الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تنقيح المناط»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب''''تنقيح المناط:''' اصطلاح أصولی، بمعنی إلغاء الفارق وهو إلغاء بعض الأوصاف التي أضاف الشارع ا...')
(لا فرق)

مراجعة ٠٣:٤٨، ٥ يوليو ٢٠٢١

تنقيح المناط: اصطلاح أصولی، بمعنی إلغاء الفارق وهو إلغاء بعض الأوصاف التي أضاف الشارع الحكم إليها لعدم صلاحيتها للاعتبار في العلّة. ويمثّل له بالرواية المعروفة التي تتضمّن إيجاب كفّارة العتق على الأعرابي الذي افطر في شهر رمضان بالوقاع مع أهله، فإنّه لا خصوصية لكون الصائم أعرابيا، ولا خصوصية لكون شهر رمضان في هذه السنّة، ولا خصوصية لكون التي واقعها أهله، بل يعم جاريته، إلى ما هنالك من التعميمات التي تستند إلى إلغاء بعض الأوصاف وعدم تأثيرها في اقتضاء الحكم، ثُمّ يتوصّل بعد ذلك إلى أنّ المناط والعلّة في ثبوت الكفّارة هو الجماع لا غير.

تعريف تنقيح المناط لغةً

التنقيح: هو التشذيب والتقشير والتهذيب، وكلّ ما نحيت عنه شيئا فقد نقحته، ونقّح الشيء قشّره، ونقّح الشعر هذبه[١]. والمناط: مأخوذ من النوط وهو التعليق[٢]. وهو ما نيط به الحكم، أي أضاف الشرع الحكم إليه وناطه به ونصبه علامة عليه[٣].

تعريف تنقيح المناط اصطلاحاً

وهو إلغاء بعض الأوصاف التي أضاف الشارع الحكم إليها لعدم صلاحيتها للاعتبار في العلّة[٤].
أو هو أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب وينوطه به وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة، فيجب حذفها عن درجة الاعتبار[٥]. فيقوم المجتهد بتنقيح وتعيين العلّة والمناط من بين أوصاف عدّة اقترنت بالحكم ويقوم بحذف الباقي عن الاعتبار، ويمثّل له بالرواية المعروفة التي تتضمّن إيجاب كفّارة العتق على الأعرابي الذي افطر في شهر رمضان بالوقاع مع أهله، فإنّه لا خصوصية لكون الصائم أعرابيا، ولا خصوصية لكون شهر رمضان في هذه السنّة، ولا خصوصية لكون التي واقعها أهله، بل يعم جاريته، إلى ما هنالك من التعميمات التي تستند إلى إلغاء بعض الأوصاف وعدم تأثيرها في اقتضاء الحكم، ثُمّ يتوصّل بعد ذلك إلى أنّ المناط والعلّة في ثبوت الكفّارة هو الجماع لا غير[٦].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ إلغاء الفارق

وهو بيان أنّ الفرع لم يفارق الأصل إلاّ فيما لايؤثّر فيلزم اشتراكهما في المؤثّر[٧].
والفرق بين إلغاء الفارق وبين تنقيح المناط، أنّ الأوّل إنّما هو مجرّد إبداء عدم الفرق بين الأصل والفرع فيما هو المؤثّر في الحكم مع عدم تعيينه ومعرفته تحديدا، بينما الثاني إضافة إلى إبداء عدم الفرق يتوصّل إلى تعيين العلّة من بين الأوصاف المتعددة.
وذهب جماعة إلى عدم الفرق بينهما، بل إنّهما شيء واحد[٨].

2 ـ السبر والتقسيم

وهو عبارة عن عد أوصاف اُدّعي بـ الاستقراء الانحصار فيها وسلب العلّية عن كلّ واحد منها إلاّ المدّعى[٩].
ذكروا أنّه لا فرق بين تنقيح المناط وبين السبر والتقسيم، فكلّ منهما يقوم بحذف الأوصاف غير المعتبرة من أجل تعيين الوصف المعتبر والمؤثّر في ثبوت الحكم[١٠].

3 ـ تخريج المناط

وهو تعيين العلّة في الأصل بمجرّد إبداء المناسبة بين الوصف وبين الحكم من دون نصّ أو غيره، كوصف الاسكار بالنسبة لتحريم الخمر[١١].
والفرق بين تنقيح المناط وبين تخريج المناط، أنّ الأوّل يهدف إلى تعيين العلّة من بين أوصاف عدّة وهو قد يكون قطعيا، بينما تخريج المناط هو مجرّد إبداء المناسبة والملاءمة بين الوصف والحكم وهو لايكون إلاّ ظنّيا ما لم يقترن به ما يوجب جعله مؤثّرا.

4 ـ تحقيق المناط

ويجيء بمعنيين:
الأوّل: أن يتّفق على علّية وصف بنصّ أو اجماع ويختلف في وجوده في صورة النزاع (الفرع)[١٢].
والفرق بينه وبين تنقيح المناط هو أنّ تحقيق المناط العلّة فيه معينة ومعلومة غاية الأمر يجتهد في وجودها في الفرع، بينما في تنقيح المناط العلّة غير معينة بعد في الأصل ويراد إثباتها به.
الثاني: وهو أن يكون قاعدة شرعية متّفق عليها أو منصوص عليها وهي الأصل، فيتبين المجتهد وجودها في الفرع[١٣].
وهو بهذا المعنى واضح الفرق بينه وبين تنقيح المناط؛ لأنّه من تطبيق القاعدة على مصاديقها، بينما تنقيح المناط من قياس غير المنصوص على المنصوص.

5 ـ القياس

وهو إثبات حكم الأصل في الفرع بأمر جامع بينهما[١٤].
الفرق بين القياس وبين تنقيح المناط، هو أنّ القياس المصطلح العلة فيه مستنبطة ظنّية، أمّا العلّة في تنقيح المناط فهي يقينية ثابتة بواسطة العقل أو الإجماع[١٥].
ولايخفى أنّ التفريق المذكور غالبي لا دائمي؛ لأنّ تنقيح المناط قد يكون ظنّيا والعلّة ثابتة فيه بـ الاستنباط أيضا، وسيأتي مزيد توضيح حول ذلك.

أقسام تنقيح المناط

يمكن أن يقسّم تنقيح المناط إلى قسمين[١٦]:

القسم الأوّل: تنقيح المناط القطعي

وهو أن يدلّ لفظ ظاهر على التعليل بمجموع أوصاف، فيحذف بعضها من درجة الاعتبار ويناط الحكم بالباقي، كالأوصاف التي يقطع من عادة الشرع بعدم تأثيرها في ثبوت نوع هذا الحكم، مثل: كون السائل في الرواية المذكورة أعرابيا أو كون الموطوءة زوجته أو أمته، فإنّ مثل هذه الأوصاف ممّا يقطع بعدم تأثيرها في اقتضاء الحكم فيتعين كون المناط هو خصوص الوقاع من تلك الأوصاف وهو الذي أوجب الكفّارة.

القسم الثاني: تنقيح المناط الظنّي

وهو ان يرد لفظ ظاهر في التعليل بوصف يحذف ذلك الوصف بخصوصه عن درجة الاعتبار ويتعدّى منه إلى غيره، مثل: أن ينتقل من خصوص لفظ الوقاع الوارد في الرواية في ثبوت الكفارة إلى مطلق المفطّر كالأكل والشرب على أساس استظهار كون العلّة والمناط في ثبوت الكفّارة هو إفساد الصوم لا خصوص كونه وقاعا.

حكم تنقيح المناط

ذهب أهل السنّة[١٧] و الشيعة الإمامية[١٨] ـ ما عدا القمّي[١٩] وبعض الأخباريين منهم[٢٠] ـ إلى حجّية تنقيح المناط القطعي، وذكر الوحيد البهبهاني أنّ حجّيته ترجع إلى حجّية اليقين لكون العلّة المستنبطة منه معلومة باليقين «فإنّ قول النبي(ص) للأعرابي ـ حين سأله: جامعت أهلي في شهر رمضان ـ كفر، فإنّ القطع حاصل بأنّ العلّة هي الجماع فيه من غير مدخلية الأعرابية وكون الجماع بالزوجة الدائمة، بل المتعة والجارية والزنا أيضا كذلك»[٢١]، وأضاف أنّ المنقّح في تنقيح المناط هو أمّا العقل أو الإجماع، ولاينبغي أن يكون هو النصّ؛ لأنّه حينئذٍ سوف يكون منصوص العلّة[٢٢].
وذكر الأحناف: إنّ تنقيح المناط مرجعه إلى العمل بالنصّ أو الإجماع[٢٣].
أمّا تنقيح المناط الظنّي فحاله حال القياس فإن قيل فيه بكفاية المناسبة في استكشاف العلّية وجواز الإلحاق فهو حجّة وإلاّ فلا، ومثاله التعدّي من خصوص الجماع الوارد في الرواية إلى مطلق المفطر من مفسدات الصوم كالأكل والشرب في الكفّارة[٢٤].

أنواع الأوصاف المقترنة في تنقيح المناط

وتنقيح المناط يتمّ عن طريق حذف الأوصاف الطردية وتعيين الأوصاف المؤثرة، فإنّ الأوصاف المقترنة بالحكم يمكن أن تكون على ثلاثة أنواع[٢٥]:

النوع الأوّل: الأوصاف التي يقطع بعدم دخالتها في اقتضاء الحكم

فلايلتفت إليها وتسقط عن درجة الاعتبار، ومن هذه الأوصاف كون السائل تركيا أو هنديا أو كونه طويلاً أو قصيرا أو كونه أسود أو أبيض أو كونه جاهلاً أو عالما، وكون الإفطار الموجب للكفّارة في اليوم التاسع في رمضان أو العاشر منه، وكون الجماع مع الزوجة أو الاُمة. والمغايرة بمثل هذه الأوصاف لاتمنع الإلحاق.

النوع الثاني: الأوصاف التي يقطع بدخالتها وتأثيرها في ثبوت الحكم

ومثل هذه الأوصاف كون الجماع في الرواية المذكورة واقعا في شهر رمضان، فإنّه يمنع الإلحاق إلى مثل النذر والقضاء، وكونه عامدا عالما، فإنّه قد يمنع الإلحاق إلى مثل النسيان أو الجهل، وكونه بالغا فإنّه قد يمنع الإلحاق إلى مثل الصغير، وغير ذلك من الأوصاف التي يقطع بتأثيرها في ثبوت واقتضاء الحكم، والمغايرة بمثل هذه الأوصاف تمنع الإلحاق.

النوع الثالث: الأوصاف التي يتردد أمرها بين هذين النوعين

ويحتمل أن تكون من الاوصاف التي لها تأثير في اقتضاء الحكم، ويحتمل أن تكون من الأوصاف التي ليس لها تأثير فيه، مثل كون السائل رجلاً، فقد يقال: إنّ المرأة لاتلحق به، أو كون الإفطار الذي يترتّب عليه الكفّارة هو خصوص الجماع الوارد في الرواية، فيحتمل ألاّ يلحق به الأكل والشرب لاحتمال وجود مزية في الجماع أوجبت الكفّارة فيه دون غيره.
وطريق معرفة تلك الأوصاف هو ملاحظة نصوص الشارع أو عاداته في بيان أحكامه، فمثلاً إذا راجعنا نصوص الشارع في باب النجاسات لم نجد هناك فرقا بين الطويل والقصير ولا بين الرجل والمرأة، فإذا ورد نصّ بالنهي عن بول الرجل في الماء الراكد يمكن أن نلحق به المرأة لعدم الفرق بينهما في تلك الأحكام كما هو معلوم من عادة الشرع فيها.

الأقوال في ماهية تنقيح المناط

وقع البحث نظريا في ماهية تنقيح المناط، وقد انتظم من ذلك عدّة أقوال:

القول الأوّل: إنّه قياس

قال الصفي الهندي: «تنقيح المناط قياس خاصّ مندرج تحت مطلق القياس وهو عام يتناوله وغيره»[٢٦].
وقال السبكي: «إنّ تنقيح المناط قياس خاصّ مندرج تحت مطلق القياس»[٢٧].

القول الثاني: إنّه ليس بقياس، بل يرجع إلى دلالة النصّ

قال الغزالي: «إنّ المناط إذا تجرد حصلت فيه قضية عامة فتدرج الآحاد تحتها بحكم العموم، والتمسّك بالعموم ليس بقياس ولا برأي»[٢٨].
وقال الشاطبي: «قالوا: وهو خارج عن باب القياس، ولذا قال به أبو حنيفة مع إنكاره القياس في الكفّارات، وإنّما هو راجع إلى نوع من تأويل الظواهر»[٢٩].
وذكر الأحناف: إنّ مرجعه إلى العمل بالنصّ أو الإجماع[٣٠].
وذكر السيّد الحكيم: إنّ التعميمات التي تذكر في تنقيح المناط إنّما هي من باب مناسبات الحكم والموضوع[٣١]. وهذه المناسبات ممّا يقتضيها ظاهر اللفظ.

القول الثالث: إنّه عين إلغاء الفارق

وهذا القول منسوب إلی الذين ذهبوا إلى أنّه قياس والذين ذهبوا إلى أنّه ليس بقياس، وهم اختلفوا أيضا في كونه عين إلغاء الفارق أو غيره.

المصادر

  1. . لسان العرب 4: 3996 مادة «نقح».
  2. . المصدر السابق: 4052 مادّة «نوط».
  3. . المستصفى 2: 107.
  4. . شرح مختصر الروضة 3: 237.
  5. . المستصفى 2: 108.
  6. . أنظر: المستصفى 2: 108، شرح مختصر الروضة 3: 237 ـ 239، الوافية: 238، الأصول العامّة للفقه المقارن: 301.
  7. . تشنيف المسامع 2: 99.
  8. . أنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 80 ـ 81، مناهج الأحكام والأصول: 249، القوانين المحكمة 3 ـ 4: 195.
  9. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 194.
  10. . أنظر: المحصول 2: 358 ـ 359، القوانين المحكمة 3 ـ 4: 195، شرح طلعة الشمس 2: 135.
  11. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 196.
  12. . تشنيف المسامع 2: 99.
  13. . شرح مختصر الروضة 3: 233.
  14. . مناهج الأحكام والأصول: 248.
  15. . الفوائد الحائرية: 147.
  16. . أنظر: المستصفى 2: 109، تشنيف المسامع 2: 98، حاشية البناني 2: 451، الوافية: 238.
  17. . أنظر: المستصفى 2: 107 ـ 108، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 264، شرح مختصر الروضة 3: 241، حاشية البناني 2: 451.
  18. . أنظر: نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4: 164، الوافية: 238، الفوائد الحائرية: 147 ـ 148، 294.
  19. . القوانين المحكمة 2: 86 ـ 87.
  20. . أنظر: الفوائد الطوسية: 423.
  21. . الفوائد الحائرية: 294.
  22. . المصدر السابق: 147 ـ 148، 294.
  23. . تيسير التحرير 4: 43.
  24. . أنظر: المستصفى 2: 108 ـ 109، شرح مختصر الروضة 3: 241، الوافية: 238، الأصول العامّة للفقه المقارن: 301.
  25. . أنظر: أساس القياس: 48 ـ 51، شرح مختصر الروضة 3: 240.
  26. . أنظر: إرشاد الفحول 2: 188.
  27. . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 81.
  28. . أساس القياس: 52.
  29. . الموافقات 4: 96.
  30. . تيسير التحرير 4: 43.
  31. . الأصول العامّة للفقه المقارن: 301.