الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التخيير»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''التخيير:''' وهو الاختيار بين الفعل والترک من دون ترجيح. كما إذا علم المكلّف إجمالاً بوجوب دفن...') |
(لا فرق)
|
مراجعة ١٦:٥٧، ١٤ يونيو ٢٠٢١
التخيير: وهو الاختيار بين الفعل والترک من دون ترجيح. كما إذا علم المكلّف إجمالاً بوجوب دفن الميت الکافر أو حرمته فيتخيّر بين فعلها وتركها.
تعريف التخيير لغةً
التخيير مصدر خيّر. يقال: خيّرته بين الشيئين، أي فوضت إليه الاختيار. فاختار أحدهما.
والاختيار: الاصطفاء بين الأشياء.
فالتخيير إذاً: هو التفويض والاصطفاء لشخص لاختيار أحد الشيئين أو الأشياء[١].
تعريف التخيير اصطلاحاً
لايخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
قال البرديسي في أصوله، التخيير: إباحة الفعل أو الترك للمكلّف دون ترجيح لأحد الجانبين على الآخر[٢].
واستعمل الأصوليون هذا العنوان في موارد متعدّدة هي:
1 ـ دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته، والذي يعرف أيضا بدوران الأمر بين المحذورين، كما إذا علم المكلّف إجمالاً بوجوب فعل وحرمته، كما إذا علم المكلّف إجمالاً بوجوب صلاة الجمعة أو حرمتها فيتخيّر بين فعلها وتركها[٣]. وهذا القسم هو مجرى أصالة التخيير.
2 ـ تزاحم الحكمين في مقام الامتثال مع عجز المكلّف عن امتثالهما معا ومع تساويهما في الأهمّية كالضدين الواجبين أو المستحبين، كما إذا عجز الإنسان عن إنقاذ كلا الغريقين مع كونهما واجبي الإنقاذ. والبحث هنا مربوط بباب التزاحم[٤].
3 ـ تنافي الخبرين المتعارضين أو مطلق الأمارتين المتعارضتين مع عدم مرجح لأحدهما في البين وعدم كون حكمهما التساقط والرجوع إلى الأصول العملية[٥]. وهذا البحث موكول إلى باب التعارض وباب المرجحات.
الألفاظ ذات الصلة
اللفظ الأول: إباحة
وهي مساواة الفعل والترك في نظر المولى[٦]، وهي المعبر عنها بالإباحة بالمعنى الأخصّ في مقابل الإباحة بالمعنى الأعم التي هي عبارة عن: الترخيص الشامل للأحكام التي ليس فيها إلزام، كالمكروهات والمستحبّات والمباحات، والفرق بينها وبين التخيير، أنّ الثاني قد يكون على سبيل الإباحة أي بين الفعل والترك، وقد يكون بين الواجبات[٧].
اللفظ الثاني: رخصة
وهي ما شُرع للمكلّف فعله أو تركه لعذر مع قيام السبب المحرم، وهي أعم من التخيير؛ لأنّها تطلق بالإضافة إلى ما تقدّم على معانٍ اُخرى كنعمة الملمس والإذن في الأمر بعد النهي عنه[٨].
أقسام التخيير
للتخيير عند الأصوليين أقسام متعدّدة نشير إليها إجمالاً، وهي:
الأول: التخيير الشرعي والعقلي
والمقصود من التخيير الشرعي: هو التخيير الوارد على لسان الشارع من خلال النصوص كتابا وسنّة من قبيل: تخيير من أفطر في شهر رمضان عمدا بين صوم ستّين يوما أو اطعام ستّين مسكينا أو عتق رقبة.
وأمّا التخيير العقلي: فهو التخيير الذي تتمّ استفادته بواسطة العقل، كما في حالات إيقاع الأمر على الطبيعة بنحو الإطلاق البدلي، وكما في حالات التزاحم بين المتساويين[٩].
الثاني: التخيير العقلي الشرعي
وهو الذي عبَّر عنه المحقّق الخوئي بالتخيير العقلي الثابت بضميمة الدليل الشرعي.
والمراد منه: إنّه لو ورد خطاب شرعي ودار الأمر بقرينة خارجية بين سقوط أصل الخطاب وسقوط إطلاقه المقتضي للتعيين، فإنّ المتعين هو سقوط الإطلاق؛ لأنّه القدر المتيقن من القرينة الخارجية، إذ إنّها لاتقتضي أكثر من ذلك.
ومثاله: لو ورد خطاب شرعي عام وكان له إطلاق أحوالي، كما لو قال: (أكرم كلّ عالم) الظاهر في وجوب إكرام كلّ فرد من العلماء تعيينا من غير تقييد بإكرام غيره وعدمه، ثُمّ علمنا من الخارج بعدم وجوب إكرام فردين منه معا كزيد وعمرو مثلاً، ودار الأمر بين خروجهما عن العموم رأسا، بألاّ لايجب إكرامهما أصلاً وخروجهما تقييدا، بألاّ يجب إكرام كلّ منهما عند إكرام الآخر، ففي مثل ذلك لابدّ من الاقتصار على القدر المتيقن في رفع اليد عن ظاهر الدليل وهو الحكم بعدم إكرام كلّ منهما عند إكرام الآخر.
فالنتيجة هي التخيير بين إكرام زيد وترك إكرام عمرو وعكسه[١٠].
الثالث: التخيير الفقهي والأصولي
التخيير الفقهي معناه: إنّ المكلّف في سعة ابتداء في اختيار أحد التكليفين وتطبيقه، فالنصّ الشرعي المتكفّل لبيان التخيير الفقهي يحدّد التكاليف الواقع كلّ واحد منها طرفا للتخيير، ويكون المكلّف عندها مسؤولاً عن اتّخاذ أحد التكاليف وتطبيقها في مقام الامتثال.
وأمثلته كثيرة، كتخيير المصلّي بين قراءة الحمد أو التسبيح في الركعتين الأخيرتين، وتخيير المكلّف بين القصر والإتمام في مواطن التخيير.
وأمّا التخيير الأصولي فهو جعل الحجّية لأحد الدليلين تخييرا، ومع اختيار أحد الدليلين بعد ثبوت الحجّية له تخييرا يكون المكلّف مسؤولاً عن العمل بالتكليف المستفاد بواسطة الدليل المختار ويكون هو المتعيّن عليه[١١].
الرابع: التخيير في باب التعارض
ذهب غير واحدٍ من الأصوليين ـ كصاحب الكفاية ـ أنّ المرجع عند تعارض الأخبار هو التخيير[١٢]، بينما راح المشهور إلى أنّ التخيير لاتصل نوبته إلاّ بعد فقدان المرجحات[١٣].
وكيف كان فقد وقع البحث عن هذا التخيير من جهات نشير إلى بعض منها:
أ ـ إنّ التخيير بناءً على مرجعيته في حالات التعارض بين الأخبار هل هو من التخيير في المسألة الفقهية أو هو من التخيير في المسألة الأصولية. والمعروف بينهم أنّه من الثاني[١٤].
ب ـ إنّ التخيير الذي هو المرجع عند تعارض الأخبار هل هو ابتدائي أو استمراري؟ وبناءً على الأوّل ـ الابتدائي ـ تكون الحجّية التخييرية ثابتة. قبل اختيار أحد الخبرين والالتزام به، أمّا بعد اختيار أحدهما والالتزام به، فإنّه ليس للمجتهد اختيار الآخر، بل يكون ساقطا عن الحجّية بمجرّد الالتزام بالخبر الأوّل مثلاً.
وهذا بخلاف ما لو بني على استمرارية التخيير، فإنّ للمجتهد أن يختار أوّلاً أحدهما، ثُمّ يختار الآخر.
وقد اختار الأخوند الخراساني استمرارية التخيير، واستدلّ له باستصحاب التخيير المتيقن ثبوته قبل اختيار أحد الخبرين، بإلاضافة إلى إطلاقات أدلّة التخيير، فإنّها تقتضي صحّة اختيار الآخر حتّى حال اختيار الأوّل قبل ذلك[١٥].
التخيير والواجب التخييري
التخيير غير الواجب التخييري ـ الذي يتردّد متعلّقه بين أمرين أو أكثر من قبيل كفّارة إفطار شهر رمضان الذي يتردد بين إطعام ستّين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة ـ لأنّه من الأحكام؛ لبداهة أنّ كلاً من فردي الواجب التخييري توجد فيه مصلحة توجب جعل الحكم على وفقها، بخلافه في التخيير، فإنّ كلاً من فردي التخيير لايعلم وجود المصلحة فيه، وإنّما المصلحة في متعلّق إحدى الأمارتين فحسب؛ لافتراض التناقض بينهما وصدور واحدة منهما دون الاُخرى، والمصلحة هي في نفس الجعل لا في المتعلّق وهي لاتتجاوز مصلحة التيسير[١٦].
دوران الأمر بين التعيين والتخيير
والمراد منه إجمالاً قبل بيان أقسامه، هو أنّ المكلّف قد يقع منه الجزم بوجوب شيء إلاّ أنّه يشكّ في نحو الوجوب، وهل هو وجوب تعييني، بحيث لايقوم غيره مقامه، ولايوجب الإتيان بغيره سقوطه عن العهدة، أو أنّ وجوبه تخييري، بمعنى أنّه وإن كان محرز الوجوب إلاّ أن طرفه الآخر يقوم مقامه[١٧].
وبعد اتّضاح المراد منه فقد قسمت حالاته إلى أقسام ثلاثة:[١٨]
القسم الأوّل: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الواقعية
كما إذا شككنا في أنّ صلاة الجمعة في عصر الغيبة هل هي واجب تعييني أو تخييري؟ اختلفوا في ذلك على قولين: التعيين والتخيير. وقرّب التعيين بعدة تقريبات:
منها: ما ذكره المحقّق النائيني من أنّ مآل هذا القسم الشكّ في حصول الامتثال بعد العلم بثبوت التكليف؛ لأنّ المكلّف لو جاء بصلاة الظهر فإنّه لايحصل له الجزم بفراغ ذمّته من التكليف المقطوع تعلّقه بالعهدة «وهذا بخلاف ما لو جاء بصلاة الجمعة» فإنّه يحصل الجزم بفراغ الذمّة عن التكليف؛ لأنّ صلاة الجمعة واجبة على أي تقدير سواء كان متعلّق التكليف هو الجمعة أو الجامع بينها وبين الظهر.
فالمرجع قاعدة الاشتغال والحكم بالتعيين[١٩].
وذهب السيّد الخوئي إلى جريان البراءة عن التعيين في هذا القسم قائلاً :
«والذي ينبغي أنّ يقال: إن التخيير المحتمل في المقام إما أن يكون تخييرا عقليا، كما إذا دار الأمر بين تعلّق تكليف بحصّة خاصّة أو بالجامع العرفي بينها وبين غيرها من سائر حصص الجامع، وإما أن يكون تخييرا شرعيا، كما إذا كان ما يحتمل وجوبه مباينا في الماهية لما علم وجوبه في الجملة ولم يكن بينهما جامع عرفي، كما في كفّارة تعمد الافطار. وقد ذكر في محلّه أن الوجوب التخييري يتعلّق بالجامع الانتزاعي المعبر عنه بأحد الشيئين أو أحد الأشياء.
أمّا في موارد احتمال التخيير العقلي، فتعلّق التكليف بالجامع معلوم، وإنّما الشكّ في كونه مأخوذا في متعلّق التكليف على نحو الإطلاق واللا بشرط أو على نحو التقييد وبشرط شيء؛ إذ لايتصوّر الإهمال بحسب مقام الثبوت والإطلاق والتقييد وإن كانا متقابلين ولم يكن شيء منهما متيقنا إلاّ أنّ المعروف أنّ انحلال العلم الإجمالي غير متوقّف على تيقن بعض الأطراف، بل يكفي فيه جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض، وقد سبق أنّ جريان أصالة البراءة العقلية والنقلية في جانب التقييد غير معارض بجريانها في طرف الإطلاق، فإذا ثبت عدم التقييد ظاهرا لأدلّة البراءة لايبقى مجال لدعوى رجوع الشكّ إلى الشكّ في الامتثال، ليكون المرجع قاعدة الاشتغال، فإنّ الشكّ في الامتثال منشأه الشكّ في إطلاق الواجب وتقيده، فإذا ارتفع احتمال التقيد بالأصل يرتفع الشكّ في الامتثال أيضا.
ومن ذلك يظهر الحال في موارد احتمال التخيير الشرعي، وأنّ الحكم فيه أيضا هو التخيير؛ لأنّ تعلّق التكليف بعنوان أحد الشيئين في الجملة معلوم، وإنّما الشكّ في الإطلاق والتقييد، فتجري أصالة البراءة عن التقييد، وبضم الأصل إلى الوجدان يحكم بالتخيير»[٢٠].
القسم الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الظاهرية ومقام الحجّية
والمراد من هذا القسم أنّه لو وقع الشكّ في أنّ الشارع هل جعل الحجّية لهذا الشيء بنحو التعيين، بحيث لم يجعلها لطرفه المقابل أو أنّه جعلها لهذا الشيء بنحو التخيير بينه وبين طرفه المقابل، بحيث يمكنه الاعتماد والاستناد إلى أي واحدٍ منهما، كما إذا شككنا في أنّ تقليد الأعلم واجب تعييني على العامي العاجز عن الاحتياط أو هو مخيّر بين تقليده وتقليد غير الأعلم.
وفي هذا القسم لاريب في الحكم بالتعيين؛ لأنّ ما علم بحجّيته المرددة بين كونها تعيينية أو تخييرية قاطع للعذر في مقام الأمتثال ومبرئ للذمّة بحسب مقام الظاهر يقينا، وأمّا الطرف الآخر المحتمل كونه حجّة على نحو التخيير، فهو محكوم بعدم الحجّية عقلاً وشرعا؛ لأنّ الشكّ في الحجّية بحسب مقام الجعل مساوق للقطع بعدم الحجّية الفعلية، فكلّ ما شكّ في حجّيته لشبهة حكمية أو موضوعية لايصحّ الاعتماد عليه في مقام العمل ولايصحّ اسناد مؤداه إلى المولى في مقام الإفتاء[٢١].
القسم الثالث: دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الفعلية والامتثال
أي مع إحراز أصل الجعل للتكليفين إلاّ أنّه وبسبب التزاحم في مقام الامتثال يقع الشكّ فيما هو الأهمّ من التكليفين مع احتمال أهمّية أحدهما، كما إذا كان يوجد غريقان يحتمل كون أحدهما بعينه نبيا مثلاً، ولم نتمكّن إلاّ من إنقاذ أحدهما، فيدور الأمر بين وجوب إنقاذه تعيينا أو تخييرا بينه وبين الآخر.
ذكر السيّد الخوئي: إنّ الحقّ فيه الحكم بالتعيين، وتحقيق ذلك يستدعي ذكر أمرين[٢٢]:
1 ـ إنّ التزاحم في مقام الامتثال يوجب سقوط أحد التكليفين عن الفعلية؛ لعجز المكلّف عن امتثالهما، ويبقى الملاكان في كلا الحكمين على حالهما.
2 ـ إنّ تفويت الملاك الملزم بعد إحرازه بمنزلة مخالفة التكليف الواصل في القبح واستحقاق العقاب بحكم العقل، ولايرتفع قبحه إلاّ بعجز المكلّف تكوينا أو تشريعا.
فإذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمّية فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلّقا به بحكم العقل، والملاك في الطرف الآخر وإن كان ملزما في نفسه إلاّ أنّ تفويته مستند إلى عجزه تشريعا.
نعم، لو عصى التكليف بالأهمّ كان مكلّفا بالمهمّ.
وإذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين من حيث الملاك، فلايعقل تعلّق التكليف الفعلي المكلّف بخصوص أحدهما دون الآخر؛ لقبح الترجيح بلا مرجح، فلا مناص من الالتزام بتعلّق التكليف بكلّ منهما مشروطا بعدم الإتيان بالآخر أو بهما معا على نحو التخيير.
وعلى كلّ تقدير لا إشكال في جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر؛ لعدم القدرة، وأمّا إذا كان أحدهما محتمل الأهمّية، فلا إشكال في جواز الإتيان به وتفويت الملاك في الآخر؛ لدوران الأمر بين كونه واجبا متعينا في مقام الامتثال، أو مخيرا بينه وبين الطرف الآخر.
وعلى كلّ تقدير كان الإتيان به خاليا عن المحذور[٢٣].
أصالة التخيير
وهي من الأصول العملية، مجراها حالات العلم الإجمالي الذي يتعذر معه الاحتياط، كموارد دوران الأمر بين المحذورين[٢٤]، ومثاله:
ما لو علم المكلّف بأنّ تكليفا إلزاميا متوجّها إليه تجاه هذا الميت، وهذا التكليف هو إمّا وجوب تجهيزه أو حرمته، فهنا إن قام بتجهيزه فإنّه يحتمل ارتكابه للحرمة، وإن تركه فإنّه يحتمل تركه للواجب، فالمكّلف بين محذورين.
ولا إشكال في أنّ المكلّف إمّا أن يفعل أو يترك؛ لعدم قدرته على شيء ثالث.
وإنّما البحث في أنّه هل يوصف المكلّف عندئذٍ بأنّه مخيّر بين الفعل والترك عقلاً أو شرعا؟ وهل تجري الأصول العملية في أطراف هذا العلم الإجمالي أو لا؟
اختلف الأصوليون في ذلك على أقوال[٢٥].
وقبل ذكر هذه الأقوال لابدّ من بيان وتحديد صور المسألة، التي عبّر عنها بدوران الأمر بين المحذورين.
وهي تارة تكون بين الأمرين التوصليين، التي لانحتاج فيهما إلى قصد القربة، واُخرى بين الأمرين التعبديين، أو أحدهما تعبّدي والآخر توصلي.
وفي كلا الحالتين، تارة تكون الواقعة واحدة واُخرى متعدّدة.
الصورة الاُولى: دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات والواقعة واحدة
ومثاله: ما لو علم المكلّف إجمالاً بوجوب شرب السائل الموجود في هذا الإناء أو حرمته، فيدور أمره بين محذورين هما الشرب وتركه.
وقد ذكر بعضهم: إنّ في هذا القسم خمسة أقوال[٢٦]:
الأوّل: لزوم تقديم جانب الحرمة؛ لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة.
الثاني: إنّ الأصل الجاري هنا هو التخيير الشرعي.
الثالث: إنّ الأصل الجاري هو الإباحة الشرعية والتخيير العقلي، وهو مختار صاحب الكفاية[٢٧].
الرابع: إنّ الأصل الجاري هو التخيير العقلي، وهو مختار الشيخ النائيني[٢٨].
الخامس: إنّ الأصل الجاري هو البراءة الشرعية والعقلية، أي جريان الأصلين في الطرفين، وهو مختار السيّد الخوئي، وعلّله بقوله: «لعموم أدلّة البراءة الشرعية، وعدم ثبوت ما يمنع عن شمولها، ولحكم العقل بقبح العقاب على خصوص أو الوجوب أو الحرمة، للجهل به الموجب لصدق عدم البيان»[٢٩].
الصورة الثانية : دوران الأمـر بيـن المحـذوريـن التوصليين مع تعدّد الواقعة
ومثاله: ما لو علم إجمالاً بوجوب فعله أو تركه في كلّ خميس، فهل يكون المكلّف مخيرا في كلّ يوم خميس في اختيار أحدهما إمّا الفعل أو الترك؛ لصدق كونه من موارد الدوران بين المحذورين أو لابدّ من البقاء على ما اختاره أوّلاً.
وبعبارة ثانية: هل يكون التخيير بدويا أو استمراريا؟ اختلف الأصوليون في ذلك فذهب بعض إلى التخيير الاستمراري[٣٠] وذهب آخر إلى التخيير البدوي[٣١].
قال الشيخ العراقي: الكلام في أنّ التخيير فيه [ دوران الأمر بين المحذورين التوصليين مع تعدّد الواقعة ] بدوي فليس له أن يختار في الواقعة الثانية إلاّ ما اختاره أوّلاً أو أنّه استمراري، فيجوز له أن يختار خلاف ما اختاره في الواقعة الاُولى وإن لزم منه الوقوع في المخالفة القطعية، وحيث إنّ استمرار التخيير يلازم القطع بكلّ من الموافقة والمخالفة بخلافه على بدوية التخيير، حيث لايلزم منه إلاّ احتمالهما.
فقد يقال: بلزوم تقديم حرمة المخالفة القطعية على الموافقة القطعية بدعوى أنّ حكم العقل بمنجزية العلم الإجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية التدريجية لما كان على نحو التخيير، والعلّية بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية على نحو الاقتضاء القابل لمنع المانع عنه، فلا جرم عند الدوران بين الإطاعتين يقدّم جانب العلّية على الاقتضاء؛ لصلاحيته للمانعية عن اقتضائه بالنسبة إلى الموافقة القطعية، ونتيجته هو المنع عن استمرار التخيير الموجب للوقوع في المخالفة القطعية.
وفيه: إنّه مضافا إلى ما هو التحقيق من كون العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموافقة القطعية أيضا كالمخالفة القطعية، إنّما هو بالنسبة للترخيصات الظاهرية الجارية بمناط عدم البيان بعد عدم قصور المعلوم بالإجمال في نفسه للتنجز من قبل العلم، حيث إنّ هم القائل بالاقتضاء إنّما هو إثبات قابلية العلم الإجمالي للترخيص الشرعي على خلافه في جميع الأطراف أو بعضها، كما أنّ هم القائل بالعلّية إثبات عدم قابليته لذلك وأنّه كالعلم التفصيلي في المثبتية للتكليف والمنجزية بنحو يمنع عن الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف لا بالنسبة إلى الترخيص بمناط الاضطرار؛ إذ لم يلتزم أحد بمنجزية العلم التفصيلي في هذه المرحلة فضلاً عن العلم الإجمالي... وعليه أنّ عدم الجمع بين تحصيل الموافقة القطعية وبين الفرار عن المخالفة القطعية بعد أن كان بمناط الاضطرار من جهة ملازمة تحصيل الموافقة القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار من جهة ملازمة تحصيل الموافقة القطعية للوقوع في المخالفة القطعية بمقتضى الاضطرار، وبالعكس حيث يلازم ترك المخالفة القطعية؛ لعدم القدرة على تحصيل الموافقة القطعية، فلا جرم يدور الأمر بمقتضى الاضطرار والتكوين بين رفع اليد إمّا عن حرمة المخالفة، وإمّا عن وجوب الموافقة، وبعد عدم الترجيح في هذا المقام لأحد الأمرين ينتهي الأمر إلى التخيير بينهما ونتيجته هو التخيير الاستمراري[٣٢].
الصورة الثالثة: إذا دار الأمر بين المحذورين وكان كلاهما أو أحدهما تعبّديا
كما إذا دار الأمر بين وجوب الصلاة على المرأة وحرمتها عليها؛ لاحتمالها الطهر والحيض مع عدم إحراز أحدهما ولو بالاستصحاب بناءً على حرمة الصلاة على الحائض ذاتا، بمعنى أن يكون نفس العمل حراما عليها ولو مع عدم قصد القربة وانتسابه إلى المولى، ففي مثل ذلك يمكن المخالفة القطعية بإتيان العمل (الصلاة) بغير قصد القربة، فإنّه على تقدير كونها حائضا فأتت بالمحرم وعلى تقدير عدم كونها حائضا فقد تركت الواجب، ولأجل ذلك كان العلم الإجمالي منجزا وإن لم تجب الموافقة القطعية لتعذرها.
فلا محالة يحكم العقل بالتخيير بين الإتيان بالصلاة برجاء المطلوبية وبين تركها رأسا[٣٣].
المصادر
- ↑ . أنظر: لسان العرب 1: 1204 مادة «خير»، المصباح المنير: 185، المعجم الوسيط 1: 264.
- ↑ . أصول الفقه البرديسي 50 ، أنظر: أصول السرخسي 1: 122 ـ 123، حاشية على كفاية الأصول (بحث البروجردي) 1: 322، منتقى الأصول 5: 32.
- ↑ . أنظر: إفاضة العوائد الكلبايكاني 2: 37، اصطلاحات الأصول: 102.
- ↑ . نهاية الأفكار 1 ـ 2: 366، فوائد الأصول 1: 233 و3: 432.
- ↑ . نهاية الأفكار 4: 171، 172.
- ↑ . علم أصول الفقه عبد الوهاب خلاّف: 101، الجامع لمسائل أصول الفقه: 41.
- ↑ . القوانين المحكمة 1: 282، الحاشية على كفاية الأصول 1: 370، مصباح الأصول 3: 78، دروس في علم الأصول 1: 178.
- ↑ . أنظر: علم أصول الفقه خلاف: 107، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 113 ـ 114، أصول الفقه (أبو زهرة): 45، أصول الفقه (الخضري): 67، الأصول العامة للفقه المقارن: 67 ـ 68، دروس في أصول فقه الإمامية 1: 409 ـ 410.
- ↑ . أنظر: تحريرات في الأصول مصطفى الخميني 4: 4، دروس في علم الأصول 1: 341.
- ↑ . أنظر: مصباح الأصول الخوئي 2: 353 ـ 354.
- ↑ . بحوث في علم الأصول الهاشمي 7: 393، مصباح الأصول (الخوئي) 2: 329.
- ↑ . كفاية الأصول: 445.
- ↑ . فوائد الأصول 4 : 769 ـ 770 ، بحوث في علم الأصول الهاشمي 7 : 237.
- ↑ . أنظر: الموجز في أصول الفقه: 223، زبدة الأصول الروحاني 4: 375 ـ 376.
- ↑ . كفاية الأصول: 446، أنظر: فوائد الأصول 3: 452 ـ 454، نهاية الأفكار 3: 295 ـ 296، الموجز في أصول الفقه سبحاني: 222 ـ 223، أصول الاستنباط (الحيدري): 180 ـ 181.
- ↑ . أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن: 489.
- ↑ . أنظر: نهاية الأفكار 3: 397 ـ 398، مصباح الأصول الخوئي 2: 448 ـ 449.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 448 ـ 449.
- ↑ . فوائد الأصول 3: 428 ـ 429، أنظر: أجود التقريرات 3: 374.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 454.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 448 ـ 449 و457.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 457 و 448.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 457 ـ 458.
- ↑ . أنظر: فوائد الأصول 3: 442، مصباح الأصول الخوئي 2: 327 ـ 342 وما بعدها، اصطلاحات الأصول: 50.
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 292.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 328، الأصول العامة للفقه المقارن: 523.
- ↑ . كفاية الأصول: 355.
- ↑ . فوائد الأصول 3: 443 ـ 444.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 327 ـ 328.
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 295 ـ 296، فوائد الأصول 3: 452 ـ 454.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 343.
- ↑ . نهاية الأفكار 3: 295 ـ 296.
- ↑ . مصباح الأصول الخوئي 2: 335 ـ 336، أنظر: نهاية الأفكار 3: 296 ـ 297.