محمد بن علي بن أبي طالب

من ویکي‌وحدت
الاسم محمد بن علي بن أبي طالب (محمد ابن الحنفية) [١]
تاريخ الولادة 16 هجري قمري
تاريخ الوفاة 81 هجري قمري
كنيته أبو القاسم، أبو عبداللَّه <[٢].
نسبه القُرشي، الهاشمي [٣].
لقبه المدني، الأكبر [٤].
طبقته الثانية [٥].

محمد بن علي بن أبي طالب هو من الشخصيات المعروفة في تاريخ الإسلام، فهو ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وأُمّه الحَنَفية خَوْلَة بنت جعفر بن قيس بن مَسْلَمة بن ثَعْلَبة، ويقال: كانت أُمّه من سَبي اليَمامة فصارت إلى‏ الإمام علي‏ عليه السلام [٦]. وفي خبرٍ أنّه أغارت بنوأسد بن خُزَيْمة على‏ بني حَنيفة، فسبوا خَوْلَة بنت جعفر ثم قدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر، فباعوها من علي عليه السلام. ولمّا بلغ الخبر قومها قَدموا المدينة على‏ علي عليه السلام فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها ومهرها وتزوّجها، فولدت له محمداً ابنه [٧].

ترجمته

وقد كانت تسميته بمحمد وتكنيته بأبي القاسم بعد استئذان الإمام علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله، وتنبّؤ النبي صلى الله عليه وآله بذلك [٨]. ويذكر أنّه كان يفتخر بهذه التسمية، فإذا كانوا يسلّمون عليه: سلام عليك يا مهدي! قال: أجل، أنا مهدي، أهدي إلى‏ الرشد والخير، واسمي اسم نبي اللَّه، وكنيتي كنية نبي اللَّه، فإذا سلّم أحدكم فليقل: سلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أبا القاسم [٩].

وكان لمحمد أبناء وبنات كثيرون من زوجاته الأربع وأَمَتَيه، ومن جملة أولاده: الحسن بن محمد وأُمّه امرأة قرشية اسمها: جمال بنت قيس [١٠]، ويعدّ الحسن أول من تكلّم في الإرجاء [١١]، و أبو هاشم عبداللَّه بن محمد، وذكروا أنّه كان إمام الشيعة، وهو الذي أسند وصيّته إلى‏ علي بن عبداللَّه بن عباس [١٢]، وقيل: إنّ عبداللَّه أول من ألّف شيئاً في الإرجاء [١٣].

كان محمد كثير العلم والورع، وكان شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة، وكان غاية في العبادة [١٤]، وفي غاية البرّ لأُمّه [١٥]، وقد وردت الرواية عنه في حروف القرآن [١٦]. وكان يلبس الخزّ ويتعمّم بعمامة سوداء [١٧].

ويستفاد من بعض الروايات أنّ أفكار «المرجئة» كان لها جذور في أفكاره الكلامية، ونقلوا عنه أنّه قال: «ما أشهد على‏ أحدٍ بالنجاة، ولا أنّه من أهل الجنّة بعد رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله، ولا على‏ أبي الذي ولدني» [١٨] إلّا أنّ هناك شكّاً في صحّة هذه الرواية لأسباب ستتّضح لاحقاً.

ومن آرائه الأخرى‏ أنّه كان ينزع خفّيه ويمسح على‏ قدميه [١٩]. كما أنّه كان يرى‏ ضرورة التقية مقابل الظالمين، ولذلك كان مخالفاً للثورة ضدّ الأمويّين، وكان يوصي أحد أتباع أهل البيت بعدم الانضمام إلى‏ الثوار ضدّ بني أُمية، وأن يلتزم التقية، وأن يحضر عندهم عندما يدعونه؛ ليحفظ دينه ونفسه، ويصيب من مال اللَّه. وكان يقول أيضاً: «ألا إنّ أعمال بني أُمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين» [٢٠].

كما كان يؤكّد لأصحابه على‏ أن أمر وحقّ آل محمد أبين من الشمس، وكان يقول: «ألا إنّ لأهل الحقّ دولة يأتي بها اللَّه إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنّا كان عندنا في السنام الأعلى‏» [٢١].

وقال المفيد: «لم يدعُ قطّ للإمامة لنفسه، ولا دعا أحداً إلى‏ اعتقاد ذلك فيه. وقد كان سئل عن ظهور المختار وادّعائه عليه أنّه أمره بالخروج والطلب بثار الحسين ‏عليه السلام، وأنّه أمره أن يدعو الناس إلى‏ إمامته عن ذلك وصحّته، فأنكره وقال لهم: واللَّه ما أمرته بذلك، لكنّي لا أُبالي أن يأخذ بثأرنا كلّ أحد، وما يسؤوني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا، فاعتمد السائلون له على‏ ذلك، وكانوا كثرة قد رحلوا إليه لهذا المعنى‏ بعينه على‏ ماذكره أهل السير، فرجعوا، فنصر أكثرهم المختار على‏ الطلب بدم أبي عبداللَّه الحسين ‏عليه السلام» [٢٢]. ونقل ابن عُيينة عن أبي الجحاف أنّ محمداً لم يؤيّد دعوة المختار إلى‏ أهل البيت عليهم السلام، وقال: «إنّا أهل بيتٍ لا نبتزّ هذه الأمة أمرها، ولا نأتيها من غير وجهها» [٢٣].

وكانت مواقفه واضحة وثابتة إبّان خلافة أبيه ‏عليه السلام، فقد اشترك في معركة الجمل وصفّين والنهروان [٢٤]، وفي يوم الجمل صرع مروان بن الحكم وقعد على‏ صدره، وأراد أن يقتله، فناشده مروان باللَّه وتذلّل له فأطلقه [٢٥].

وذكر هو يوم الجمل فقال: «لمّا تصاففنا أعطاني علي‏ عليه السلام الراية، فرأى‏ منّي نكوصاً لمّا دنا الناس بعضهم إلى‏ بعض، فأخذها منّي فقاتل بها، قال: فحملت يومئذٍ على‏ رجلٍ من أهل البصرة، فلمّا غشيته قال: أنا على‏ دين علي بن أبي طالب، فلمّا عرفت الذي أراد كففت عنه» [٢٦].

وقال رجله: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لايرمي فيها الحسن والحسين؟ قال: لأنّهما كانا خدّيه وكنت يده، فكان يتوقّى‏ بيده عن خدّيه [٢٧].

وهكذا كان في صفّين حيث كان يفدي الحسنين ‏عليهما السلام بنفسه، ويهجم على‏ الميمنة والميسرة والقلب في جيش معاوية، فأُصيب ببعض الجراح، وعطش عطشاً شديداً، فقبّل الإمام‏ عليه السلام ما بين عينيه وقال: «فداك أبوك» [٢٨]. وبعد شهادة أبيه الإمام علي ‏عليه السلام لم تتّضح مواقفه بصورة جليّة؛ طبق ما بأيدينا من معلومات عن تلك الفترة. وأمّا موقفه من ثورة الإمام الحسين‏ عليه السلام فعندنا روايات مختلفة، ففي بعضها يلوح عدم رضا الإمام الصادق ‏عليه السلام عن تخلّفه، كما في رواية حمزة ابن حمران عن أبي عبداللَّه ‏عليه السلام، قال: ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفية عنه، فقال أبو عبداللَّه ‏عليه السلام: «يا حمزة! سأحدّثك في هذا الحديث ولاتسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إنّ الحسين لمّا فصل متوجّهاً دعا بقرطاس وكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى‏ بني هاشم، أمّا بعد: فإنّه من لحق بي منكم استُشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح » [٢٩] . فيما تدلّ بعض الروايات على‏ أنّه كان مريضاً عند خروج الإمام‏ عليه السلام من المدينة [٣٠].

وفي رواية أخرى‏ أنّه ذكر للإمام الحسين‏ عليه السلام أنّه يريد مصلحته وخيره، فاعتبره الإمام بذلك مشفقاً وطالباً للخير، ثم قال له: «إنّي قد عزمت على‏ الخروج إلى‏ مكة وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي... أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم». ثم كتب الإمام الحسين وصيّته، وذكر أنّه خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح أمّة جدّه ‏صلى الله عليه وآله [٣١].

وقال العلّامة المجلسي في بيانه لجواب الإمام الصادق عليه السلام: «ظاهر هذا الجواب ذمّه - أي محمد - ويحتمل أن يكون المعنى‏ أنّه ‏عليه السلام خيّرهم في ذلك، فلا إثم على‏ من تخلّف» [٣٢].

ويرى‏ العلّامة الحلّي أنّ محمد ابن الحنفية أجلّ قدراً وأعظم شأناً من اعتقاده بخلاف الحقّ [٣٣]، فقد روي عنه أنّه قال: «إنّ أصحابه - أي أصحاب الحسين‏ عليه السلام - عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم» [٣٤]. ويقول ابن عبد ربّه: «ووقف محمد ابن الحنفية على‏ قبر الحسين بن علي رضي اللَّه عنه فخنقته العبرة، ثم نطق فقال: ... لنِعْم الروح روح ضمّه بدنك، ولنِعْم البدن بدن ضمّه كفنك! وكيف لايكون كذلك وأنت بقية ولد الأنبياء، وسليل الهدى‏ وخامس أصحاب الكساء، غذّتك أكفّ الحقّ، وربّيت في حجر الاسلام، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً وإن كانت أنفسنا غير طيّبة بفراقك...» [٣٥].

وأقام ابن الحنفية بالمدينة حتّى‏ سمع بدنوّ جيش مُسرف وأيام الحرّة، فرحل إلى‏ مكة فأقام مع ابن عباس... فلمّا جاء نعي يزيد بن معاوية، وبايع ابن الزبير لنفسه ودعا الناس إليه، دعا ابن عباس ومحمد إلى‏ البيعة، فأبيا يبايعان له، وقالا: حتّى‏ تجتمع لك البلاد ويتّسق لك الناس، فأقاما على‏ ذلك ما أقاما، فمرّة يكاشرهما ومرّة يلين لهما، ومرّة يباديهما، ثم غلظ عليهما فوقع بينهم كلام وشرّ، فلم يزل الأمر يغلظ حتّى‏ خافا منه خوفاً شديداً، ومعهما النساء والذرّية، فأساء جوارهم، وحصرهم وآذاهم، وقصد لمحمد ابن الحنفية فأظهر شتمه وعيّبه، وأمره وبني هاشم أن يلزموا شِعَبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء، وقال لهم فيما يقول: واللَّه لتبايُعنّ أو لأحرقنّكم بالنار!... فبعث محمد ابن الحنفية أباالطفيل عامر بن واثلة إلى‏ شيعتهم بالكوفة، فقدم عليهم، فقال: إنّا لا نأمن من ابن الزبير على‏ هؤلاء القوم، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف، فقطع المختار بعثاً إلى‏ مكة، فانتدب منهم أربعة آلاف، فعقد لأبي عبداللَّه الجدلي عليهم، وقال له: سِرْ، فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانفد لما أمروك به، وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتّى‏ تصل إلى‏ ابن الزبير، ثم لا تدع من آل الزبير شُفراً ولا ظفراً... وسار القوم ومعهم السلاح حتّى‏ أشرفوا على‏ مكة...

قال عطية: ثم ملنا إلى‏ ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأُحيط بهم حتّى‏ بلغ رؤوس الجدر، لو أنّ ناراً تقع فيه مارُئي منهم أحد حتّى‏ تقوم الساعة، فأخّرناه عن الأبواب... فخرجوا بهم حتّى‏ أنزلوهم منىً فأقاموا بها ماشاءاللَّه أن يقيموا، ثم خرجوا إلى‏ الطائف فأقاموا ما أقاموا، وتوفّي عبداللَّه بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين، وصلّى‏ عليه محمد ابن الحنفية....

وعن وردان قال: كنت في العصابة الذين انتدبوا إلى‏ محمد بن علي، قال: وكان ابن الزبير قد منعه أن يدخل مكة حتّى‏ يبايعه، فأبى‏ أن يبايعه... إلى‏ أن قال: فجمعنا يوماً فقسم فينا شيئاً وهو يسير، ثم حمد اللَّه وأثنى‏ عليه ثم قال: «الحقوا برحالكم واتّقوا اللَّه، وعليكم بما تعرفون ودعوا ما تنكرون، وعليكم بخاصّة أنفسكم، ودعوا أمر العامة، واستقرّوا عن أمرنا كما استقرّت السماء والأرض، فإنّ أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضاحية» [٣٦].

وبعد مقتل المختار بن أبي عبيدة في سنة ثمان وستين، أرسل عبداللَّه بن الزبير عروة بن الزبير الى‏ محمد ابن الحنفية: أنّ أمير المؤمنين يقول لك: إنّي غير تاركك أبداً حتّى‏ تبايعني أو أُعيدك في الحبس... فبايع لي وإلّا فهي الحرب بيني وبينك إن امتنعت... فامتنع محمد من بيعته [٣٧]. ولمّا دعاه عبدالملك سار محمد مع أتباعه نحو الشام، ونزلوا في طريقهم في منطقةٍ اسمها: «أيلة» فاستغلّ عبدالملك هذه الفرصة ودعاهم إلى‏ بيعته، فامتنع محمد ورجع الى‏ مكة، إلّا أنّ جيش ابن الزبير منعه من الدخول فذهب الى‏ المدينة [٣٨].

وبعد مقتل عبداللَّه بن الزبير سنة 73 ه على‏ يد الحجّاج في مكة، تمهّد الطريق لحكم عبدالملك، فأخذ البيعة من الناس له، فبايعه جميع الناس، وبايع محمد أيضاً بعد البيعة العامة من باب التقية - حيث كان يعتقد بها - وأبلغ بيعته في رسالةٍ كتب فيها: « لعبد اللَّه عبد الملك أميرالمؤمنين، من محمد بن علي...» وفي سنة 78 ه دعاه عبد الملك إلى‏ الشام ، فذهب هناك وأجزل له الخليفة العطاء والهدايا، ثم عاد إلى‏ المدينة [٣٩].

وقد ذكرت أغلب المصادر التاريخية حوادث هذا اللقاء، كما ذكرت لقاءه بمعاوية ابن أبي سفيان، إلّا أنّ لقاءه بيزيد بن معاوية ومروان بن الحكم، ومدحه المفرط ليزيد ابن معاوية بعد شهادة أخيه الإمام الحسين عليه السلام، وتكريم يزيد له ومروان، لم يذكره سوى‏ البلاذري بعبارة: «قالوا». كما وأنّ المقريزي جعل ذلك في بداية ترجمة ابن الحنفية، من دون أن يشير إلى‏ المصدر، وكيفية ذلك [٤٠].

محمد وأهل البيت عليهم السلام

ذكرنا آنفاً بعض ما يشير إلى‏ العلاقة المتبادلة بين الائمةعليهم السلام ومحمد ابن الحنفية، ونذكر فيما يلي جانباً آخر من الأمور التي تشير إلى‏ هذه العلاقة، ونبدأ ذلك بقوله: «لايلقى‏ مؤمن إلّا وفي قلبه ودّ لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ‏عليهم السلام» [٤١].

كان محمد قد استفاد من كنوز معارف أبيه وإخوته‏ عليهم السلام، وتأدّب بالآداب العلوية وأخلاقها، وكانت النصائح الحكيمة من علي‏ عليه السلام له، وفداؤهُ في حرب الجمل وصفّين؛ حفاظاً على‏ حياة الحسنين عليهما السلام، وطاعةً لأبيه، ثم كلماتُ أمير المؤمنين ‏عليه السلام مخاطباً إيّاه: «فداك أبوك» و«أنت ابني حقّاً» أي: إنّك شبيهي في الشجاعة والبأس والنجدة [٤٢]... كلّ ذلك ممّا يدلّ على‏ منزلته السامية عند أهل البيت ‏عليهم السلام.

ولمّا قالت الأنصار لعلي ‏عليه السلام: لولا ما جعل اللَّه تعالى‏ لحسن وحسين لما قدّمنا على‏ محمدٍ أحداً من العرب، فقال علي‏ عليه السلام: «أين النجم من الشمس والقمر؟ أما إنّه قد أغنى‏ وأبلى‏، وله فضل» [٤٣]. وعن الإمام الباقرعليه السلام أنّه قال: «ما تكلّم الحسين بين يدي الحسن إعظاماً له، ولاتكلّم محمدابن الحنفية بين يدي الحسين إعظاماً له» [٤٤]. وقد أقرّ هو نفسه أنّ الحسنين خيرٌ منه[٤٥]، قال: «أنا ولده - أي: علي ‏عليه السلام - وهما - أي: الحسنان عليهما السلام - ولدا رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله» [٤٦].

وأمّا قضية ظهور الكيسانية وعلاقتها بابن الحنفية، فنقول: تعود أصل هذه الفكرة إلى‏ ادّعاء المختار أو أتباعه بشأن إمامة محمد ابن الحنفية، يقول الشيخ المفيد: «أول من شذّ عن الحقّ من فرق الإمامية «الكيسانية» وهم أصحاب المختار. وإنّما سمِّيت بهذا الاسم لأنّ المختار كان اسمه أولاً كيسان... وزعمت فرقة منهم أنّ محمد بن علي‏ عليه السلام استعمل المختار على‏ العراقين بعد قتل الحسين ‏عليه السلام، وأمره بالطلب بثأره، وسمّاه كيسان لما عرف من قيامه ومذهبه. وهذه الحكايات في معنى اسمه عن الكيسانية خاصّةً. فأمّا نحن فلا نعرف إلّا أنّه سمِّي بهذا الاسم ولانتحقّق معناه... وهذه الفرقة بأجمعها تذهب إلى‏ أنّ محمد رحمه اللَّه كان الإمام بعد الحسن والحسين ‏عليهما السلام. وقد حكي عن بعض الكيسانية أنّه كان يقول: إنّ محمداً كان الإمام بعد أميرالمؤمنين عليه السلام، ويبطل إمامة الحسن والحسين‏ عليهما السلام» [٤٧]. وقد نقلنا آنفاً عن البلاذري وابن حزم أنّ محمداً قد جعل أُمور الإمامة إلى‏ ابنه عبداللَّه، وهو جعلها في علي بن عبداللَّه ابن عباس.

وورد في بعض الكتب بعض الأسماء على‏ أنّهم من الكيسانية الذين يقولون بإمامة ومهدوية محمدابن الحنفية، ومن جملتهم: أبو الطُفَيل عامر بن واثلة، أبو خالد الكابلي، السيد الحميري، كُثيِّر عزّة، مرقع بن قمامة الأسدي، حيان بن سراج وأتباعه [٤٨].

وحقيقة الأمر أنّنا لانملك ما يدلّ على‏ نسبة هذا الادّعاء إليه، بل إنّه - أي: محمد - بمحض سماعه هذا الأمر كذّب المختار وتبرّأ منه، وكذلك أقرّ واعترف بإمامة علي بن الحسين السجّادعليهما السلام طبقاً لما ورد في روايةٍ صحيحةٍ، وأنّه دعا أحد أتباعه وتلامذته وهو أبوخالد الكابلي نحو الإمام السجّادعليه السلام، وقد صار أبوخالد في عداد حواريّي الإمام السجّادعليه السلام [٤٩].

وفي روايات أخرى‏ تصريح بأنّ السيد الحميري - مثل أبي خالد الكابلي - رجع عن عقيدته، وصار معتقداً بإمامة الإمام الباقرعليه السلام [٥٠].

وقد وردت بحوث عديدة حول هذه الفرقة ونقد آرائهم وعقائدهم في كتب الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، وفي كتاب فرق الشيعة للنوبختي، وقد أورد العلّامة المجلسي زبدة هذه المطالب في البحار [٥١].

وممّا يجدر ذكره أنّ الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي أشارا إلى‏ انقراض هذه الفرقة في القرن الرابع أو الخامس [٥٢]، ورغم ذلك فإنّ البعض قد غفل عن هذا وقال: «والرافضة يزعمون أنّه بجبل رضوى‏! وأنّه حيّ يرزق! وهم ينتظرونه» [٥٣]!!

موقف الرجاليّين منه

عاصر محمد أربعةً من الائمة المعصومين ‏عليهم السلام، وهم: الإمام علي والحسن والحسين والسجّاد عليهم السلام. وقال إبراهيم بن عبداللَّه بن الجنيد: «لانعلم أحداً أسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله أكثر ولا أصحّ ممّا أسند محمد ابن الحنفية» [٥٤].

ومن بين رجاليّي أهل السنّة من وثّقه جماعة، منهم: العجلي وابن حبّان وابن حجر [٥٥]. ومن بين علماء الشيعة من تعرّض لذكره جماعة، منهم: الكُلَيني والشيخ المفيد والعلّامة الحلّي [٥٦]. ومن خلال مجموع الروايات والأقوال - والتي أشرنا إلى‏ بعضها آنفاً - يتّضح لنا بجلاء ثبات رأيه، وقوة إيمانه وجلالته.

من روى‏ عنهم ومن رووا عنه [٥٧]

روى‏ عن الإمام علي والحسن والحسين عليهم السلام . وروى‏ أيضاً عن جماعةٍ، منهم: عثمان بن عفّان، عمّار، أبو هريرة، ابن عباس، معاوية. وروى‏ عنه جماعة، منهم: أبناؤه: إبراهيم والحسن وعبداللَّه وعُمر وعون، طاوس بن كيسان، عطاء بن أبي رباح، المِنْهال بن عَمرو، منذر بن يعلى‏ الثوري، محمد بن بشر(نَشْر)الهَمْداني. وقد وردت رواياته في المصادر الروائية والتاريخية للشيعة وأهل السنّة؛ كصحيح البخاري ومسلم و جامع الأخبار.

من رواياته

روى‏ عن الإمام علي ‏عليه السلام قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «إنّ اللَّه عزّوجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء قدر ما يسعهم، فإن منعوهم حتّى‏ يجوعوا أو يعروا أو يجهدوا حاسبهم اللَّه فيه حساباً شديداً، وعذّبهم عذاباً نكراً» [٥٨].

وفاته

توفي محمد سنة 81 ه في المدينة، عن 65 عاماً، ودفن في البقيع [٥٩]. وذكر ابن سعد أنّه صلّى‏ عليه أبان بن عثمان بن عفّان والي المدينة بعد أن استأذن ابن محمد، إلّا أنّ الكشي روى‏ أنّ الإمام الباقرعليه السلام مَن غمّضه وغسّله وكفّنه، وصلّى‏ عليه ودفنه [٦٠].

المراجع

  1. تهذيب الأسماء واللغات 1: 88، البداية والنهاية 9: 38، صفة الصفوة 2: 77، مختصر تاريخ دمشق 23: 93، الجرح والتعديل 8: 26، مروج الذهب 3: 116، طبقات الفقهاء: 45، تهذيب التهذيب 9: 315.
  2. المعارف: 216، البداية والنهاية 9: 38، تاريخ الطبري 11: 628.
  3. سير أعلام النبلاء 4: 110، كتاب التاريخ الكبير 1: 182، رجال صحيح مسلم 2: 174.
  4. الطبقات الكبرى‏ 5: 91، تهذيب الكمال 26: 148، سير أعلام النبلاء 4: 110.
  5. تقريب التهذيب 2: 192.
  6. الطبقات الكبرى‏ 5: 91، تاريخ الإسلام 6: 181.
  7. أنساب الأشراف 2: 422.
  8. الطبقات الكبرى‏ 5: 92.
  9. المصدر السابق: 94، أنساب الأشراف 2: 924، بحار الأنوار 18: 112.
  10. الطبقات الكبرى‏ 5: 92.
  11. تهذيب التهذيب 2: 276، الملل والنحل 1: 142.
  12. جمهرة ابن حزم: 66، أنساب الأشراف 2: 1393.
  13. سير أعلام النبلاء 4: 130.
  14. وفيات الأعيان 4: 170، شذرات الذهب 1: 88، 89، سير أعلام النبلاء 4: 115.
  15. مختصر تاريخ دمشق 23: 97.
  16. غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 204.
  17. الوافي بالوفيات 4: 102.
  18. الطبقات الكبرى‏ 5: 94.
  19. المصدر السابق: 115.
  20. المصدر نفسه: 96، حلية الأولياء 3: 174 - 175، مختصر تاريخ دمشق 23: 103 - 105.
  21. المصادر السابقة.
  22. الفصول المختارة 300: 301.
  23. مختصر تاريخ دمشق 23: 105، سير أعلام النبلاء 4: 122.
  24. قرب الإسناد: 27 ح 91، الطبقات الكبرى‏ 5: 93، وقعة صفّين: 249.
  25. البداية والنهاية 9: 38.
  26. الطبقات الكبرى‏ 5: 92، 93.
  27. مختصر تاريخ دمشق 23: 97.
  28. بحار الأنوار 42: 105.
  29. المصدر السابق: 81.
  30. المصدر نفسه: 110.
  31. مناقب ابن شهرآشوب 4: 96، 97، الفتوح 5: 21 - 24.
  32. بحار الأنوار 42: 81.
  33. المصدر السابق: 110.
  34. مناقب ابن شهرآشوب 4: 60.
  35. العقد الفريد 3: 239.
  36. الطبقات الكبرى‏ 5: 100 - 105. وذكر اليعقوبي أنّ عبداللَّه بن الزبير نفى‏ محمداً إلى‏ جبل «رضوى‏» في أطراف المدينة. (تاريخ اليعقوبي 2: 179).
  37. المصدر السابق: 105 - 106.
  38. العقد الفريد 3: 107 - 109.
  39. المصدر السابق: 110 - 112.
  40. أنساب الأشراف 3: 469 - 471، كتاب المقفى الكبير 6: 279 - 281.
  41. مناقب ابن شهرآشوب 3: 112.
  42. الفصول المختارة: 300، 302.
  43. بحار الأنوار 42: 100.
  44. مناقب ابن شهرآشوب 3: 452.
  45. سير أعلام النبلاء 4: 115.
  46. بحار الأنوار 42: 96.
  47. الفصول المختارة: 296 - 305.
  48. رجال الكشّي: رقم 149، 192، 568، الفصول المختارة: 298، 299.
  49. رجال الكشّي: رقم 192.
  50. مناقب ابن شهرآشوب 4: 159، 266، بحار الأنوار 42: 79، الغدير 2: 245 - 251.
  51. الفصول المختارة 247 - 300، غيبة الطوسي: 15 - 17؛ فرق الشيعة: 26 - 27، بحار الأنوار 37: 1 - 9 و42: 75 - 109.
  52. الفصول المختارة: 305، غيبة الطوسي: 17.
  53. البداية والنهاية 9: 38.
  54. تهذيب الكمال 26: 149، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 204.
  55. تاريخ أسماء الثقات: 410، كتاب الثقات 5: 347، تقريب التهذيب 2: 192.
  56. الكافي 1: 348، الفصول المختارة: 296 فما بعد، بحار الأنوار 42: 110، معجم رجال الحديث 17: 54، 56، مستدركات علم رجال الحديث 7: 77.
  57. سير أعلام النبلاء 4: 111، تهذيب الكمال 26: 148، رجال صحيح البخاري 2: 668، رجال صحيح مسلم 2: 174، جامع الأخبار: 38 ح 25، بحار الأنوار 3: 230.
  58. حلية الأولياء 3: 178.
  59. الطبقات الكبرى‏ 5: 116، المعارف: 216، كتاب الثقات 5: 347.
  60. الطبقات الكبرى‏ 5: 116، رجال الكشّي: رقم (569).