرادة أمرا آخر يسمى بالطلب، قال الحائري: «إن أراد الأشاعرة أنّه في النفس صفة أخرى غير الإرادة تسمى بالطلب، فهو واضح الفساد؛ ضرورة إنّا إذا نطلب شيئا لم نجد في أنفسنا غير الإرادة ومبادئها...». <ref> درر الفوائد 1 ـ 2 : 72.</ref>
قال الآخوند الخراساني: «الحق كما عليه أهله ـ  وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة  ـ هو اتحاد الطلب والإرادة»<ref> كفاية الأصول : 64.</ref> مستدلين عليه بحكم الوجدان<ref> انظر : أجود التقريرات 1 : 135.</ref>، وأنه لا نرى غير الإرادة أمرا آخر يسمى بالطلب، قال الحائري: «إن أراد الأشاعرة أنّه في النفس صفة أخرى غير الإرادة تسمى بالطلب، فهو واضح الفساد؛ ضرورة إنّا إذا نطلب شيئا لم نجد في أنفسنا غير الإرادة ومبادئها...». <ref> درر الفوائد 1 ـ 2 : 72.</ref>
سطر ١١٦: سطر ١١٧:
غير أنّ السيد الخوئي لا يرى وجها لما ذكره الآخوند؛ لأنّ المغايرة بين [[الطلب والإرادة]] مغايرة على مستوى المفهوم والواقع معا. <ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 33.</ref>
غير أنّ السيد الخوئي لا يرى وجها لما ذكره الآخوند؛ لأنّ المغايرة بين [[الطلب والإرادة]] مغايرة على مستوى المفهوم والواقع معا. <ref> محاضرات في أصول الفقه 2 : 33.</ref>


==هل الإرادة شرط في الدلالة؟==
=هل الإرادة شرط في الدلالة؟=
ذهب بعض من [[المعتزلة]] و [[الإمامية]] إلى اشتراط الإرادة في [[دلالة صيغة الأمر على الطلب]]. <ref> انظر : المعتمد 1 : 43، معارج الأصول : 63.</ref>
ذهب بعض من [[المعتزلة]] و [[الإمامية]] إلى اشتراط الإرادة في [[دلالة صيغة الأمر على الطلب]]. <ref> انظر : المعتمد 1 : 43، معارج الأصول : 63.</ref>
وممّا استدلّ به على ذلك هو أنّ الصيغة ترد أمرا كقوله تعالى: '''«وَأَقِمِ الصَّلاَةَ»'''<ref> هود : 114.</ref>، وغير أمر كقوله تعالى: '''«اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ»'''<ref> فصلت : 40.</ref>، ولا مخصِّص له إلاّ الإرادة. <ref> معارج الأصول : 63، المعتمد 1 : 46.</ref>
وممّا استدلّ به على ذلك هو أنّ الصيغة ترد أمرا كقوله تعالى: '''«وَأَقِمِ الصَّلاَةَ»'''<ref> هود : 114.</ref>، وغير أمر كقوله تعالى: '''«اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ»'''<ref> فصلت : 40.</ref>، ولا مخصِّص له إلاّ الإرادة. <ref> معارج الأصول : 63، المعتمد 1 : 46.</ref>
سطر ١٢٨: سطر ١٢٩:
وعلى كلّ حال فقد عدّ الدكتور عبدالكريم النملة هذا النزاع من النزاعات اللفظية. <ref> الخلاف اللفظي 2 : 237 ـ 253.</ref>
وعلى كلّ حال فقد عدّ الدكتور عبدالكريم النملة هذا النزاع من النزاعات اللفظية. <ref> الخلاف اللفظي 2 : 237 ـ 253.</ref>


==هل الإرادة علّة تامة للفعل؟==
=هل الإرادة علّة تامة للفعل؟=
اختار بعض الأصوليين تبعا للفلاسفة أنّ صدور الفعل مترتب على الإرادة ـ بمعنى الشوق الأكيد ـ ترتب المعلول على علّته التامة<ref> انظر : مصباح الأصول 1 ق1 : 261.</ref>، أو أنَّ الإرادة هي الجزء الأخير من [[العلّة التامة]]. <ref> انظر : نهاية الدراية 1 : 279، رسالة الطلب والإرادة [[الخميني]] : 4، محاضرات في أصول الفقه 2 : 35.</ref>
اختار بعض الأصوليين تبعا للفلاسفة أنّ صدور الفعل مترتب على الإرادة ـ بمعنى الشوق الأكيد ـ ترتب المعلول على علّته التامة<ref> انظر : مصباح الأصول 1 ق1 : 261.</ref>، أو أنَّ الإرادة هي الجزء الأخير من [[العلّة التامة]]. <ref> انظر : نهاية الدراية 1 : 279، رسالة الطلب والإرادة [[الخميني]] : 4، محاضرات في أصول الفقه 2 : 35.</ref>
واستشكل فيه بعضهم قائلاً: «لا ينبغي الإشكال في أنّ هناك وراء الإرادة أمرا آخر، يكون هو المستتبع لحركة العضلات ويكون من أفعال النفس، وإن شئت سمّه بحملة النفس أو حركة النفس أو تصدي النفس».<ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 131.</ref>
واستشكل فيه بعضهم قائلاً: «لا ينبغي الإشكال في أنّ هناك وراء الإرادة أمرا آخر، يكون هو المستتبع لحركة العضلات ويكون من أفعال النفس، وإن شئت سمّه بحملة النفس أو حركة النفس أو تصدي النفس».<ref> فوائد الأصول 1 ـ 2 : 131.</ref>
وذكر آخر في بطلان كون الإرادة [[علّة تامة]] كفاية الرجوع إلى الوجدان، «فالوجدان الضروري قاضٍ بأنّ الشوق المؤكد لايخرج الفعل عن تحت سلطان الفاعل، بل قد يفعل فعلاً بلا شوق إليه، بل مع الكراهة عنه، فيتخلّف الفعل عن الشوق المؤكد وجودا وعدما بحكم الوجدان الضروري».<ref> السيد الخوئي في مصباح الأصول 1 ق1 : 261 ـ 262.</ref>
وذكر آخر في بطلان كون الإرادة [[علّة تامة]] كفاية الرجوع إلى الوجدان، «فالوجدان الضروري قاضٍ بأنّ الشوق المؤكد لايخرج الفعل عن تحت سلطان الفاعل، بل قد يفعل فعلاً بلا شوق إليه، بل مع الكراهة عنه، فيتخلّف الفعل عن الشوق المؤكد وجودا وعدما بحكم الوجدان الضروري».<ref> السيد الخوئي في مصباح الأصول 1 ق1 : 261 ـ 262.</ref>


==المصادر==
=المصادر=
 
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: مفهوم الإرادة]][[تصنيف: مفهوم الطلب]][[تصنيف: أقسام الإرادة]][[تصنيف: الفرق بين الطلب والإرادة]][[تصنيف: اتحاد الطلب والإرادة]]
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل