الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التسييس الطائفي»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
(٣ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''التسييس الطائفي''': أحد أبرز تحدّيات وموانع [[الوحدة]]، وهو من المشاكل التي تواجه [[الأمّة الإسلامية]] في مسيرتها الوحدوية. وتسلّط هذه المقالة الضوء على هذا المبحث. | '''التسييس الطائفي''': أحد أبرز تحدّيات وموانع [[الوحدة]]، وهو من المشاكل التي تواجه [[الأمّة الإسلامية]] في مسيرتها الوحدوية. وتسلّط هذه المقالة الضوء على هذا المبحث. | ||
=مدخل= | |||
من | المقصود بالتسييس الطائفي: النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي، وليس من منظور معرفي محدّد. وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل [[التعارف]] فيما بينهم، ومن موقع التعارف يجري بينهم [[الحوار]] والتعامل. | ||
=الطائفية المجتمعية= | |||
قد يقال: إنّ المجتمع بذاته متنوّع طائفياً، فيكون التسييس نتيجة طبيعية للطائفية المجتمعية، فلولا [[الطائفية المجتمعية]] لما تمكّن السياسي من الفعل السياسي الطائفي.. وهي كلمة حقّ يراد بها باطل، فالطائفية سياسية بذاتها وليست مجتمعية، بمعنى أنّ الطبيعي هو اختلاف الناس في انتماءاتهم الطائفية الإثنية، فالتنوّع ظاهرة إنسانية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، وليست هناك دولة صافية العرق أو الديانة أو المذهب أو الإثنية، فالدولة الصافية أكذوبة عبر التاريخ. الإشكالية التي تتحوّل إلى مشكلة تكمن بتحويل [[الطائفة]] إلى طائفية، الانتماء إلى آيديولوجية.. فالمشكلة تتصدّر بوساطة أدلجة الطائفة سياسياً في خضم بناء الدولة وإدارة شؤونها العامّة، وهذه هي [[الطائفية السياسية]]. | |||
=الطائفية السياسية= | |||
الطائفية السياسية تقوم بتسييس التنوّع للأمّة الإنسانية (المجتمع) سياسياً عبر تسييس الانتماءات الفرعية العرقية الطائفية الإثنية داخل المجتمع لتكوين الجماعة الوطنية (الدولة).. فالطائفية منظومة سياسية تشتغل على تحويل الانتماءات المجتمعية الطائفية إلى ولاءات سياسية، وهي بذلك تنقل الطائفية من مستواها الأفقي إلى المستوى العمودي، بمعنى أنّها تنقل الانتماء الطائفي الطبيعي من حقله الاجتماعي إلى حقل السلطة لتكون الطائفة وحدة سياسية تامّة، وليست وحدة مجتمعية طبيعية. | |||
من هنا تأتي فكرة المكوّنات المجتمعية العرق-طائفية الإثنية، فالطائفية السياسية تشتغل لتحويل الطائفة من انتماء وهوية وثقافة فرعية إلى وحدات سياسية طائفية كاملة في نظام الدولة. إنّ (المكوّن) العرق-طائفي هو الوحدة السياسية السيادية التامّة في المنظومة السياسية الطائفية قبال (المواطنة) كوحدة سياسية تامّة في نظام الدولة الوطنية المدنية.. والمكوّن هنا وحدة عضوية في الجماعة الوطنية المشكّلة للدولة، تتماسك هذه الوحدة العضوية بالعصبية الفرعية، وتتمسّك باستحقاقها ومصالحها وامتيازاتها في نظام الدولة على أساس من كونها أمّة سياسية داخل الأمّة الوطنية، والأمّة الوطنية الكلّية في عرف الطائفية السياسية هي تكدّس أمم سياسية عرق-طائفية، وليست أمّة سياسية وطنية تتشكّل من مواطنين أفراد متساويين ومتكافئين. | |||
هنا تكون الطائفية السياسية منهجاً يعتمد على تسييس الانتماء الطائفي للمواطن وأدلجته في الحياة السياسية على مستوى الأفكار والثقافة وقوننته على مستوى السلطة والمصالح.. وهنا فالطائفية تعمل على إقصاء المواطنة كرابطة عضوية وحيدة للدولة واستبدالها بالرابطة الطائفية في أصل إنشاء الحياة السياسية وفي تكوين الدولة وفي إقامة هياكلها وتنظيم شؤونها ومصالح مجتمعها. | |||
على هذا الأساس تعارض الطائفية السياسية جوهرياً فكرة العقد الاجتماعي السياسي الذي يفترض بالدولة مجموع مواطنين (أفراد) أحرار متكافئين ومتساويين بغضّ النظر عن هوياتهم الفرعية (الجماعية)، متجاهلة بذلك أنّ الوحدة الأساس في الدولة هو الفرد المواطن، وليس الجماعة الفرعية، فالأفراد هم الذين يشكّلون الأمّة الوطنية للدولة، وإنّ أدنى محورية ولاء للجماعة الفرعية على حساب الوحدة العضوية الفردية (المواطنة) سيصادر وحدة أمّة الدولة، ويقضي على الدولة الوطنية بالتبع. | |||
تشظّي المجتمعات وتمزّقها ناتج طبيعي لتفشّي الطائفية السياسية، وليس نتاج التنوّع المجتمعي (العرقي الطائفي الإثني) الذي هو طبيعي بوصف التنوّع حقيقة مجتمعية لا يخلو منها مجتمع إنساني. | |||
من هنا، فإنّ الطائفية السياسية هي مَن يجب تفكيكها على مستوى إعادة بناء الدول والمجتمعات الوطنية بوصفها أسلوب حكم يرسّخ إشكالية التسييس للتنوّع والتعدّدية المجتمعية، ويرفعها لمصاف تعدّدية أمّة الدولة (مجموع أمم سياسية)، ويرتّب على أساس من تعدّدية الأمم هذه انقسام سلطات الدولة، فانقسام الأمّة يوجب انقسام السلطة، فلكلّ أمّة حيّزها من السلطات ضمن إطار الدولة. | |||
إنّ النظام السياسي الطائفي يقتل وحدة أمّة الدولة عندما يؤسّس فلسفته على أساس أنّ الأمّة الوطنية هي تكدّس أمم متناشزة في هواياتها ومصالحها، ويقتل الدولة عندما ينقل [[التعدّدية]] الطائفية المجتمعية إلى السلطة ليؤسّس نظام التوازن والمحاصصة السياسي الطائفي، فإذا كانت الأمّة في عرف النظام السياسي الطائفي تكدّس أمم، فالدولة لديه هي تكدّس سلطات، واللعبة السياسية عنده هي إيجاد التوازن بين مصالح أمم الدولة على وفق مفاهيم الشراكة والتوازن والمحاصصة العرق-طائفية الحزبوية.. الطائفية السياسية خير وصفة لتشظّي أمّة الدولة ومقتل دولة الأمّة. | |||
=المصدر= | =المصدر= | ||
سطر ١١: | سطر ٣٢: | ||
موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م. | موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م. | ||
وراجع الموقع التالي: www. | وراجع الموقع التالي: www.almadapaper.net | ||
[[تصنيف: مفاهيم لا وحدوية]] | [[تصنيف: مفاهيم لا وحدوية]] | ||
[[تصنيف: الوحدة الإسلامية]] | [[تصنيف: الوحدة الإسلامية]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٧:٣٩، ٢١ أغسطس ٢٠٢١
التسييس الطائفي: أحد أبرز تحدّيات وموانع الوحدة، وهو من المشاكل التي تواجه الأمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية. وتسلّط هذه المقالة الضوء على هذا المبحث.
مدخل
المقصود بالتسييس الطائفي: النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي، وليس من منظور معرفي محدّد. وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل التعارف فيما بينهم، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل.
الطائفية المجتمعية
قد يقال: إنّ المجتمع بذاته متنوّع طائفياً، فيكون التسييس نتيجة طبيعية للطائفية المجتمعية، فلولا الطائفية المجتمعية لما تمكّن السياسي من الفعل السياسي الطائفي.. وهي كلمة حقّ يراد بها باطل، فالطائفية سياسية بذاتها وليست مجتمعية، بمعنى أنّ الطبيعي هو اختلاف الناس في انتماءاتهم الطائفية الإثنية، فالتنوّع ظاهرة إنسانية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، وليست هناك دولة صافية العرق أو الديانة أو المذهب أو الإثنية، فالدولة الصافية أكذوبة عبر التاريخ. الإشكالية التي تتحوّل إلى مشكلة تكمن بتحويل الطائفة إلى طائفية، الانتماء إلى آيديولوجية.. فالمشكلة تتصدّر بوساطة أدلجة الطائفة سياسياً في خضم بناء الدولة وإدارة شؤونها العامّة، وهذه هي الطائفية السياسية.
الطائفية السياسية
الطائفية السياسية تقوم بتسييس التنوّع للأمّة الإنسانية (المجتمع) سياسياً عبر تسييس الانتماءات الفرعية العرقية الطائفية الإثنية داخل المجتمع لتكوين الجماعة الوطنية (الدولة).. فالطائفية منظومة سياسية تشتغل على تحويل الانتماءات المجتمعية الطائفية إلى ولاءات سياسية، وهي بذلك تنقل الطائفية من مستواها الأفقي إلى المستوى العمودي، بمعنى أنّها تنقل الانتماء الطائفي الطبيعي من حقله الاجتماعي إلى حقل السلطة لتكون الطائفة وحدة سياسية تامّة، وليست وحدة مجتمعية طبيعية.
من هنا تأتي فكرة المكوّنات المجتمعية العرق-طائفية الإثنية، فالطائفية السياسية تشتغل لتحويل الطائفة من انتماء وهوية وثقافة فرعية إلى وحدات سياسية طائفية كاملة في نظام الدولة. إنّ (المكوّن) العرق-طائفي هو الوحدة السياسية السيادية التامّة في المنظومة السياسية الطائفية قبال (المواطنة) كوحدة سياسية تامّة في نظام الدولة الوطنية المدنية.. والمكوّن هنا وحدة عضوية في الجماعة الوطنية المشكّلة للدولة، تتماسك هذه الوحدة العضوية بالعصبية الفرعية، وتتمسّك باستحقاقها ومصالحها وامتيازاتها في نظام الدولة على أساس من كونها أمّة سياسية داخل الأمّة الوطنية، والأمّة الوطنية الكلّية في عرف الطائفية السياسية هي تكدّس أمم سياسية عرق-طائفية، وليست أمّة سياسية وطنية تتشكّل من مواطنين أفراد متساويين ومتكافئين.
هنا تكون الطائفية السياسية منهجاً يعتمد على تسييس الانتماء الطائفي للمواطن وأدلجته في الحياة السياسية على مستوى الأفكار والثقافة وقوننته على مستوى السلطة والمصالح.. وهنا فالطائفية تعمل على إقصاء المواطنة كرابطة عضوية وحيدة للدولة واستبدالها بالرابطة الطائفية في أصل إنشاء الحياة السياسية وفي تكوين الدولة وفي إقامة هياكلها وتنظيم شؤونها ومصالح مجتمعها.
على هذا الأساس تعارض الطائفية السياسية جوهرياً فكرة العقد الاجتماعي السياسي الذي يفترض بالدولة مجموع مواطنين (أفراد) أحرار متكافئين ومتساويين بغضّ النظر عن هوياتهم الفرعية (الجماعية)، متجاهلة بذلك أنّ الوحدة الأساس في الدولة هو الفرد المواطن، وليس الجماعة الفرعية، فالأفراد هم الذين يشكّلون الأمّة الوطنية للدولة، وإنّ أدنى محورية ولاء للجماعة الفرعية على حساب الوحدة العضوية الفردية (المواطنة) سيصادر وحدة أمّة الدولة، ويقضي على الدولة الوطنية بالتبع.
تشظّي المجتمعات وتمزّقها ناتج طبيعي لتفشّي الطائفية السياسية، وليس نتاج التنوّع المجتمعي (العرقي الطائفي الإثني) الذي هو طبيعي بوصف التنوّع حقيقة مجتمعية لا يخلو منها مجتمع إنساني.
من هنا، فإنّ الطائفية السياسية هي مَن يجب تفكيكها على مستوى إعادة بناء الدول والمجتمعات الوطنية بوصفها أسلوب حكم يرسّخ إشكالية التسييس للتنوّع والتعدّدية المجتمعية، ويرفعها لمصاف تعدّدية أمّة الدولة (مجموع أمم سياسية)، ويرتّب على أساس من تعدّدية الأمم هذه انقسام سلطات الدولة، فانقسام الأمّة يوجب انقسام السلطة، فلكلّ أمّة حيّزها من السلطات ضمن إطار الدولة.
إنّ النظام السياسي الطائفي يقتل وحدة أمّة الدولة عندما يؤسّس فلسفته على أساس أنّ الأمّة الوطنية هي تكدّس أمم متناشزة في هواياتها ومصالحها، ويقتل الدولة عندما ينقل التعدّدية الطائفية المجتمعية إلى السلطة ليؤسّس نظام التوازن والمحاصصة السياسي الطائفي، فإذا كانت الأمّة في عرف النظام السياسي الطائفي تكدّس أمم، فالدولة لديه هي تكدّس سلطات، واللعبة السياسية عنده هي إيجاد التوازن بين مصالح أمم الدولة على وفق مفاهيم الشراكة والتوازن والمحاصصة العرق-طائفية الحزبوية.. الطائفية السياسية خير وصفة لتشظّي أمّة الدولة ومقتل دولة الأمّة.
المصدر
موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 73.
موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.
وراجع الموقع التالي: www.almadapaper.net