الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة»

من ویکي‌وحدت
(مشروع_الحكومة_الإسلامية_الموحّدة ایجاد شد)
 
لا ملخص تعديل
 
(مراجعتان متوسطتان بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضتين)
سطر ١: سطر ١:
مشروع للتقريب طرحه بعض المفكّرين المسلمين، وذلك باعتبار أنّ حرّية الرأي تحرّر الفكر من تبعات الماضي، وتوفّر مناخات سليمة للحوار، وتحفظ للأطراف المختلفة حقّ الاختلاف والمعارضة في الرأي من دون أن يؤدّي هذا الاختلاف البنّاء إلى خلاف وشقاق إذا كان الجوّ السائد في المجتمع احترام حرّية الرأي والتمتّع به كحقّ من حقوق المرء المسلم.<br>وهذا البحث يشكّل أساساً سليماً من أُسس التأليف بين المسلمين والتقريب بين مذاهبهم وطوائفهم؛ لأنّه أوّلاً يثبّت حقّ الاختلاف، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة، دون غيره، ولا جهة تمتلك الشرعية لتسلب الآخرين شرعيتهم، فتقرّ مَن تشاء على دينه وتنزع الإيمان وتضفي عليه صفة الكفر بمقاساتها، فقد اختلف مسلمون مع خلفاء المسلمين وقادتهم، وحفظ لهم هذا الحقّ، وكانوا أحياناً أقرب إلى الحقّ، ليتراجع الخليفة أو الحاكم عن رأيه.<br>وبالتالي فإنّ واقع المسلمين منذ صدر الإسلام حفظ للمسلمين حرّية الرأي، وإذا ما ضمن لهم اليوم هذا الحقّ فإنّه سيقرّبهم بعضهم من بعض ومن الحقّ، ويزيد من أُلفتهم ووحدتهم.<br>ومن هنا لا يمكن منع أصحاب المذاهب من بيان رأيهم والدعوة إلى مذاهبهم؛ لأنّ في ذلك منعاً لحرّية الرأي وسلباً لحقّ الإنسان في التعبير والبيان، والتي تكفّل بها الإسلام فضلاً عن ميثاق حقوق الإنسان، فليست المشكلة في أن يدعو كلّ فريق إلى رأيه، وأن يبيّن كلّ طرف صحّة قوله، وأن يكون للآخرين حرّية الاستماع والاتّباع عملاً بقوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبادِ * اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (سورة الزمر: 17-18)، ولكن المشكلة في أن تتجنّب الدعوة ما أمر اللّه به من اتّباع الحكمة والجدال بالتي هي أحسن، إذ قال: (اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة آل عمران: 64)، بأن تتّبع الوسائل الجاهلية كالسبّ والشتم وإثارة البغضاء والفتنة؛ إذ يحرم ذلك، وقد نهي عنه، فلا بدّ من اجتناب تلك الأساليب التي لم يتبعها نبي مرسل ولا إمام ولا ولي.<br>وتأكيداً لاتّباع السبل الحسنة واجتناب غيرها، فقد دعا القرآن أهل الكتاب إلى التفاهم والتعاون على طريق الإيمان باللّه تعالى، فقال: (قُلْ يا أَهْلَ اَلْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اَللّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) (سورة آل عمران: 64)، ولم ينه عن الحوار معهم، بل حاورهم في مواضع عديدة من القرآن الكريم، ولكنّه نهى عن الجدال السيّئ والمثير للعداوة والبغضاء، فقال تعالى: (وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ اَلْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة العنكبوت: 46).<br>فكيف يتقبّل أن يغلق باب الحوار بين المسلمين، وهو باب للتفاهم والتقارب والنصح والتكامل في الرأي‌؟! نعم، ينهى عن كلّ ما يثير الفتنة وينشر البغضاء من أيّ طرف صدر، ولا ينبغي أن نخشى حرّية الفكر والمعرفة بقدر ما يجب أن نخشى الاستبداد والذي يؤدّي إلى مزيد من الجهل والتخلّف والعنف والتمرّد، وقد اختلف الناس في أجواء الحرّية ولكنّهم نادراً ما اقتتلوا، ولكن اقتتل الناس حيثما كان الظلم والقهر والتعصّب والجمود.<br>ولكن الذي قيل عمّا سبق قد يصدق هنا، فيذهب البعض إلى أنّ هذه الحرّية مختصّة بالمسلمين دون غيرهم، فلا يحقّ للكافر والمشرك - ويقصد بذلك بعض أتباع المذاهب - أن يكون حرّاً في رأيه مختاراً في عقيدته، وبالتالي فإننّا قد نجد بعض أصحاب المذاهب الإسلامية يعانون كبتاً وضغوطاً في بلادهم المسلمة أكثر ممّا يعانونه في غيرها من بلاد <br>العالم غير المسلمة؛ لأنّ الأُولى تصادر حرّياتهم باسم الإسلام، والثانية تضمنها تحت عنوان حقوق الإنسان وحرّيته في الاعتقاد.<br>ومن هنا يُدعى إلى التأمّل بهذا المبدأ وتوسيعه إلى حرّية الرأي والاعتقاد لسائر الناس على أساس حقوقهم الإنسانية، وهو ما يمكن استفادته من العديد من الآيات كقوله تعالى: (لا إِكْراهَ فِي اَلدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ اَلرُّشْدُ مِنَ اَلْغَيِّ) (سورة البقرة: 256)، وقوله تعالى: (أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (سورة يونس: 99)، وقوله: (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (سورة الغاشية: 21-22)، وقوله: (وَ ما عَلَى اَلرَّسُولِ إِلاَّ اَلْبَلاغُ اَلْمُبِينُ) (سورة النور: 54)، وغيرها من الآيات الكريمة، والتي تحتاج إلى بحث ومزيد تأمّل.<br>كما أنّ هذه الدعوة تنسجم مع الاتّجاه العالمي حول حقوق الإنسان وتأكيده على حرّية الاعتقاد والبيان، وبالتالي فهو تضمن للمسلمين على اختلاف مشاربهم وآرائهم حقوقهم ومواطنتهم، وهذا المنهج يصادر الفكر التكفيري على المطلوب، ويشيع في المجتمع جوّ التسامح الديني والتعايش السلمي، والذي يجب أن يكون التعامل مع المجتمع على أساسه، فإنّ الناس - كما قال الإمام علي عليه السلام - صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق».<br>
'''مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة''' حلّ سياسي لتحقيق [[الوحدة الإسلامية]] بين أبناء [[الأُمّة]]، غير أنّ محلّه عالم الخيال! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً، بل يكفي مجرّد عرضه على [[الأُمّة الإسلامية]] كمشروع مقترح، وهو يدعو جميع الشعوب و[[البلدان الإسلامية]] إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرىٰ يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة.<br>
ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى، <br>
ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي.<br>
صحيح أنّ العالم الإسلامي حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد '''الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله''' وما بعده، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية،<br>
وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين والخوارج وحركات التمرّد المحلّية، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد ذلك، ففي النصف الثاني من القرن الهجري الثاني أُقيمت حكومتان مستقلّتان في المغرب الإسلامي من قبل فريقين متخاصمين: الأُولى أسّسها في [[مراكش]] العلويّون الأدارسة على يد [[إدريس بن عبداللّٰه بن الحسن المثنّىٰ]] بن الحسن بن علي المتوفّى سنة 177 ه‍، والثانية في [[ليبيا]] و[[تونس]]، وقد أسّسها عبدالرحمان بن رستم المتوفّى سنة 171 ه‍، وهو على مذهب الخوارج، وقد استمرّ الحكم بيد آله مدّة طويلة في مقابل حكومة الأدارسة العلوية.<br>
كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها.<br>
وقبل ذلك أسّس عبدالرحمان الداخل المتوفّى سنة 172 ه‍ الدولة الأُموية في الأندلس في عهد الخليفة العبّاسي المنصور الدوانيقي، وأخرج الأندلس من سلطة العبّاسيّين إلى الأبد.<br>
وفي أواسط العصر العبّاسي وأواخره أُقيمت عدّة حكومات مستقلّة في الشرق الإسلامي نفسه، وإن كانت في الظاهر تقرّ بالولاء للخليفة العبّاسي، وتعاقبت على حكم بلدانه، حتّى جاء المغول الذين أسقطوا الخلافة العبّاسية، وتقاسمت العالم الإسلامي حكومات مستقلّة أقامها العديد من الأُسر المختلفة، واستمرّ الوضع على هذا المنوال إلى اليوم رغم أنّ القرن الهجري العاشر شهد وجود ثلاث دول قويّة حكمت البلدان الإسلامية المهمّة، وهذه الدول هي:<br>
1 - الخلافة العثمانية التي سيطرت على مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من سنة 1516 م حتّى عام 1924 م، شملت أواسط أفريقية من الغرب إلى العراق من الشرق إضافة إلى جميع البلدان العربية، وكانت تتبنّى المذهب الحنفي من بين المذاهب السنّية.<br>
2 - الدولة الصفوية التي حكمت [[ایران|إيران]] ومناطق تمتدّ من حدود الدولة العثمانية إلى قسم مهمّ من البلدان الواقعة شمال إيران وشرقها، وكانت تتبنّى المذهب الشيعي الاثني عشري، واستمرّ عهدها من سنة 1602 م إلى سنة 1736 م.<br>
3 - الأُمبراطورية التيمورية العظيمة في شبه القارّة الهندية.<br>
وقد شهدت كلّ من هذه الدول الثلاث تغييرات عديدة، وتقاسمت الأراضي التي كانت تحكمها حكومات محلّية صغيرة، ثمّ خضعت للاستعباد الشرقي أو الغربي، كما هو مذكور في كتب التاريخ.<br>
والعديد من المسلمين - وخاصّة من [[أهل السنّة]] - أخذوا يفكّرون بضرورة عودة الدولة الإسلامية القويّة والموحّدة، وقد ظهر هذا التيّار في أواخر العهد العثماني وقبيل الحرب العالمية الأُولى داعياً إلى تجديد حياة الخلافة الإسلامية الموحّدة، وأُسّست نهضة الخلافة في شبه القارّة الهندية ومصر كما هو معروف، ومازال بعض المسلمين الثوريّين في مصر وغيرها يحلمون بتحقيق هذه الأُمنية.<br>
ويذكر هنا أنّ السيّد جمال الدين الأسد آبادي الشهير بالأفغاني كان يحمل هذه الفكرة أيضاً، وإن كان من غير المعروف على نحو الدقّة الهدف الحقيقي للسيّد من دعوته الوحدوية لزعماء البلدان الإسلامية، وخاصّة الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد والملك القاجاري الإيراني ناصر الدين شاه. والمقدار الثابت أنّ السيّد اهتمّ بدعوة المسلمين إلى اليقظة والوحدة السياسية طوال عمره، وخاصّة في أواخر حياته عندما كان يدعو إلى الاتّحاد الإسلامي وهو يعيش في إسطنبول، لكنّه لم يحقّق هدفه رغم كلّ المساعي التي بذلها، ومن المهمّ هنا معرفة ما إذا كان قد أعدّ لتحقيق هذا الهدف أم لا.<br>
ولكن هذا المشروع مثالي محض، وليس عملياً؛ لأسباب عديدة، أهمّها:<br>
أوّلاً:
أنّ أيّاً من حكومات التجزئة الحاكمة في البلدان الإسلامية حالياً وذات الاتّجاهات المتباينة غير مستعدّة للتخلّي عن سلطتها، وهذا واقع معروف لا يحتاج إلى توضيح.<br>
ثانياً:
حتّى لو قبلت الحكومات بذلك، فإنّ بعث المشاعر القومية خلال القرن الأخير بين الشعوب الإسلامية تقليداً للغرب ونتيجة للجهود الاستكبارية المكثّفة والمستمرّة إلى اليوم، أوجد حالة مضادّة لهذا المشروع، ونحن نعلم بأنّ الاستكبار الغربي نجد في إثارة المشاعر القومية بين الشعوب الإسلامية ذات الانتماءات القومية المتعدّدة أفضل وسيلة لتمزيقها واستغلالها لتحقيق مطامعه والسيطرة عليها، وهو أمر لا يمكنه تحقيقه إذا اتّحدت هذه الشعوب على أساس الإيمان بالإسلام والمشتركات الدينية.<br>
ثالثاً:
حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها - وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول - فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلّاً تفرّقها؟!<br>
 
[[تصنيف: المفاهيم التقريبية]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:٣٢، ١٣ نوفمبر ٢٠٢١

مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة حلّ سياسي لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة، غير أنّ محلّه عالم الخيال! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرىٰ يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة.
ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى،
ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي.
صحيح أنّ العالم الإسلامي حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وما بعده، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية،
وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين والخوارج وحركات التمرّد المحلّية، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد ذلك، ففي النصف الثاني من القرن الهجري الثاني أُقيمت حكومتان مستقلّتان في المغرب الإسلامي من قبل فريقين متخاصمين: الأُولى أسّسها في مراكش العلويّون الأدارسة على يد إدريس بن عبداللّٰه بن الحسن المثنّىٰ بن الحسن بن علي المتوفّى سنة 177 ه‍، والثانية في ليبيا وتونس، وقد أسّسها عبدالرحمان بن رستم المتوفّى سنة 171 ه‍، وهو على مذهب الخوارج، وقد استمرّ الحكم بيد آله مدّة طويلة في مقابل حكومة الأدارسة العلوية.
كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها.
وقبل ذلك أسّس عبدالرحمان الداخل المتوفّى سنة 172 ه‍ الدولة الأُموية في الأندلس في عهد الخليفة العبّاسي المنصور الدوانيقي، وأخرج الأندلس من سلطة العبّاسيّين إلى الأبد.
وفي أواسط العصر العبّاسي وأواخره أُقيمت عدّة حكومات مستقلّة في الشرق الإسلامي نفسه، وإن كانت في الظاهر تقرّ بالولاء للخليفة العبّاسي، وتعاقبت على حكم بلدانه، حتّى جاء المغول الذين أسقطوا الخلافة العبّاسية، وتقاسمت العالم الإسلامي حكومات مستقلّة أقامها العديد من الأُسر المختلفة، واستمرّ الوضع على هذا المنوال إلى اليوم رغم أنّ القرن الهجري العاشر شهد وجود ثلاث دول قويّة حكمت البلدان الإسلامية المهمّة، وهذه الدول هي:
1 - الخلافة العثمانية التي سيطرت على مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من سنة 1516 م حتّى عام 1924 م، شملت أواسط أفريقية من الغرب إلى العراق من الشرق إضافة إلى جميع البلدان العربية، وكانت تتبنّى المذهب الحنفي من بين المذاهب السنّية.
2 - الدولة الصفوية التي حكمت إيران ومناطق تمتدّ من حدود الدولة العثمانية إلى قسم مهمّ من البلدان الواقعة شمال إيران وشرقها، وكانت تتبنّى المذهب الشيعي الاثني عشري، واستمرّ عهدها من سنة 1602 م إلى سنة 1736 م.
3 - الأُمبراطورية التيمورية العظيمة في شبه القارّة الهندية.
وقد شهدت كلّ من هذه الدول الثلاث تغييرات عديدة، وتقاسمت الأراضي التي كانت تحكمها حكومات محلّية صغيرة، ثمّ خضعت للاستعباد الشرقي أو الغربي، كما هو مذكور في كتب التاريخ.
والعديد من المسلمين - وخاصّة من أهل السنّة - أخذوا يفكّرون بضرورة عودة الدولة الإسلامية القويّة والموحّدة، وقد ظهر هذا التيّار في أواخر العهد العثماني وقبيل الحرب العالمية الأُولى داعياً إلى تجديد حياة الخلافة الإسلامية الموحّدة، وأُسّست نهضة الخلافة في شبه القارّة الهندية ومصر كما هو معروف، ومازال بعض المسلمين الثوريّين في مصر وغيرها يحلمون بتحقيق هذه الأُمنية.
ويذكر هنا أنّ السيّد جمال الدين الأسد آبادي الشهير بالأفغاني كان يحمل هذه الفكرة أيضاً، وإن كان من غير المعروف على نحو الدقّة الهدف الحقيقي للسيّد من دعوته الوحدوية لزعماء البلدان الإسلامية، وخاصّة الخليفة العثماني السلطان عبدالحميد والملك القاجاري الإيراني ناصر الدين شاه. والمقدار الثابت أنّ السيّد اهتمّ بدعوة المسلمين إلى اليقظة والوحدة السياسية طوال عمره، وخاصّة في أواخر حياته عندما كان يدعو إلى الاتّحاد الإسلامي وهو يعيش في إسطنبول، لكنّه لم يحقّق هدفه رغم كلّ المساعي التي بذلها، ومن المهمّ هنا معرفة ما إذا كان قد أعدّ لتحقيق هذا الهدف أم لا.
ولكن هذا المشروع مثالي محض، وليس عملياً؛ لأسباب عديدة، أهمّها:
أوّلاً: أنّ أيّاً من حكومات التجزئة الحاكمة في البلدان الإسلامية حالياً وذات الاتّجاهات المتباينة غير مستعدّة للتخلّي عن سلطتها، وهذا واقع معروف لا يحتاج إلى توضيح.
ثانياً: حتّى لو قبلت الحكومات بذلك، فإنّ بعث المشاعر القومية خلال القرن الأخير بين الشعوب الإسلامية تقليداً للغرب ونتيجة للجهود الاستكبارية المكثّفة والمستمرّة إلى اليوم، أوجد حالة مضادّة لهذا المشروع، ونحن نعلم بأنّ الاستكبار الغربي نجد في إثارة المشاعر القومية بين الشعوب الإسلامية ذات الانتماءات القومية المتعدّدة أفضل وسيلة لتمزيقها واستغلالها لتحقيق مطامعه والسيطرة عليها، وهو أمر لا يمكنه تحقيقه إذا اتّحدت هذه الشعوب على أساس الإيمان بالإسلام والمشتركات الدينية.
ثالثاً: حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها - وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول - فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلّاً تفرّقها؟!