قيام الأمارة مقام القطع

من ویکي‌وحدت

قيام الأمارة مقام القطع: الأمارة حجة ظنية کالظن الذي يستفاد من خبر الواحد، بخلاف القطع واليقين فإنّه حجية ذاتية. والبحث في هذا المقال هو هل أن الأمارة يقوم مقام القطع عند فقدان القطع أو لا؟ سيتضح لک الجواب عن هذا السؤال في هذا المجال.

قيام الأمارة مقام القطع

لا إشكال عند الأصوليين في قيام الأمارة مقام القطع الطريقي بنفس أدلّة اعتبار الأمارة وحجّيتها[١]، بمعنى أنّ نفس ما يترتّب على القطع من المنجزية والمعذرية يترتّب على الأمارة[٢]، بل هو المتيقن من دليل الحجّية، بل هو الغاية من جعل الأمارة واعتبارها[٣].
إنّما الاشكال في قيام الأمارة بدليل اعتبارها مقام القطع الموضوعي بأقسامه، وقد اختلفوا على قولين:

القول الأوّل: قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي دون الوصفي

قد ذهب إليه الشيخ الأنصاري[٤]، وتبعه بذلك المحقّق النائيني[٥]، حيث إنّ القطع المأخوذ موضوعا بنحو الصفتية كغيره من موضوعات الأحكام لا ينظر إليه دليل اعتبار الأمارة بأيّ نحو كان مفاده ـ كما يأتي تفصيله ـ فجعل المؤدّى مثلاً أجنبي بالمرّة عن تنزيل الأمارة منزلة القطع، وجعل الطريقية والكاشفية لاينفع بعد أن فرض أنّ جهة الكشف ملغاة في القطع الصفتي، بل يكون المأخوذ صفة خاصّة نفسانية وأدلّة اعتبار الأمارة لاتدلّ على تنزيلها منزلة الصفات النفسانية[٦]. ولكن الأمر ليس بهذه المثابة من الوضوح بالنسبة إلى القطع الموضوعي الطريقي فقد يتخيل ارتباط دليل اعتبار الأمارة به، كما التزم به الشيخ الأعظم ومن تبعه، بما أنّ دليل اعتبار الأمارة يتكفّل نفي احتمال الخلاف فهو ينزَّل الأمارة منزلة العلم، ومقتضى إطلاقه تنزيل الأمارة منزلة العلم من جهة كونه طريقا، ومن جهة كونه موضوعا، فتقوم الأمارة مقام القطع الطريقي والموضوعي بنحو الطريقية[٧]. وحينئذٍ ففي صورة قيام الأمارة تثبت أحكام المؤدّى وأحكام القطع ببركة دليل الحجّية، ولكن التوسعة والحكومة بلحاظ أحكام المؤدّى، حكومة ظاهرية وبلحاظ أحكام القطع نفسه، حكومة واقعية[٨].

القول الثاني: عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي مطلقا

أنكر المحقّق الخراساني قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي بأقسامه وابتدأ بنفي قيام الأمارة مقام القطع الصفتي ـ كما تقدّم ضمن القول الأوّل ـ ثُمّ عطف عليه قيام الأمارة مقام الموضوعي الطريقي، ونفاه بعين ما نفى به قيامها مقام الصفتي، حيث إنّ القطع الموضوعي الطريقي ذو أثرين: الأثر المتأخّر عنه وهو ما يترتّب عليه وبه يكون موضوعا للحكم، والأثر السابق عليه وهو ما تعلّق به، وبه يكون طريقا للحكم وكاشفا، ودليل اعتبار الأمارة ـ بأي نحو كان مفاده ـ يتكفّل جعل الأمارة بلحاظ الواقع السابق على القطع لا اللاحق، بل القطع بلحاظ أثره اللاحق كسائر موضوعات الأحكام لاينظر إليه دليل اعتبار الأمارة.
ثُمّ أشكل على قيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي بأنه مستلزم لاجتماع اللحاظين في شيء واحد بلحاظ آلي لتنزيلها منزلة القطع الطريقي ولحاظ استقلالي لتنزيلها منزلة القطع الموضوعي[٩].
ذهب إليه السيّد الخميني[١٠] وللشهيد محمّد باقر الصدر بيان آخر[١١].
بناء على قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي هل يكون ذلك في طول قيام الأمارات مقام القطع الطريقي، بحيث لو لم يكن أثر للقطع الطريقي لاتقوم الأمارة مقام القطع الموضوعي أو لاتلازم بينهما، بل هما عرضيان؟ ومن جملة ثمرات ذلك تخريج عملية إفتاء الفقيه بالأحكام الخارجة عن محلّ ابتلائه كأحكام النساء مثلاً، فإنّه لا أثر بلحاظ مؤدّى أدلّة تلك الأحكام من الأمارات بلحاظ نفس الفقيه، إذ لاتكون منجزة عليه، وإنّما الأثر بلحاظ نفس العلم بها الواقع موضوعا للحكم بجواز الإفتاء الذي هو الحكم الداخل في ابتلائه، فحينئذٍ إن قيل بالطولية بين المقامين فلايمكن للفقيه أن يفتي بالحكم الواقعي، لعدم كونه عالما به لا وجدانا ولا تعبّدا بحسب الفرض، وإن قيل بالعرضية بينهما جاز له الإفتاء لكونه عالما بالواقع اعتبارا أو تنزيلاً.
وقد يقال: بأنّ ذلك يختلف باختلاف المسالك بحسب مدارك القول بقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي، فبناء على مسلك أنّ دليل الحجّية يدلّ بالمطابقة على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع، وبالالتزام بتنزيل القطع بالواقع الجعلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي، يمكن القول باختصاص ذلك بما إذا كان للواقع أثر ولو ضمنا؛ إذ من دون ذلك لايكون هنا واقع جعلي لكي ينزل القطع به منزلة القطع بالواقع الحقيقي.
فبناء على مسلك أنّ دليل الحجّية يجعل الأمارة علما لا موجب للطولية بين آثار القطع الطريقي والموضوعي في قيام الأمارة مقامها[١٢].

المصادر

  1. فرائد الأصول 1: 33.
  2. منتقى الأصول 4: 70، مصباح الأصول 2: 35.
  3. بحوث في الأصول الهاشمي 4: 73.
  4. فرائد الأصول 1: 33 ـ 34.
  5. المصدر السابق 3: 21.
  6. منتقى الأصول 4: 71 ـ 72.
  7. فوائد الأصول 3 : 21، مقالات الأصول 2 : 437، مصباح الأصول 2: 35 ـ 37.
  8. بحوث في علم الأصول 4: 96.
  9. كفاية الأصول: 263.
  10. أنوار الهداية 1: 106 ـ 107.
  11. بحوث في علم الأصول الهاشمي 4: 94، 95.
  12. المصدر السابق: 96.