رابطة الفطرة والكون

من ویکي‌وحدت

رابطة الفطرة والكون من الأبحاث الجذرية التي لو كشف عنها الغطاء لانكشف كثير من روابط الإنسان مع بئته والآخرين.

رابطة الفطرة والكون

الفطرة؛ تعني التَّعرُّف بالمبادئ وقوانين الخلق والتغيير والتطوُّر، وهي التي تكوِّن البنية الأساسية للكائنات. قال تعالى في بداية سورة العلق: «اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذ۪ي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ * اِقْرَاْ وَرَبُّكَ الْاَكْرَمُ * اَلَّذ۪ي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ».
، وهي تلفت الإنتباه إلى خلق الإنسان وإلى ما يملكه من المعرفة. يبدأ الإنسان القراءة بالبحث عن ذاته والبيئة التي يعيش فيها؛ فيتعلم مبادئ وقوانين الخلق، ويعيش وفقا لتلك المبادئ والقوانين. وبقراءة ما في نفسه والآفاق يكتشف قوانين جديدة في كل لحظة، ويعرف الحِكم التي من أجلها خُلق وجميعُ الموجودات. أمَّا الغافل الذي لا يعرف نفسه ولا ينتبه لما يجري حوله فتغمره الأخطاء، ويخنقه الحزن ويتكبد الخسران. ولهذا أكَّد علي (عليه السلام) في تبيين خلق الإنسان والهدف منه على لزوم معرفته لنفسه أولاً، ولما حوله من آيات المقدرة والعظمه ثانيا: >ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَ سَهْلِهَا وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَ لَاطَهَا بالبلة حَتَّى لزبت فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَ أَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أجل مَعْلُومٍ‏. ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامِّ وَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَ الْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَ الْأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ وَ البلة وَ الْجُمُودِ<. والتَّفكر في الأنفس والآفاق هو الطريق الذي يؤدِّي إلى الخالق؛ لأنَّ عظمة الخالق تتجلَّى في الخلق، فكلُّ شيء أثرٌ منه تعالى. ومن يقرأ ما في نفسه والآفاق من حوله فإنَّه يعرف الحكمة التي خلقه الله تعالى من أجلها والكون جميعا، وعند ذلك فلا بد أن يتأثر بروحه وجسمه بكلّ ما أمر سبحانه وتعالى.
قال علي (عليه السلام) في هذا المجال: >فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَ يُرُوهُمْ آيَاتِ المقدرة مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَ مَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَ أَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ<. فلا يعتريه التردُّد في قبول ما جاء من ربِّه، ويعرف الحقيقة، ويبقى له أنْ يختار أحد الطريقين؛ أنْ يعيش وفق ما عرفه من الحقائق أو يخالفه،
ومن هنا يبدأ الصراع الداخلي. فهم بين من يتَّبع الرُّسل، والذين يرفضون إتّباع الرُّسل مع أنَّ كلاهما لاينكرون وجود الله؛ لأنَّه لايشك أحدٌ في وجوده تعالى، لأنَّه حقيقة يعرفها كلُّ واحدٍ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَالْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَأَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَالْمُبْطِلُونَ».
ولكنَّهم يأبون إمتثال ما أمر الله تعالى بواسطة رسله، فيهلك من هلك عن بينةٍ ويحيى من حيَّ عن بينةٍ؛ لأنَّ الكافر قد إختار حياة تخالف الفطرة عن طواعية، فهو سيقبل محنة الدنيا والآخرة كذلك؛ وذلك لأنِّ الفطرة التي فطر الله الناس جميعهم عليها دون تفريق بين مكانهم أو ألوانهم أو حتى زمانهم فطرة واحدة لا تتغير، وهي التوحيد لله تعالى ليس عبادة فقط بل إحساس وتصرف وردود أفعال أيضا، فهو الإله وحده أي من يملك الملك والملكوت كلَّه الذي حولنا، يملك الكون وما فيه،
يملك نظامه وتنظيمه والعمل فيه. العقل والشرع تأكيداً له يحكم بأنَّ كمال الحرية أنْ لايعبد إلاَّ الله وحده، ومنتهى الرُّقي البشري أنْ لايطاع إلاَّ خالق واحد وضع منظومة خلق ودين تتماشى مع كلّ أنواع الناس وتواءم بينهم. ولأنَّ الإنسان جزء من هذا الكون المنظم، فهو يسير في نفس منظومة العمل والنظام، عليه واجبات واجتهادات إذا فعلها سارت معه كلُّ هذه المنظومة الكونية الدقيقة من حوله دون خلل أو إخلال.
فالمنظومة كلُّها خلقتْ من أجله وخلق هو ليعبد الله باستخدام ما سخَّر له منها، ومنه قوله تعالى: >وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي<. أي خلقني.