الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حسن مكّي»

لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
سطر ٣٢: سطر ٣٢:
'''حسن مكّي''': مفكّر إسلامي سوداني، و[[دعاة التقريب|داعية تقريب]].
'''حسن مكّي''': مفكّر إسلامي سوداني، و[[دعاة التقريب|داعية تقريب]].
=الولادة=
=الولادة=
ولد سنة 1959 م ب[[الحصاحيصا]] في [[السودان]].
ولد سنة 1959 م بالحصاحيصا في [[السودان]].
<br>يقول [[وليد الطيّب]]: «لو كان [[حسن الترابي]] هو زعيم الإسلاميّين السودانيّين وقائدهم التاريخي، فإنّ البروفيسور حسن مكّي هو الوشيجة بين السودانيّين الآخرين والمشروع الإسلامي السياسي السوداني كما جسّدته [[حكومة الإنقاذ]]، فمكّي هو أحد العقول الضخمة التي قدّمت قراءات مبكّرة لهذا المشروع، وكيفية تطويره، ودفعه خارج عنق الزجاجة بأفكاره حول توسيع التجربة باستيعاب الآخر، وبالتواصل مع أهل [[الأديان الإبراهيمية]]، بجانب اهتماماته بالإسلام وفكره وقضاياه وتمثّلاته في [[أفريقيا]]... من الصحافة المصرية كانت البداية، ومع قصص الهلال وكتب [[طه حسين]] و[[العقّاد]] كانت النشأة الثقافية، ثمّ كان التحوّل الفكري ب «معالم» [[الشهيد سيّد قطب]]. الغريب أنّ مكّي كما يؤكّد خرج من «بين فرث ودم»، «خليط» كما سمّاه، تمثّل في بيئة جمعت بين مئذنة وحلبة قمار، بين بار ومقهى، بحسبان المقهى وقتها مقصداً للمثقّفين... وتفاصيل هذا الخروج يمثّل حقيقة جوهر الرجل الذي اعتاد الصدق والتواضع، فكان يجيب عن أسئلة مدارك بلا تزويق أو تزييف، سواء ما يتّصل بشخصه أو أُسرته أو مسيرته الطويلة في حياته العامّة وتجربته ومعاناته الفكرية التي تمتدّ لأكثر من 45 عاماً».
<br>يقول وليد الطيّب: «لو كان [[حسن الترابي]] هو زعيم الإسلاميّين السودانيّين وقائدهم التاريخي، فإنّ البروفيسور حسن مكّي هو الوشيجة بين السودانيّين الآخرين والمشروع الإسلامي السياسي السوداني كما جسّدته حكومة الإنقاذ، فمكّي هو أحد العقول الضخمة التي قدّمت قراءات مبكّرة لهذا المشروع، وكيفية تطويره، ودفعه خارج عنق الزجاجة بأفكاره حول توسيع التجربة باستيعاب الآخر، وبالتواصل مع أهل الأديان الإبراهيمية، بجانب اهتماماته بالإسلام وفكره وقضاياه وتمثّلاته في [[أفريقيا]]... من الصحافة المصرية كانت البداية، ومع قصص الهلال وكتب [[طه حسين]] و[[العقّاد]] كانت النشأة الثقافية، ثمّ كان التحوّل الفكري ب «معالم» [[الشهيد سيّد قطب]]. الغريب أنّ مكّي كما يؤكّد خرج من «بين فرث ودم»، «خليط» كما سمّاه، تمثّل في بيئة جمعت بين مئذنة وحلبة قمار، بين بار ومقهى، بحسبان المقهى وقتها مقصداً للمثقّفين... وتفاصيل هذا الخروج يمثّل حقيقة جوهر الرجل الذي اعتاد الصدق والتواضع، فكان يجيب عن أسئلة مدارك بلا تزويق أو تزييف، سواء ما يتّصل بشخصه أو أُسرته أو مسيرته الطويلة في حياته العامّة وتجربته ومعاناته الفكرية التي تمتدّ لأكثر من 45 عاماً».
<br>يقول حسن مكّي عن نفسه: «لم نكن نعش وسط عائلتنا، كنّا كنخلة استنبتت في غير أرضها، فقد هاجر والدنا ووالدتنا من شمال السودان إلى «الحصاحيصا»، ولهذا لم نكن نعرف حتّى أقاربنا، وبيتنا كان بيتاً ذكورياً، فقد تفتّحت أعيننا ونحن بلا أخوات، فأُختي الكبيرة تزوّجت مبكّراً جدّاً، ولكن بادراتنا الفكرية الأُولى أخذناها من السوق؛ لأنّ والدنا كان تاجراً، وأيضاً من الشارع السوداني.
<br>يقول حسن مكّي عن نفسه: «لم نكن نعش وسط عائلتنا، كنّا كنخلة استنبتت في غير أرضها، فقد هاجر والدنا ووالدتنا من شمال السودان إلى «الحصاحيصا»، ولهذا لم نكن نعرف حتّى أقاربنا، وبيتنا كان بيتاً ذكورياً، فقد تفتّحت أعيننا ونحن بلا أخوات، فأُختي الكبيرة تزوّجت مبكّراً جدّاً، ولكن بادراتنا الفكرية الأُولى أخذناها من السوق؛ لأنّ والدنا كان تاجراً، وأيضاً من الشارع السوداني.
<br>الحصاحيصا مدينة مختلطة وعمّالية، وبها مكتبات ومهرجانات، ولعلّ ما بقي في ذاكرتي من تلك المرحلة هو مكتبة الشعلة وتوجيهات الوالد، والشكل الثقافي والاجتماعي للمدينة، فالحصاحيصا كانت مدينة متأثّرة بالاستعمار، بها أحياء للمومسات وبها مسجد واحد، وبها قهاوى، وكانت تحتفل بالمولد، وهو مناسبة للهو أكثر منه للتديّن!<br>والتجمّعات الدينية كانت متصالحة مع اللاتديّن الموجود، وكان هناك تآخٍ بين المئذنة وحلبة القمار، وبين البار والمقهى!<br>كان هناك تخليط كبير في الأوضاع والمفاهيم في الحصاحيصا... أطللت على الدنيا من خلال هذا التخليط، وخرجت من بين فرث ودم، لكن ليس لبناً خالصاً، وفي هذا التخليط كنت حريصاً على قراءة المجلّات المصرية، والجرائد السودانية، وكنت ألتهمهما التهاماً، وكنت أقرأ- وأنا طالب في المرحلة الأوّلية والمتوسّطة- ثلاث أو أربع جرائد يومياً، وأقرأ الألغاز البوليسية مثل [[أرسين لوبين]]، و[[شارلوك هولمز]]، والروايات العالمية، وروايات الهلال، وطه حسين، والعقّاد إذا استطعنا، وجاء التحوّل الكبير حينما قرأت كتاب «معالم في الطريق» للشهيد سيّد قطب!<br>أخي الأكبر توفّي في العام 1950 م، ولم أره، فقد ولدت بعد وفاته ب 9 سنين، ولكن يبدو أنّه كان ذا ثقافة دينية؛ لأنّه كان يدرس في المعهد العلمي، كتبه كانت موجودة في البيت، ولكن لم نكن نقرأ منها إلّامقامات الحريري، أمّا بقية ميراثه من الكتب الصفراء فكانت الأُسرة تحتفظ بها في «شنطة» كبيرة. وكنّا نذهب إلى السينما والموالد، ونقف في المولد في حلقة القمار، ونشهد حلقة الذكر الصوفي، دون أن نتأثّر بهذا أو ذاك، وأذكر أنّنا كنّا نتأثّر جدّاً بخطابات جمال عبد الناصر ونتعاطف معه.
<br>الحصاحيصا مدينة مختلطة وعمّالية، وبها مكتبات ومهرجانات، ولعلّ ما بقي في ذاكرتي من تلك المرحلة هو مكتبة الشعلة وتوجيهات الوالد، والشكل الثقافي والاجتماعي للمدينة، فالحصاحيصا كانت مدينة متأثّرة بالاستعمار، بها أحياء للمومسات وبها مسجد واحد، وبها قهاوى، وكانت تحتفل بالمولد، وهو مناسبة للهو أكثر منه للتديّن!<br>والتجمّعات الدينية كانت متصالحة مع اللاتديّن الموجود، وكان هناك تآخٍ بين المئذنة وحلبة القمار، وبين البار والمقهى!<br>كان هناك تخليط كبير في الأوضاع والمفاهيم في الحصاحيصا... أطللت على الدنيا من خلال هذا التخليط، وخرجت من بين فرث ودم، لكن ليس لبناً خالصاً، وفي هذا التخليط كنت حريصاً على قراءة المجلّات المصرية، والجرائد السودانية، وكنت ألتهمهما التهاماً، وكنت أقرأ- وأنا طالب في المرحلة الأوّلية والمتوسّطة- ثلاث أو أربع جرائد يومياً، وأقرأ الألغاز البوليسية مثل [[أرسين لوبين]]، و[[شارلوك هولمز]]، والروايات العالمية، وروايات الهلال، وطه حسين، والعقّاد إذا استطعنا، وجاء التحوّل الكبير حينما قرأت كتاب «معالم في الطريق» للشهيد سيّد قطب!<br>أخي الأكبر توفّي في العام 1950 م، ولم أره، فقد ولدت بعد وفاته ب 9 سنين، ولكن يبدو أنّه كان ذا ثقافة دينية؛ لأنّه كان يدرس في المعهد العلمي، كتبه كانت موجودة في البيت، ولكن لم نكن نقرأ منها إلّامقامات الحريري، أمّا بقية ميراثه من الكتب الصفراء فكانت الأُسرة تحتفظ بها في «شنطة» كبيرة. وكنّا نذهب إلى السينما والموالد، ونقف في المولد في حلقة القمار، ونشهد حلقة الذكر الصوفي، دون أن نتأثّر بهذا أو ذاك، وأذكر أنّنا كنّا نتأثّر جدّاً بخطابات جمال عبد الناصر ونتعاطف معه.