الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الخلافيات»

(أنشأ الصفحة ب''''الخلافيات:''' الخلاف هو ضدّ الاتّفاق، والمقصود بالبحث هنا تبيين عدّة أبحاث أصولية وقع الخلا...')
 
لا ملخص تعديل
سطر ١٣: سطر ١٣:


==المسألة الاولی: البحث في الخلاف باعتباره عِلْماً==
==المسألة الاولی: البحث في الخلاف باعتباره عِلْماً==
عرف علم الخلاف بأنّه: علم يُعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبهة وقوادح الأدلّة الخلافية بإيراد البراهين القطعية <ref>. اتحاف السادة المتّقين 1: 455.</ref>.
عرف [[علم الخلاف]] بأنّه: علم يُعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبهة وقوادح الأدلّة الخلافية بإيراد البراهين القطعية <ref>. اتحاف السادة المتّقين 1: 455.</ref>.
<br>أو هو علم يقدر به على حفظ أي وضع وهدم أي وضع كان بقدر الإمكان <ref>. المصدر السابق.</ref>.
<br>أو هو علم يقدر به على حفظ أي وضع وهدم أي وضع كان بقدر الإمكان <ref>. المصدر السابق.</ref>.
<br>أو هو علم يتوصّل به إلى حفظ [[الاستنباط|الأحكام المستنبطة]] المختلف فيها أو هدمها لا إلى [[الاستنباط]] <ref>. تيسير التحرير 1: 14.</ref>.
<br>أو هو علم يتوصّل به إلى حفظ [[الاستنباط|الأحكام المستنبطة]] المختلف فيها أو هدمها لا إلى [[الاستنباط]] <ref>. تيسير التحرير 1: 14.</ref>.
<br>فعلم الخلاف: هو العلم الذي يحتوي على المناقشات الفقهية الاستدلالية المتعلّقة بالمسائل الخلافية الواقعة بين المذاهب، ففيه يذكر الأساس والمبنى الفقهي لكلّ مسألة وقع الخلاف فيها بينهم، فيقوم الخلافي بتدعيم رأي مذهبه ودحض الحجج التي أقامها مخالفه لإبطال رأي مذهبه.
<br>فعلم الخلاف: هو العلم الذي يحتوي على المناقشات الفقهية الاستدلالية المتعلّقة بالمسائل الخلافية الواقعة بين المذاهب، ففيه يذكر الأساس والمبنى الفقهي لكلّ مسألة وقع الخلاف فيها بينهم، فيقوم الخلافي بتدعيم رأي مذهبه ودحض الحجج التي أقامها مخالفه لإبطال رأي مذهبه.
<br>والخلافي هو من يأخذ من [[المجتهد]] الحكم بدليل غير خاصّ، بل بدليل إجمالي، وسمّي خلافيا؛ لأنّه يأخذ من إمامه في المذهب خلاف ما أخذه الآخر من إمامه <ref>. حاشية العلاّمة البناني 1: 76.</ref>.
<br>والخلافي هو من يأخذ من [[المجتهد]] الحكم بدليل غير خاصّ، بل بدليل إجمالي، وسمّي خلافيا؛ لأنّه يأخذ من إمامه في المذهب خلاف ما أخذه الآخر من إمامه <ref>. حاشية العلاّمة البناني 1: 76.</ref>.
<br>وعلم الخلاف شعبة من شعب [[علم الجدل]]، فبه يتوصّل إلى حفظ رأي أو هدمه أعم من أن يكون في [[الأحكام الشرعية]] أو غيرها <ref>. اُنظر: اتحاف السادة المتقين 1: 445، تيسير التحرير 1: 14 ـ 15.</ref>. وبعبارة اُخرى: إنّ الأساليب التي تستخدم في  علم الجدل من طرق الحجّة وكيفية إفحام الخصم واستبيان الضعف في دليله، هذه الأساليب استخدمت في الفقه وتولّد لنا علم الخلاف، فأخذ أتباع كلّ مذهب من [[المذاهب الإسلامية]] يقيمون الدلائل والحجج على صحّة ما ذهب إليه إمام المذهب وضعف ما ذهب إليه مخالفيهم، فيصار من خلال علم الخلاف إلى المقارنة بين آراء المذاهب الفقهية ويقدم كلّ طرف بالدفاع عن آرائه وأصول مذهبه على أساس الأدلّة التي أقامها إمام المذهب أو التي خرّجها أتباعه من فروعه وأصوله الفقهية.
<br>وعلم الخلاف شعبة من شعب [[علم الجدل]]، فبه يتوصّل إلى حفظ رأي أو هدمه أعم من أن يكون في [[الأحكام الشرعية]] أو غيرها <ref>. اُنظر: اتحاف السادة المتقين 1: 445، تيسير التحرير 1: 14 ـ 15.</ref>. وبعبارة اُخرى: إنّ الأساليب التي تستخدم في  علم الجدل من طرق الحجّة وكيفية إفحام الخصم واستبيان الضعف في دليله، هذه الأساليب استخدمت في الفقه وتولّد لنا علم الخلاف، فأخذ أتباع كلّ مذهب من [[المذاهب الإسلامية]] يقيمون الدلائل والحجج على صحّة ما ذهب إليه إمام المذهب وضعف ما ذهب إليه مخالفيهم، فيصار من خلال [[علم الخلاف]] إلى المقارنة بين آراء المذاهب الفقهية ويقدم كلّ طرف بالدفاع عن آرائه وأصول مذهبه على أساس الأدلّة التي أقامها إمام المذهب أو التي خرّجها أتباعه من فروعه وأصوله الفقهية.
<br>ويذكر [[ابن خلدون]] ـ إنّه يشترط في الولوج في هذا العلم ـ : «معرفة القواعد التي يتوصّل بها إلى [[الاستنباط|استنباط الأحكام]]، كما يحتاج إليها المجتهد، إلاّ أنّ المجتهد يحتاج إليها لـ [[الاستنباط]]، وصاحب الخلافيات يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف بأدلّته» <ref>. مقدّمة ابن خلدون: 456 ـ 457.</ref>.
<br>ويذكر [[ابن خلدون]] ـ إنّه يشترط في الولوج في هذا العلم ـ : «معرفة القواعد التي يتوصّل بها إلى [[الاستنباط|استنباط الأحكام]]، كما يحتاج إليها المجتهد، إلاّ أنّ المجتهد يحتاج إليها لـ [[الاستنباط]]، وصاحب الخلافيات يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف بأدلّته» <ref>. مقدّمة ابن خلدون: 456 ـ 457.</ref>.


==المسألة الثانية: تاريخ علم الخلاف==
==المسألة الثانية: تاريخ علم الخلاف==
ذكر ابن خلدون في تاريخ علم الخلاف: «إنّ الفقه المستنبط من الأدلّة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بدّ من وقوعه لما قدّمناه، واتسع ذلك في الملّة اتساعا عظيما وكان للمقلّدين أن يقلّدوا من شاؤوا منهم، ثُمّ لمّا انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب [[الاجتهاد]] لصعوبته وتشعّب العلوم التي هي موادّه باتّصال الزمان وافتقاد من يقدم على سوى هذه [[المذاهب الأربعة]]، فاُقيمت هذه المذاهب الأربعة أصول الملّة، واُجري الخلاف بين المتمسّكين بها والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية، وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كلّ منهم مذهب إمامه، تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتجّ بها كلّ على مذهبه الذي قلّده وتمسّك به، واُجريت في مسائل الشريعة كلّها، وفي كلّ باب من أبواب الفقه، فتكوّن الخلاف بين [[الشافعي]] و [[مالك]] و [[أبو حنيفة]] يوافق أحدهما، وتارة بين الشافعي وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما، وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم، كان هذا الصنف من العلم يسمّى الخلافيات» <ref>. المصدر السابق: 456.</ref>.
ذكر ابن خلدون في تاريخ علم الخلاف: «إنّ الفقه المستنبط من الأدلّة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بدّ من وقوعه لما قدّمناه، واتسع ذلك في الملّة اتساعا عظيما وكان للمقلّدين أن يقلّدوا من شاؤوا منهم، ثُمّ لمّا انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب [[الاجتهاد]] لصعوبته وتشعّب العلوم التي هي موادّه باتّصال الزمان وافتقاد من يقدم على سوى هذه [[المذاهب الأربعة]]، فاُقيمت هذه المذاهب الأربعة أصول الملّة، واُجري الخلاف بين المتمسّكين بها والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية، وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كلّ منهم مذهب إمامه، تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتجّ بها كلّ على مذهبه الذي قلّده وتمسّك به، واُجريت في مسائل الشريعة كلّها، وفي كلّ باب من أبواب الفقه، فتكوّن الخلاف بين [[الشافعي]] و [[مالك]] و [[أبو حنيفة]] يوافق أحدهما، وتارة بين الشافعي وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما، وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم، كان هذا الصنف من العلم يسمّى الخلافيات» <ref>. المصدر السابق: 456.</ref>.
<br>فظهر علم الخلاف أو الخلافيات وكأنّه نتاج التعصب المذهبي السائد آنذاك بين أتباع المذاهب، فأخذ أتباع كلّ مذهب يدافعون عن مذهب إمامهم بوسائل وطرق مختلفة، ويخرّجوا أقوال ومسائل إمام المذهب على ضوء الضوابط والأصول التي وضعها إمام المذهب، وأخذ كلّ مذهب يختصّ بأصول وفروع فقهية تخصّه.
<br>فظهر [[علم الخلاف]] أو الخلافيات وكأنّه نتاج التعصب المذهبي السائد آنذاك بين أتباع المذاهب، فأخذ أتباع كلّ مذهب يدافعون عن مذهب إمامهم بوسائل وطرق مختلفة، ويخرّجوا أقوال ومسائل إمام المذهب على ضوء الضوابط والأصول التي وضعها إمام المذهب، وأخذ كلّ مذهب يختصّ بأصول وفروع فقهية تخصّه.
<br>ولم يكن تاريخ بروز علم الخلاف منحصرا بحدوث الخلاف بين المذاهب الأربعة أنفسهم، بل تعدّى ذلك إلى الخلاف بين [[الشيعة]] [[الإمامية]] وبين [[أهل السنة]] في المسائل الفقهية، وكذلك الخلاف بين المذاهب الأربعة من جانب والظاهرية من جانب آخر.
<br>ولم يكن تاريخ بروز علم الخلاف منحصرا بحدوث الخلاف بين المذاهب الأربعة أنفسهم، بل تعدّى ذلك إلى الخلاف بين [[الشيعة]] [[الإمامية]] وبين [[أهل السنة]] في المسائل الفقهية، وكذلك الخلاف بين المذاهب الأربعة من جانب والظاهرية من جانب آخر.
<br>وقد ألّفت كتب عديدة على أساس هذا المنهج وهذه الطريقة في التعامل بين أتباع المذاهب، فألّف ابن القصّار المالكي (ت397هـ) كتابا أسمّاه «مسائل الخلاف»، وألّف [[الشريف المرتضی|السيّد المرتضى]] (ت436ه ) من [[الشيعة]] [[الإمامية]] كتاب«الانتصار» في المسائل التي انفردت بها [[الإمامية]] عن المذاهب الاُخرى، وألّف الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت460ه ) من الشيعة الإمامية أيضا كتاب «الخلاف»، وألّف الأسمندي الحنفي (ت552ه ) كتاب «طريقة الخلاف بين الأسلاف»، وألّف سيف الدين الآمدي الشافعي (ت630ه ) «طريقة الخلاف»، وألّف [[العلامة الحلي]] (ت726ه ) من علماء الشيعة الإمامية عدّة مؤلّفات تناولت المسائل الخلافية بين مذهب الإمامية وبين غيرهم من المذاهب مثل كتاب «[[تذكرة الفقهاء]]» وكتاب «[[منتهى المطلب]]»، وغيرهم ممّن ألّف في المسائل التي وقعت موقع الخلاف بين الفقهاء.
<br>وقد ألّفت كتب عديدة على أساس هذا المنهج وهذه الطريقة في التعامل بين أتباع المذاهب، فألّف ابن القصّار المالكي (ت397هـ) كتابا أسمّاه «مسائل الخلاف»، وألّف [[الشريف المرتضی|السيّد المرتضى]] (ت436ه ) من [[الشيعة]] [[الإمامية]] كتاب«الانتصار» في المسائل التي انفردت بها [[الإمامية]] عن المذاهب الاُخرى، وألّف الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت460ه ) من الشيعة الإمامية أيضا كتاب «الخلاف»، وألّف الأسمندي الحنفي (ت552ه ) كتاب «طريقة الخلاف بين الأسلاف»، وألّف سيف الدين الآمدي الشافعي (ت630ه ) «طريقة الخلاف»، وألّف [[العلامة الحلي]] (ت726ه ) من علماء الشيعة الإمامية عدّة مؤلّفات تناولت المسائل الخلافية بين مذهب الإمامية وبين غيرهم من المذاهب مثل كتاب «[[تذكرة الفقهاء]]» وكتاب «[[منتهى المطلب]]»، وغيرهم ممّن ألّف في المسائل التي وقعت موقع الخلاف بين الفقهاء.