فکرة الترتّب

من ویکي‌وحدت

فكرة الترتّب: و الترتّب اصطلاحٌ أصوليٌ، وهو أن يکون هناک تکليفان متزاحمان: الأهمّ والمهمّ، کالذي يذهب إلی العمرة المفردة بينما هو مديون بدِينٍ عاجلٍ؛ فهل تصح عمرته في حين أنه يجب دفع مخارج السفر إلی الدائن؟ قال بعض الأصحاب بصحة عمرته ولکن بشرطِ قصدِ المکلّف عصيانَ الأهمّ وترکه، فعند عصيان الأهمّ يکون التکليفُ المهمّ (أي العمرة) فعلياً فيصدق الامتثال فيصح عمله. وهذا البحث من أروع منتوجات المباحث الأصولي الذي اخترعه بعض علماء الإمامية، وفي هذا المقال سنقدّم للقارئ الکريم تاريخ هذه الفکرة.

تاريخ فكرة الترتّب

المستفاد من فتاوى كثير من الفقهاء في فروع التزاحم ـ كتزاحم المضيّقين أو الموسّع والمضيّق من العبادات ـ بناؤهم لحكم العبادة على نتيجة مسألة الضد في علم الأصول، فلو قيل: بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العبادي فتفسد العبادة ولو قيل: بعدمه فلا تفسد؛ بناءً على دلالة النهي الغيري على الفساد في العبادة، ولذلك حكمت جماعة بالفساد[١]، بينما حكمت جماعة بالصحّة منكرين دلالة الأمر على النهي عن الضدّ العبادي، أو دلالة النهي الغيري على فساد العبادة[٢].
ولكن نُسب إلى الشيخ البهائي أنّه حكم بالفساد حتّى بناءً على عدم دلالة النهي على الفساد، مستدلاًّ عليه بفقدان الأمر في العبادة المزاحمة بواجب أهم؛ ضرورة حاجة العبادة إلى إحراز الأمر وقصده[٣].
ولكن اُجيب عنه بأنّ الأمر الفعلي المطلق بالضدّين وإن كان غير صحيح لمكان التمانع بينهما، إلاّ أنّ الأمر بأحدهما مشروطا ومترتّبا على ترك الآخر وعصيانه ممكن، ومن أوّل من ينسب إليه هذه الفكرة المحقق الكركي في بعض المباحث الفقهيّة، حيث قال قدس‏سره: «لا نسلّم لزوم تكليف ما لا يطاق؛ إذ لا يمتنع أن يقول الشارع: أوجبت عليك كلاًّ من الأمرين، لكن أحدهما مضيّق والآخر موسّع، فإن قدمت المضيّق فقد امتثلت وسلّمت من الإثم، وإن قدّمت الموسّع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة في التقديم»[٤].
وأمّا التعبير عنه بما هو المعروف من مادّة (رتب) فلعلّه كان من زمن الشيخ محمّد تقي شارح (المعالم) الذي عبّر بـ (بالترتيب) إذ قال: «تعلّق التكليف بالمتضاديّن إنّما يكون من قبيل التكليف بالمحال إذا كانا في مرتبة واحدة... وأمّا إذا كانا مطلوبين على سبيل (الترتيب) بأن يكون مطلوب الآمر أوّلاً هو الاتيان بالأهمّ ويكون الثاني مطلوبا له على فرض عصيانه للأوّل وعدم إتيانه بالفعل فلا مانع منه أصلاً[٥].
كما جاء في كلام أخيه صاحب الفصول التعبير بالترتّب حيث قال: «وقد يتفصّى عن الإشكال المذكور بأنّ الأمر والنهي يجوز تواردهما على شيء واحد إذا كانا (مترتبيّن) سواء كانا نفسيين أو غيريين أو مختلفين، وإن قلنا: بأنّ التكليف بالمحال محال مطلقا؛ إذ لا يمتنع عند العقل أن يقول المولى الحكيم لعبده: اُحَرّم عليك الكون في دار زيد مطلقا، لكن لو عصيتني وكنت فيها فأنا أوجب عليك أن تكون في موضع كذا منها...»[٦]، وقد شاع الآن هذه الفكرة لدى علماء الإمامية كمصطلح معروف معلوم المراد مسمّى بفكرة (الترتّب). قال المحقّق الخراساني: «ثُمّ إنّه تصدّى جماعة من الأفاضل لتصحيح الأمر بالضدّ بنحو الترتّب على العصيان...»[٧]. وقال المحقّق النائيني: «المسألة الاُولى في إمكان الترتّب في المتزاحمين... ، بحيث يكون إطلاق الأمر بالأهمّ على حاله، والأمر بالمهمّ يقيّد بصورة عصيان الأهمّ وتركه...»[٨]. وكذا تجد في غيرها.

المصادر

  1. . أنظر: المقنعة: 143، المبسوط 1: 126 ـ 127، غنية النزوع: 98 ـ 99، المهذب 1: 126، السرائر 1: 272 ـ 273، 2: 33، قواعد الأحكام الحلّي 2: 102، التذكرة 13: 13، وغيرها.
  2. . أنظر: أجود التقريرات 2: 200 ـ 203، فوائد الأصول 1: 467، زبدة الأصول 2: 29 وغير ذلك من كلماتهم في مبحث النهي عن العبادة.
  3. . مناهج الوصول 2: 30، أنظر: زبدة الأصول: و121 ـ 122.
  4. . جامع المقاصد 5: 14.
  5. . هداية المسترشدين 2: 271.
  6. . الفصول الغروية: 96، س 26.
  7. . كفاية الأصول: 134.
  8. . فوائد الأصول 1: 336.