جواز التقليد

من ویکي‌وحدت

جواز التقليد: اصطلاح فقهيٌ أو أصوليٌ بمعنی جواز رجوع الجاهل إلى العالم بلا دليل، ولکن اختلفوا في أنّ التقليد هل هو من مقولة الفعل أو من مقولة الالتزام؟ فمن عرّفه بأنّه «العمل بقول الغير من غير حجّة ملزمة» لاحظ جانب العمل، و من عرّفه بأنّه «الأخذ بقول الغير من غير دليل» نظر إلی جانب الالتزام.

تعريف التقليد لغةً

التقليد: جعل شيء في العنق محيطا به، ومنه الحديث النبوي: «قلّدوا الخيل ولاتقلّدوها الأوتار»[١]، أي لاتجعلوا الأقواس التي هي حديد في أعناقها خشية اختناقها، وما يحيط العنق يسمّى قلادة[٢].

تعريف التقليد اصطلاحاً

ذكر للتقليد عدّة تعريفات:
منها: قبول قول بلا حجّة[٣]. وما هو قريب من ذلك[٤].
منها: قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد[٥].
منها: قبول قول الغير في الأحكام الشرعية من غير دليل على خصوصية ذلك الحكم[٦].
منها: الأخذ بقول الغير من غير دليل[٧].
منها: العمل بقول الغير من غير حجّة ملزمة[٨]. وما هو قريب من ذلك[٩].
منها: العمل اعتمادا على رأي الغير[١٠].
منها: الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل[١١].
منها: الالتزام بالعمل بقول مجتهد معيّن وان لم يعمل بعد[١٢].
وهذه التعريفات يمكن أن تكون على ثلاث طوائف؛ طائفة اُخذ فيها لفظ «القبول» أو «الأخذ»، وطائفة أخذ فيها لفظ «العمل»، وطائفة اُخذ فيها لفظ «الالتزام»، فهل هذا الاختلاف في هذه التعريفات هو مجرّد اختلاف في الألفاظ، وأنّ المقصود والمراد من الجميع واحد، أو الاختلاف في ذلك اختلاف في معنى التقليد؟
فقد يدّعى أنّ الثمرة بين التعبير بالعمل وبين التعبير بغيره تظهر في من قلّد مجتهدا ولم يعمل بقوله بعد، فإنّه بناءً على أخذ مجرّد الالتزام في تعريفه يكون مقلّدا له، فيجوز البقاء على تقليده، بخلافه ما لو أخذنا في مفهومه قيد العمل، فإنّه لايكون مقلّدا لذلك المجتهد لعدم عمله بما التزم به فلايجوز له البقاء على تقليده ـ بناءً على جواز البقاء ـ[١٣] .
ويذهب السيّد الحكيم إلى أنّ هذا الاختلاف مجرّد اختلاف في العبارة فـ «أنّ عدم تعرضهم للخلاف في ذلك مع تعرّضهم لكثير من الجهات غير المهمّة يدلّ على كون مراد الجميع واحدا وأنّ اختلافهم بمحض التعبير[١٤].
ورجّح بعد ذلك كون مراد الجميع واحدا، وهو أيضا ماذكره السيد الخوئي بأنّ المراد به العمل لا مجرّد الالتزام «فمعنى أنّ العامي قلّد المجتهد أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه وأتى بها استنادا إلى فتواه لا أنّ معناه الأخذ أو الالتزام أو غير ذلك من الوجوه لعدم توافق شيء من ذلك مع معنى التقليد لغة ـ مثلاً ـ إذا فسرناه بالالتزام رجع معنى تقليد المجتهد إلى أنّ العامّي جعل فتوى المجتهد وأقواله قلادة لنفسه لا أنّه جعل أعماله قلادة على رقبة المجتهد»[١٥]، وأضاف بعد ذلك أنّ الاختلاف في مفهوم التقليد لايترتّب عليه أي ثمرة فقهية، وأنّ ما ذُكر له من ثمرة فإنّ مبنى الخلاف فيه يعود إلى أمر آخر لا إلى الاختلاف في مفهوم التقليد[١٦].
ثُمّ إنّ هناك شيئا آخر يلاحظ في بعض التعاريف وهو إضافة لفظ «من غير حجّة» فإنّ مرادهم به وقوعه صفة للتقليد، فالتقليد وقع من غير حجّة توجب جوازه، ولذا ذكروا فيه أنّه لايشمل رجوع العامّي إلى المفتي، فإنّه رجوع قامت الحجّة على جوازه[١٧]. لكن الاختلاف في ذلك لفظي فحسب، فإنّهم أجازوا رجوع الجاهل إلى العالم وإن لم يسمّوا ذلك تقليدا[١٨].
ثُمّ إنّ العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي هو أنّ العامّي «كأنّه يجعل ما يعتقده من قول الغير من حقّ أو باطل في عنق من قلّده»[١٩].

حکم التقليد

وقع البحث في جواز التقليد وعدمه، والكلام في ذلك في مقامين:

المقام الأوّل: التقليد في أصول الدين وضرورياته

ذهبت الشيعة الإمامية[٢٠] وجمهور محقّقي أهل السنّة[٢١] إلى عدم جواز التقليد في أصول الدين «كمعرفة اللّه‏ تعالى ووحدانيته وصحّة الرسالة ونحوها من القطعيات الظاهرة الأدلّة، لظهور أدلّتها في نفس كلّ عاقل وإن منع العامّي... قصور عبارته من التعبير عن تلك الأدلّة الظاهرة، فإنّ العامّي إذا رأى العالم باختلاف أجناسه وأنواعه وحركاته وما فيه من الحكمة والاتقان علم بالضرورة أنّ له صانعا، وإن قصرت عبارته عن تقرير دليل الدور والتسلسل الدالّ على وجود الصانع»[٢٢].
وكذلك ذهبوا إلى عدم جواز التقليد «فيما علم كونه من الدين ضرورة كالأركان الخمسة، وهي: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحجّ، لاشتراك الكلّ ـ يعني العامّي وغيره ـ في العلم بذلك، إذ التقليد يستدعي جهل المقلِّد بما قلَّد فيه، وذلك مستحيل فيما عُلم بالضرورة»[٢٣].
وعلل السيّد الحكيم القول بعدم جواز التقليد فيه، بقوله: «إنّ وجوب العمل شرعا برأي الغير حكم ظاهري كوجوب العمل بسائر الحجج، ومن المعلوم أنّ الحكم الظاهري يختصّ جعله بحال الشكّ، فيمتنع جعل حجّية رأي الغير مع العلم بالواقع، كما في الضروريات واليقينيات»[٢٤].
وقد استدلّوا لذلك أيضا بجملة من الأدلّة كالآيات الواردة في المنع عن التقليد وذمه، والإجماع القائم على عدم جواز التقليد فيها، وحكم العقل بعدم جواز اعتماد الظنّ في أصول الدين لاحتمال خطأ الظنّ، وغير ذلك من الأدلّة[٢٥].
وفي المقابل «ذهب كثير من الفقهاء وبعض المتكلّمين كعبيد اللّه‏ بن الحسين العنبري والحشوية والتعليمية جوازه»[٢٦]، واستدلّوا له بجملة من الأدلّة أيضا[٢٧]. وللشيخ الأنصاري تفصيل في المسألة ذكره في رسالة «التقليد»[٢٨]. والمسألة معقودة في علم الكلام.

المقام الثاني: التقليد في فروع الدين

أي التقليد في الأحکام الشرعية، واختلفوا في جواز التقليد فيها إلى عدّة أقوال:

القول الأوّل: جواز التقليد ووجوبه

وهو قول الجمهور، وأُستدل له بعدّة أدلّة أهمّها:

الدليل الأوّل: الارتكاز والبناء العقلائي

هذا الارتکاز قائم على جواز رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة في شتّى المجالات، فيجوز رجوع العامّي إلى العالم؛ لكونه أعلم منه بالحلال والحرام، وهذا الارتكاز كان قائما بمرأى ومسمع من المعصوم عليه‏السلامولم يردع عنه، إذ لوردع عنه لوصل إلينا، فتكون مثل هذا البناء وهذه السيرة ممضاة شرعا[٢٩].
وهذا هو عمدة الأدلّة على جواز التقليد.

الدليل الثاني: آية السؤال

قوله تعالى: «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»[٣٠]، فدلّت الآية على وجوب السؤال عند الجهل، وهو في كلّ ما لايُعلم من المسائل والفروع الشرعية، فالآية تدلّ على جواز رجوع الجاهل إلى العالم، وهو معنى التقليد، فإنّ السؤال إنّما هو للعمل به لا لمجرّد السؤال[٣١].

الدليل الثالث: آية النفر

قوله تعالى: «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»[٣٢]. فالآية تدلّ على وجوب التقليد في الأحكام الشرعية لدلالتها على وجوب الحذر عند إنذار الفقيه، وهو إنّما يتحقّق بالعمل على طبق إنذاره وفتواه[٣٣].

الدليل الرابع: الأخبار والروايات

الروايات الدالّة على جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم، وجواز إفتاء السائل بما يسأل عنه، بل أنّ هناك روايات حثّ فيها الأئمة أصحابهم على القيام بدور الافتاء وبيان الأحكام الشرعية للناس، وهي كثيرة اُدعي تواترها إجمالاً[٣٤].

الدليل الخامس: إجماع المسلمين

من بدايات التشريع إلى اليوم على جواز رجوع الجاهل إلى العالم باُمور الحلال والحرام واستفتائه في ذلك، وعدم إلزام المكلّفين بلزوم تحصيل الاجتهاد[٣٥].

الدليل السادس: قاعدة العسر والحرج

إنّ المكلّف يعلم بثبوت أحكام إلزامية مجعولة من قبل الشارع في حقّه، فيترتّب على ذلك وجوب الخروج عن عهدة تلك التكاليف المجعولة في حقّه، والطريق إلى ذلك لايمكن أن يكون منحصرا بالاجتهاد للزوم العسر والحرج منه غالبا، حيث إنّ النظام الاجتماعي للبشر لايسمح لهم بالسعي جميعا وراء الاجتهاد وترك اُمور معاشهم لاختلالها بذلك وتعطّل الحرف والصناعات وتوقّف الحياة عن المسير والتقدّم، وقد قال تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»[٣٦]، وقال(ص): «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»[٣٧]، وإذا ثبت حرجية وضررية هذا الطريق وعدم إمكان النفر إليه كافة لابدّ أن يكون للشارع طريق آخر يتوصّل به المكلّف إلى معرفة أحكامه وتشريعاته، وهذا الطريق هو التقليد ورجوع الجاهل‏العالم بتلك الأحكام والتكاليف[٣٨].

القول الثاني: عدم جواز التقليد ولزوم الاجتهاد

وهو ما نسب إلى القدرية[٣٩]، واختاره جماعة من علماء حلب من الشيعة الإمامية[٤٠].

الدليل الأول: آيات القرآن

ويستدلّ لهم بالكتاب وبالسنّة وبالعقل، أمّا الكتاب فقوله تعالى: «وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»[٤١]، وقوله تعالى: «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ»[٤٢]، فإنّ القول بالتقليد قول بلا علم، وإنّه من اتّباع الآباء المذموم في الآية القرآنية، والمذموم لايكون مشروعا[٤٣].

الدليل الثاني: الأخبار والروايات

أمّا من السنّة فقوله(ص): «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»[٤٤]، وقوله(ص): «اعملوا فكلّ ميسَّر لما خلق له»[٤٥]، فهما يدلاّن على وجوب النظر ولازمه عدم جواز التقليد[٤٦].

الدليل الثالث: العقل

أمّا من العقل فيمكن أن يذكر له عدّة بيانات:
البيان الأوّل: عدم الأمن من الوقوع في الخطأ، فإنّه من الممكن أن يكون المجتهد مخطئا في اجتهاده فيكون موقِعا للمكلّف في مخالفة الحكم الشرعي، فكيف يكون العامّي مأمورا باتّباع الخطأ[٤٧]
البيان الثاني: كما أنّه لايجوز التقليد في أصول الدين، كذلك لايجوز في فروعه[٤٨].
البيان الثالث: إنّه يجب تحصيل العلم بالحكم الشرعي أو ما أمكن من الظنّ إذا تعذر العلم به، والظنّ الحاصل بالاجتهاد أكثر وأغلب من الظنّ الحاصل من التقليد، والأقرب إلى الواجب واجب، فيجب الاجتهاد؛ لكونه أقرب طريق إليه[٤٩]. وكلّ من هذه الاستدلالات وقعت موقع الردّ من قبل الاُصوليين[٥٠].

القول الثالث: جواز التقليد في المسائل الاجتهادية دون غيرها

كالعبادات الخمس، وهو ما نقل عن الجبائي اختياره[٥١]، ونقل استدلاله على ذلك: «بأنّ الحقّ في المسائل الاجتهادية متعدد، بخلاف غيره فإنّه واحد، فالتقليد فيه لايؤمّن من الوقوع في غير الحقّ»[٥٢].

شروط التقليد

إذا ثبت وجوب رجوع الجاهل إلى العالم بالاحكام الشرعية، وقع البحث في شروط مَنْ يُرجع إليه، فقد ذكروا عدّة أوصاف وشروط يجب توفّرها في المقلَّد:

الشرط الأوّل: الاجتهاد

ولا خلاف في شرطيته في جواز الإفتاء، فلا يجوز لغير المجتهد أن يقوم بدور الإفتاء، ويجب على المكلّف أن يستفتي من عرفه بالعلم والاجتهاد[٥٣].
لكن وقع البحث في أنّ شرط الاجتهاد هل يجب منه الاجتهاد المطلق أو يكفي المتجزئ. قولان في ذلك:

القول الأوّل: اشتراط الاجتهاد المطلق

وذكر فيه السيّد الحكيم بأنّه: «هو المعروف المدّعى عليه الوفاق أو الإجماع فلا يصحّ تقليد المتجزئ»[٥٤]، وصرّح السيّد اليزدي باشتراطه[٥٥].
واستدلّ له بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: دليل الانسداد؛ الذي مفاده انسداد الطريق أمام المكلّف من الوصول إلى الحكم الشرعي، كما هو مبيّن في محلّه، فإنّه إذا استدلّ لوجوب التقليد بدليل الانسداد، فإنّ لازمه تعيُّن الرجوع إلى المجتهد المطلق دون المتجزئ؛ لأنّه القدر المتيقن من رجوع الجاهل إلى العالم عند انسداد سائر الطرق إليه[٥٦].
الوجه الثاني: آية النفر؛ فإنّه دلّت على وجوب الحذر عند إنذار الفقيه ومقتضاه قبول قوله وتقليده فيه، والمتجزئ لايصدق عليه «فقيه» لأنّه ليس عالما بالفقه، بل ببعض مسائله[٥٧].
الوجه الثالث: الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الفقهاء ورواة الحديث في مقام أخذ [الإفتاء|الفتوى]] منهم أمثال: يونس بن عبدالرحمن وغيره ممّن عرف وخبر معظم مسائل الفقه، ولم تأمر بالرجوع إلى من عرف مسألة أو مسألتين[٥٨].

القول الثاني: جواز تقليد المتجزّي

ويمكن أن يستدلّ له بوجهين:
الأوّل: بناء سيرة العقلاء[٥٩]، فإنّها قائمة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم، من غير فرق في ذلك بين المطلق و المتجزّي، فنرى العقلاء يرجعون إلى العالم بالشيء وإن كان جاهلاً بغيره، بل يضيف السيد الخوئي أنّهم: «قد يقدمون نظر المجتهد المتجزئ على قول المجتهد المطلق عند المعارضة، كما إذا كان المتجزئ أعلم من المجتهد المطلق لممارسته ودقّته في العلوم العقلية وكونه أقوى استنباطا منه، فيما يرجع إلى تلك المباحث من المسائل كوجوب مقدّمة الواجب وبحثي الضدّ والترتّب وغيرها، وإن لم يكن له قوّة بتلك المثابة في المسائل الراجعة إلى مباحث الألفاظ[٦٠].
الثاني: مشهورة أبي خديجة عن الامام الصادق عليه‏السلام: «... انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا (قضايانا) فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه»[٦١]، ومجيئها في القاضي لايمنع من الاستدلال بها في المفتي لعدم الفرق، فتكون دالّة على جواز الرجوع إلى المفتي الذي يعلم شيئا من الحلال والحرام، وهو معنى المجتهد المتجزئ[٦٢].
والنتيجة: إنّه إن كان هناك إجماع على عدم جواز الرجوع إلى المتجزئ فهو وإلاّ لا مانع من تقليده فيما استنبطه من الأحكام وإن كان قليلاً[٦٣]. وذهب الغزالي إلى جواز إفتاء المجتهد المتجزئ في المسائل التي اجتهد فيها[٦٤].

الشرط الثاني: العدالة

ذهب الأكثر إلى شرطية العدالة في التقليد، فلايجوز تقليد المجتهد الذي لم يُعرف بالعدالة، وقالوا: لايستفتي العامي إلاّ من عرف بالعلم (الاجتهاد) والعدالة[٦٥]. وذكر الشيخ الأنصاري أنّه لا إشكال في كونها شرطا في التقليد[٦٦]، وقال الميرزا القمّي: «وظاهرهم الوفاق على اعتبارها»[٦٧]. واستدلّ لشرطية العدالة بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: الاجماع، وذكر السيّد الحكيم: «إنّه هو المعروف بين الأصحاب، بل هو إجماع كما قيل وهو العمدة لو تمّ»[٦٨] وهذا الإجماع مناقش لمدركيته لاحتمال استناد المجمعين إلى ما سوف يذكر من الآيات والروايات التي اُستدل بها على اعتبار شرط العدالة[٦٩].
الوجه الثاني: مفهوم آية النبأ وهي قوله تعالى: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا»[٧٠]، ومفاد الآية أنّه كما يجب التبيُّن من خبر الفاسق يجب التبيُّن في فتوى الفاسق أيضا، ومفهومه عدم وجوب التبيُّن في فتوى العادل، وهو عبارة اُخرى عن شرط العدالة[٧١].
ونوقش فيها مضافا إلى أنّها في مقام الإخبار الحسي لا الإخبار الحدسي وهو الفتوى، أنّ المراد بالتبيُّن هو الوثوق لا العدالة[٧٢].
الوجه الثالث: طائفة من الأخبار نقلها النراقي واستظهر منها هو[٧٣] وغيره[٧٤] اشتراط العدالة في المفتي والمجتهد، لكن المتأخّرين ناقشوا في هذه الأخبار سندا ومتنا[٧٥].
الوجه الرابع: بناء العقلاء «بدعوى أنّ العقلاء لايساوون بين المستهتر بما يؤمن به، والمتقيّد بحرفية ما يقول، فهم أقرب وثوقا واطمئنانا إلى العامل برأيه من غيره في صورة تساوي أهل الخبرة، حتّى مع الوثوق بصدق ما يخبر به من رأي»[٧٦].
الوجه الخامس: ارتكاز المتشرعة، باعتبار أنّ ارتكازهم قائم على اشتراط وصف العدالة في المفتي؛ لكون المرجعية في التقليد من المناصب الإلهية الكبرى، ومن غير المعقول بحسب ارتكاز المتشرعة أن يتولى هذا المنصب من لايلتزم بحدود ما يفتي به[٧٧]، بل إنّ «المرتكز عندهم عدم المعصية في هذا المنصب على نحو لاتجدي عندهم التوبة والندم»[٧٨].
وهذا هو عمدة الأدلّة لعدم وفاء الأدلّة السابقة للاستدلال على شرطية العدالة.
وفي المقابل ذهب جماعة إلى كفاية الوثاقة وعدم اشتراط العدالة في المفتي عملاً بإطلاق الأدلّة الدالّة على التقليد، فإنّها لم تفرق بين الفاسق والعادل، فجوّزوا تقليد الفاسق المأمون في قوله[٧٩]. قال القمّي: «يمكن القول بكفاية الوثوق في الاستنباط والصدق»[٨٠].
وهذان الشرطان وهما الاجتهاد والعدالة، هما أهمّ شرطين وقع الاتفاق على اعتبارهما في المفتي.

الشرط الثالث: ألاّ يكون مقبلاً على الدنيا

وهذا الشرط أضافه المتأخّرون وتحديدا السيد كاظم اليزدي زائدا على شرط العدالة[٨١]، وذكر فيه السيد الحكيم أنّه لم يقف على من ذكره بخصوصه[٨٢]. وهو خالٍ عن المستند[٨٣].

الشرط الرابع: الرجولية

وذكروا أنّ من شروط التقليد أن يكون المفتي رجلاً، فلا يجوز تقليد المرأة، وقد استدلّوا له بروايات ورد فيها لفظ «الرجل».
ونوقش فيها أنّ التعبير بالرجل إنّما هو من جهة التنزيل على الغالب لا أنّه من جهة الموضوعية والتعبُّد[٨٤]. مضافا إلى إطلاق أدلّة التقليد وعدم تقييدها بالرجل، وقيام السيرة على عدم الفرق بين الرجل والمرأة في التقليد[٨٥]. ولذلك ذهب جماعة إلى جواز تقليد الاُنثى والخنثى[٨٦]. وذكر الغزالي: إنّ الاُنوثة غير قادحة في المجتهد والمفتي[٨٧]. والعمدة للاستدلال لهذا الشرط هو ما ذكر من دعوى ارتكاز المتشرعة القائم على افتراض أنّ الشارع لايرضى بتولي المرأة منصب الإفتاء، وهذا الارتكاز يستند إلى مجموعة من الشواهد التي أناط فيها الشارع أمرها إلى الرجل، ومنع من تولّي المرأة لها كإمامة الجماعة والقضاء وغير ذلك[٨٨].

الشرط الخامس: الحرية

وذكروا أنّ هذا الشرط هو خلاف مقتضى الأدلّة اللفظية و السيرة العقلائية، فلأنّ الأدلّة اللفظية مطلقة فيما تدلّ عليه من جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم ولم يأتِ فيها قيد الحرّية، ولأنّ السيرة العقلائية لاتفرق بين العبيد والأحرار، فإنّ العقلاء يراجعون أهل الخبرة أحرارا كانوا أم عبيدا[٨٩].
وذكر الغزالي: إنّ الرقّية غير قادحة[٩٠]، ونقل السيّد الحكيم عن جماعة اعتبار هذا الشرط، بل ونقل القول بشهرته[٩١].

الشرط السادس: البلوغ

ذكر الشيخ الأنصاري: إنّه لا اشكال في اعتبار هذا الشرط، وأنّ البلوغ شرط في العمل بفتوى المجتهد، ولايضرّ فيه إذا أفتى قبل زمان البلوغ، لكن حين العمل بقوله وتقليده أصبح بالغا[٩٢]. وقال الإصفهاني: «لا عبرة بفتوى الصبي؛ لعدم شمول الأدلّة له ولأنّه لاتقبل روايته فلاتقبل فتواه بطريق أولى»[٩٣]. أمّا عدم شمول الأدلّة له فقد يستدلّ له برواية أبي خديجة التي ورد فيها: «انظروا إلى رجل منكم»[٩٤]، باعتبار أنّه قد يدّعى ظهورها في البالغ.
ونوقش فيه: إنّ التعبير بالرجل هو من باب المثال لا الموضوعية، أو كونه واردا مورد الغالب[٩٥]، أمّا عدم قبول روايته «فهو ممنوع إن كانت تفيد الوثوق وإن لم تفد الوثوق فعدم قبولها مشترك مع خبر البالغ غير الموثوق به»[٩٦].
قال السيّد الخوئي: «لم يقم أي دليل على أنّ المفتي يعتبر فيه البلوغ، بل مقتضى السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم عدم اختصاصها بما إذا كان العالم بالغا بوجه، فإذا كان غير البالغ صبيّا ماهرا في الطبابة لراجعه العقلاء في معالجاتهم من غير شكّ، كما أنّ الإطلاقات تقتضي الجواز لصدق العالم والفقيه وأهل الذكر ونحوها على غير البالغ كصدقها على البالغين»[٩٧].
وقال السيّد الحكيم: «لاينبغي التأمّل في عدم الفرق في بناء العقلاء بين البالغ وغيره إذا كان غير البالغ قد حاز مراتب الفضل حتّى صار كالبالغ، فاعتبار البلوغ في المفتي لابدّ أن يكون بدليل شرعي يكون رادعا عن إطلاق بناء العقلاء وليس هو إلاّ الإجماع إن تمّ»[٩٨].

الشرط السابع: العقل

ذكر فيه الشيخ الأنصاري: إنّه لا إشكال في اعتباره[٩٩]، وذكر السيّد الحكيم: إنّ أمره ظاهر عند العقلاء فضلاً عن المتشرعة وأنّه ممّا أجمع عليه الخلف والسلف[١٠٠]. وقال الغزالي: «لابدّ من العقل»[١٠١].
وقال السيّد الخوئي: «ويدلّ على اعتباره جميع الأدلّة المتقدّمة المستدلّ بها على حجّية فتوى الفقيه من الآيات والأخبار والسيرة العقلائية، وذلك لوضوح أنّ الموضوع في الأدلّة اللفظية هو الفقيه والعالم والعارف ونحوها، ولاينبغي الارتياب في عدم صدق شيء منها على غير العاقل، فإنّه لا ميزان لفهمه ولا لشيء من أعماله وأقواله، وكذلك السيرة العقلائية؛ لأنّها جرت على رجوع الجاهل إلى عالم مثلهم في العقل والدراية ولم يتحقّق جريان سيرتهم على رجوع الجاهل إلى من يفعل ما يفعله ويتكلّم من غير دراية ولا ميزان»[١٠٢].
وأضاف السيّد الخوئي أنّ اشتراط العقل بقاءً غير لازم، بل يكفي العمل بفتوى المجتهد حال عقله وإن جن فيما بعد، كما هو مقتضى الإطلاقات وعدم المخالفة للسيرة العقلائية[١٠٣].

الشرط الثامن: الإيمان

ذكر الشيخ الأنصاري: إنّه لا إشكال في اعتباره[١٠٤]، وذكر السيّد الخوئي بعد أن عرض لمجموعة من الأدلّة على شرطية الإيمان ومناقشتها: «إنّه لم يدلّنا دليل لفظي معتبر على شرطية الإيمان في المقلَّد، بل مقتضى إطلاق الأدلّة والسيرة العقلائية عدم الاعتبار؛ لأنّ حجّية الفتوى في الأدلّة اللفظية غير مقيدة بالإيمان ولا بالإسلام، كما أنّ السيرة جارية على الرجوع إلى العالم مطلقا سواء كان واجدا الإيمان والإسلام أو لم يكن»[١٠٥] إلاّ أنّه استدرك بعد ذلك قائلاً: «ومع هذا كلّه لاينبغي التردد في اعتبار الإيمان في المقلّد حدوثا وبقاءً»[١٠٦]، ويستند في ذلك إلى ارتكاز المتشرعة[١٠٧].
وذكر السيّد الحكيم بعد مناقشة الأدلّة اللفظية أنّ العمدة فيه هو الإجماع[١٠٨].

الشرط التاسع: الحياة

وقع البحث في اشتراط الحياة في المفتي وعدمه، والمسألة ذات أقوال:

القول الأوّل: جواز تقليد الميت مطلقا في الابتداء والاستدامة

وهو اختيار جمهور أهل السنّة[١٠٩]، وجماعة من الأخباريين الشيعة كما هو صريح الإسترآبادي[١١٠] وظاهر الكاشاني[١١١]. وهو أيضا اختيار بعض الأصوليين من الشيعة كالفاضل التوني[١١٢] والميرزا القمّي[١١٣].
واستدلّ له بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: إنّ المذاهب لاتموت ولاتبطل بموت أصحابها، وكما أنّ الراوي لاتبطل روايته بموته، كذلك المفتي لاتبطل فتواه بموته[١١٤].
وأضاف الأخباريون إلى هذا أنّ فتاوى أصحابهم من الأخباريين «مبنية على ما هو صريح الأحاديث أو لازمه البيّن فلاتموت بموت المفتي»[١١٥].
الوجه الثاني: إطلاق أدلّة التقليد؛ فالآيات والروايات التي استدلّ بها على جواز التقليد ورجوع الجاهل‏العالم مطلقة ولم تقيده بالحياة[١١٦].
الوجه الثالث: بناء العقلاء، حيث إنّهم لايفرقون في رجوع الجاهل إلى العالم بين الحي والميت[١١٧]، «وحيث لم يردع عن هذه السيرة في الشريعة المقدّسة فنستكشف أنّها حجّة وممضاة شرعا»[١١٨].
الوجه الرابع: انسداد باب العلم بالنسبة إلى المكلف الجاهل بالحكم الشرعي، ولايوجد طريق له أقرب إلى العلم من رجوعه إلى المجتهد، وهذا لايفرق فيه بين الحي والميت[١١٩].
الوجه الخامس:;;; استصحاب الحجّية التي هي ثابتة لقول المجتهد حال حياته إلى زمان موته، فيجوز تقليد الميت استصحابا للحجّية الثابتة لقوله حال حياته[١٢٠].
وكلّ من هذه الوجوه خضع للرد والنقد[١٢١].

القول الثاني: عدم جواز تقليد الميت مطلقا في الابتداء والاستدامة

وهو قول القدماء من أصوليي الإمامية، وقد اُدعي عليه الإجماع، فقد قال الأنصاري هو: «المعروف بين أصحابنا»[١٢٢]، وقال البهبهاني: «إنّ الشيعة بحسب الظاهر متّفقون على عدم جواز تقليد الميت من المجتهد»[١٢٣]، وقال الشهيد الثاني: «لم أقف لأحد من أصحابنا في ذلك على شيء يقتضي صحّة تقليدهم للأموات مطلقا»[١٢٤]، وقال الإصفهاني: «لايجوز تقليد الميت مع إمكان الرجوع إلى الحي على ما هو المعروف بين أصحابنا»[١٢٥]، وقال الشيخ جمال الدين العاملي: «يظهر... اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع إلى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي، بل حكى الاجماع فيه صريحا بعض الأصحاب»[١٢٦]، وقال العلاّمة الحلّي: «لا قول لميت»[١٢٧]، وقال الآخوند الخراساني: «المعروف بين الأصحاب الاشتراط»[١٢٨] أي اشتراط الحياة.
وذكر الشيخ الأنصاري: إنّ ظاهر كلماتهم هذه هو عدم الفرق بين التقليد الابتدائي والتقليد الاستمراري في عدم جواز تقليد الميت، وهو ظاهر أدلّتهم التي ذكروها على عدم جواز الميت كاستدلالهم عليه بأنّ مناط عمل المكلّف هو ظنّ المجتهد، فإنّ ظاهره هو المنع من تقليد الميت ابتداءً وبقاءً؛ لأنّه بموت المجتهد يزول الظنّ[١٢٩].
وهذا القول هو اختيار جماعة من أهل السنّة أيضا[١٣٠] والشوكاني[١٣١].
واستدلّ لهذا القول بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: دعوى الإجماع من قبل الشيعة الإمامية على عدم جواز تقليد الميت، كما سبق نقل كلماتهم في ذلك[١٣٢].
وحكى الغزالي إجماع أهل الأصول عليه[١٣٣]، وكذلك ادّعى الإجماع الشوكاني[١٣٤].
الوجه الثاني: ما ذكر من الأدلّة اللفظية الدالّة على جواز التقليد من الآيات والروايات، فإنّها ظاهرة في اعتبار شرط الحياة في المفتي لكون بعضها يأمر بالرجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية، وهو ظاهر في حدّ نفسه في كونهم أحياء، مضافا إلى أنّ في بعضها إرجاعا إلى أشخاص معينين كزرارة ويونس بن عبدالرحمن[١٣٥].
الوجه الثالث: إنّ المناط في عمل المقلِّد هو رأي المجتهد وظنّه، فإذا مات المجتهد زال الظنّ به فلايكون حجّة[١٣٦]، أو أنّ الأحكام الشرعية في نفسها ظنّية فلاتكون حجّة ما لم تقترن برأي المجتهد حتّى يجب العمل بها، فإذا مات المجتهد لم تقترن تلك الأحكام بما يقوّيها[١٣٧].
الوجه الرابع: إنّ رأي المجتهد في معرض التبدّل والتغير، وهذا من خصائص المجتهد الحي، فإنّ المجتهد من المحتمل أن يتغيّر رأيه عند نزول النازلة وتجدد اجتهاده فيها بعثوره بما يقوّي ذلك من المقيّد أو المخصص وغير ذلك، وهذا الشيء غير موجود في المجتهد الميت فيكون قاصرا من هذه الجهة[١٣٨].
الوجه الخامس: إنّ المجتهد إذا مات سقط اعتبار قوله، ولذلك ينعقد الإجماع مع خلافه[١٣٩].
وغير ذلك من الوجوه التي تذكر لعدم اعتبار قول الميت[١٤٠].

القول الثالث: التفصيل بين التقليد الابتدائي وبين التقليد الاستمراري

فلايجوز في الأوّل ويجوز في الثاني.
وهذا القول هو اختيار جعفر كاشف الغطاء[١٤١]، وجماعة من الفقهاء المحدثين[١٤٢]، وهو يكاد أن يكون القول الرائج والمعمول به اليوم.
وعمدة ما استدلّ به هو قيام سيرة المتشرّعة على البقاء على تقليد الميت المتّصلة بعصر المعصوم[١٤٣].
هذا مع تساوي الحي والميت، أمّا مع الاختلاف فيجب العدول إلى الحي لو كان هو الأعلم، والبقاء على تقليد الميت لو كان هو الأعلم[١٤٤].
وهناك تفصيلات في المسألة مذكورة في المطولات[١٤٥].

الشرط العاشر: الأعلمية

المراد بالأعلم هو الأقوى ملكة لا الأزيد والأكثر معلوما[١٤٦]، كأن «يكون أعرف بالقواعد والكبريات وكيفية تطبيقها على صغرياتها لحسن سليقته، فالأعلم مطلع على جملة من المزايا والخصوصيات الدخيلة في عرفانه لكيفية تطبيق الكبريات على صغرياتها وفي حسن سليقته بخلاف غير الأعلم»[١٤٧]. وقد وقع البحث في وجوب تقليد الأعلم مع وجود غيره، وذكرت في ذلك عدّة أقوال:

القول الأوّل: وجوب تقليد الأعلم

وهو اختيار جمهور الشيعة الإمامية، وادّعى عليه الشهيد الثاني الإجماع[١٤٨]، وذُكر أنّه المشهور بين الأصحاب[١٤٩]، واختاره جماعة من أهل السنّة[١٥٠].
ويمكن أن يُستدل له بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: بناء سيرة العقلاء، فإنّ مقتضاها تعيُّن الرجوع إلى الأفضل[١٥١]. وهو عمدة الأدلّة.
الوجه الثاني: الأصل العقلي، فإنّ مقتضاه تعيُّن الرجوع إلى الأفضل للقطع بحجّية قوله والشكّ بحجّية رأي غيره، ومقطوع الحجّية أولى في مقام العمل[١٥٢].
الوجه الثالث: إنّ قول الأفضل أقرب إلى الواقع من غيره فيجب الأخذ به[١٥٣]، ونقل قولهم: «الأعلم أهدى أسرار الشرع»[١٥٤].
الوجه الرابع: إنّ أقوال المجتهدين في حقّ العامّي بمنزلة الأدلّة المتعارضة في حقّ المجتهد، وكما يجب على المجتهد ترجيح أقوى الدليلين، يجب على العامّي ترجيح أقوى وأفضل المفتين[١٥٥].
وغير ذلك من الوجوه التي تذكر لهذا القول[١٥٦].

القول الثاني: عدم وجوب تقليد الأعلم

وهو اختيار أكثر أهل السنّة[١٥٧]، حتّى شاع قولهم: «يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل»، وهو قول شاذ لبعض علماء الإمامية لم يُعرف قائله[١٥٨].
واُستدلّ له بعدّة وجوه:
الوجه الأوّل: إجماع الصحابة على جواز تقليد المفضول واستفتائه مع وجود الأفضل[١٥٩].
الوجه الثاني: اختلاف المجتهدين في رتبة الفضائل فما من فاضل من المجتهدين إلاّ ويوجد أفضل منه، قال اللّه‏ تعالى: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ»[١٦٠]، فلو اعتبر الأفضل لانسد باب التقليد[١٦١].
الوجه الثالث: إنّ القاضي يجوز له الأخذ بشهادة المفضول مع وجود الأفضل، فكذلك العامّي يجوز له تقليد المفضول مع وجود الأفضل[١٦٢]. ولايخفى ما في هذه الوجوه من طعون. ويبني على مسألة وجوب تقليد الأعلم وعدمه، مسألة اُخرى وهي أنّ المكلّف إذا استفتى وقلّد مجتهدا في حكم حادثة معينة وعمل بقوله فيها، فهل يجب عليه ان يستفتيه ويقلّده في حكم سائر الحوادث أو يجوز له أن يقلّد ويستفتي مجتهدا آخر؟
فالذي يقول بوجوب تقليد الأعلم يجب عليه البقاء على تقليده في جميع أحكامه؛ لأنّ المفروض أنّ غير الأفضل غير حجّة في قوله ورأيه على هذا العامي، أمّا من يجوّز تقليد واستفتاء المفضول فهو في سعة من ذلك ومخيّر في استفتاء أيٍّ شاء منهما، ولا ملزم له من تقليد واستفتاء أحد بعينه في جميع أحكامه[١٦٣]. هذا إذا لم يلتزم مذهبا معينا بعينه.
إلى هنا تمّ الكلام في شرائط المفتي، وقد وقع البحث أيضا في أنّ هذه الشرائط هل هي معتبرة حدوثا وبقاءً أو يكفي الحدوث؟[١٦٤]

التقليد في الموضوعات

ما تقدّم إنّما هو حكم التقليد في الأحكام الشرعية، أمّا الموضوعات الخارجية فهي على أنحاء:

النحو الأوّل: التقليد في الموضوعات العرفية

وهي الموضوعات الواضحة بحدودها وذواتها ولاتحتاج إلى نظر و استنباط[١٦٥].
مثل: كون السائل الخارجي خمرا أو كون إمام الجماعة المعيّن عادلاً، وغير ذلك من الموضوعات التي يكون تحديدها بيد المكلّف.
وذكر البهبهاني: إنّ الضابط في مثل هذه الموضوعات هو أنّها: «ليست من قبيل الألفاظ والقرائن الخارجية والمرجحات الاجتهادية التي يُعرف بها الأحكام من الكتاب والسنّة وما يتوقّف عليها»[١٦٦].
ففي مثل هكذا موضوعات لايجوز التقليد فيها؛ لأنّها تبتني على اُمور حسّية والمجتهد والمكلّف فيها سواء[١٦٧].

النحو الثاني: التقليد في الموضوعات الاستنباطية

وهي الموضوعات غير الواضحة بحدودها وذواتها وتحتاج إلى نظر واستنباط[١٦٨].
كالصلاة والصيام والغناء والصعيد، فإنّه في مثل الصلاة لابدّ من الرجوع إلى المجتهد في تحديد حدودها وأنّها بدون السورة هل يصدق عليها صلاة أو لا؟ وكذلك لابدّ من الرجوع إلى المجتهد في تحديد معنى الغناء وهل هو الصوت المطرب فقط أو ما اشتمل على الترجيع من غير طرب؟
وذكر البهبهاني: إنّ الضابط في مثل هذه الموضوعات هي كونها يتوقّف عليها معرفة الأحكام فتكون حالها حال الأحكام، فـ «التقليد إنّما هو في نفس الأحكام الشرعية والاجتهاد فيها وفي الموضوعات والمرجحات التي يتوقّف عليها تلك الأحكام»[١٦٩].
ففي مثل هكذا موضوعات يجب على المكلّف التقليد فيها والرجوع إلى المجتهد في معرفة حدودها؛ لأنّ الشكّ فيها شكّ في الحكم فالرجوع فيها رجوع في الحكم[١٧٠].

حقيقة التقليد عند المذاهب

أ ـ التقليد عند الشيعة الامامية

بما أنّ باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة الإمامية، وأنّ المجتهد في سعة فيما يتوصّل إليه طبق الضوابط العامّة لأصول الاستدلال الفقهي من خلال سبر الأدلّة الفقهية للمسألة في حادثة معينة، ولايوجد عند الشيعة الإمامية تضييق في الاجتهاد ولايقسمونه إلى اجتهاد مطلق واجتهاد منتسب بل الاجتهاد لايكون إلاّ مطلقا ولا معنى للمجتهد المنتسب، عندهم، فالتقليد لايكون إلاّ تقليدا للمجتهد ولايكون تقليدا للمذهب، وكذلك فإنّ آراء المجتهد الفقهية لاتعكس بالضرورة آراء المذهب، بل تعكس آراءه فقط[١٧١].

ب ـ التقليد عند أهل السنّة

السؤال الذي ينقدح في النفس لأوّل وهلة عن حقيقة التقليد عند أهل السنّة هو أنّه إذا كان باب الاجتهاد رسميا وعمليا مسدودا عندهم، وأنّ الفقه منحصر بزعماء المذاهب الأربعة (أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد بن حنبل) وأنّ كلّ شيء مدوّن في كتبهم وتناقلوه أتباعهم جيلاً بعد جيل، إذا فما فائدة تقليد المجتهدين الذين أتوا بعدهم؟ وما فائدة مباحث الاجتهاد والتقليد التي احتوتها معظم كتب الأصوليين منهم ممّن جاء بعد زعماء المذاهب؟
وكلماتهم ملتبسة فيه وتحتوي على شيء من الغموض، وتحقيق المسألة يعتمد على ملاحظة النقاط التالية:
النقطة الاُولى: إنّ المسائل التي يمكن أن تواجه المكلّف يمكن أن تكون ثلاثة أنواع :
النوع الأوّل: المسائل المستجدّة والحوادث الواقعة التي لم يرد فيها نصّ معين لا في كلام الشارع ولا في كلام زعماء المذاهب وفي فقههم المدوّن.
النوع الثاني: المسائل التي لم يتطرّق إليها زعماء المذاهب أصلاً.
ففي هذين النوعين يمكن للمجتهد المنتسب أن يجتهد طبق أصول صاحب المذهب ويفتي على ضوء ما توصل إليه واستنبطه من مسائل على طبق تلك الأصول، وبما أنّ المجتهد هنا منتسب إلى صاحب المذهب يكون التقليد أيضا منتسبا إليه، فالتقليد تقليد لصاحب المذهب لا له.
النوع الثالث: المسائل التي اجتهد فيها المجتهد وتوصّل فيها إلى رأي يخالف مذهب إمامه في المذهب. وفي هذا النوع وقع الالتباس والغموض، ولكي نستجلي الأمر في ذلك لابدّ من التنبيه بما يلي:
إنّه نقل الإجماع على انعدام المفتي والمجتهد المستقل «وهو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد وتقيّد بمذهب أحد»[١٧٢].
قال ابن الصلاح: «ومنذ دهر طويل طوي بساط المفتي المستقل المطلق والمجتهد المستقل، واُفضي أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة»[١٧٣].
وقال الغزالي بعد ذكره شروط الاجتهاد: «ثُمّ هذه الشروط أطلقها أصحابنا وقد تعذر في عصرنا؛ لأنّ مصدر الولايات خالٍ عن هذه الصفات وقد خلا العصر أيضا عن المجتهد المستقل»[١٧٤].
وقال ابن أبي الدم بعد ذكره شروط الاجتهاد: «فاعلم أنّ هذه الشرائط يعزّ وجودها في زماننا هذا في شخص من العلماء، بل لايوجد في البسيطة اليوم مجتهد مطلق»[١٧٥]. وغير ذلك من العبارات التي تؤكّد انعدام المجتهد المطلق عندهم.
وإذا تقرر هذا عند أهل السنّة فإنّ اجتهاد المجتهدين سوف يكون من نوع الاجتهاد المنتسب إلى المذهب، وهم على أصناف:
الصنف الأوّل: المجتهد الذي «لايكون مقلّدا لإمامه في المذهب ولا في دليله لكونه قد جمع الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل، وإنّما ينسب إليه لكونه سلك طريقه في الاجتهاد ودعا إلى سبيله»[١٧٦].
فمثل هذا إذا اجتهد في مسألة وتوصّل إلى رأي يخالف رأي صاحب المذهب يمكن له أن يعمل باجتهاده ويفتي على طبقه ولايجب عليه اتّباع رأي صاحب المذهب، والعامّي إذا قلّده فإنّ التقليد ينسب إليه لا إلى صاحب المذهب، قال النووي ـ عند ذكره أصناف المنتسبين إلى المذهب، وخصوصا مذهب الشافعي ـ : «الثاني: البالغون رتبة الاجتهاد، وقد ذكرنا أنّ المجتهد لايقلّد مجتهدا، وإنّما ينسب هؤلاء إلى الشافعي؛ لأنّهم جروا على طريقه في الاجتهاد واستعمال الأدلّة وترتيب بعضها على بعض ووافق اجتهادهم اجتهاده وإذا خالف أحيانا لم يبالوا بالمخالفة»[١٧٧].
ويقول ابن عبدالسلام ـ في مقام ذمّه التقليد لإمام المذهب مع وجدان ضعف مأخذه ـ : «ومن العجب العجيب أنّ الفقهاء المقلّدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لايجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلّده فيه ويترك من الكتاب والسنّة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنّة ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً عن مقلَّده، وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس، فإذا ذكر لأحدهم خلاف ما وطّن نفسه عليه تعجّب من غير استرواح دليل، بل لما ألفه من تقليد إمامه حتّى ظنّ أنّ الحقّ منحصر في مذهب إمامه، أولى من تعجبه من مذهب غيره... وما رأيت أحدا رجع عن مذهب امامه إذا ظهر له الحقّ في غيره، بل يصير عليه مع علمه بضعفه وبعده، فالاُولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه، قال: لعلّ إمامي وقف على دليل لم أقف عليه ولم أهتدِ إليه»[١٧٨] ففي هذا النصّ دعوة إلى مخالفة إمام المذهب فيما خالف نصّ الكتاب والسنّة والأقيسة الصحيحة.
وقد وقع البحث في تسمية هولاء، هل هم من المجتهدين المستقلّين أو المنتسبين؟
فرفض ابن الصلاح نفي نسبة التقليد إليهم، وقال:
«دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا من كلّ وجه لايستقيم إلاّ أن يكونوا قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق وفازوا برتبة المجتهدين المستقلّين؛ وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم وأحوال أكثرهم»[١٧٩].
الصنف الثاني: المجتهد الذي «يكون في مذهب إمامه مجتهدا مقيدا فيستقل بتقرير مذهبه بالدليل، غير أنّه لايتجاوز في أدلّته أصول إمامه وقواعده»[١٨٠]، فمثل هذا إذا صحّ إطلاق اسم المجتهد عليه لايخرج عن كونه مقلّدا، وإنّما يجتهد في تطبيق أصول المذهب وقواعده على الفروع الفقهية فيما لم ينصّ عليه إمام المذهب والحوادث المستجدّة «وإن كان هذا شأنّه فالعامل بفتياه مقلد لإمامه لا له لا من معوّله على صحّة إضافة ما يقوله إمام لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع»[١٨١].
فتقليد المضفين ضمن هذا الصنف لايصحّ إلاّ بناء على جواز تقليد الميت الذي هو صاحب المذهب؛ لأنّهم «مقلّدون له تفريعا على تقليد الميت»[١٨٢].
إذا عرفت حال هولاء تعرف حال الأصناف الاُخرى[١٨٣]، فإنّهم جميعا مقلّدون لإمام المذهب، ولا يعدّ تقليد العامّي لهم إلاّ تقليدا لإمام المذهب، يجري على مسألة جواز تقليد الميت وعدمه.
النقطة الثانية: تظافرت كلماتهم بحرمة وعدم جواز تقليد أئمة وزعماء المذاهب المعروفة، وعدم جواز رجوع المجتهد إلى مجتهد مثله، فضلاً عن النهي الوارد من قبل زعماء المذاهب أنفسهم وحثّ الناس على عدم تقليدهم فيما يقولون ويفتون به، بل عليهم أن يتفحّصوا في ذلك طبق موازين الاستدلال الفقهي. فقد نقل عن مالك قوله: «أنا بشر اُخطئ واُصيب فانظروا رأيي فما وافق الكتاب والسنّة فخذوا به وما لم يوافق فاتركوه»[١٨٤].
وقال المزني: «اختصرت هذا الكتاب من علم محمّد بن إدريس الشافعي رحمه‏الله ومن معنى قوله لأقرّبه على كلّ من أراد مع إعلامية نهيه عن تقليده وتقليد غيره»[١٨٥].
وغير ذلك من الكلمات المنقوله عنهم في ذمّ التقليد ونهيهم عنه، كما نقل ذلك كلّ من ابن قيم الجوزية[١٨٦] والسيوطي[١٨٧] والشوكاني[١٨٨]. والسؤال المطروح هنا هو هل اتّباعهم للمذاهب نوع من التقليد المذموم الذي لايستند إلى حجّة أو إنّه هناك مبررات ـ في نظرهم ـ دعتهم إلى تقليدهم لأئمة المذاهب الأربعة عندهم وعدم مخالفتهم في كثير ممّا قالوه وأفتوا به.
وفي مقام الجواب عن ذلك لابدّ من الأخذ بالاعتبار مايلي:
أوّلاً: إنّهم أجازوا للعامّة تقليد أئمتهم، لكن لم يجيزوا للمجتهدين منهم أن يقلّدوهم، بل لابدّ من أخذ الفتوى عن دليل ومستند لا عن تقليد.
ثانيا: إنّهم فرّقوا بين التقليد وبين الاتباع، فالأوّل أن تقول قوله ولا تعرف وجه القول ولا معناه، والثاني هو أن تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله[١٨٩].
ولذلك ذكر جماعة من الشافعية لنفي شبهة التقليد عنهم: «إنّهم صاروا إلى مذهب الشافعي رحمه‏الله لا على جهة التقليد، ولكن لما وجدوا طريقه في الاجتهاد والفتاوى أسدّ الطرق وأولاها، ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه في الاجتهاد، وطلبوا معرفة الأحكام بالطريق الذي طلبها الشافعي به»[١٩٠].
وبرّر الغزالي اتّباعه لمذهب الشافعي دون غيره من المذاهب بأنّ الشافعي صرف ذهنه «إلى انتخاب المذاهب وتقديم الأظهر فالأظهر، وأقدم عليه بقريحة وقّادة وفطنة منقادة وعقل ثابت وعقل صعب بعد الاستظهار بعلم الأصول والاستمداد من جملة أركان النظر في المعقول والمنقول فيستبان على القطع أنّه أبعد عن الزلل والخطأ ممّن اشتغل بالتمهيد وتشوش عليه ردم التأسيس والتقعيد»[١٩١]. فهو ذكر هذا الكلام في مقام نفيه لشبهة التقليد عنه باتّباعه الشافعي وأنّه أخذ مذهبه عن دراية لا عن تقليد.
إلاّ أنّ ابن الصلاح لم يقتنع بذلك فأبطل نفي صفة التقليد عن أصحاب الشافعي وذكر: «إنّه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل»[١٩٢].
وبذلك يُستبان أنّ حقيقة التقليد عند أهل السنّة لاتخرج عن كونها تقليدا للمذهب بآراءه وشخوصه طبق الضوابط والآليات المعمول بها داخل المذهب والتي يصطلح عليها بـ «أصول المذهب».
وهو طبعا وقع موقع بحث وتساؤل من قبل العلماء والباحثين المحدثين[١٩٣].
النقطة الثالثة: حصر التقليد في المذاهب الأربعة.
وقع خلاف بين أهل السنّة في أنّ التقليد هل ينحصر بزعماء المذاهب الاربعة (أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد بن حنبل)، أو يجوز للعامّي تقليد غيرهم من المذاهب؟
نقل ابن الصلاح اجماع المحقّقين على منع تقليد غيرهم وعلل ذلك بأمرين[١٩٤]:
الأوّل: انضباط مذاهبهم.
الثاني: تبويبهم وتنقيحهم لمسائل الفقه.
ومثل هذا مفقود في مذاهب الآخرين لانقراضها واتّباعهم فلم تعلم حقيقة مذاهبهم.
وقد ردّوا قول ابن الصلاح هذا بعدّة ردود[١٩٥]:
الأوّل: إنّ الإجماع المذكور ليس من الإجماع الاصطلاحي الحجّة، بل هو من إجماع المحقّقين وهو لا قيمة له.
الثاني: دعوى الإجماع في مقابله على جواز تقليد العامّي من شاء من العلماء من غير حصر بجماعة معينين.
الثالث: إنّ ما ذكر من انضباط مذاهبهم وتهذيبهم وتنقيحهم لمسائل الفقه لا علاقة له نظريا بمسألة التقليد، مضافا إلى أنّ المجتهدين الآخرين «بذلوا جهدهم مثل بذل الأئمة الأربعة وإنكار هذا مكابرة وسوء أدب».
ثُمّ إنّه بناء على حصر التقليد بالمذاهب الأربعة ـ عندهم ـ إذا التزم المقلِّد مذهبا معينا هل يجوز له الأخذ من سائر المذاهب، فلو عمل بمذهب في مسائل معينة هل يمكن له العمل بمسائل اُخرى بمذهب آخر؟
قيل يجوز له ذلك ويصحّ الانتقال من مذهب إلى آخر «لأنّ التزامه غير ملزم إذ لا واجب إلاّ ما أوجبه اللّه‏ تعالى ورسوله، ولم يوجب على أحد أن يتمذهب بمذهب رجل من الاُمة فيقلّده في كلّ ما يأتي به ويذر دون غيره، والتزامه ليس بنذر حتّى يجب الوفاء به... بل قيل لايصحّ للعامّي مذهب، لأنّ المذاهب إنّما يكون لمن له نوع نظر وبصيرة بالمذاهب»[١٩٦].
وقيل: لايجوز له ذلك ولا يصحّ الانتقال من مذهب إلى آخر «لأنّه بالتزامه صار لازما له كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة»[١٩٧].
وذهب الآمدي إلى التفصيل بين ما عمل به من مسائل مذهبه الأوّل فلا يجوز الانتقال فيه، وبين ما لم يعمل به فيجوز[١٩٨].

ج ـ التقليد عند الظاهرية

يختلف منهج الظاهرية عن الآخرين في طرق ووسائل الاستنباط التي يتوصّل بها إلى استكشاف الحكم الشرعي من مصادره الرئيسة، وفهم الظاهرية للتقليد ينبني على ما هو الثابت عندهم من العمل بظواهر النصوص الشرعية وعدم جواز الاعتماد على ما هو دارج في علم الأصول من أدلّة وآليات أصولية، فالتقليد لايكون إلاّ للذين يفتون بظاهر النصوص لا بما هو مظنون ومستنبط من نصوص الشارع طبق الآليات والكواشف الظنّية[١٩٩].
وعلى ضوء هذا أطنب ابن حزم في دعواه بطلان تقليد ائمة المذاهب الأربعة ومن يليهم من اتّباعهم ممّن يستندون في اجتهادهم إلى حجج واهية ومسالك ظنّية[٢٠٠]. وكان يأخذ على اتّباع المذاهب تقليدهم أئمتهم وعدم أخذهم من المصادر الأساسية للتشريع، ويرفض تسمية هذا الأخذ بالتقليد، فيقول: «إنّ قبول ما صحّ بالنقل عن النبي(ص) وقبول ما أوجبه القرآن بنصّه وظاهره، وقبول ما أجمعت عليه الأمة ليس تقليدا ولا يحلّ لأحد أن يسميه تقليدا... لأنّ التقليد على الحقيقة هو قبول ما قاله قائله دون النبي(ص) بغير برهان»[٢٠١].
ويحث على حصر السؤال واستبيان الأحكام من أهل الذكر الذين هم «رواة السنن عن النبي(ص) والعلماء بأحكام القرآن... فصحّ أنّ اللّه‏ تعالى أمرنا بسؤالهم ليخبرونا بما عندهم من القرآن والسنن لا لئن يشرّعوا لنا من الدين ما لم يأذن به اللّه‏ تعالى بآرائهم الفاسدة وظنّونهم الكاذبة»[٢٠٢].

د ـ التقليد عند الأخباريين الشيعة

ذهب الأخباريون إلى حرمة التقليد بمعناه المعروف بين الأصوليين الذي هو بمعنى رجوع الجاهل إلى العالم فيما استنبطه بالطرق المعروفة في علم الأصول، وحرمة التقليد لديهم تبنى على ما ذهبوا إليه من حرمة الاجتهاد بمعناه المعروف عند الأصوليين، وعليه فالتقليد عندهم هو من باب رجوع الجاهل إلى رواة الحديث الذين هم اعلم بالحلال والحرام من غيرهم، ورفضوا التقسيم إلى «مجتهد» و«مقلِّد»[٢٠٣]، وأنّه يجب على العامّي غير العالم بالحلال والحرام أن يرجع إلى رواة الحديث الذين جعلهم الإمام عليه‏السلام حجّة على الناس.
ورواة الحديث هم العلماء الذين يفتون الناس طبق ما هو ظاهر من الروايات، فإنّه «لا مدرك للأحكام الشرعية النظرية فرعية كانت أو أصلية إلاّ أحاديث العترة الطاهرة، وتلك الروايات متضمّنة لقواعد قطعية تسدّ مسد الخيالات العقلية المذكورة في الكتب الأصولية، والاعتبارات الموجودة في كتب فنّ دراية الحديث والقواعد الظنّية العربية المذكورة في فنّ المعاني والبيان»[٢٠٤]. وهذه الروايات موجودة في أصول حديثية معروفة ثبت ـ عندهم ـ قطعيتها سندا ودلالة إمّا بالقطع الوجداني أو القرائن المحتفة بها[٢٠٥].

الهوامش

  1. . مستدرك الوسائل 8: 260، المصنف لابن أبي شيبة 7: 706.
  2. . لسان العرب 3: 3298 ـ 3299 مادة «قلد».
  3. . المستصفى 2: 238.
  4. . أنظر: شرح مختصر الروضة 3: 651، الوافية: 299.
  5. . جامع المقاصد 2: 69.
  6. . حكاه في مفاتيح الاُصول: 588 عن فخر المحقّقين.
  7. . المقاصد العلية: 46.
  8. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 445، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 5: 241.
  9. . أنظر: معالم الدين: 242، عناية الأصول 6: 213 ـ 214، شرح مختصر المنتهى: 479، مسلّم الثبوت 2: 400، إرشاد الفحول 2: 327.
  10. . مستمسك العروة الوثقى 1: 12.
  11. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 15.
  12. . العروة الوثقى 1: 14.
  13. . أنظر: الأصول العامّة للفقه المقارن: 618.
  14. . مستمسك العروة الوثقى 1: 11.
  15. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 78.
  16. . المصدر السابق: 81 ـ 82 .
  17. . أنظر: المستصفى 2: 238، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 5: 241، إرشاد الفحول 2: 327.
  18. . الأصول العامة للفقه المقارن: 624.
  19. . المقاصد العلّية: 46.
  20. . أنظر: معالم الدين: 243، الفوائد الحائرية: 455، مستمسك العروة الوثقى 1: 103، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 411.
  21. . أنظر: شرح اللمع 2: 1007، المستصفى 2: 238، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 446، المحصول (الرازي) 2: 539.
  22. . شرح مختصر الروضة 3: 656 ـ 657.
  23. . المصدر السابق: 656.
  24. . مستمسك العروة الوثقى: 1: 10.
  25. . أنظر: الفوائد الحائرية: 455 ـ 456، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 274، أصول الفقه الخضري: 380.
  26. . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 273.
  27. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 446ـ447، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 273.
  28. . التقليد: 73ـ74.
  29. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 83.
  30. . النحل: 73.
  31. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 451، مستمسك العروة الوثقى 1: 40 ـ 41، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 88 ـ 89.
  32. . التوبة: 122.
  33. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 86.
  34. . أنظر: الفوائد الحائرية: 132، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 91.
  35. . أنظر: المستصفى 2: 240، الإحكام الآمدي 3ـ4: 451.
  36. . الحجّ: 78.
  37. . وسائل الشيعة 26: 14، كتاب الفرائض والمواريث، الباب 1، ح 10، مجمع الزوائد 4: 110.
  38. . أنظر: المستصفى 4: 240 ـ 241، شرح مختصر الروضة 3: 654 ـ 655. وأضاف متأخّرو أصوليي الشيعة الإمامية إلى هذا الدليل زائدا على عسر الاجتهاد وحرجيته على كافة الناس عسر وحرجية الاحتياط؛ لعدم تمكن المكلّف من تحديد موارده فضلاً عن امكان الإتيان بها جميعا. كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 83 ـ 84.
  39. . أنظر: المستصفى 2: 240.
  40. . غنية النزوع 2: 414 ـ 415.
  41. . البقرة: 169.
  42. . الزخرف: 23.
  43. . أنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 452، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 90.
  44. . الكافي 1: 30، كتاب فضل العلم، باب فضل العلم، ح 1، المعجم الأوسط الطبراني 1: 33.
  45. . مسند أحمد 1: 132، مسند الإمام علي عليه‏السلام: ح 622.
  46. . أنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 452.
  47. . أنظر: المصدر السابق.
  48. . أنظر: المصدر السابق: 453.
  49. . أنظر: شرح مختصر الروضة 3: 653.
  50. . أنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 453.
  51. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 451، الإبهاج في شرح المنهاج 3 : 269.
  52. . الابهاج في شرح المنهاج 3: 270.
  53. . أنظر: المستصفى 2: 241، الإحكام الآمدي 3ـ4: 453، معالم الدين: 244.
  54. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43 ـ 44.
  55. . العروة الوثقى 1: 24.
  56. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 228.
  57. . المصدر السابق.
  58. . المصدر السابق.
  59. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43 ـ 44، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 228.
  60. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 229.
  61. . وسائل الشيعة 27: 13 ـ 14، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 1، ح 5.
  62. . مستمسك العروة الوثقى 1: 44.
  63. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 234.
  64. . المستصفى 2: 203.
  65. . أنظر: المستصفى 2: 241، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 453.
  66. . التقليد: 31.
  67. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 514.
  68. . مستمسك العروة الوثقى 1: 42، أنظر: المستصفى 2: 241، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 453، مناهج الأحكام والأصول: 301.
  69. . أنظر: كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 221.
  70. . الحجرات: 6.
  71. . أنظر: مناهج الأحكام والأصول: 301، مستمسك العروة الوثقى 1: 42، الاجتهاد والتقليد رضا الصدر: 111.
  72. . مستمسك العروه‏الوثقى 1: 42.
  73. . مناهج الأحكام والأصول: 301.
  74. . التقليد الأنصاري: 32.
  75. . مستمسك العروة الوثقى 1: 42 ـ 43، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 221 ـ 223.
  76. . الأصول العامّة للفقه المقارن: 646.
  77. . كتاب الاجتهاد والتقليد، الخوئي 1: 223.
  78. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43.
  79. . المصدر السابق، الاجتهاد والتقليد رضا الصدر: 110.
  80. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 514.
  81. . العروة الوثقى 1: 25.
  82. . مستمسك العروة الوثقى 1: 46.
  83. . أنظر: مستمسك العروة الوثقى 1: 46، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 236 ـ 237، الاجتهاد والتقليد (رضا الصدر): 114 ـ 115.
  84. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 224 ـ 226.
  85. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1 : 226.
  86. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43.
  87. . المنخول: 463.
  88. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 226.
  89. . أنظر: مستمسك العروة الوثقى 1: 43، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 226 ـ 227.
  90. . المنخول: 463.
  91. . مستمسك العروة الوثقى 1: 43.
  92. . التقليد: 31.
  93. . الفصول الغروية: 418، أنظر: المنخول: 463.
  94. . وسائل الشيعة 27: 13 ـ 14، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 1، ح 5.
  95. . الاجتهاد والتقليد رضا الصدر: 103.
  96. . المصدر السابق.
  97. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 214 ـ 215.
  98. . مستمسك العروة الوثقى 1: 41.
  99. . التقليد: 31.
  100. . مستمسك العروة الوثقى 1: 42.
  101. . المنخول: 463.
  102. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 217.
  103. . المصدر السابق: 217 ـ 218.
  104. . التقليد: 31.
  105. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 220.
  106. . المصدر السابق: 221.
  107. . المصدر السابق: 223.
  108. . مستمسك العروة الوثقى 1: 42.
  109. . أنظر: أدب الفتوى: 138، أعلام الموقعين 4: 215 ـ 216، فواتح الرحموت 2: 407.
  110. . الفوائد المدنية: 299.
  111. . مفاتيح الشرائع 2: 52.
  112. . الوافية: 305، 307.
  113. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 568.
  114. . أنظر: أعلام الموقعين 4: 215 ـ 216.
  115. . الفوائد المدنية: 299.
  116. . أنظر: التقليد الأنصاري: 36 ـ 37، مستمسك العروة الوثقى 1: 22، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 99.
  117. . أنظر: مستمسك العروة الوثقى 1: 22، الأصول العامّة للفقه المقارن: 630.
  118. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 101.
  119. . القوانين المحكمة 3 ـ 4: 568، أنظر: التقليد الأنصاري: 36.
  120. . أنظر: الفصول الغروية : 421، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 102، الأصول العامّة للفقه المقارن: 632.
  121. . أنظر: التقليد الأنصاري: 37، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 99 ـ 104، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 629 ـ 632.
  122. . التقليد: 33.
  123. . الفوائد الحائرية: 500.
  124. . رسائل الشهيد الثاني 1: 53.
  125. . الفصول الغروية: 419.
  126. . معالم الدين: 248.
  127. . تهذيب الوصول: 289.
  128. . كفاية الاُصول: 476.
  129. . التقليد: 39 ـ 40.
  130. . أنظر: المحصول الرازي 2: 526، المنخول: 480، أعلام الموقّعين 4: 215 ـ 216.
  131. . إرشاد الفحول 2: 334 ـ 338.
  132. . أنظر: كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 104.
  133. . المنخول: 480.
  134. . إرشاد الفحول 2: 334.
  135. . الفصول الغروية: 419، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1 : 104 ـ 105.
  136. . التقليد الأنصاري: 35.
  137. . أنظر: رسائل الشهيد الثاني 1: 43، الوافية : 302.
  138. . أنظر: أعلام الموقّعين 4: 215 ـ 216، الوافية: 302.
  139. . أنظر: المصدر السابق: 260، المصدر السابق: 301.
  140. . أنظر: رسائل الشهيد الثاني 1: 34 ـ 44، الفصول الغروية: 419.
  141. . كشف الغطاء 1: 225.
  142. . أنظر: العروة الوثقى 1: 16 ـ 17، مستمسك العروة الوثقى 1: 19، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 111.
  143. . مستمسك العروة الوثقى 1: 19.
  144. . المصدر السابق: 19 ـ 20.
  145. . أنظر: كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 107 ـ 117.
  146. . التقليد الأنصاري: 69.
  147. . كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 146.
  148. . رسائل الشهيد الثاني 1: 41، حقائق الإيمان: 220.
  149. . أنظر: التقليد الأنصاري: 54، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 134.
  150. . أنظر: المستصفى 2: 242، المحصول الرازي 2: 533، الإحكام (الآمدي) 3 ـ 4: 457، شرح مختصر الروضة 3: 667، أعلام الموقّعين 4: 261.
  151. . مستمسك العروة الوثقى 1: 28.
  152. . كفاية الاُصول: 474، مستمسك العروة الوثقى 1: 28.
  153. . كفاية الاُصول: 475 ـ 476، الإحكام الآمدي 3ـ4: 458.
  154. . ارشاد الفحول 2: 343.
  155. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 457.
  156. . أنظر: كفاية الاُصول: 475، كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 142 ـ 148.
  157. . أنظر: إحكام الفصول: 729 ـ 730، الإحكام الآمدي 3ـ4: 458، قواعد الأحكام (ابن عبدالسلام) 2: 104، تيسير التحرير 4: 251، فواتح الرحموت 2: 404، أصول الفقه (الخضري): 383.
  158. . أنظر: التقليد (الأنصاري): 68.
  159. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 458، شرح مختصر الروضة 3: 667.
  160. . يوسف: 76.
  161. . أنظر: شرح مختصر الروضة 3: 667.
  162. . أنظر: إحكام الفصول: 730.
  163. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 458ـ459، تيسير التحرير 4: 253.
  164. . أنظر: كتاب الاجتهاد والتقليد الخوئي 1: 237 ـ 240.
  165. . مستمسك العروة الوثقى 1: 105.
  166. . الفوائد الحائرية: 493 ـ 494.
  167. . أنظر: الفوائد الحائرية: 494، التقليد الأنصاري: 71، مستمسك العروة الوثقى 1: 105، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 412.
  168. . مستمسك العروة الوثقى 1: 105.
  169. . الفوائد الحائرية: 495، 496.
  170. . أنظر: التقليد الأنصاري: 71 ـ 72، مستمسك العروة الوثقى 1: 105، كتاب الاجتهاد والتقليد (الخوئي) 1: 412 ـ 413.
  171. . أنظر: الأصول العامّة للفقه المقارن: 574 ـ 576.
  172. . أدب الفتوى: 37.
  173. . المصدر السابق: 40.
  174. . الوسيط في المذهب 7: 291.
  175. . كتاب آداب القضاء: 77.
  176. . أدب الفتوى: 40.
  177. . روضة الطالبين 8: 89.
  178. . قواعد الأحكام 2: 104 ـ 105.
  179. . أدب الفتوى: 41.
  180. . المصدر السابق: 42.
  181. . المصدر السابق: 43.
  182. . روضة الطالبين 8: 89.
  183. . أنظر: أدب الفتوى: 46، رسائل ابن عابدين 1: 11ـ13.
  184. . أنظر: إرشاد الفحول 2: 333 ـ 334.
  185. . مختصر المزني 1: 1.
  186. . اعلام الموقّعين 2: 200 ـ 201.
  187. . الرد على من أخلد إلى الأرض: 42 ـ 67.
  188. . إرشاد الفحول 2: 333 ـ 337.
  189. . أنظر: الرد على من أخلد إلى الأرض: 44.
  190. . أدب الفتوى: 40.
  191. . المنخول: 496.
  192. . أدب الفتوى: 40.
  193. . المدخل الفقهي العام 1: 176.
  194. . أنظر: تيسير التحرير 4: 256.
  195. . فواتح الرحموت 2: 407.
  196. . تيسير التحرير 4: 253.
  197. . أنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 459.
  198. . المصدر السابق: 459.
  199. . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الخضري بك: 196.
  200. . الإحكام 5 ـ 8: 227 ـ 319.
  201. . المصدر السابق: 268 ـ 269.
  202. . المصدر السابق: 271.
  203. . أنظر: الفوائد المدنية: 91، 100، 300.
  204. . الفوائد المدنية: 92.
  205. . أنظر: الفوائد المدنية: 92.