مولود قاسم

من ویکي‌وحدت
مولود قاسم نايت بلقاسم
الاسم مولود قاسم‏
الاسم الکامل مولود قاسم نايت بلقاسم
تاريخ الولادة 1927م / 1346هـ
محل الولادة بجاية الإسلامية / الجزائر
تاريخ الوفاة 1992م / 1413هـ
المهنة علّامة جزائري، ومصلح معروف، ووزير الشؤون الدينية في الجزائر
الأساتید الشیخ محمد الطاهر
الآثار الجزائر (باللغة الألمانية)، أنية وأصالة، أصالية أم إنفصالية، ردود الفعل الأولية على غرة أول نوفمبر، شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830
المذهب سنّي

مولود قاسم نايت بلقاسم: علّامة جزائري، ومصلح معروف، ووزير الشؤون الدينية في الجزائر.

الولادة

إنّه أمازيغي (بربري) ابن فلّاح عبّاسي قبائلي، ولد في يناير سنة 1927 م بقرية آيت عبّاس بمدينة بجاية الإسلامية الواقعة في منطقة القبائل الكبرى، أو كما تعرف بمنطقة «جبال جرجرة»، والتي لعبت دوراً تاريخياً مهمّاً أثناء الثورة الجزائرية، فمولود قاسم المجاهد الكبير في ثورة التحرير المباركة كان مناضلًا سياسياً نشطاً في الدفاع عن قضية وطنه العادلة، وكان المجاهدون يطلقون عليه اسماً ثورياً مميّزاً، وهو «السي بلقاسم الوطني».

شهادة شيخه حوله

شهادة الشيخ محمّد الطاهر آيت علجت حول مولود قاسم نايت بلقاسم كانت ثرية حقّاً، فهذا الشيخ هو من تولّى تدريس نايت بلقاسم مذ كان طفلًا صغيراً، كما أنّه كان صديقاً لوالده وأقرب جار له في قرية آيت عبّاس، وقال الشيخ آيت علجت: «إنّ مولود قاسم كان تلميذاً نجيباً في صغره، وقد برز نبوغه عندما كان يدرس القرآن والحديث في مسجد القرية»، وقال: «إنّ اللَّه استجاب لدعوة والده الذي دعا له أن يصبح فقيهاً في الدين، ولمّا كتب له التوجّه للمدرسة الفرنسية في سنّ السادسة عشرة حيّر مولود قاسم مدرّسيه الفرنسيّين؛ لشدّة نبوغه وقوّة ذاكرته، وحبّه الشديد لوطنه وللغته العربية ودينه الإسلام».

دراسته

بسبب بعده عن مقرّ سكناه قرّر مولود قاسم ترك تلك المدرسة الفرنسية التي كان يطلق عليها الشيخ ابن باديس اسم «القلعة»، وكان مولود قاسم يحبّ مخالطة من يكبره سنّاً ليحرق مراحل تكوينه التعليمي، وساهمت مبادراته العصامية في زيادة نبوغه ونجاحه الدراسي.
توجّه بعدها إلى تونس لمواصلة دراسته حيث كانت الدراسة متاحة في تونس أكثر من الجزائر التي عانت مؤامرات الفرنسيّين ومساعيهم لتجهيل الشعب الجزائري، ثمّ التحق مولود بجامع الزيتونة سنة 1946 م، والتحق بعدها بحزب الشعب سنة 1947 م، قبل أن‏
يبتعث إلى القاهرة تكريماً له باعتباره الأوّل على الدفعة، وفي سنة 1954 م التحق بجامعة باريس التي سجّل فيها أُطروحته لنيل الدكتوراه، والتي حملت عنوان: «الحرّية عند المعتزلة»، غير أنّه تخلّى عن المشروع سنة 1956 م على إثر مضايقات الشرطة الفرنسية له والتي فرضت عليه مغادرة البلاد بسبب استجابته لنداء الإضراب الذي دعا إليه اتّحاد الطلبة المسلمين، وتوجّه بعدها إلى دولة التشيك، والتي سجّل بجامعتها مشروع أُطروحة دكتوراه بعنوان «الحرّية عند كانط»، وما لبث برهة في التشيك، حتّى دعاه نداء الوطن، فترك مشروعه البحثي متّجهاً نحو ألمانيا، حيث كلّفه المفاوض الجزائري سعد دحلب لكتابة ردّ على المفاوض الفرنسي جوكس في مفاوضات إيفيان سنة 1961 م حول إصرار الجزائريّين على رفض فصل الصحراء الجزائرية، ولولا أنّه اختار خطّ الدراسات الإنسانية والاجتماعية لكان قد أصبح طيّاراً، كما رشّحه مدرّسوه؛ لشدّة ذكائه وفطنته.

تلبية نداء الوطن في الثورة

كان مولود قاسم نايت بلقاسم قادراً على نيل شهادة الدكتوراه، غير أنّه آثر تلبية نداء الوطن، وقد تبيّن له أنّ دوره في ألمانيا مفيد ومساعد في الثورة الجزائرية، وعندما نالت الجزائر استقلالها كان هدف نيل شهادة الدكتوراه ما زال قائماً، غير أنّ الجزائر كانت بحاجة إلى وقفة رجل شجاع للنهوض باللغة العربية من جديد استكمالًا لجهود الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي اللذين أسّسا جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين مطلع ثلاثينيات القرن الماضي بجهود متواضعة لم تستطع وقف المدّ الكبير للّغة الفرنسية في الجزائر،
وقال مولود قاسم متحدّياً الفرنكوفونيّين، حيث كان يعلم تماماً كيف يفكّرون، فقال لهم: «إنّ اللغة العربية كانت لغة العالم في يوم من الأيّام، وإنّها كانت تقود العقول وتطوّر العلوم»، وكان مدافعاً شرساً عن اللغة العربية من خلال إشرافه على المجلس الأعلى للغة العربية، كما أنّه لم يتوان عن الكتابة حول الموضوع، خصوصاً في مقاله الشهير المنشور في مجلّة «الثقافة» الجزائرية، والذي حمل عنوان: «بجاية الإسلام علّمت أوروبّا الرياضيات بلغة العروبة»، وهو البحث المهمّ الذي جاء فيه بقيمة مضافة على الصعيد الفكري، حين أثبت أنّ اللغة العربية قادرة على استيعاب كلّ العلوم.

كلام ابنه حوله

يقول الدكتور يوغرطة نايت بلقاسم: إنّ أباه كان محبّاً للغة العربية ومدافعاً كبيراً عنها، وإنّه كان ينعزل وحده في حزن عميق حين تمّ التراجع عن «قانون التعريب» عام 1992 م، وكان قد أحرز تقدّماً كبيراً في عهد الرئيس هواري بومدين، وقد روى عنه ابنه أنّه كان شديداً مع أبنائه في دعوته لتعلّم اللغة العربية، فكان أمرهم بالمطالعة حتّى عند الحلّاق! وقد سأله الكثيرون عن سبب اختيار اسم يوغرطة الأمازيغي لابنه، فقال: «يوغرطة هو أعظم ملوك الجزائر عبر التاريخ»، كما أنّه كان يجيب المشكّكين بأنّ له ابنة أُخرى سمّاها: «جزائر».

نشاطه في اللغة

أنشأ محبّو مولود قاسم نايت بلقاسم جمعية تعنى بحماية ما تركه العلّامة الراحل من زاده الفكري متمثّل في عشرات الكتب والمقالات والدراسات والصور المهمّة، والتي تؤكّد مساعيه المخلصة في الدفاع عن اللغة العربية، وتردّ على الكتابات المشكّكة في نضاله الكبير، وقد قال فيه صديقه الكاتب أحمد بن نعمان: «مولود قاسم نايت بلقاسم كان يجيد تسع لغات ولهجات أوروبّية محلّية، تعلّمها بمفرده دون اللجوء إلى المدارس».
كان مولود قاسم نايت بلقاسم يحوز مكانة مهمّة في الحكومة، كونه مترجماً بارعاً، تولّى ترجمة كلّ ما يكتب عن الجزائر في الصحف الأوربّية، إذ كان يحسن تسع لغات عالمية حتّى القديمة منها كاللاتينية، وكان مولود قاسم رجلًا عصاميّاً تولّى تكوين نفسه بنفسه حتّى وصل إلى إتقان هذه اللغات بلهجاتها المحلّية بكلّ طلاقة، وسخّر هذه القدرة في خدمة البلد في فترة الاستعمار وبعد الاستقلال، إلى درجة أنّه كان يشتغل في بيته ليبقى متابعاً لكلّ ما يكتب عن الجزائر.

رأيه في حوار الأديان

نقل عنه محمّد الصغير بلعلام أحد أصدقائه الأوفياء أنّ مولود قاسم كان يعتبر فكرة «حوار الديانات» آخر الأساليب الغربية المبتكرة لتنصير الشباب؛ لأنّ لكلّ دين خصوصيته وأُصوله وقواعده، وقال بلعلام في شهادته التاريخية المميّزة أثناء لقاء تكريم الراحل مولود قاسم: إنّ الفقيد قد أقسم بألّا يوقّع على أيّة وثيقة جزائرية باللغة الفرنسية، كما أنّه قرّر ألّا يرد على أيّ بريد يرد إليه إلّاباللغة العربية، وقال موظّفو الوزارة التي كان‏
يقودها: إنّه كان صارماً في التشديد على أهمّية تشكيل الكلمات العربية باستخدام الآلة الراقنة لتوصيل المعاني الصحيحة بين الوزارات الحكومية، وقيل: إنّه قام بجلب كتب اللغة العربية من دمشق وبغداد وزوّد بها مقرّ حزب جبهة التحرير الوطني لرعاية مشروع تعريب الجامعة الجزائرية، لكنّه فوجئ باختفائها فيما بعد، فشاهد في دهشة مشروع التعريب وهو يفكّك أمام عينيه دون قدرة على التحرّك لوقف تلك المؤامرة.
شهادة أُخرى قدّمها المجاهد والسياسي عبد الحميد مهري في حقّ مولود قاسم نايت بلقاسم رفيق دربه وزميل دراسته، حيث اعتبره مهري شخصية متعدّدة المواهب، وقال: إنّه كان مكسباً للجزائر حقّاً؛ ذلك أنّ إسهام نايت بلقاسم في إثراء الحياة السياسية بفكره كان بنيّة جمعه بين هدفي الدفاع عن الأصالة والانتماء العربي والإسلامي وللأمازيغية، والانفتاح على العالم، كما أنّه ساهم في تقديم صورة جميلة عن الجزائر العريقة التي تحافظ على التقاليد وتسعى نحو الحداثة والعصرنة، بمعنى أنّه كان يسعى للمزاوجة بين مسعى ترسيخ قيم الإسلام والعروبة وتوطين الحداثة والتقدّم... وقال عبد الحميد مهري: «إنّ مولود قاسم نايت بلقاسم كان يكرّس معالم النهضة في ملتقيات الفكر الإسلامي»، معتبراً أنّ من انتقده ذلك الوقت كان يريد أن يلصق به تهمة التشدّد، وهو لم يكن ليألو أيّ جهد في سبيل الوصول إلى ما كان يصبو إليه.

دفاعه عن الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي

كان مولود قاسم نايت بلقاسم مدافعاً قوياً عن الجزائر، وكان يحرّض الجزائر برمّتها حكومةً وشعباً حتّى تلعب الجزائر دورها التاريخي أمام المستدمر الفرنسي السابق الذي نهب ثروات البلاد قبل الاستقلال، وقتل شعب الجزائر ودمّر أرضه، وهو يسعى بعد الاستقلال في سبيل تشويه تاريخ الجزائر،
وقال للرئيس هواري بومدين حين قال الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان: إنّ فرنسا التاريخية تمدّ يدها للجزائر الفتية، قال للرئيس بومدين: «سيادة الرئيس، إنّه جيسكار ديستان يشتمنا»، وكأنّما به يذكّر الجزائريّين بأنّ فرنسا تسعى للتشكيك في الكيان الجزائري الذي تدّعي أنّه لم يكن موجوداً قبل سنة 1830 م، وقال مخاطباً الرئيس بومدين: «أُفضّل أن أكون بوّاباً في السويد على أن‏
أكون وزيراً في حكومة ضعيفة في الجزائر!»، وقد روي أنّه قرّر عدم النزول من الطائرة في زيارة كان قد أجراها لروسيا سنة 1971 م؛ لأنّ وزير الخارجية الروسي لم يكن في استقباله، قائلًا: إنّه يرفض هذه السلوكات التي تنتقص من قيمة الجزائر، وعلى إثر هذه الحادثة قدّم استقالته إلى الرئيس بومدين، لكنّ الأخير رفضها، فدعا مولود قاسم نايت بلقاسم القيادة الجزائرية إلى التشدّد في الدفاع عن مصالح الشعب والوطن.

دراسته للتاريخ الجزائري

درس مولود قاسم نايت بلقاسم تاريخ الجزائر، وتمعّن في أصل شعبه الأمازيغي، ووجد أنّ على الجزائريّين الافتخار بأجدادهم الأمازيغيّين، مذكّراً بدور القائد الإسلامي الكبير طارق بن زياد في الفتوحات الإسلامية وفتح الأندلس، ولشدّة حبّه للتاريخ الأمازيغي أطلق اسم «يوغرطة» على نجله الأكبر. وكان يؤلمه كثيراً لجوء بعض الإخوة العرب إلى التشكيك في عروبة الجزائر.
رفض مولود قاسم نايت بلقاسم أداء الخدمة الوطنية في صفوف الجيش الفرنسي عندما كان شابّاً أثناء فترة الاستخراب الفرنسي، وكان قد قرّر حينها الاعتكاف في الزاوية الدينية والاشتغال بتعلّم الفقه وعلوم الدين وحفظ القرآن الكريم والتفاسير، وكان لا يخشى عصيان السلطات الفرنسية؛
لأنّه رفض بشدّة الدفاع عن العلم الفرنسي قائلًا: إنّه لن يدافع إلّا عن العلم الجزائري، وهو ما يبرّر رعايته عندما كان وزيراً للشؤون الدينية لملتقيات الفكر الإسلامي في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان دارساً للفقه والفكر الإسلامي، وقد لقيت مبادرة ملتقيات الفكر الإسلامي استحسان الشيخ محمّد الغزالي عندما كان يرأس جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بمدينة قسنطينة.

كلمة الأمين العامّ السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري فيه

فجّر الدكتور بو علام بن حمّودة الأمين العامّ السابق لحزب جبهة التحرير الوطني مفاجأة بقوله: إنّه كان دائم التحايل على مولود قاسم نايت بلقاسم داعياً إيّاه للسعي إلى استرجاع اسمه الثوري لضمان حقوقه ومصالحه الاجتماعية، غير أنّ الرجل رفض في غضب شديد قائلًا: إنّه لم يكن يريد مقابلًا عن واجب طلبته الجزائر، فأجمل كلمة تصف الرجل أنّه «خدم دينه ولغته ووطنه بشكل أُسطوري».
وقال الشيخ بو عمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى: إنّه وقف على عظمة مولود قاسم نايت بلقاسم عندما سافر معه إلى ملتقى إسلامي عقد في قرطبة إسبانيا، وقال: إنّ للرجل ثقافة واسعة وخبرة في عدّة لغات عالمية جعلته يندهش من معرفة هذه الحقيقة، وقال: إنّ شغفه لتعلّم المزيد من المعارف كان كبيراً، حيث كان يسأل الشيخ بو عمران أن يدلّه على المساجد والمكتبات الموجودة في إسبانيا والتي لم يكن يعرفها.
كان مولود قاسم نايت بلقاسم مسكوناً بمصير اللغة العربية وبهموم الأُمّة الإسلامية، لذلك كان دائماً يحثّ أبناءه على حبّ الإسلام واللغة العربية... لقد كان رجلًا محبّاً لانتمائه العربي الإسلامي، قاصداً في الدفاع عن العروبة إذا فعل، ومبرزاً لدور الحضارة الإسلامية في المحافل الدولية... رجل جمع بين الأصالة والمعاصرة، قوي العزيمة سديد الكلمة، كبير الشأن رفيع المقام... هذا العالم الذي خصّه الرئيس هواري بومدين بمكانة خاصّة حين عيّنه وزيراً في حكومته، وكلّفه بتولّي مشروع «التعريب» في البلاد، بدءاً بالتعليم في الجزائر التي انتشرت بها لغة الهيمنة الفرنسية بعد 132 عاماً من الاستخراب الفرنسي للعقول والنفوس الجزائرية العربية المسلمة.