الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مقدمات الحكمة»
Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''مقدّمات الحكمة:''' اصطلاحٌ أصوليٌ يراد بها الشرایط التي يجب وجودها حين جريان [[أصالة الإطلاق]...') |
(لا فرق)
|
مراجعة ١٥:٠٧، ٢٥ أبريل ٢٠٢١
مقدّمات الحكمة: اصطلاحٌ أصوليٌ يراد بها الشرایط التي يجب وجودها حين جريان أصالة الإطلاق، فليس لنا التمسک بأصالة الإطلاق إلا إذا کانت هذه المقدمات متوفرة. مثل أن يکون المتکلم في مقام البيان وإنتفاء القرينة علی خلاف الإطلاق و ...، والآن نقدّم هذه المقدمات للقارئ الکريم تفصيلاً.
مقدّمات الحكمة
إذا كانت هناك قرينة خاصّة على إرادة الإطلاق أو التقييد فلابدّ من الأخذ بها، وإلاّ فالوسيلة الوحيدة لإثبات الإطلاق القرينة العامة المعبر عنها بـ «مقدّمات الحكمة»[١]، حتّى في مثل اسم الجنس ونحوه بناءً على وضعه للطبيعة المهملة.[٢] وقد تسمّى هذه القرينة العامة بـ «قرينة الحكمة» أيضا. [٣]
وهذا الاصطلاح لم يكن متداولاً إلى أوائل القرن الثالث عشر الهجري حيث بادر المحقّق الخراساني[٤] إلى استعماله، وتبعه فيه سائر من تأخر عنه من علماء الإمامية، خلافا لعلماء الجمهور الذين لم يستعملوه في كلماتهم ولم يتعرّضوا له في أبحاثهم، وإن أشاروا إلى بعض مقدّماته كالقرينة الصارفة التي هي من مقدّمات الحكمة. [٥]
وأيّا مّا كان فقد اختلف المتأخّرون من أصوليي الإمامية في تحديد هذه المقدّمات وإن لم يتفقوا على مقدمية ولو مقدّمة واحدة منها، كما سيتّضح ذلك من خلال استعراضنا لكلّ واحدة منها على حدّة، وذلك كما يلي:
المقدّمة الاُولى
أن يكون المتكلّم في مقام بيان تمام ما يريده لا في مقام الإجمال أو الإهمال[٦]، فيُتمسّك بالإطلاق في الجهة التي هو في مقام بيانها، وتترك الجهة التي لم يكن في مقام بيانها حتّى ولو كانتا في كلام واحد، كما في قوله تعالى: «فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ»[٧]، فإنّه وإن كان مطلقا من جهة حلية أكل الصيد، لكون المقام مقام بيانها، إلاّ أنّه من جهة طهارة موضع الإمساك بأسنانها، لم يكن في مقام بيانها، فلايحكم بطهارتها لمجرّد السكوت عنها. [٨]
هذا هو المشهور في المقدّمة الاُولى، وخالف في ذلك الشيخ عبدالكريم الحائري مدعيا عدم الحاجة إلى مقام البيان؛ لإمكان استفادة الإطلاق من ظهور الكلام مباشرة عند تجرّده من أي قيد أو شرط، فإنّ من قال: جئني برجل، كان كلامه ظاهرا في إرادة طبيعة الرجل، فتسري إرادته إلى سائر أفرادها، وهذا هو معنى الإطلاق فلا حاجة إلى مقام البيان لنفي الإجمال أو الإهمال عن الكلام. [٩]
واُورد عليه: بأنّ هذا الظهور لو لم يكن مستفادا من اللغة، فلابدّ أن يكون مستفادا من كون المتكلّم في مقام البيان، ويعود في حقيقته إلى حكم العرف، وأنّ ما جعل موضوعا لحكم يكون مطلوبا بما هو كذلك لدى المتكلّم، ولايكون كذلك إلاّ إذا كان المتكلّم في مقام البيان. [١٠]
ثُمّ إنّه لكي يكون المتكلّم في مقام البيان لابدّ أن يكون متمكنا من البيان، فلا إطلاق مع عدم التمكّن منه؛ لوضوح أنّ مراده لو كان مقيدا لما تمكن من بيانه وإظهاره، فلا دلالة فيه على الاطلاق. [١١]
التمسّك بالإطلاق بعد المقيد المنفصل
قد يظهر من كلام الشيخ الأنصاري عدم جواز التمسّك بالإطلاق لنفي سائر القيود عند الظفر بمقيّد منفصل، لكشفه حينئذٍ عن عدم كون المتكلّم في مقام بيان تمام ما له دخل في المراد. [١٢]
واُورد عليه: بأنّه مخالف لـ السيرة العقلائية في التمسّك بالإطلاق في الحالة المذكورة، مع أنّ المقصود من البيان هنا البيان الظاهري الذي يكون الغرض منه وضع قانون تنتفي بواسطته القيود المحتملة عند الشكّ في وجودها، وليس الهدف منه البيان الواقعي الجدي حتّى يكون القيد المنفصل كاشفا عن عدم كون المتكلّم في مقام البيان. [١٣]
حكم الشكّ في كون المتكلّم في مقام البيان
بناءً على المشهور من لزوم المقدّمة المذكورة لو شككنا في كون المتكلّم في مقام البيان، فقد ذهب الأكثر إلى اعتباره في هذا المقام؛ لقيام السيرة العقلائية والمحاورات العرفية على التمسّك بالإطلاق. [١٤]
لكن هناك من فصّل بين ما إذا كان الشكّ في كون المتكلّم في مقام بيان تشريع الأحكام، كما في قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»[١٥]، فإنّه يجوز حينئذٍ التمسّك بأصالة الإطلاق واعتبار المتكلّم في مقام البيان لنفي القيود المحتملة في الكلام، وبين ما إذا كان الشكّ من جهة سعة الإرادة وضيقها، كما لو علمنا أنّه في مقام بيان جهة وشككنا في كونه في مقام بيان جهة أخرى، كما في قوله تعالى: «فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ»[١٦]، حيث نعلم أنّه تعالى في مقام بيان حلية أكل الصيد وعدم حاجته إلى ذبح حتّى ولو كان الإمساك من غير موضع الذبح، لكنّنا شككنا في كونه في مقام بيان جهة أخرى، وهي طهارة محلّ الإمساك أو نجاسته، فإنّه في مثل هذه الحالة لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لنفي هذه الجهة؛ لعدم قيام السيرة على حمل كلام المتكلّم على أنّه في مقام بيانها[١٧]؛ لأنّ العقلاء إنّما يتمسّكون بأصالة الإطلاق لإخراج الكلام عن اللغوية، أمّا بعد انتفائها عن طريق التمسّك بأصالة الإطلاق لإثبات الحلّية فلن يبقى بعد ذلك مبرر للتمسّك به في الجهة الاُخرى المشكوكة، بل نحتاج لإثبات الإطلاق فيها إلى دليل. [١٨]
المقدّمة الثانية
هي عدم وجود قرينة متّصلة أو منفصلة لتعيين المراد؛ لأنّ المتّصلة تمنع من ظهور الكلام في الإطلاق، والمنفصلة تكشف عن عدم مطابقة الإرادة الاستعمالية في الإطلاق لـ الإرادة الجدية في التقييد[١٩]، فلو أطلق المتكلّم كلامه وكان في مقام البيان، ولم يأت بقرينة متّصلة أو منفصلة على خلافه انعقد لهذا الكلام ظهور في الإطلاق؛ لقيام السيرة العقلائية القطعية عليه. [٢٠] إلاّ أنّ هناك من رفض اعتبار عدم القرينة من مقدّمات الحكمة؛ لأنّها إنّما تحقّق موضوع الإطلاق وهو الشكّ في المراد؛ إذ مع وجود القرينة يتعيّن المراد ولا يبقى مجال للشكّ ليتمسّك بـ أصالة الإطلاق[٢١]، فهو ليس ككون المتكلّم في مقام البيان الذي لا يؤثر وجوده أو عدمه في الشكّ في المراد، فإنّ المتكلّم سواء كان في مقام البيان أو لم يكن يبقى الشكّ في المراد الذي هو موضوع لأصالة الإطلاق.
المقدّمة الثالثة
هي عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب وقد تبنى هذه المقدّمة المحقّق الخراساني[٢٢] وتبعه فيها المحقّق العراقي[٢٣]، حيث أكدا على أنّ اليقين بشمول المطلق لفرد من أفراده في مقام التخاطب يمنع من شموله لبقية أفراده، كما لو سأل الراوي عن حكم وقوع نجاسة في بئر معينة، فأجابه الإمام عليهالسلام: بأنّ: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء...» [٢٤]؛ فإنّ المستفاد من مقام التخاطب أنّ البئر التي سأل الراوي عن حكمها متيقنة الشمول للنصّ المذكور، وأمّا الآبار الأخرى فهي مشكوكة الشمول ولا تكون داخلة في إطلاق هذا النصّ؛ لمانعية القدر المتيقن المستفاد من مقام التخاطب عن الشمول.
نعم، لا يمنع من التمسّك بالإطلاق ـ بناءً على هذه النظرية ـ وجود قدر متيقن خارجي؛ إذ لا يخلو مطلق منه، كما لو أمر المولى بإكرام العالم فإنّ القدر المتيقن منه العالم الهاشمي الورع التقي.
ومن هذا القبيل أيضا قوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ»، فإنّ القدر المتيقن منه إيقاعه بصيغة عربية ماضوية؛ لعدم احتمال خروجه عن النصّ المذكور[٢٥]؛ فإنّ هذا القدر المتيقن لا يمنع من التمسّك بالإطلاق في الموارد المشكوكة.
لكنّ المشهور عدم مانعية القدر المتيقن من انعقاد الإطلاق حتّى فيما كان منه في مقام التخاطب[٢٦]؛ لعدم زوال ظهور المطلق في إطلاقه وشموله لسائر أفراده؛ فإنّ من سأل عن حكم مجالسة زيد الفاسق مثلاً، فاُجيب بعدم جواز مجالسة الفاسق، لم يفهم منه انحصار عدم جواز المجالسة بزيد، لمجرّد كونه قدرا متيقنا في مقام التخاطب. [٢٧]
نعم، لو أدّى القدر المتيقن إلى انصراف المطلق عن سائر الأفراد واختصاصه بالمتيقن منها لم يصحّ التمسّك حينئذٍ بالإطلاق؛ لكونه حينئذٍ بمثابة القرينة المعينة للمراد[٢٨]، وذلك يرجع إلى المقدّمة الثانية من مقدّمات الإطلاق المتقدّمة، فلا يكون عدم وجود القدر المتيقن حينئذٍ مقدمة برأسه، بل تابعا لتلك المقدّمة. [٢٩]
وممّا تقدم من مناقشات في مقدّمية بعض المقدّمات يتّضح السبب في عدم الاتفاق على عددها حتّى ذهب بعضهم إلى أنّها مقدّمة واحدة، كـ الشيخ عبدالكريم الحائري و الإمام الخميني وإن اختلفا في تعيينها، فذهب الأوّل إلى أنّها عدم القرينة على المراد[٣٠]، وذهب الثاني أنّها كون المتكلّم في مقام البيان. [٣١]
تأثير الانصراف في تحقّق الإطلاق
المشهور أنّ انصراف اللفظ إلى بعض مصاديقه يمنع من التمسّك بالإطلاق كما في المسح في آيتي التيمم والوضوء المنصرفتين إلى المسح بباطن اليد[٣٢]. إذا كان ناشئا من ظهور لفظي بسبب كثرة الاستعمال أو شيوع إرادة المعنى منه أو وجود مناسبات عرفية توجب صرف اللفظ إليه وتقييده به[٣٣]؛ لأنّه يكون حينئذٍ بمثابة القرينة[٣٤]، أو المقيّد المانع من انعقاده[٣٥]، وهو يرجع حينئذٍ إلى المقدّمة الثانية من مقدّمات الإطلاق، وهي عدم وجود قرينة معيّنة للمراد. [٣٦]
وأمّا إذا كان ناشئا من غلبة الوجود الخارجي، كما في ماء دجلة والفرات اللذين ينصرف إليهما لفظ الماء بمجرّد سماع أهل العراق له، فإنّه لا يحول دون التمسّك بالإطلاق، إذ لا يتعدّى كونه انصرافا بدويا سرعان ما يتبدّد بمراجعة المرتكزات اللغوية. [٣٧]
المصادر
- ↑ محاضرات في أصول الفقه 5: 364.
- ↑ منتقى الأصول 3: 427.
- ↑ كفاية الأصول: 249.
- ↑ كفاية الأصول: 71، 106، 249، حاشية كتاب المكاسب: 87.
- ↑ أنظر: حواشي الشرواني 8: 91، حيث قال: «فيحمل اللفظ عند الإطلاق على ما دلّت عليه القرينة». أنظر: بدائع الصنائع 4: 288، 408، كشاف القناع 3: 174.
- ↑ كفاية الأصول: 247، فوائد الأصول 1 ـ 2: 573، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567 ، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 238، أنظر: هداية المسترشدين 2 : 552.
- ↑ المائدة: 4.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 239، محاضرات في أصول الفقه 5: 366 ـ 367.
- ↑ درر الفوائد 1 ـ 2: 234.
- ↑ مناهج الوصول 2: 326.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 121، محاضرات في أصول الفقه 5 : 366.
- ↑ مطارح الأنظار 2: 256 ـ 257.
- ↑ كفاية الأصول: 248، تهذيب الأصول الخميني 1: 534 ـ 535.
- ↑ كفاية الأصول: 248، فوائد الأصول 1 ـ 2: 574، الحاشية على كفاية الأصول 1: 597 ـ 598، نهاية الأصول 1 ـ 2: 385 ـ 386، تحريرات في الأصول 5: 436.
- ↑ البقرة: 275.
- ↑ المائدة: 4.
- ↑ محاضرات في أصول الفقه 5: 366 ـ 367.
- ↑ اجود التقريرات 2: 430 ـ 431، محاضرات في أصول الفقه 5: 368 ـ 369.
- ↑ كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567، وأنظر: حواشي الشرواني 8: 91، كشاف القناع 3: 174.
- ↑ محاضرات في أصول الفقه 5: 369 ـ 370.
- ↑ أنظر: تهذيب الأصول الخميني 2: 533، مناهج الوصول 2: 326 ـ 327.
- ↑ كفاية الأصول: 247، وانظر: أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 240.
- ↑ نهاية الأفكار 1 ـ 2: 567، 574.
- ↑ وسائل الشيعة 1: 141 كتاب الطهارة، باب 3 من أبواب الماء المطلق ح12.
- ↑ كفاية الأصول: 247، نهاية الأفكار 1 ـ 2: 574 ـ 575.
- ↑ فوائد الأصول 1 ـ 2: 575، درر الفوائد الحائري 1 ـ 2: 235، مناهج الوصول 2: 327 ـ 328، محاضرات في أصول الفقه 5: 370.
- ↑ محاضرات في أصول الفقه 5: 371 ـ 372.
- ↑ محاضرات في أصول الفقه 5: 372.
- ↑ منتهى الدراية 3: 717.
- ↑ درر الفوائد 1 ـ 2: 234.
- ↑ مناهج الوصول 2: 325 ـ 327.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 242.
- ↑ بحوث في علم الأصول الهاشمي 3: 432.
- ↑ كفاية الأصول: 249.
- ↑ أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 243.
- ↑ مناهج الوصول 2: 326.
- ↑ أجود التقريرات 2: 435، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2: 243.