الفرق بين المراجعتين لصفحة: «رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة (كتاب)»
(رحمة_الأُمّة_في_اختلاف_الأئمّة ایجاد شد) |
(لا فرق)
|
مراجعة ٠٦:٠٣، ١٣ نوفمبر ٢٠٢٠
أقربية طريق الفقه المقارن للتقريب بين المذاهب الإسلامية من بقية الطرق كالدراسات الكلامية وغيرها.
وهذا في الواقع مردّه إلى عدّة أسباب وعوامل :
الأوّل :
أنّ المذاهب المعروفة بين المسلمين هي مذاهب فقهية، والفارق بينها هو الاختلاف في المسائل الفقهية، كالمذاهب الأربعة لأهل السنّة، فإنّها معنونة بأسامي أئمّتها الفقهاء الأربعة، وكذلك المذاهب الإمامية والزيدية والإباضية، فإنّها وإن اختلفت مع بعضها البعض وكذا مع المذاهب الأربعة في بعض المسائل الاعتقادية، إلّاأنّ الفروق المهمّة بينها هي فقهية، فالأحسن التركيز على على تقريب وجهات النظر بين أئمّة هذه المذاهب في صعيد الفقه والشريعة، وعدم الاهتمام بما عندهم من الخلاف في شيء من العقيدة، وأن لا تخرج في جملتها عن الأُصول القطعية التي يتمحور حولها الإيمان والكفر.
الثاني :
أنّ الفقه أوسع العلوم الشرعية وأعمّها شمولاً لما احتاجت إليه الأُمّة في حياتها اليومية من : العبادة، والسياسة، والاقتصاد، وأحكام الأُسرة، والمكاسب، والمناكح، والمواريث، والمنازعات، والقصاص والديات، وسائر الأحكام المتعلّقة بالحياة الفردية والاجتماعية. وهذا أمر لا يُنكر. وانطلاقاً من تلك السعة والشمولية في المسائل الفقهية، فالحاجة إليها أشدّ، كما أنّ دائرة الخلاف فيها أوسع، فالسعي لتقريب وجهات النظر فيها حاجة مُلحّة للأُمّة الإسلامية لا تجوز الغفلة عنها.
الثالث :
وتبعاً لهذا التوسيع وشدّة الابتلاء فلسنا مبالغين لو ادّعينا أنّ للفقه دخلاً كبيراً في بناء الحضارة الإسلامية بل الإنسانية، فإنّ الحضارة هي مظهر الأعمال لكلّ أُمّة، والحضارة الإسلامية حصيلة عمل الإنسان المسلم طول حياته، وعمل المكلّف من المسلمين كما نعلم هو موضوع علم الفقه، فإذا كنّا نريد أن نحدّد حضارتنا الإسلامية ونقيمها على أُسس قويمة تساير أحوال المستقبل الحافل بأحداث أكثر وأكبر من الماضي، فيجب علينا أخذ طريق أقوم للوصول إلى المسائل الفقهية هو أشدّ واقعية وسدّاً للحاجات المقبلة.
الرابع :
أنّ البحث الفقهي أخفّ حسّاسية من الأبحاث الكلامية والمحاورات الاعتقادية، فإنّ العقيدة نابعة من باطن الإنسان، وهي ماسّة بفكره ووجدانه وعواطفه وبواطنه، أمّا الأعمال فهي وإن مسّت الروح والفكر غير أنّ مجاريها هي الأعضاء في الشؤون الفردية، والجماعات في الشؤون الاجتماعية. فنحن حينما ندخل في مسألة فقهية لا نواجه الأرواح ولا نصادم العواطف ولا نخاطب القلوب لكي نثير الحسّاسيات، ومعلوم أنّ التصادم بين القلوب يدعو إلى التخاصم بينها وإلى التنازع والعداء بين الأحباب.
الخامس :
أنّ إشعاع المباحث الفقهية ووضوحها يدعو إلى انعزالها عن الفلسفات المعمّقة، وهذا بخلاف المباحث الكلامية، فإنّها شكّلت في أوج اشتعالها وشيوعها طائفة من المسائل العقلية التي خاضها المتكلّمون من كلّ مذهب، وخصوصاً ما طرحه المعتزلة، فإنّ فهمها وتقريرها للآخرين بدون الخوض في مسائل فلسفية مستحيل، ومن أجل ذلك انحصرت في حلقات المدارس، ولم تكن تبرز إلى الناس منها سوى العداء والخصومة من دون أن ينالوا حقيقتها. والمتكلّمون في الإسلام هم الذين اعتنقوا المذاهب الفلسفية قبل غيرها، والخوض في المسائل الكلامية أخرج العقيدة الصافية القرآنية عن إشعاعها وبساطتها إلى ظلمات من التفكير الديني، لا تفارق الفلسفة بما لها من شدّة الغموض وصعوبة الفهم. أمّا الفقه فيبحث عن الحاجات الماسّة بالحياة، وأدلّتها أيضاً واضحة لو قيست بالمسائل الكلامية، ومن أجل ذلك عمّت فائدته بين الأنام وشاعت مدارسته بين الناس.