الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الحبيب المستاوي»

لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٥٩: سطر ٥٩:
<br>إنّ الاستجابة لهذه الهتافات السماوية النبوية تحتّم على المخلصين لها أن يقدّموا النصح لمن طلبه ولمن لم يطلبه على حدّ سواء، إنّما المهمّ أن يطبع بالطابع الإسلامي الصميم، ذلك الطابع الذي وضّحه القرآن الكريم أجمل توضيح حين قال: ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ (سورة النحل: 125). ولا ننسى أنّ تونس قد تمسّك دستورها في فصله الأوّل بعروبتنا وإسلامنا، وعلى هذا الأساس نلفت نظركم إلى ما يلي ممّا نحسّ بأنّ التناقض قد بلغ فيه منتهاه:<br>1- الإشعاع الروحي.
<br>إنّ الاستجابة لهذه الهتافات السماوية النبوية تحتّم على المخلصين لها أن يقدّموا النصح لمن طلبه ولمن لم يطلبه على حدّ سواء، إنّما المهمّ أن يطبع بالطابع الإسلامي الصميم، ذلك الطابع الذي وضّحه القرآن الكريم أجمل توضيح حين قال: ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ (سورة النحل: 125). ولا ننسى أنّ تونس قد تمسّك دستورها في فصله الأوّل بعروبتنا وإسلامنا، وعلى هذا الأساس نلفت نظركم إلى ما يلي ممّا نحسّ بأنّ التناقض قد بلغ فيه منتهاه:<br>1- الإشعاع الروحي.
<br>إنّ شعبنا التونسي الذي هو شعب معروف بأصالته العربية الإسلامية قد وهبه اللَّه من الخصائص ما جعله جديراً بأن يحتلّ مقام القيادة والريادة منذ فجر الإسلام الأوّل؛ إذ قد<br>استطاع هذا الشعب أن يجعل من بلده مصدر إشعاع لا في الشمال الأفريقي وحسب بل في مجاهل أفريقيا وقلب أوروبّا، ولقد كانت القوّة الروحية هي المطية التي عبر بواسطتها أجدادنا الفيافي والبحار، <br>
<br>إنّ شعبنا التونسي الذي هو شعب معروف بأصالته العربية الإسلامية قد وهبه اللَّه من الخصائص ما جعله جديراً بأن يحتلّ مقام القيادة والريادة منذ فجر الإسلام الأوّل؛ إذ قد<br>استطاع هذا الشعب أن يجعل من بلده مصدر إشعاع لا في الشمال الأفريقي وحسب بل في مجاهل أفريقيا وقلب أوروبّا، ولقد كانت القوّة الروحية هي المطية التي عبر بواسطتها أجدادنا الفيافي والبحار، <br>
وحقّقوا لدينهم ولأُمّتهم أعظم انتصار... إنّ الرقعة الأرضية الضيّقة والنسبة العددية لهذا الشعب لم تستطيعا أن ترجعا المدّ التونسي عن غاياته البعيدة، وليس ذلك للفصاحة والذكاء والجاذبية والطيبة التي ميّزنا اللَّه بها فقط، بل مردّه الأوّل والحقيقي إلى جامع عقبة وجامع الزيتونة، فمن هذين المكانين الأقدسين تخرّج الدعاة والفاتحون، وجاؤوا من كلّ صوب وحدب؛ ليغترفوا من معين تونس، وليجعلوها عن اختيار واقتناع وطنهم الثاني إن لم تكن الأوّل... لقد رأينا بأعيننا أنّ تونس الصغيرة استطاعت أن تكون عديلة لمصر الشاسعة الكبيرة، وأن تنازعها عن جدارة زعامة المسلمين، وكثيراً ما تفتكها منها لا بشي‏ء إلّابجامع الزيتونة الذي طاول [[الجامع الأزهر]] فطاله، وغالبه فغلبه، <br>
وحقّقوا لدينهم ولأُمّتهم أعظم انتصار... إنّ الرقعة الأرضية الضيّقة والنسبة العددية لهذا الشعب لم تستطيعا أن ترجعا المدّ التونسي عن غاياته البعيدة، وليس ذلك للفصاحة والذكاء والجاذبية والطيبة التي ميّزنا اللَّه بها فقط، بل مردّه الأوّل والحقيقي إلى جامع عقبة وجامع الزيتونة، فمن هذين المكانين الأقدسين تخرّج الدعاة والفاتحون، وجاؤوا من كلّ صوب وحدب؛ ليغترفوا من معين تونس، <br>
وليجعلوها عن اختيار واقتناع وطنهم الثاني إن لم تكن الأوّل... لقد رأينا بأعيننا أنّ تونس الصغيرة استطاعت أن تكون عديلة لمصر الشاسعة الكبيرة، وأن تنازعها عن جدارة زعامة المسلمين، وكثيراً ما تفتكها منها لا بشي‏ء إلّابجامع الزيتونة الذي طاول [[الجامع الأزهر]] فطاله، وغالبه فغلبه، <br>
ورأينا- وما بالعهد من قدم- أنّ أصدقاء كثيرين تنكّروا لصداقتهم معنا، بل واشتركوا مع من تآمر علينا! ولم نر واحداً من الذين رضعوا ثدي الزيتونة من غير أبناء تونس كفر بنعمتنا أو تنكّر لأُبوّتنا. فهل آن لنا أن نراجع أنفسنا- ونحن أهل المراجعة- «والرجوع إلى الحقّ فضيلة»؟! هل آن لنا أن نعيد تلك القلعة الشامخة البناء إلى سالف عهدها متطوّرة متعصّرة تحتضن فئات من أبنائنا الذين نحن في حاجة إلى خدماتهم المجدية، وفئات من الوافدين علينا ليصبحوا أبناء لنا اليوم وأشقّاء أوفياء لنا غداً؟!<br>2- إصلاح التعليم.
ورأينا- وما بالعهد من قدم- أنّ أصدقاء كثيرين تنكّروا لصداقتهم معنا، بل واشتركوا مع من تآمر علينا! ولم نر واحداً من الذين رضعوا ثدي الزيتونة من غير أبناء تونس كفر بنعمتنا أو تنكّر لأُبوّتنا. فهل آن لنا أن نراجع أنفسنا- ونحن أهل المراجعة- «والرجوع إلى الحقّ فضيلة»؟! هل آن لنا أن نعيد تلك القلعة الشامخة البناء إلى سالف عهدها متطوّرة متعصّرة تحتضن فئات من أبنائنا الذين نحن في حاجة إلى خدماتهم المجدية، وفئات من الوافدين علينا ليصبحوا أبناء لنا اليوم وأشقّاء أوفياء لنا غداً؟!<br>2- إصلاح التعليم.
<br>إنّ تجربتنا النضالية الطويلة المظفّرة أبانت لنا بكلّ وضوح أنّه لن يستبسل ويثبت في أيّة معركة إلّامن كان صادق الإيمان بقيمه ومثله ودينه وتاريخه، فهو الذي يعتزّ بالماضي ويجعله ركيزة المستقبل، ويأبى عليه إيمانه بربّه أن يتوغّل في الشرّ إذا ما انزلق فيه عن غير قصد وروية... لا تمكن أبداً المقارنة بين مؤمن وجاحد، وبين بارّ وعاق، وبين مخلص ومتنكّر، والتجربة الناطقة ماثلة أمام أعيننا توضّح بما لا غموض فيه أنّ من كفر بربّه سهل‏<br>عليه أن يمزّق روابطه العائلية والقومية، وسهل عليه أن يتاجر بكلّ شي‏ء؛ لأنّه لا يؤمن إلّا بالمادّة، فأينما رآها جرى خلفها لاهثاً... وإزاء هذه الحقائق المرّة الحلوة يكون لزاماً علينا أن نعيد النظر بكلّ تمحيص ودقّة وصراحة وشجاعة في برنامج تعليمنا من ألفها إلى يائها؛ لأنّنا رأيناها- والحقّ يقال- لا تستطيع أن تخرّج لنا رجالًا نطمئن على مصير أُمّتنا إذا ما أُلقي بين أيديهم، ومن لم يتشبّع بتاريخ أُمّته ولم يقدّس مثلها ولم يتعمّق في لغتها لا يمكن أن يكون معتزّاً بها ولا مخلصاً إليها... إنّنا لسنا من أنصار الانغلاق أو الانعزال، بل نحن من المؤمنين بالتفتّح الذي لا يصل إلى حدّ الذوبان والانسلاخ، لقد أخذ عنّا الغرب العلم والحضارة، <br>
<br>إنّ تجربتنا النضالية الطويلة المظفّرة أبانت لنا بكلّ وضوح أنّه لن يستبسل ويثبت في أيّة معركة إلّامن كان صادق الإيمان بقيمه ومثله ودينه وتاريخه، فهو الذي يعتزّ بالماضي ويجعله ركيزة المستقبل، ويأبى عليه إيمانه بربّه أن يتوغّل في الشرّ إذا ما انزلق فيه عن غير قصد وروية... لا تمكن أبداً المقارنة بين مؤمن وجاحد، وبين بارّ وعاق، وبين مخلص ومتنكّر، والتجربة الناطقة ماثلة أمام أعيننا توضّح بما لا غموض فيه أنّ من كفر بربّه سهل‏<br>عليه أن يمزّق روابطه العائلية والقومية، <br>
وسهل عليه أن يتاجر بكلّ شي‏ء؛ لأنّه لا يؤمن إلّا بالمادّة، فأينما رآها جرى خلفها لاهثاً... وإزاء هذه الحقائق المرّة الحلوة يكون لزاماً علينا أن نعيد النظر بكلّ تمحيص ودقّة وصراحة وشجاعة في برنامج تعليمنا من ألفها إلى يائها؛ لأنّنا رأيناها- والحقّ يقال- لا تستطيع أن تخرّج لنا رجالًا نطمئن على مصير أُمّتنا إذا ما أُلقي بين أيديهم، <br>
ومن لم يتشبّع بتاريخ أُمّته ولم يقدّس مثلها ولم يتعمّق في لغتها لا يمكن أن يكون معتزّاً بها ولا مخلصاً إليها... إنّنا لسنا من أنصار الانغلاق أو الانعزال، بل نحن من المؤمنين بالتفتّح الذي لا يصل إلى حدّ الذوبان والانسلاخ، لقد أخذ عنّا الغرب العلم والحضارة، <br>
إلا أنّهم كرّسوا جهودهم لترجمتها وطبعها بطابعهم حتّى أصبحت مع الأيّام وكأنّها نتاج عبقريتهم وتراث أجدادهم، فلماذا لا نفعل مثلما فعلوا، فنبعد عن أجيالنا الصاعدة الذبذبة والحيرة والتنطّع؟!<br>إنّ الشباب الذي نريد أن نجعل منه مسلماً صميماً وعربياً صادقاً وتونسياً مخلصاً، لا يمكن أن يتعلّم بالمدرسة لغة أكثر من تعلّمه للغته، وتاريخاً أكثر من تعلّمه لتاريخه، وفلسفة أكثر من تعلّمه لفلسفته... إنّه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون جميع شبابنا المتعلّمين من نوع المهندسين والأطبّاء والذرّيين والفيزيائيّين، بل لا بدّ أن يكون من بينهم الأُدباء والمختصّون في الكتاب و[[السنّة]] وحفظة القرآن أيضاً المختصّون في علومه، ممّا يحقّق حاجة المجتمع التونسي المسلم. فأين المدارس القرآنية (الكتاتيب) المنظّمة التي ستحقّق هذا الغرض؟ وأين البرامج التعليمية أيضاً؟ ومتى سنهتمّ بهذا المشكل الخطير؟<br>3- وسائل الإعلام.
إلا أنّهم كرّسوا جهودهم لترجمتها وطبعها بطابعهم حتّى أصبحت مع الأيّام وكأنّها نتاج عبقريتهم وتراث أجدادهم، فلماذا لا نفعل مثلما فعلوا، فنبعد عن أجيالنا الصاعدة الذبذبة والحيرة والتنطّع؟!<br>إنّ الشباب الذي نريد أن نجعل منه مسلماً صميماً وعربياً صادقاً وتونسياً مخلصاً، لا يمكن أن يتعلّم بالمدرسة لغة أكثر من تعلّمه للغته، وتاريخاً أكثر من تعلّمه لتاريخه، وفلسفة أكثر من تعلّمه لفلسفته... إنّه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون جميع شبابنا المتعلّمين من نوع المهندسين والأطبّاء والذرّيين والفيزيائيّين، بل لا بدّ أن يكون من بينهم الأُدباء والمختصّون في الكتاب و[[السنّة]] وحفظة القرآن أيضاً المختصّون في علومه، ممّا يحقّق حاجة المجتمع التونسي المسلم. فأين المدارس القرآنية (الكتاتيب) المنظّمة التي ستحقّق هذا الغرض؟ وأين البرامج التعليمية أيضاً؟ ومتى سنهتمّ بهذا المشكل الخطير؟<br>3- وسائل الإعلام.
<br>إنّ [[وسائل الإعلام]] والثقافة تلعب الدور الأساسي الرئيس في توجيه الشعوب، فتكيّف أذواقها وتقوّم انحرافاتها، فهل إنّ وسائل الإعلام والثقافة لدينا بما فيها من صحافة وتلفزة وإذاعة وتمثيل وسينما ونشريات محلّية أو مستوردة، هل إنّ هذه الوسائل تخدم الغايات الأخلاقية والوطنية والدينية؟ أم هي سائرة في غير هذا الاتّجاه؟ وهل نسمح لأنفسنا أن نتركها تهدم ما نبني، وتعمل على نقيض ما نريد؟!<br>4- الهياكل الدينية.
<br>إنّ [[وسائل الإعلام]] والثقافة تلعب الدور الأساسي الرئيس في توجيه الشعوب، فتكيّف أذواقها وتقوّم انحرافاتها، فهل إنّ وسائل الإعلام والثقافة لدينا بما فيها من صحافة وتلفزة وإذاعة وتمثيل وسينما ونشريات محلّية أو مستوردة، هل إنّ هذه الوسائل تخدم الغايات الأخلاقية والوطنية والدينية؟ أم هي سائرة في غير هذا الاتّجاه؟ وهل نسمح لأنفسنا أن نتركها تهدم ما نبني، وتعمل على نقيض ما نريد؟!<br>4- الهياكل الدينية.
سطر ٧٤: سطر ٧٧:
<br>
<br>
[[تصنيف:روّاد التقريب]]
[[تصنيف:روّاد التقريب]]
[[تصنيف:علماء تونس]]
[[تصنيف: الشخصيات ]]