الفرق بين المراجعتين لصفحة: «محمد عاكف»

لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
سطر ٣٩: سطر ٣٩:
<br>أمّا الرجل الثاني صاحب التأثير البعيد في نفس عاكف فقد كان أبا الهدى الصيّادي ذا النفوذ البعيد لدى عبد الحميد، فقد تزيّى بزيّ رجال الدين، ونصّب نفسه حامياً للشرع والخليفة، وهو في أطواء نفسه أفّاق محتال يعمل لرغبات شخصية، لا يبالي أن تتجاوز حدود اللَّه، <br>
<br>أمّا الرجل الثاني صاحب التأثير البعيد في نفس عاكف فقد كان أبا الهدى الصيّادي ذا النفوذ البعيد لدى عبد الحميد، فقد تزيّى بزيّ رجال الدين، ونصّب نفسه حامياً للشرع والخليفة، وهو في أطواء نفسه أفّاق محتال يعمل لرغبات شخصية، لا يبالي أن تتجاوز حدود اللَّه، <br>
ناصباً شتّى المؤامرات لإبادة من يجبهه بكلمة الحقّ!<br>هذا الداهية الوصولي قد أثّر في نفس عاكف تأثيراً لا يقلّ عن أثر جمال الدين، وإن اختلف اتّجاه التأثيرين إلى درجة التناقض، حيث إنّ '''محمّد عاكف''' قد عزّ عليه أن يكون الإسلام السمح بعدله وإنسانيته ستاراً يحتمي به الممخرقون من أدعياء الولاية والتصوّف! وهاله أن يعدّ هذا الأفّاق المحترف مع أشياعه من كبار حماته وأساطين أعلامه، ثمّ يقترفون الأوزار، فترجع في نظر الناس إلى دينهم البري‏ء لا إلى فسوقهم الشائن، فصمّم على أن يقوم بدعوة الإصلاح الديني؛ ليفضح هؤلاء الفجرة المارقين.
ناصباً شتّى المؤامرات لإبادة من يجبهه بكلمة الحقّ!<br>هذا الداهية الوصولي قد أثّر في نفس عاكف تأثيراً لا يقلّ عن أثر جمال الدين، وإن اختلف اتّجاه التأثيرين إلى درجة التناقض، حيث إنّ '''محمّد عاكف''' قد عزّ عليه أن يكون الإسلام السمح بعدله وإنسانيته ستاراً يحتمي به الممخرقون من أدعياء الولاية والتصوّف! وهاله أن يعدّ هذا الأفّاق المحترف مع أشياعه من كبار حماته وأساطين أعلامه، ثمّ يقترفون الأوزار، فترجع في نظر الناس إلى دينهم البري‏ء لا إلى فسوقهم الشائن، فصمّم على أن يقوم بدعوة الإصلاح الديني؛ ليفضح هؤلاء الفجرة المارقين.
<br>وكان طريقه في مفتتح حياته شاقّاً تهبّ به الأعاصير في كلّ اتّجاه، ولكنّه استطاع أن يكون ذا أنصار وأتباع بجهاده الصابر ودفاعه المستميت!<br>وقد كان إلى ذلك كلّه أُستاذاً في الجامعة التركية، وعضواً في المجلس الوطني، وصاحب مجلّتي «'''الصراط المستقيم، وسبيل الرشاد'''»، وكلّ ذلك يجعله ممّن يقولون فيسمعون، بل إنّه ما وصل إلى مكان القيادة في الجامعة والمجلس الوطني إلّابما عُرف عنه من سداد وإخلاص. ولم يخدم الفكرة الإسلامية بقلمه الثائر وحده، بل بدواوينه الخمسة التي توالت حارّة قوية نفّاذة، تحت عنوان واحد هو «الصفحات»، وإذا كان الشعر أخلد من النثر؛ لكثرة رواته وعظيم تأثيره، فإنّ الكاتب المصلح محمّد عاكف قد شاء له القدر أن يدخل حرم التاريخ من باب الشعر على أن يذكر جهاده الإصلاحي الدائب وكفاحه العلمي الثائر من بين معارجه الرفيعة التي حملته إلى ذروة الوحي فتلقّى أشعّة الإلهام ليترنّم بها أبناء اللغة التركية في فخر وإكبار.
=نشاطاته=
وكان طريقه في مفتتح حياته شاقّاً تهبّ به الأعاصير في كلّ اتّجاه، ولكنّه استطاع أن يكون ذا أنصار وأتباع بجهاده الصابر ودفاعه المستميت!<br>وقد كان إلى ذلك كلّه أُستاذاً في الجامعة التركية، وعضواً في المجلس الوطني، وصاحب مجلّتي «'''الصراط المستقيم، وسبيل الرشاد'''»، وكلّ ذلك يجعله ممّن يقولون فيسمعون، بل إنّه ما وصل إلى مكان القيادة في الجامعة والمجلس الوطني إلّابما عُرف عنه من سداد وإخلاص. ولم يخدم الفكرة الإسلامية بقلمه الثائر وحده، بل بدواوينه الخمسة التي توالت حارّة قوية نفّاذة، تحت عنوان واحد هو «الصفحات»، وإذا كان الشعر أخلد من النثر؛ لكثرة رواته وعظيم تأثيره، فإنّ الكاتب المصلح محمّد عاكف قد شاء له القدر أن يدخل حرم التاريخ من باب الشعر على أن يذكر جهاده الإصلاحي الدائب وكفاحه العلمي الثائر من بين معارجه الرفيعة التي حملته إلى ذروة الوحي فتلقّى أشعّة الإلهام ليترنّم بها أبناء اللغة التركية في فخر وإكبار.
<br>وقد كان ادّعاء [[أبي الهدى الصيّادي]] سمت التصوّف دافعاً للشاعر أن يبحث عن أُصول التصوّف الحقيقي في الإسلام، فدرس فطاحل المتصوّفين في العربية والفارسية والتركية، واشتدّ إعجابه بابن الفارض في العربية وبسعدي الشيرازي في الفارسية، حتّى ترجم عنه أكثر أشعاره في صدر شبابه بمجلّة «ثروت فنون»، ففتح عيون القارئين على بحر عميق الغور، ووصل بين الفارسية والتركية بأسباب أكيدة فوق ما عرف عن اللغتين من الامتزاج المتقارب في بعض الوجوه والسمات.
<br>وقد كان ادّعاء [[أبي الهدى الصيّادي]] سمت التصوّف دافعاً للشاعر أن يبحث عن أُصول التصوّف الحقيقي في الإسلام، فدرس فطاحل المتصوّفين في العربية والفارسية والتركية، واشتدّ إعجابه بابن الفارض في العربية وبسعدي الشيرازي في الفارسية، حتّى ترجم عنه أكثر أشعاره في صدر شبابه بمجلّة «ثروت فنون»، ففتح عيون القارئين على بحر عميق الغور، ووصل بين الفارسية والتركية بأسباب أكيدة فوق ما عرف عن اللغتين من الامتزاج المتقارب في بعض الوجوه والسمات.
<br>على أنّ أكبر أديب احتلّ شعوره وملك عليه منافذ تفكيره كان الشاعر المعاصر محمّد إقبال؛ إذ أنّ صيحات إقبال العظيم في إيقاظ الشعور الإسلامي قد وجدت صداها الرنّان في نفس عاكف، فكانت دواوينه الرائعة سلوى نفسه ومثار عواطفه... يتحدّث عنه صديقه الكبير الدكتور عبد الوهّاب عزّام حين ودّع الحياة في 29 ديسمبر سنة 1936 م، فيقول بالعدد (187) من مجلّة «الرسالة» الغرّاء: «وكم تحدّثنا وقرأنا في سيرنا وجلوسنا في الآداب الثلاثة العربية والفارسية والتركية، وكنت أُحبّ أن أقرأ عليه شعره، وكان يسرّه أن يستمع إليه، وكانت كلّ أحاديثنا وقراءاتنا متعة نجتمع فيها على الفكر والذوق والأمل والألم، وكان أطيب المجالس مجلساً نفرغ فيه إلى شعر محمّد إقبال، <br>
<br>على أنّ أكبر أديب احتلّ شعوره وملك عليه منافذ تفكيره كان الشاعر المعاصر محمّد إقبال؛ إذ أنّ صيحات إقبال العظيم في إيقاظ الشعور الإسلامي قد وجدت صداها الرنّان في نفس عاكف، فكانت دواوينه الرائعة سلوى نفسه ومثار عواطفه... يتحدّث عنه صديقه الكبير الدكتور عبد الوهّاب عزّام حين ودّع الحياة في 29 ديسمبر سنة 1936 م، فيقول بالعدد (187) من مجلّة «الرسالة» الغرّاء: «وكم تحدّثنا وقرأنا في سيرنا وجلوسنا في الآداب الثلاثة العربية والفارسية والتركية، وكنت أُحبّ أن أقرأ عليه شعره، وكان يسرّه أن يستمع إليه، وكانت كلّ أحاديثنا وقراءاتنا متعة نجتمع فيها على الفكر والذوق والأمل والألم، وكان أطيب المجالس مجلساً نفرغ فيه إلى شعر محمّد إقبال، <br>