دعاة الإصلاح

من ویکي‌وحدت

دعاة الإصلاح: من يتّخذ الإصلاح هدفاً يسعى لتحقيقه بشتّى الوسائل المشروعة، ويؤمن به طريقاً مهيعاً للوصول إلى الوحدة الإسلامية المنشودة، ممّا يحقّق الرفاه والسلم الاجتماعي والتطوّر نحو مستقبل زاهر جميل يتعاضد فيه أبناء الأمّة جميعاً للوقوف بصلابة وتماسك بوجه التحدّيات التي تواجه مسيرتهم الصعبة في هذا العالم الذي تحكمه المنافع والمصالح الضيّقة والشهوات.

الإصلاح لغةً واصطلاحاً

الإصلاح ( ‏Reform‏ ) لغةً: ضدّ الإفساد، وهو من الصلاح المقابل للفساد وللسيّئة(1‏).

(1‏) راجع: المصباح المنير ص345، القاموس المحيط ج1 ،ص243.

وفي القرآن ‏الكريم: (خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (سورة التوبة: 102)، (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ ‏إِصْلاَحِهَا) (سورة الأعراف: 56).

فالإصلاح هو: التغيير إلى الأفضل. والحركات الإصلاحية ‏هي: الدعوات التي تحرّك قطاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة، ‏انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سلّم التطوّر الإنساني.‏

والإصلاح أيضاً: تعديل أو تطوير غير جذري في العلاقات الاجتماعية دون المساس بأُسسها.

إطلالة على الإصلاح الإسلامي

الإصلاح الإسلامي: إحدى الوجوه المرادة في تقويم الاعوجاج وإقامة الأود الحاصل في الكيان ‏الإسلامي نتيجة الظروف المحيطة به والتحدّيات التي تواجهه. ولا يخفى أنّ ذلك يحتاج إلى سعي ‏حثيث وبذل للجهود، فضريبة الإصلاح هي الاضطهاد، وذلك على حدّ تعبير الأُستاذ عبد الوهاب حمّودة المصري.‏

ولا يفرّق بين الإصلاح وبين مصطلح الثورة في مستوى التغيير وشموله، وإنّما من حيث ‏الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير، فكلاهما إسلامي، يعني التغيير الشامل والعميق، لكنّ الثورة ‏تسلك سبل العنف غالباً والسرعة في التغيير، في حين تتمّ التغييرات الإصلاحية بالتدريج، وكثيراً ما ‏تعطي الثورة الأولوية لتغيير الواقع، في حين تبدأ مناهج الإصلاح عادةً بتغيير الإنسان وإعادة صياغة ‏نفسه وفق الدعوة الإصلاحية، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي ‏الجديد.‏

ولذلك وصفت رسالات الرسل (عليهم الصلاة والسلام) بأنّها دعوات إصلاح، فيقول رسول الله ‏شعيب (عليه السلام): (إِنْ أُرِيدُ إِلّا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (سورة هود: 88).‏

ومن هنا يتبيّن أنّ المصلح هو: المزيل للفساد والعداوة، والآتي بما هو صالح ونافع، والمسالم ‏والمصافي، والمستقيم المؤدّي لواجباته.

وهذا هو ديدن المصلحين في الأمّة الإسلامية، إلّا أنّه قلّ أن ‏تجد مصلحاً أو مرشداً إلّا لقيته قد ضاق من الاضطهاد ألواناً، وأصاب من العنت والشقاء ضروباً، ‏وليست هذه السنّةـ أي: سنّة الاضطهاد والشقاءـ وقفاً على رسل الله وأنبيائه، بل هي مطّردة في ‏جميع المجاهدين لإصلاح البشرية، الذين يحاربون المفسدين للنظم الاجتماعية الصحيحة، ويكافحون ‏شرور الطغيان، ويعملون على هدم صروح البغي والتفرقة والعدوان في أيّ عصر كانوا وإلى أيّ أُمّة ‏انتسبوا.‏

يقول الدكتور محمّد عمارة: «والناظر في تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين ‏دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد في تلك المجتمعات، وعلى سبيل المثال: نجد الحركة ‏الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بدءاً من مصر وشمولاً لكلّ العالم الإسلامي تمثّل إحياءً وتجديداً للفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الجوهرية: القرآن ‏الكريم، والسنّة النبوية الصحيحة، ومناهج السلف الصالح».‏

أطروحات دعاة الإصلاح

قد قدّم بعض هؤلاء المصلحين أطروحات ومشاريع لعملهم، يمكن تلخيصها فيما يلي:‏

‏1 ـ نقد ورفض الجمود والتقليد، سواء أكان هذا التقليد للسلف وجموداً على تراثهم، أم تقليد ‏الغرب والجمود على الثقافة الحداثية للتغريب.‏

‏2 ـ الدعوة إلى التجديد الذي يؤدّي إلى تحرير الفكر من القيود، وفهم الدين على طريقة سلف الأُمّة قبل ‏ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارف الدين إلى ينابيعها الأُولى، واعتبار الدين من ضمن ‏موازين العقل البشري، وإصلاح أساليب اللغة العربية، والتمييز بين ما للحكومة من حقّ الطاعة ‏على الشعب، وما للشعب من حقّ العدالة على الحكومة.‏

‏3 ـ الإصلاح بالإسلام، لا بالمشاريع الغريبة على البيئة الإسلامية.‏

‏4 ـ الوسطية الإسلامية التي برِئت من الغلو والإغراق في المادّية أو في الروحانية.‏

‏5 ـ العقلانية المؤمنة التي تجمع بين العقل والنقل.‏

‏6 ـ الوعي بسنن الله الكونية التي تحكم عوالم المخلوقات، وجعل هذه السنن علماً من العلوم ‏المدوّنة.‏

‏7 ـ الدولة في الإسلام مدنية ـ إسلامية، لا كهنوتية ولا علمانية.

‏8 ـ الشورى، أي: مشاركة الأُمّة في صنع القرارات.‏

‏9 ـ العدالة الاجتماعية التي تحقّق التكافل الاجتماعي بين الأُمّة كلّها.‏

‏10 ـ إنصاف المرأة لتشارك الرجل في القيام بفرائض وتكاليف العمل العامّ(‏2‏).‏

(‏2) نقل عن د.محمّد عمارة في المعجم الوسيط للساعدي ج1 ،ص93.

وراجع أيضاً موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح ج1 ،ص13-26.

المصدر

1.القرآن الكريم.

2.القاموس المحيط.

تأليف: محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت817ه)\نشر: دار الجيل-بيروت.

3.المصباح المنير.

تأليف: أحمد بن محمّد الفيومي (ت 770ه)\نشر: دار الفكر-بيروت.

4.المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب.

تأليف: محمّد جاسم الساعدي\نشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-1431ه.

5.موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح.

تأليف: محمّد جاسم الساعدي\نشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-1431ه.