شبهة أمية الرسول، وكتابته القرآن بيده

من ویکي‌وحدت

شبهةُ أمّيّةِ الرسولِ، وكتابتُهُ القرآنَ بيدِهِ:

تَبيينُ الشُّبهَةِ

ربما يقال: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان لايقرأ ولايكتب قبل البعثة فقط، ويستدل لذلك بقول الله عز وجل: «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ». فهو يقول إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان لا يتلو من كتاب ولا يخطه بيمنه قبل البعثة أما بعد البعثة فهو الذي كتب القرآن وخطه بيمينه ليأتينا القرآن كما هو الآن،
ويقول إن معجزة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت قراءة وكتابة القرآن فقومه كانوا يعلمون أنه لا يقرأ ولا يكتب ولكن عندما رأوه فجأة يقرأ ويكتب القرآن كانت هذه هي المعجزة بالنسبة له، بل وينكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد توفي قبل أن يجمع القرآن في مصحف واحد، وينكر صحيح السنة النبوية إلاّ ما وافق القرآن، وقال: إن جبريل (عليه السلام) لما نزل ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في غار حراء، وقال له جبريل (عليه السلام): إقرأ؛ ثم قال له النبي (صلى الله عليه وآله) ما أنا بقارئ. ففي ذلك الوقت كان أمام النبي (صلى الله عليه وآله) اللوح المحفوظ ليقرأ منه وإلا فمن أين سيقرأ؟ ويستدل لذلك أن الله تعالى يوم القيامة عندما يخاطب كل فرد ويقول له: «اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا». والأمي سيقرأ لذلك، فنبيُّنا (صلى الله عليه وآله) لما قال له جبريل: اقرأ وهو أمّيٌّ كان أمامه الكتاب ليقرأ منه.

الإجابــةُ

القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد كتب القرآن كلَّه بيده فهو إفكٌ مبينٌ، ولم يقل به أحدٌ، ومن المتواتر أن النبي (صلى الله عليه وآله)كان يأمر جمعًا من الصحابة بكتابة الوحي، وهم من يُعرفون بكُتَّاب الوحي. ومقتضى كلام من يقول: أنّ القرآن العظيم لا يكون محفوظًا إلاّ إذا كتبه النبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه، ويلزم من قوله أنّ القرآن لم يصلنا كما أنزل؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يثبت أنه كتب القرآن كله بيده، وليُعلم أنّ الدِّفاع عن الشرع بمثل هذه الأجوبة الواهية لا يفيد، فهي ليست للحق ناصرة، ولا للباطل كاسرة، بل هذه الأجوبة المختلقة الواهية تَقْوَي أهلَ الباطل، وتُفَتِّحُ لهم الأبوابَ المرتجةَ. وأما جمع القرآن العظيم، فالموجز أنَّهُ كُتِبَ القرآنُ كلُّه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكن مفرَّقًا في الصُّحُفِ، فسيأتي تفصيله. وأما الكلام عن قصة نزول الوحي: فقد جاء في رواية مرسلة لا تصح أن جبريل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بكتاب،
وليس في الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قرأ من الكتاب، ولا أن الكتاب من اللوح المحفوظ، قال ابن حجر: قوله: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ». يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه، والتيقظ لما سيلقى إليه، ويحتمل أن يكون على بابه من الطلب، ويحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة، أي قل: اقرأ، وإن كان الجواب: ما أنا بقارئ، فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ، وكأنّ السِّرَّ في حذفها؛ لئلاَّ يتوهَّم أنَّ لفظ قل من القرآن. قوله: ما أنا بقارئ، وقع عند بن إسحاق في مرسل عبيد بن عمير أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أتاني جبريل بنمطٍ من ديباجٍ فيه كتابٌ، قال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ. قال السهيلي: قال بعض المفسرين: إنّ قوله: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ». إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل حيث قال له: اقرأ.اهـ. من فتح الباري باختصار.