الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المجمع العلمي العربي»
(أنشأ الصفحة ب'يُعتبر المجمع العلمي العربي في دمشق من أقدم المجامع اللغوية القائمة الآن في البلاد العربية م...') |
(لا فرق)
|
مراجعة ٠٣:٥٨، ١ يونيو ٢٠٢١
يُعتبر المجمع العلمي العربي في دمشق من أقدم المجامع اللغوية القائمة الآن في البلاد العربية مع مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العراقي، والمجمع العلمي الأردني، فبعد أن تولّى العرب في سوريا شؤون بلادهم عقب انتهاء حكم الأتراك، أنشأت الحكومة برئاسة فيصل الأوّل شُعبا إدارية أشبه ما تكون بالوزارات، وقد كان من بينها شعبة الترجمة والتأليف وكان ذلك في 24/02/1337، ثمّ أصبحت هذه الشعبة ديوانا للمعارف بعد أن ضمّت إليها أمور المعارف، وعهدت برئاسته إلى العالم الكبير «محمّد كرد علي» الذي عاد حينذاك من استنبول في 1 ربيع الأوّل من عام 1338، تسلّم الديوان مبنى المدرسة العادلية القديمة بعد أن قام بترميمها وإعادة الطراز العربي القديم إليها، وعقد أولى جلساته فيها في (3 من ذي القعدة 1337)، ومن قبل كان أعضاء الديوان يعقدون جلساتهم في إحدى الغرف العلوية بدار الحكومة العربية، ثم أصدر الديوان أهدافه في بيان نشره تضمن ما يلي: (1) النظر في اللغة العربية وأوضاعها العصرية، ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها، وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون من اللغات الأوربية، وتأليف ما تحتاج إليه من الكتب. (2) العناية بجمع الآثار القديمة، وخاصة العربية والمخطوطات القديمة الشرقية والمطبوعات العربية والإفرنجية، وتأسيس دار كتب عامّة. (3) جمع الآثار القديمة عربية وغير عربية، وتأسيس متحف لها. (4) إصدار مجلة للمجمع لنشر أعماله وأفكاره؛ لتكون رابطة بينه وبين دور الكتب والمجامع العلمية.
وقد كان هدف الحكومة من إنشاء هذا الديوان العناية باللغة العربية وإصلاح لغة الدواوين وتوفير المصطلحات للدوائر الحكومية التي كانت باللغة التركية من قبل، إلاّ أنّه لم يمرّ على إنشائه أكثر من عام حتّى رُزئت البلاد بالاحتلال الفرنسي، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الشعْب لم يرض أنّ يُسلّم مؤسّسته إلى المستعمر، ثمّ نهض الديوان بعد ذلك لإنجاز المهام التي أُنيطت به من قبل، واستعان بعلماء اللغة وأدبائها، فنظر أوّل ما نظر في رسالة إلى العلاّمة أحمد تيمور علوانها «الرتب والألقاب» وهي رسالة لغوية تضمّنت أسماء الرتب العسكرية والملكية والعلمية والألقاب المختلفة وما يُقابلها من العربي الفصيح، مبنية على الرتب والألقاب التي كانت جارية في مصر، وأرسل رؤساء الدواوين وكتّابها قوائم تتضمّن ما يدور في معاملاتهم إلى الديوان، فوردت إليه قوائم من دوائر المعارف والأوقاف والشرطة والمجلس البلدي والصحّة والمصرف الزراعي، فنظر فيها فأقّر ما كان عربيا سليما وبدّل بعضها، ثمّ نُشرت قوائم هذه المصطلحات في مجلّة المجمع، واستحدث دروس الإنشاء للموظّفين، وصحّح الكتب المدرسية وأنشأ المدارس وعيّن المعلّمين، ونظرا لكثرة مهامه وزيادة حركة التأليف والترجمة، قامت الحكومة بتقسيمه فرعين في 07 من شوّال سنة 1338، اختصّ الفرع الأوّل بأعمال المعارف، واختصّ الثاني بأمور اللغة العربية وتنشيط التأليف والإشراف على المكتبات والآثار، وسُمّي هذا الفرع بالمجمع العلمي، وعُهد إلى محمّد كرد علي برئاسته، فكان هذا هو ميلاد المجمع العلمي العربي بدمشق، وضمّ المجمع عند تأسيسه عددا من فحول اللغة والأدب هم: محمد كرد علي وأمين سويد وأنيس سلّوم وسعيد الكرمي ومتري قندلفت وعيسى إسكندر معلوف وعبد القادر المغربي وعز الدين علم الدين وطاهر الجزائري.
بعد أن استقل المجمع عن ديوان المعارف، وُضعت دار الكتب الظاهرية تحت إشرافه، وكانت تضم آلاف الكتب المخطوطة والمطبوعة، وتحتوي على نفائس المخطوطات، وقام المجمع بوضع نظام داخلي للدار، وسعى إلى تزويدها بالكتب الجديدة، وعمل على اجتذاب القراء إليها، ووضع فهرسا لها، وعهد المجمع إلى الشيخ طاهر الجزائري بإدارتها، ثم حسني الكسم من بعده، وبقي يشرف على الدار حتى سنة 1355، وكان المجمع يندب أحد أعضائه للإشراف على سير المكتبة. وقد كان من جملة أهداف المجمع العناية بالآثار القديمة خاصّة العربية منها، وكانت الآثار تُنقل خلال العهد العثماني إما إلى الغرب عن طريق البعثات الأثرية، أو إلى متحف إسطنبول الذي أُسّس في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وقد خُصصت لهذا المتحف الناشئ أربع غرف في المدرسة العادلية، وكانت المجموعة الأثرية المخزونة في مستودع مديرية المعارف هي النواة الأولى للمتحف، وبدأ العمل في جمع الآثار المبعثرة في المساجد والمؤسسات الرسمية؛ ونظرا لعدم وجود علماء أثريين تألفت لجنة للآثار في المجمع من بعض الأجانب وتجار الآثار، كانت تفتّش عن الآثار أو تشتريها لحساب المتحف، كما كانت تقوم بتصنيف الآثار وعرضها في الغرف المخصصة لها وفقا لموضوعها ومادتها المصنوعة منها.
وسار المجمع على هذه الخطّة حتّى سنة 1922، ثمّ عاد إلى العمل بعد ذهاب الانتداب الفرنسي، وتمّ التوحيد بينه وبين مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1960م وأصبح اسمه مجمع اللغة العربية بدمشق، ثمّ عاد كلاهما إلى كيانه المستقلّ بعد تصدّع الوحدة بين البلدين عام 1961م، وقد أنشأ المجمع مجلّة صاحبت إنشاءه صدر الجزء الأوّل منها في 21 ربيع الآخر 1339 في اثنين وثلاثين صفحة متضمنا عددا من المقالات بأقلام أعضائه، وظلت تصدر شهرية عدة سنوات، لكنها جابهت صعوبات مادية جعلتها تصدر كل شهرين بدءا من سنة 1351، ثم أخذت المجلّة تصدر فصلية ابتداء من سنة 1379. وما تزال تصدر حتى اليوم على هذا النحو؛ ونظرا لأهمّية موضوعات المجلّة وصعوبة الوصول إلى مقالاتها ذات القيمة العلمية؛ فقد قام العالم الموسوعي السوري عمر رضا كحالة بإعداد فهارس خاصّة لكل عشر سنوات من عمرها، وصدر المجلّد الأول سنة 1375 لهذا الفهرس الضخم، ويتضمن الفهرس ما صدر من المجلة في السنوات العشر الأولى، ثم توالت الأجزاء الأخرى من الفهرس. كما نشر المجمع العديد من الكتب تجاوزت مئتي كتاب منها ما قام المجمع بإحيائه مثل: رسالة الملائكة لأبي العلاء المعرّي، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي، وكتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر.
لم يحدِّد المجمع العلمي العربي قاعدة يسير عليها في وضع المصطلحات، ويُمكن استنتاج منهجه ممّا اقترحه على أحد الأدباء السوريين وهو: استعمال الألفاظ التي عرفها العرب من قبل، وذلك بالبحث عنها ونشرها. وإذا كانت ممّا اُستحدث بعد العرب الأوائل، ولم يكن في ألفاظهم ما يشبهها بأقلّ ملابسة نظر فيها، فإن وافقت الصيغ والحروف العربية اُستعملت كما هي، وإلاّ غيّر بعض حروفها أو حركاتها لتوازن العربية، ويسهل التلفّظ بها جريا على قاعدة التعريب. والملاحظ في هذا أنّ المجمع حافظ على الخطّة التي حدّدها لنفسه، وهي أن يقتصر نشاطه على نشر المصطلحات العلمية للأفراد في مجلّته من غير أن تكون معبّرة عن رأيه، فلم يُعرف عنه أنّه أنشأ لجانا لوضع المصطلحات.