الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التجديد»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(٥ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
يعتبر مفهوم التجديد من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيارات الثقافية والفكرية المختلفة، وقد انعكس هذا التنازع على المفهوم ذاته من حيث معناه ودلالاته، وواقعيًا يصل الباحثون لمُسلَّمة هي أن التجديد -على المستوى النظامي والحركي- قد تُخفق أهم جهوده نظرًا لعدم وضوح التأصيل الفكري والمنهجي لعملية التجديد في تأكيد واضح على أهمية الربط بين النظرية والفاعلية في مجال التجديد الحضاري.
'''التجديد''': مفهوم من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيّارات الثقافية والفكرية المختلفة، وقد انعكس هذا التنازع على المفهوم ذاته من حيث معناه ودلالاته.. وواقعيّاً يصل الباحثون لمُسلَّمة هي أنّ التجديد- وذلك على المستوى النظامي والحركي- قد تُخفق أهمّ جهوده نظراً لعدم وضوح التأصيل الفكري والمنهجي لعملية التجديد في تأكيد واضح على أهمّية الربط بين النظرية والفاعلية في مجال التجديد الحضاري.


والتجديد في اللغة العربية من أصل الفعل “تجدد” أي صار جديدًا، جدده أي صيّره جديدًا وكذلك أجدّه واستجده، وكذلك سُمِّي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدًا، ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: إن التجديد في الأصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصورًا تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متصلة:
=التجديد لغةً=


أ- أن الشيء المجدد قد كان في أول الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.
التجديد في اللغة العربية من أصل الفعل “تجدّد” أي صار جديداً، جدّده أي صيّره جديداً، وكذلك أجدّه واستجده، وكذلك سُمِّي كلّ شيء لم تأت عليه الأيّام جديداً.  


ب- أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديمًا.
ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: إنّ التجديد في الأصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصوّراً تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متّصلة:


جـ- أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.
أ- إنّ الشيء المجدّد قد كان في أوّل الأمر موجوداً وقائماً وللناس به عهد.


ولقد استخدمت كلمة جديد – وليس لفظ التجديد- في القرآن الكريم بمعنى البعث والإحياء والإعادة -غالبًا للخلق-، وكذلك أشارت السنة النبوية لمفهوم التجديد من خلال المعاني السابقة المتصلة: الخلق- الضعف أو الموت-الإعادة والإحياء. ويعتبر حديث التجديد [عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم): “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها” رواه أبو داود]: من أهم الإشارات إلى مفهوم التجديد في السنة النبوية، وقد تعلقت بهذا الحديث مجموعة من الأفكار أهمها:
ب- إنّ هذا الشيء أتت عليه الأيّام فأصابه البلى وصار قديماً.


1 – تجديد الدين: هو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه؛ لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين ولا يعني إطلاقا تبديلاً في الدين أو الشرع ذاته.
جـ- إنّ ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.


2  – زمن التجديد: اعتبر بعض الباحثين أن الإشارة الواردة في الحديث عن زمن التجديد على رأس كل مائة إنما هي دلالة على حقيقة استمرارية عملية التجديد، وتقارب زمانه بحيث يصبح عملية تواصل وتوريث.
=التجديد قرآنيّاً=


3 -المجدِّد: اجتهد العلماء في توصيف وتحديد المجدد على رأس كل مائة سنة، لكن البعض يرى أن المجدد يقصد به الفرد أو الجماعة التي تحمل لواء التجديد في هذا العصر أو ذاك، ويجوز تفرقهم في البلاد، ويعرفهم ابن كثير بأنهم حملة العلم في كل عصر.
لقد استخدمت كلمة جديد– وليس لفظ التجديد- في القرآن الكريم بمعنى: البعث والإحياء والإعادة (غالباً للخلق).  


ويعد التجديد مفهومًا مناقضاً لمفهوم التقليد، ويقصد بالتقليد محاكاة الماضي بكل أشكاله وشكلياته، ولقد أدى التقليد إلى انفصال بين الوحي والعقل، وكأنهما متضادان لا يمكن الجمع بينهما، وبناءً على ذلك فإن عملية التجديد تعتبر ضرورة لإعادة ضبط العلاقة بين الوحي والعقل حتى لا تضطرب الأمور فيصير التجديد نابعًا من الخارج (التقليد الغربي) أو مرتدًا نحو الماضي لمحاولة إعادته (تقديس التراث)، ولكنها تعني أن العقل هدفه تكريم الإنسان وأساس تحمله للأمانة وقاعدة التكليف والالتزام بقواعد الاستخلاف.
=التجديد حديثيّاً=


ويتيح الربط بين فكرة التجديد والخبرة التاريخية الغربية أبعادًا جديدة؛ حيث يعتبر مفهوم التجديد لدى الغرب إفرازاً لصراع حاد بين الكنيسة من جانب وسلطة المعرفة والعلم والعقل من جانب آخر، مما دفع الأخيرة للاتجاه نحو تجاوز كل النظريات الدينية تحت مسمى التجديد.
كذلك أشارت [[السنّة النبوية]] لمفهوم التجديد من خلال المعاني السابقة المتّصلة: الخلق- الضعف أو الموت- الإعادة والإحياء.
 
ويعتبر حديث التجديد- [ما رواه [[أبو هريرة]]، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): “إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد دينها” رواه [[أبو داود]]]- من أهمّ الإشارات إلى مفهوم التجديد في السنّة النبوية.
 
=عناصر التجديد=
 
قد تعلّقت بهذا الحديث سالف الذكر مجموعة من الأفكار، أهمّها:
 
1 – تجديد الدين: هو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه؛ لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين، ولا يعني إطلاقاً تبديلاً في الدين أو الشرع ذاته.
 
2 – زمن التجديد: اعتبر بعض الباحثين أنّ الإشارة الواردة في الحديث عن زمن التجديد على رأس كلّ مائة إنّما هي دلالة على حقيقة استمرارية عملية التجديد وتقارب زمانه بحيث يصبح عملية تواصل وتوريث.
 
3 - المجدِّد: اجتهد العلماء في توصيف وتحديد المجدّد على رأس كلّ مائة سنة، لكن البعض يرى أنّ المجدّد يقصد به الفرد أو الجماعة التي تحمل لواء التجديد في هذا العصر أو ذاك، ويجوز تفرّقهم في البلاد، ويعرّفهم ابن كثير بأنّهم حملة العلم في كلّ عصر.
 
=التجديد والتقليد=
 
يعدّ التجديد مفهوماً مناقضاً لمفهوم التقليد، ويقصد بالتقليد: محاكاة الماضي بكلّ أشكاله وشكليّاته. ولقد أدّى التقليد إلى انفصال بين الوحي والعقل، وكأنّهما متضادّان لا يمكن الجمع بينهما. وبناءً على ذلك فإنّ عملية التجديد تعتبر ضرورة لإعادة ضبط العلاقة بين الوحي والعقل حتّى لا تضطرب الأمور، فيصير التجديد نابعاً من الخارج (التقليد الغربي) أو مرتدّ نحو الماضي لمحاولة إعادته (تقديس التراث فوق الحدود المعقولة)، ولكنّها تعني أنّ العقل هدفه تكريم الإنسان وأساس تحمله للأمانة وقاعدة التكليف والالتزام بقواعد الاستخلاف.
 
=التجديد في الفكر الغربي=
 
يتيح الربط بين فكرة التجديد والخبرة التاريخية الغربية أبعاداً جديدة؛ حيث يعتبر مفهوم التجديد لدى الغرب إفرازاً لصراع حادّ بين الكنيسة من جانب وسلطة المعرفة والعلم والعقل من جانب آخر، ممّا دفع الأخيرة للاتّجاه نحو تجاوز كلّ النظريات الدينية تحت مسمّى التجديد.


يرتكز مفهوم التجديد في الفكر الغربي على أساسين:
يرتكز مفهوم التجديد في الفكر الغربي على أساسين:


أ- لا تُرى عملية التجديد إلا بمنظور التكيف في إطار من نسبية القيم وغياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغير؛ إذ تعتبر كل قيمة قابلة للإصابة بالتبدل والتحول، وعلى الإنسان أن يستجيب لهذه التغيرات بما أسمته التكيف، ولم يطرح الفكر الغربي قواعد لعملية التجديد وحدوده وغاياته ومقاصده.
أ- لا تُرى عملية التجديد إلّا بمنظور التكيّف في إطار من نسبية القيم وغياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغيّر؛ إذ تعتبر كلّ قيمة قابلة للإصابة بالتبدّل والتحوّل، وعلى الإنسان أن يستجيب لهذه التغيّرات بما أسمته التكيّف. ولم يطرح الفكر الغربي قواعد لعملية التجديد وحدوده وغاياته ومقاصده.
 
ب- يغلب على مفهوم التجديد في الفكر الغربي عملية التجاوز المستمرّة للماضي أو حتّى الواقع الراهن من خلال مفهوم الثورة، والذي يشير إلى التغيير الجذري والانقلاب في وضعية المجتمع.
 
وتبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقلّ عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادّي.
 
=مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي=
 
مقارنة بالفكر الغربي القائم على تجاوز الماضي وغياب المعايير الثابتة للتجديد، فإنّ مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي يعني: العودة إلى الأصول وإحياؤها في حياة الإنسان المسلم بما يمكن من إحياء ما اندرس، وتقويم ما انحرف، ومواجهة الحوادث والوقائع المتجدّدة، من خلال فهمها وإعادة قراءتها تمثّلاً للأمر الإلهي المستمرّ بالقراءة: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (سورة العلق:1).
 
وفي الواقع يرتبط “مفهوم التجديد” بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلّقة بالتأصيل النظري للمفهوم، والمفاهيم الحركية المتعلّقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد.
 
على سبيل المثال: يتشابك مفهوم “التجديد” مع مفهومي “الأصالة والتراث”؛ حيث يقصد بالأصالة: تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد. كما يشتبك “التجديد” مع مفهوم “[[التغريب]]” الذي يعبّر عن: عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد.
 
وعلى صعيد المفاهيم الحركية، تطرح مفاهيم مثل “التقدّم” و”التحديث” و”التطوّر” و”التقنية” و”[[النهضة]]” لتعبّر عن رؤية غربية لعملية التجديد نابعة من الخبر التاريخية الغربية، ومستهدفة لربط عملية التجديد في كلّ الحضارات بالحضارة الغربية باعتبارها قمّة التقدّم وهدفاً للدول الساعية نحو التنمية. كما تظهر مفاهيم مثل “[[الإصلاح]]” و”الإحياء” وهي نابعة من الرؤية الإسلامية لعملية التجديد، حيث التجديد هو إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه عمليات التجاوز والخلاص.
 
ويتّضح ممّا سبق مدى الارتباط بين “مفهوم التجديد” فكراً وممارسة وبين الخبرة التاريخية والمرجعية الكبرى النهائية للمجتمع.
 
فالتجديد  كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية. الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ.
 
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد.
 
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية.
 
=مشاريع التجديد والمجدّدين=
 
قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم، يمكن تلخيصها فيما يلي:
 
1 ـ نقد ورفض الجمود والتقليد، سواء أكان هذا التقليد للسلف وجموداً على تراثهم، أم تقليد الغرب والجمود على الثقافة الحداثية للتغريب.
 
2 ـ التجديد الذي يؤدّي إلى تحرير الفكر من القيود، وفهم الدين على طريقة سلف [[الأُمّة]] قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارف الدين إلى ينابيعها الأُولى، واعتبار الدين من ضمن موازين العقل البشري، وإصلاح أساليب اللغة العربية، والتمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة على الشعب، وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة.
 
3 ـ الإصلاح بالإسلام، لا بالمشاريع الغريبة على البيئة الإسلامية.
 
4 ـ [[الوسطية]] الإسلامية التي برِئت من الغلو والإغراق في المادّية أو في الروحانية.
 
5 ـ العقلانية المؤمنة التي تجمع بين العقل والنقل.
 
6 ـ الوعي بسنن الله الكونية التي تحكم عوالم المخلوقات، وجعل هذه السنن علماً من العلوم المدوّنة.
 
7 ـ الدولة في الإسلام مدنيةـ إسلامية، لا كهنوتية ولا علمانية.
 
8 ـ الشورى، أي: مشاركة الأُمّة في صنع القرارات.
 
9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها.


ب- يغلب على مفهوم التجديد في الفكر الغربي عملية التجاوز المستمرة للماضي أو حتى الواقع الراهن؛ من خلال مفهوم الثورة والذي يشير إلى التغيير الجذري والانقلاب في وضعية المجتمع.
10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ.


وتبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي.
هذا هو تلخيص الدكتور [[محمّد عمارة]] للأُصول الفكرية للمدرسة الإحيائية التجديدية، راجع كلامه في [[المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب]] 1 : 93.


ومقارنة بالفكر الغربي القائم على تجاوز الماضي وغياب المعايير الثابتة للتجديد، فإن مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي: يعني العودة إلى الأصول وإحياءها في حياة الإنسان المسلم؛ بما يمكن من إحياء ما اندرس، وتقويم ما انحرف، ومواجهة الحوادث والوقائع المتجددة، من خلال فهمها وإعادة قراءتها تمثلاً للأمر الإلهي المستمر بالقراءة: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (العلق:1).
ولا يخفى أنّ العديد من روّاد [[الوحدة]] و[[التقريب]] كانوا من دعاة التجديد.


وفي الواقع يرتبط “مفهوم التجديد” بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالتأصيل النظري للمفهوم، والمفاهيم الحركية المتعلقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد. على سبيل المثال: يتشابك مفهوم “التجديد” مع مفهومي “الأصالة والتراث”؛ حيث يقصد بالأصالة تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد. كما يشتبك “التجديد” مع مفهوم “التغريب” الذي يعبر عن عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد.
=المصدر=


وعلى صعيد المفاهيم الحركية، تطرح مفاهيم مثل “التقدم” و”التحديث” و”التطور” و”التقنية” و”النهضة” لتعبر عن رؤية غربية لعملية التجديد نابعة من الخبر التاريخية الغربية، ومستهدفة لربط عملية التجديد في كل الحضارات بالحضارة الغربية، باعتبارها قمة التقدم وهدفاً للدول الساعية نحو التنمية، كما تظهر مفاهيم مثل “الإصلاح” و”الإحياء” وهي نابعة من الرؤية الإسلامية لعملية التجديد، حيث التجديد هو إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه عمليات التجاوز والخلاص، ويتضح مما سبق مدى الارتباط بين “مفهوم التجديد” فكرًا وممارسة وبين الخبرة التاريخية والمرجعية الكبرى النهائية للمجتمع.
المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب.


وراجع كذلك موقع: www.islamonline.net


فالتجديد  كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي ، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية . الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ .
[[تصنيف: مفاهيم إسلامية]]
وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية ، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم ، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد .
[[تصنيف: اصطلاحات فكرية معاصرة]]
من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية .
وقد قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم ، يمكن تلخيصها فيما يلي :
1 ـ نقد ورفض الجمود والتقليد ، سواء أكان هذا التقليد للسلف وجموداً على تراثهم ، أم تقليد الغرب والجمود على الثقافة الحداثية للتغريب .
2 ـ التجديد الذي يؤدّي إلى تحرير الفكر من القيود ، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع في كسب معارف الدين إلى ينابيعها الأُولى ، واعتبار الدين من ضمن موازين العقل البشري ، وإصلاح أساليب اللغة العربية ، والتمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة على الشعب ، وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة .
3 ـ الإصلاح بالإسلام ، لا بالمشاريع الغريبة على البيئة الإسلامية .
4 ـ الوسطية الإسلامية التي برِئت من الغلو والإغراق في المادّية أو في الروحانية .
5 ـ العقلانية المؤمنة التي تجمع بين العقل والنقل .
6 ـ الوعي بسنن الله الكونية التي تحكم عوالم المخلوقات ، وجعل هذه السنن علماً من العلوم المدوّنة .
7 ـ الدولة في الإسلام مدنية ـ إسلامية ، لا كهنوتية ولا علمانية .
8 ـ الشورى ، أي : مشاركة الأُمّة في صنع القرارات .
9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها .
10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ ( ).
هذا هو تلخيص الدكتور محمّد عمارة للأُصول الفكرية للمدسة الإحيائية التجديدية ، راجع كلامه في المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1 : 93 .

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٩:٤٥، ٣٠ يونيو ٢٠٢١

التجديد: مفهوم من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيّارات الثقافية والفكرية المختلفة، وقد انعكس هذا التنازع على المفهوم ذاته من حيث معناه ودلالاته.. وواقعيّاً يصل الباحثون لمُسلَّمة هي أنّ التجديد- وذلك على المستوى النظامي والحركي- قد تُخفق أهمّ جهوده نظراً لعدم وضوح التأصيل الفكري والمنهجي لعملية التجديد في تأكيد واضح على أهمّية الربط بين النظرية والفاعلية في مجال التجديد الحضاري.

التجديد لغةً

التجديد في اللغة العربية من أصل الفعل “تجدّد” أي صار جديداً، جدّده أي صيّره جديداً، وكذلك أجدّه واستجده، وكذلك سُمِّي كلّ شيء لم تأت عليه الأيّام جديداً.

ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: إنّ التجديد في الأصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصوّراً تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متّصلة:

أ- إنّ الشيء المجدّد قد كان في أوّل الأمر موجوداً وقائماً وللناس به عهد.

ب- إنّ هذا الشيء أتت عليه الأيّام فأصابه البلى وصار قديماً.

جـ- إنّ ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.

التجديد قرآنيّاً

لقد استخدمت كلمة جديد– وليس لفظ التجديد- في القرآن الكريم بمعنى: البعث والإحياء والإعادة (غالباً للخلق).

التجديد حديثيّاً

كذلك أشارت السنّة النبوية لمفهوم التجديد من خلال المعاني السابقة المتّصلة: الخلق- الضعف أو الموت- الإعادة والإحياء.

ويعتبر حديث التجديد- [ما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): “إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد دينها” رواه أبو داود]- من أهمّ الإشارات إلى مفهوم التجديد في السنّة النبوية.

عناصر التجديد

قد تعلّقت بهذا الحديث سالف الذكر مجموعة من الأفكار، أهمّها:

1 – تجديد الدين: هو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه؛ لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين، ولا يعني إطلاقاً تبديلاً في الدين أو الشرع ذاته.

2 – زمن التجديد: اعتبر بعض الباحثين أنّ الإشارة الواردة في الحديث عن زمن التجديد على رأس كلّ مائة إنّما هي دلالة على حقيقة استمرارية عملية التجديد وتقارب زمانه بحيث يصبح عملية تواصل وتوريث.

3 - المجدِّد: اجتهد العلماء في توصيف وتحديد المجدّد على رأس كلّ مائة سنة، لكن البعض يرى أنّ المجدّد يقصد به الفرد أو الجماعة التي تحمل لواء التجديد في هذا العصر أو ذاك، ويجوز تفرّقهم في البلاد، ويعرّفهم ابن كثير بأنّهم حملة العلم في كلّ عصر.

التجديد والتقليد

يعدّ التجديد مفهوماً مناقضاً لمفهوم التقليد، ويقصد بالتقليد: محاكاة الماضي بكلّ أشكاله وشكليّاته. ولقد أدّى التقليد إلى انفصال بين الوحي والعقل، وكأنّهما متضادّان لا يمكن الجمع بينهما. وبناءً على ذلك فإنّ عملية التجديد تعتبر ضرورة لإعادة ضبط العلاقة بين الوحي والعقل حتّى لا تضطرب الأمور، فيصير التجديد نابعاً من الخارج (التقليد الغربي) أو مرتدّ نحو الماضي لمحاولة إعادته (تقديس التراث فوق الحدود المعقولة)، ولكنّها تعني أنّ العقل هدفه تكريم الإنسان وأساس تحمله للأمانة وقاعدة التكليف والالتزام بقواعد الاستخلاف.

التجديد في الفكر الغربي

يتيح الربط بين فكرة التجديد والخبرة التاريخية الغربية أبعاداً جديدة؛ حيث يعتبر مفهوم التجديد لدى الغرب إفرازاً لصراع حادّ بين الكنيسة من جانب وسلطة المعرفة والعلم والعقل من جانب آخر، ممّا دفع الأخيرة للاتّجاه نحو تجاوز كلّ النظريات الدينية تحت مسمّى التجديد.

يرتكز مفهوم التجديد في الفكر الغربي على أساسين:

أ- لا تُرى عملية التجديد إلّا بمنظور التكيّف في إطار من نسبية القيم وغياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغيّر؛ إذ تعتبر كلّ قيمة قابلة للإصابة بالتبدّل والتحوّل، وعلى الإنسان أن يستجيب لهذه التغيّرات بما أسمته التكيّف. ولم يطرح الفكر الغربي قواعد لعملية التجديد وحدوده وغاياته ومقاصده.

ب- يغلب على مفهوم التجديد في الفكر الغربي عملية التجاوز المستمرّة للماضي أو حتّى الواقع الراهن من خلال مفهوم الثورة، والذي يشير إلى التغيير الجذري والانقلاب في وضعية المجتمع.

وتبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقلّ عن المصدر المعرفي البشري المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادّي.

مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي

مقارنة بالفكر الغربي القائم على تجاوز الماضي وغياب المعايير الثابتة للتجديد، فإنّ مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي يعني: العودة إلى الأصول وإحياؤها في حياة الإنسان المسلم بما يمكن من إحياء ما اندرس، وتقويم ما انحرف، ومواجهة الحوادث والوقائع المتجدّدة، من خلال فهمها وإعادة قراءتها تمثّلاً للأمر الإلهي المستمرّ بالقراءة: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ” (سورة العلق:1).

وفي الواقع يرتبط “مفهوم التجديد” بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلّقة بالتأصيل النظري للمفهوم، والمفاهيم الحركية المتعلّقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد.

على سبيل المثال: يتشابك مفهوم “التجديد” مع مفهومي “الأصالة والتراث”؛ حيث يقصد بالأصالة: تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد. كما يشتبك “التجديد” مع مفهوم “التغريب” الذي يعبّر عن: عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد.

وعلى صعيد المفاهيم الحركية، تطرح مفاهيم مثل “التقدّم” و”التحديث” و”التطوّر” و”التقنية” و”النهضة” لتعبّر عن رؤية غربية لعملية التجديد نابعة من الخبر التاريخية الغربية، ومستهدفة لربط عملية التجديد في كلّ الحضارات بالحضارة الغربية باعتبارها قمّة التقدّم وهدفاً للدول الساعية نحو التنمية. كما تظهر مفاهيم مثل “الإصلاح” و”الإحياء” وهي نابعة من الرؤية الإسلامية لعملية التجديد، حيث التجديد هو إحياء لنموذج حضاري وجد من قبل ولم تحدث تجاهه عمليات التجاوز والخلاص.

ويتّضح ممّا سبق مدى الارتباط بين “مفهوم التجديد” فكراً وممارسة وبين الخبرة التاريخية والمرجعية الكبرى النهائية للمجتمع.

فالتجديد كان قائماً على مرّ التاريخ الإسلامي، خاصّة في عصر الحركة الحضارية نرى ذلك التجديد في الفقه والأُصول والتفسير والحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية. الاجتهاد وشيوع حديث ظهور المجدّدين على رأس كلّ قرن من مظاهر هذا التجديد المستمرّ.

وكان من المفروض في عصر الركود الحضاري أن لا تظهر في العالم الإسلامي مشاريع تجديدية، غير أنّ الإسلام بما فيه من طاقات ذاتية يأبى على أتباعه الخضوع للوضع القائم، ويثير فيهم الهمّة للإصلاح والتجديد.

من هنا نرى قائمة المجدّدين في عصرنا غنية بالأسماء والمشاريع النظرية والعلمية.

مشاريع التجديد والمجدّدين

قدّم بعض هؤلاء المجدّدين مشاريع لعملهم، يمكن تلخيصها فيما يلي:

1 ـ نقد ورفض الجمود والتقليد، سواء أكان هذا التقليد للسلف وجموداً على تراثهم، أم تقليد الغرب والجمود على الثقافة الحداثية للتغريب.

2 ـ التجديد الذي يؤدّي إلى تحرير الفكر من القيود، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارف الدين إلى ينابيعها الأُولى، واعتبار الدين من ضمن موازين العقل البشري، وإصلاح أساليب اللغة العربية، والتمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة على الشعب، وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة.

3 ـ الإصلاح بالإسلام، لا بالمشاريع الغريبة على البيئة الإسلامية.

4 ـ الوسطية الإسلامية التي برِئت من الغلو والإغراق في المادّية أو في الروحانية.

5 ـ العقلانية المؤمنة التي تجمع بين العقل والنقل.

6 ـ الوعي بسنن الله الكونية التي تحكم عوالم المخلوقات، وجعل هذه السنن علماً من العلوم المدوّنة.

7 ـ الدولة في الإسلام مدنيةـ إسلامية، لا كهنوتية ولا علمانية.

8 ـ الشورى، أي: مشاركة الأُمّة في صنع القرارات.

9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها.

10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ.

هذا هو تلخيص الدكتور محمّد عمارة للأُصول الفكرية للمدرسة الإحيائية التجديدية، راجع كلامه في المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1 : 93.

ولا يخفى أنّ العديد من روّاد الوحدة والتقريب كانوا من دعاة التجديد.

المصدر

المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب.

وراجع كذلك موقع: www.islamonline.net