الفرق بين المراجعتين لصفحة: «عبد العزيز الثعالبي»

من ویکي‌وحدت
(عبد_العزيز_الثعالبي ایجاد شد)
(لا فرق)

مراجعة ٠٠:٢٧، ١٢ نوفمبر ٢٠٢٠

الاسم عبد العزيز الثعالبي‏
الاسم الکامل عبد العزيز الثعالبي‏
تاريخ الولادة 1292 ه / 1875 م
محل الولادة تونس
تاريخ الوفاة 1363 هـ / 1944 م
المهنة سياسي،  وصحفي
الأساتید
الآثار تاريخ شمال أفريقيا.

فلسفة التشريع الإسلامي. تاريخ التشريع الإسلامي. مذكراته. في خمسة أجزاء. معجزات محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نُشر منهما جزءان فقط. محاضراته في جامعة آل البيت ببغداد. وقد نشرت في الصحف البغدادية. تونس الشهيدة. طبعة في باريس باللغة الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى، فاتهمه الفرنسيون بالتآمر على أمن الدولة الفرنسية، واعتقلوه ثم نقلوه إلى السجن في تونس، ومكث فيه تسعة أشهر ثم أخلوا سبيله عام 1920. الكلمة الحاسمة، وهو كتيب كان من آخر ما كتبه مبينا فيه أسباب الفشل لمحاولة التوحيد بين الحزبين عام 1937. خلفيات المؤتمر الإسلامي بالقدس

المذهب

عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمان الثعالبي: زعيم ومصلح تونسي جزائري الأصل، من الكتّاب الخطباء.
ولد في تونس سنة 1873 م في أُسرة عريقة في الفضل، ثمّ تعلّم بمدرسة باب سويقة الابتدائية، وانتقل إلى جامع الزيتونة فنال شهادته النهائية، وخرج إلى الحياة لينضمّ إلى حزب «تونس الفتاة» أوّل حزب تحريري قام في تونس لمكافحة الاستعمار، وقد أنشأ عدّة صحف وطنية تُقاوِم المحتلّ الغاصب، منها «سبيل الرشاد»، وقد صُودرت واحدةً بعد
الأُخرى، وضُيّق عليه في الاستمتاع بحرّيته، حين ألّف الحزب الوطني منادياً بتحرير العالم العربي كلّه، وإقامة الوحدة بين أقطاره، ثمّ عزم على السفر إلى الخارج لينشر دعوته تلك في ربوع العالم الإسلامي، ففهم الفرنسيّون قصده، وحالوا دون سفره حتّى استطاع أن يخرج مستخفياً، ويبدأ رحلاته المتتابعة.
وقد رأى الثعالبي أنّ تونس أضيق من أن تتّسع لآماله، وصمّم على الرحلة إلى شتّى الأماكن، فزار ليبيا ومصر والجزائر والمغرب الأقصى، وعقد صداقات قوية مع زعماء الفكر في هذه البلاد، ولا شكّ أنّ المخلصين من هؤلاء قد رحّبوا بمبادئه الممتازة، ولكنّهم أشفقوا على الأمل الطامح الممتدّ أن يعوق اتّساعه الفسيح دون تحقيق المأرب المتواضع، وهو استقلال كلّ قطر عربي وخلاصه من الاستعمار قبل أن يهتف بالوحدة الجامعة.
وقد جال الثعالبي جولته الأُولى، وزار عاصمة الخلافة؛ ليبلّغ المسؤولين أنّه يدعو إلى الوحدة العربية في نطاق الخلافة الإسلامية، وهي دعوةٌ لم تصادف هوى لدى القوم، ولكنّه جاهر بها، وكأنّهم رأوها خيالًا لا ينهض على ساقين، فتركوه يقول ما يشاء! ثمّ رأى أن يرجع إلى تونس ليُصدر صحيفته الوطنية شارحاً ما شاهده في رحلاته خارج البلاد وداعياً إلى إذكاء الحمية في النفوس على نحو يأبى صغار الاستعمار، وهُنا رأت الحكومة الفرنسية في باريس أنّها أمام خصم عنيد، فأوحت إلى عملائها في تونس أن يُسارعوا بإرهاب الزعيم المتحمّس، وقد أُلصقت به تُهمٌ لم تُحكم حبالها على وجه يُقنع قضاة الفرنسيّين أنفسهم، وأحدث اعتقاله ضجّة عامّة في أرجاء تونس، وخافت سلطة الاحتلال أن يمتدّ الغضب من أجله بحيث يصعب تلافيه، فأطلقته وأوقفت جريدته السياسية.
وكانت نعمة من اللَّه لمثله؛ إذ منحته الهدوء ليؤلّف كتاباً سمّاه «روح القرآن»، كتبه بالعربية، ونقله إلى الفرنسية، وكان الهدف من ترجمته إلى لغة المحتلّ أن يُقنع الفرنسيّين في أوروبّا أنّ الإسلام دين حضاري، وأنّه بري‏ء من افتراءات خصومه التي تُذاع في أوروبّا على نحو واسع، وكان للكتاب صداه، فدفعه نجاحه العلمي إلى أن يُصدر صحيفة باللغة الفرنسية تنطق بآمال التونسيّين خاصّة، والمسلمين عامّة، وتحمّل في نفقات ذيوعها ما
أرهقه وأثقل ديونه، ولكنّه كان يرى ذلك ضريبةً مفروضة على كلّ مكافح!
لقد ساءه أن تحتلّ إيطاليا ليبيا سنة 1911 م، فعمل على جمع المعونات المالية، ونادى بضرورة الإسهام في القتال الدائر بطرابلس، وكأنّما رأى المستعمر الفرنسي أنّ هذا النشاط لا يحمل بغض المستعمر الإيطالي وحده في ليبيا، بل يدعو إلى الثورة داخل البلاد، فحاول إغراء الثعالبي بمنصب كبير في بلده، ولكنّه رفض العرض هازئاً، فقبض عليه الفرنسيّون، وطردوه من البلاد، وكان ذلك عودةً لنشاطه المعهود في الأُمم المجاورة في الشرق والدول المستعمرة في الغرب.
ثمّ أُعلنت الحرب العالمية الأُولى، فكان دمار أوروبّا الشامل بكوارثها أقوى دليل في يد الثعالبي على فساد الحضارة الأوروبّية، وكأنّ هذه المجزرة البشرية المريعة قد أمدّته بأقوى البراهين التي لا تُنقض؛ إذ جعلت من كانوا يتزعّمون قيادة الشعوب في ركب المدنية وحوشاً بين أدغالٍ! وهنا ركن المفكّر الحكيم إلى قلمه ليشرح مصائب الشرق والغرب معاً:
مصائب الشرق في التفرّق والجمود، ومصائب الغرب في العدوان والانتهاب!
يقول الدكتور محمّد رجب البيّومي: «وإذا كنتُ أُعنى دائماً بعرض أفكار من أتحدّث عنه، فإنّي أجد فيما كتبه الثعالبي في هذا المجال نِدّاً عظيماً لأمثال جمال الدين الأفغاني ومحمّد عبده وعبد الرحمان الكواكبي؛ لأنّ هؤلاء المخلصين قد عرفوا مكامن الضعف في تخلّف الشرق، ودواعي الابتزاز في تسلّط الغرب، ووضعوا الأدوية الشافية لعلل الشرق المستعصية، وقد اتّفقت أفكارهم اتّفاق آمالهم الطامحة وهمومهم المشتركة، وليس اتّفاق النقل والاحتذاء، فلكلّ منهم خاطره المستقلّ ونظره السديد... وبعض المجاهدين لا يتعمّقون في أحاديثهم الوطنية، بل يكتفون بالتعبير عن مشاعر الجماهير، فالسامع يُعجب بهم عاطفياً؛ لأنّهم يعبّرون عن مشاعره، فإن زادوا شيئاً فممّا يسهل تصوّره للنظرة الأُولى، ولكن الثعالبي ليس من هذا الطراز، فالرجل بحّاثة مشغوف بدراسات مختلفة من تاريخية وسياسية واجتماعية وتشريعية، وقد ظهر أثرها في نظراته التوجيهية، فهو في أكثر أحاديثه أُستاذ دقيق النظرة واسع المدى، وقد اقتنع اقتناعاً تامّاً بما
يهتف به، فزاد هذا الاعتقاد أحاديثه توهّجاً وبريقاً.
ولعلّ أهمّ ما شغل ذهنه من الموضوعات السياسية ما بالشرق من مرض قعد به عن النهوض، وكلّ سياسي مجاهد من زعماء الإصلاح قد أطال النظر في هذا المرض مُعلّلًا مستطبّاً، ولكن قلّ منهم من اهتدى إلى ما اهتدى إليه الثعالبي حين قرّر أنّ هذا الضعف قد تسلّل من عصور ماضية، وكلّ عصر يزداد عن سابقه فتوراً وجموداً، وعلّة العلل في ذلك هي جهل المسلم بثقافة دينه السياسية، فكلّ ناشئ يعرف الكثير من أحكام العبادات والمعاملات، ولكنّه لا يعرف شيئاً عن مركز الحاكم في الإسلام، ومتى يكون أمره مطاعاً، ومن الذين ينتخبونه، وما الظروف والأسباب لعزله وتنحيته، وتلك أُمور هامّة لو فُهمت على وجهها الصحيح ما استطاع المغتصبون للسلطة أن يظهروا بمظهر الشرعيّين الملتزمين.
هذا إلى ما جوّزه المأجورون من الفقهاء حين أباحوا إمامة المغتصب الذي يتولّى الأمر بالرهبة والعدوان، فوُجِدت الحكومات الظالمة، وتسلّطت على الرقاب، وهي دخيلة زائفة، فكان تسلّطها سبباً لاختلال الأمن؛ إذ جمعت حولها الوصوليّين والهتّافين، ممّن يؤيّدون كلّ حاكم ليبتزّوا الجاه والمنصب من لدنه».
يقول الأُستاذ الثعالبي ببعض التصرّف: «ليس الدين قوّة مسلّحة، تُرهن الناس وتستدعي الخلاف، ولكنّه دين عقل وعمل وتسامح، وقد وُجِد ضالّون مضلّلون في كلّ عصر يتنكّبون مصادر العلل ومناشئ الأدواء، ويتهجّمون على الدين إذ يطعنونه في الصميم، ثمّ يلحقون به ما أصابهم من جمود وانحطاط، مع أنّ الدين في نشأته الأُولى قد قلب نظام العالم وأوجد إخاءً بشريّاً رحيماً وارف الظلال، ودينٌ كهذا لا يُعقل أن يكون مصدر انحطاط، ولكنّ الانحطاط جاء من إهمال تعاليمه.
كما أنّ فقد الرقابة على المؤلّفات العلمية والكتب المدرسية قد أوجد في هذه الكتب دسائس وأراجيف دُسَّت على الإسلام، فكانت كالسوس الذي يأكل اللحم وينخر العظم، وليس من وسيلة لتنبيه الناس غير مؤتمر جامع للمسلمين ينظر في شؤونهم العامّة». ويقول الأُستاذ عبد العزيز الثعالبي: إنّه دعا إلى ذلك منذ ثلاثين عاماً في جريدة «المؤيّد»، ولم‏
يستمع إليه أحد!
وحين رأى الثعالبي محاولة بعض المثقّفين الارتماء في أحضان الثقافة الغربية دون رجوع إلى أُصولنا الراسخة في مقرّراتنا الدينية التي لا خلاف عليها، استمع إلى ما يقال، ثمّ كتب عدّة مقالات تُبيّن الوجهة الصحيحة للرقي الحضاري، ومحو آثار التخلّف الإسلامي مُقارناً بالسبق الأوربّي، ولم تنقصه قوّة الحجّة حين أكّد أنّ المسلمين لا ينقصهم العلم بحياة الأُمم، ولا الإحاطة بأسباب ترقّيها، خصوصاً بعدما اشتهرت في العالم الإسلامي قواعد علمي الاجتماع والنفس، ودُوّنت أحداث الانقلابات الأوروبّية المعاصرة، وإنّما ينقصهم أن يعرفوا قابلية الأُمم واستعدادها لتلقّي ما يتناسب مع حالاتها وأوضاعها. فليس من الحكمة أن نترسّم في معالجة أدواء الأُمم الإسلامية اليوم كلّ الخطط التي جرت عليها أوروبّا في نهضتها؛ لأنّ ظروفنا غير ظروفها، والموانع التي تعوقنا غير الموانع التي تعترض تقدّمها، فقد كانت النهضة الأوروبّية التي بدأت في القرن الخامس عشر تسير في منهجها، وليس عليها رقيب من الأُمم التي تنافسها، ولم تطوّق بشرائع ظالمة يُمليها عليها أعداؤها وخصومها، كما هو حاصل في البلاد الإسلامية اليوم، وكانت أُمم أوروبّا سليمةً من كلّ تدخّل أجنبي، ومن دعايات ذيول المستعمرين، وهي أنكى فتكاً في نفوس الشبيبة من دعايات المستعمرين أنفسهم، وهذا هو السرّ في إخفاق النهضات الإصلاحية في البلاد الإسلامية؛ لأنّ محاولة احتذاء الغرب في كلّ وسائل نهضته لا تأتي هنا بالثمرة المرجوّة.
وهذا الكلام يؤكّده الثعالبي قبل أن تنقشع غيوم الاستعمار السياسي عن دول الإسلام، فهو يرى الخطر الجاثم في كلّ قطر إسلامي هادفاً إلى عرقلة حركات الإصلاح ذات المنزع الإسلامي... وقد هتف الثعالبي بآرائه حين كان ركب متواصل السير في الصحف العربية يدعو إلى احتذاء كلّ شي‏ء أوروبّي، ويقول: إنّ الحضارة الغربية هي العلاج بخيرها وشرّها، وأعجب شي‏ء أن يعترف القائلون بوجود الشرّ في حضارة أوروبّا، ثمّ تدعو أقلامهم إلى احتذائه، فأيّ شطط يفوق هذا الشطط!
وإذا كان عبد الرحمان الكواكبي قد عقد مؤتمراً خيالياً في أُمّ القرى يجمع الشعوب‏
الإسلامية ويتحدّث ممثّل كلّ دولة عن همومها الموغلة في التعقيد، فإنّ الثعالبي نادى بسرعةٍ بقيام هذا المؤتمر الإسلامي عملياً لا خيالياً، فأعلن أنّ الإصلاح لا يتمّ بمقالات متفرّقة تُنشر في الصحف، فلا يقرؤها غير نفر قليل من قطر واحد وهو الذي تذيع فيه الجريدة، إنّما الإصلاح بدعوة ممثّلين مستنيرين من كلّ بلد إسلامي إلى مؤتمر عامّ، واقترح أن يكون المؤتمر في بلد محايد كسويسرا أو النرويج؛ ليأمن شرّ الهيمنة الاستعمارية ومحاولة توجيهه وجهة مخطئة إذ ذاك، وإنّما اختار قطراً أوروبّياً لا شرقياً؛ لما يتبع ذلك من انجذاب مراسلي الصحف وشركات الأنباء إليه، فتكون الدعاية العالمية له وسيلةً من وسائل النجاح، على أن يُحدِّد المؤتمر في ختام موعد انعقاده المؤتمر التالي ومكانه في مدى لا يقلّ عن عامين؛ ليرى المؤتمرون ما تمّ في هذه المدّة من تنفيذ لقرارات المؤتمر الأوّل.
هذه الدعوة الملحّة إلى عقد مؤتمر إسلامي لم تجد التنفيذ الذي رسم الثعالبي خطوطه بإحكام، بل عُقدت مؤتمراتٌ أُخرى، لا لتبحث مشكلات العالم الإسلامي بعامّة، بل لينحصر البحث في جزئيّة خاصّة، كقضية الخلافة وغيرها، ولم تأتِ هذه المؤتمرات بنتيجة حاسمة، بل كانت مصدراً من مصادر الخلاف، وهذا ما تخوّف منه الثعالبي حين دعا إلى عقد المؤتمر في دولة أوروبّية محايدة، وإلى أن يكون المؤتمرون مستقلّي النظر بعيدين عن تمثيل حكوماتهم الرسمية؛ لأنّ المبعوث الموفد من جهة رسمية إنّما جاء لينطق بلسانها الخاصّ دون نظر إلى الصالح العامّ.
وقد أكّد الثعالبي أنّ من الخير أن تكون أعمال المؤتمر تحت سمع أوروبّا وبصرها؛ لتعرف قوّة الأُمم الإسلامية مجتمعة، ثمّ لا تستطيع دولة استعمارية أن تحرّف القرارات أو تفسّرها وفق ما تشاء، وإذا تمّ ذلك فإنّ خطوات العلاج لكافّة أدواء المسلمين ستبدأ السير في الطريق الصحيح؛ إذ تُكشف الموانع وتُحدّد الوسائل وتتّضح الغايات.
وقد تنبّأ الثعالبي بعد الحرب العالمية الأُولى بانهيار المدنية الأوروبّية؛ لأنّها لا ترعى العدالة، ولا تنظر إلى العالم بالمقياس الخلقي، فالأُمم التي انتصرت في الحرب قد انقلبت‏
على حلفائها في الشرق بعد أن وعدتهم الوعود ومدّت لهم في الأماني، وقد اتّخذت من الحديد والنار سلاحاً في قهر الأُمم المغلوبة على أمرها، كما أنّ الدول المنهزمة في أوروبّا شعرت بالحقد والحسد، فعزمت على أن تثأر لنفسها، ولن يكون ذلك دون حرب جديدة تأتي على الأخضر واليابس... هذا ما تنبّأ به الثعالبي عقب انتهاء الحرب العالمية الأُولى وتقسيم الدول بين المنتصرين تقسيم الأسلاب والغنائم. وقد نادى به حين كانت الجرائد اليومية في الشرق تتمدّح بارتقاء الحضارة الأوروبّية، وتراها أعظم نموذج يُحتذى، وقد اندفع هؤلاء يصمُون الثعالبي ومن تبعه في دربه المستقيم بالرجعية وقصر النظر، ناسين أنّ من مفكّري أوروبّا أنفسهم من نعى الحضارة الأوروبّية، وجعلها كالنار تأكل بعضها حتّى لا تبقي غير الرماد! وقد تُرجم ما قاله هؤلاء المفكّرون، وتبنّاه فريق من الفضلاء، غير أنّه لم يُعجب الهائمين بمدنية الغرب، لا لأنّهم يجهلون نقائصها الواضحة، بل لأنّهم مرتزقة منتفعون.
لقد تنقّل الثعالبي في ربوع الإسلام، فزار الهند وأندنوسيا والحجاز ونجد واليمن والعراق ومصر... زار الثعالبي فلسطين في حقبتين متواليتين، فصلت بينهما زيارته للعراق، وإلماماتٌ متفرّقة بمصر والهند والحجاز... ففي الحقبة الأُولى كان الانتداب الإنجليزي يمهّد لقيام دولة إسرائيل استجابة لوعد بلفور، وكان المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الحاجّ أمين الحسيني يستقطب كلّ مفكّر إسلامي؛ ليعاون بفكره وتدبيره في مطاردة الباغين، فما إن حضر الثعالبي إلى القدس، حتّى كان المستشار الأوّل للحاجّ محمّد أمين الحسيني، وقد ألقى محاضرات دينية وسياسية بين الشبيبة الفلسطينية تدعو إلى التحرّر القومي والعزّة الإسلامية، وتُصوّر الواقع السياسي كما هو حفزاً للهمم، وقد كان الأُستاذ عجّاج نويهض من أقرب خلصائه؛ نظراً لاتّصاله الدائم بالحاجّ أمين، فعرف أيّ مجاهد هو، وتحدّث عن تأثير خطابته الحماسية ومقالاته السياسية.
وقد استطاع الثعالبي أن يلفت الأنظار إلى تاريخ المغرب العربي في الحديث والقديم، فألقى عدّة محاضرات عن الفتح الإسلامي للمغرب بمعناه العامّ، وتحدّث عن أبطال‏
الفاتحين منذ عقبة بن نافع إلى أن أتمّ اللَّه نوره في هذه البلاد، وهو في كلّ حديث يمزج روائع الماضي بأحلام الحاضر وأمانيه، وقد وصفته الصحف حينئذٍ بأنّه ابن خلدون الجديد.
أمّا الزيارة الثانية فكانت سنة 1931 م حين انعقد مؤتمر إسلامي خاصّ بمأساة فلسطين، وقد شهده زعماء الإسلام في العالم كلّه، وقد هبّت على المؤتمر زعازع تعصف بمهمّته الأُولى؛ إذ اعتبرته بعض الدول مناهضاً لسياستها، وقد طار الحاجّ أمين إلى مصر ليبدّد هذا الوهم، وكان ترتيب المؤتمر من بدئه إلى نهايته وفق اقتراحات عبد العزيز الثعالبي، وطبيعيٌّ أن تحيطه المكايد الصهيونية بدواهيها الشرّيرة، وقد أخذ الثعالبي على عاتقه أن يفضح هذه المكايد، وكانت صلاته الشخصية بزعماء العالم الإسلامي ممّا جعلته موضع الثقة فيما يُبديه من ملاحظات، وقد اعترفت بذلك اللجنة التنفيذية للمؤتمر، ومن أعضائها: أمين الحسيني، وشكري القوتلي، ورياض الصلح، ومحمّد علي علّوبة، ومحمّد رشيد رضا، وغيرهم من كبار المجتمعين.
أمّا زيارة الثعالبي للعراق فكانت مصدر عطاء ثقافي ممتدّ؛ لأنّ الملك فيصل الأوّل كان على صلة به قبل أن يعتلي عرش العراق، وقد رأى فيه نصيراً قوياً لليقظة العربية والصحوة الإسلامية، فأرسل يستدعيه سنة 1925 م من الهند ليكون أُستاذاً بأحد المعاهد العالية ببغداد من الوجهة الرسمية، وليمدّ الأندية العلمية بنشاطه المتّصل، فتكون محاضراته مبعث يقظة فكرية تُنتظر من مثله.
وسرعان ما لبّى الثعالبي الدعوة، واتّجه إلى بغداد مارّاً بإمارات الخليج؛ إذ كان من همّه أن يزور كلّ إمارة (محميّة) ليعلم ما هي عليه من الوعي السياسي والتطلّع الحضاري، وفي القوم من يعرف مكانه القيادي، فكانوا يستقبلونه استقبال العالم المجاهد المصلح، حتّى قضى أرباً من حاجته المتطلّعة، فاتّجه إلى بغداد، وكان القوم على علم بمقدمه، فأعدّوا حفلة رائعة لاستقباله، وأُقيمت بدار سينما رويال أكرم حفلة استقبال حضرها الوزراء والأعيان والكتّاب، وفي مقدّمة المحتفلين شاعرا العراق الكبيران جميل صدقي الزهّاوي‏
ومعروف الرصافي، وقد جلجلت قصيدة الرصافي في المحفل؛ إذ تحدّث عن الصلات الحميمة بين بغداد وتونس، وتذكّر الماضي الزاهر، وحنّ إليه راجياً أن يعود، وقال عن الثعالبي فيما قال:
تغرّب ضارباً في الأرض يبغي‏
مدىً من دونه خرط القتاد
وكان طوافه شرقاً وغرباً
لغير تكسّب أو لارتفاد
ولكن ساح لاستنهاض قوم‏
حكوا بجمودهم صفة الجماد
يغار على العروبة أن يراها
مهدّدة المصالح بالفساد


وليس من شأن الثعالبي أن يخلد إلى الراحة، وأن يقعد دون عمل لأنّه ضيفٌ وافد، فرأى أن يُسند إليه بالعراق ما يمكّنه من أداء نفع مؤكّد، ورأى الملك تصميمه، فبادر بتعيينه أُستاذاً للفلسفة الإسلامية في جامعة آل البيت التي أُنشئت منذ عام، وقد جعل المحاضر من كلماته موضوعاتٍ حيويّة، يتحدّث عن العلل والأمراض التي أوهنت المسلمين وجعلتهم شيعاً ومذاهب، وامتدّ حديثه إلى ما سبق الفلسفة الإسلامية من فلسفات هندية وصينية وإغريقية، ليربط ذلك كلّه بما جاء به الإسلام من حكمة متكاملة لا تنتمي إلى جهد سالف، وامتدّ نشاطه الثقافي بجامعة آل البيت خمس سنوات كانت باعثة نشاط ثقافي لا مثيل له.
وقد اختيرت بعثة علمية من طلّاب العراق أُلّفت من ثمانية عشر طالباً للسفر إلى مصر لتلقّي العلم في جامعتها، ورأى الملك أن يكون الثعالبي مراقباً للبعثة في القاهرة، ولعلّه أراد أن يُريحه من جهده العلمي المتواصل، فسافر الثعالبي مع الطلّاب ليستأنف بالقاهرة عهداً كان له بها من قبل، وقد استقبل في القاهرة بمثل ما استقبل به في بغداد من قبل، إذ أقامت له جمعية الشبّان المسلمين حفلة تكريم رائعة خطب فيها كبار القوم وفي مقدّمتهم رئيس الجمعية الدكتور عبد الحميد سعيد.
وقد كتب الثعالبي في أكثر صحف العالم العربي بالشام والعراق ومصر والمغرب وتونس، غير مقالاته بالفرنسية في الصحف الباريسية.
وقد عاد الثعالبي إلى وطنه تونس سنة 1937 م، فناوأه بعض رجال حزبه، فابتعد عن‏
الشؤون العامّة، إلى أن توفّي عام 1944 م تاركاً بعض المؤلّفات، منها: فلسفة التشريع الإسلامي، تاريخ التشريع الإسلامي، تاريخ شمال أفريقية، مذكّرات، معجز محمّد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

المراجع

(انظر ترجمته في: الأعلام الشرقية 1: 148- 149، الأعلام للزركلي 4: 12- 13، معجم المؤلّفين 5: 240، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 4: 198- 211، نثر الجواهر والدرر 1: 736- 742).