جدوى البحوث التقريبية

من ویکي‌وحدت

جدوى البحوث التقريبية: هي الضرورة الداعية إلى اعتماد الأبحاث التقريبية لدفع عجلة التقريب إلى الأمام، ومعرفة المعايير التي من المفروض الالتزام بها عند إجراء تلكم البحوث. وتتناول هذه المقالة هذا الموضوع الحيوي.

مدخل

من السبل الكفيلة بترتيب الأثر الملموس والنتائج المطلوبة لدفع عجلة التقريب بين المذاهب الإسلامية نحو الأمام هي اعتماد الأبحاث التقريبية، واتّخاذ الإجراءات العاجلة والجادّة لتنفيذ عملية إجراء البحوث العلمية والموضوعية عن واقع كلّ مذهب من المذاهب الإسلامية، واستخراج حقائقه العقدية ومواقفه الفقهية من مصادر المذهب نفسه ومراجعه، لا ممّا كتب عنه الآخرون؛ لأنّ كلّ مذهب من المذاهب له خصوصياته التي لا تعرف إلّا من مصادره المعتمدة لديه، سواء كانت عقدية أم أُصولية أم من الفروع، أو حتّى في حقل تفسير التاريخ وفهمه، لاعتبار أنّ ما كان قد كتب أو روي عن بعض المذاهب من خارج بنيتها الحقيقية قد اختلط بنفثات نسبت إلى هذا المذهب أو ذاك اتّهامات، أقلّ ما يقال عنها: إنّها ليست معترفاً بها في هذا المذهب ولا يقرّها، أو ليست صحيحة عنده.

ما تلزم مراعاته في التقريب

وانطلاقاً من أنّ عملية التقريب بين المذاهب لا بدّ أن يراعى فيها المصداقية والموضوعية، فإنّ مثل تلك الصفات والحقائق لا يمكن أن تؤخذ أو تستقى إلّا من لسان أصحاب المذهب نفسه، أو من مصادره المعتمدة عند أهله وأتباعه، لا من أقوال خارجية، فربّما صاحبتها أباطيل، ودسّت فيها دسائس، أو زوّرت عنها أقاويل دون ثوابت، حتّى انطوت على الشكّ فيها بصورة عامّة.

ما يلزم مراعاته عند تنفيذ بحوث التقريب

ويراعى عند تنفيذ بحوث التقريب وإجرائها ما يلي:

1 ـ التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذّ داخل كلّ مذهب، وعلى الباحث الذي يسند رأياً إلى مذهب معيّن أن يأخذ بعين الاعتبار الرأي الشاذّ، كما أنّ عليه أن ينسب الآراء الشاذّة إلى أصحابها فقط، وليس إلى المذهب ذاته؛ باعتبار أنّ المذاهب هي القواعد والأفكار، وليست الأفراد.

ولتحقيق هذا الأمر فإنّ استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية تدعو المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة- وبالتعاون مع مفكّري المذاهب الإسلامية وعلمائها وفقهائها- إلى إعداد دراسة بحثية علمية لاعتمادها مرجعاً إسلامياً أساساً لكلّ دراسة تتمّ عن أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية، على أن تتاح لهم الاستعانة بميادين تنفيذ هذه الاستراتيجية.

2 ـ تقدير الرأي والرأي الآخر واحترامهما؛ لضرورتهما وأهمّيتهما عند الحوار، وحين تبادل الرأي، على أن يسود الحوار العلمي المجرّد كلّ مواقف عمليات التقريب وإن أدّت إلى الاختلاف، فالاختلاف طبيعي، وليس بمستنكر في إطار قواعد الاختلاف وآدابه. كما أنّ الدفاع عن الرأي والاستدلال على صحّته حقّ لكلّ عالم، والردّ المدعم بالدليل العلمي حقّ أيضاً، وإذا كانت المسألة من المسلّمات في القضايا الجدلية والمنطقية فهي في القضايا والمسائل الفرعية ومجالات الأحكام الاجتهادية من باب الأولى والأحرى.

3 ـ الاتّفاق على المرجع المبدئي والثابت للتحكيم بين الآراء المتحاورة، وهو الكتاب الكريم والسنّة النبوية الصحيحة، كما هو مرجع كلّ المذاهب، والمسلمون متّفقون نظرياً على المرجعية الواحدة، لكنّهم مع التأثّر بالمغريات المادّية والوجاهة الدنيوية والدوافع الخارجية لا يلتزمون أحياناً بما تدعو إليه تلك المرجعية، ومرجع التقريب على كلّ الأحوال هو الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الصحيحة التي ثبتت حجّيتها لدى المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

4 ـ الاهتمام بإبراز النقاط المشتركة بين المذاهب؛ لأنّها الأهمّ والأكثر من نقاط الخلاف، ولكونها العامل الجامع المشترك بين متعدّد المذاهب، ويتحقّق هذا الأمر الأساس من خلال ميادين التأليف والنشر، والبحث العلمي، والاستعانة بكلّ وسائل الاتّصال المقروءة والمسموعة والمرئية.

5 ـ إذا تغلّب الاختلاف على الأفكار والآراء فلا يجوز أن ينعكس كلّياً أو جزئياً على مواقف المسلمين من القضايا العالمية الكبرى، فالاختلافات الفكرية والفقهية تبيّن بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّها كنز اشتهر به الفقه الإسلامي، ولها تاريخ طويل، كما أنّها من سنن الله تعالى في خلقه، نتج وينتج عنها تفاعل الحركة العلمية وتنوّع قواعد التشريع، كما نجم عنها النموّ والغنى العلمي والفقهي الذي يباهي به التراث الإسلامي على المستوى الدولي، لذلك لا عيب ولا خطر في الاختلافات الفقهية والفكرية، وإنّما الخطر في استثمارها في فصم عُرى الإسلام ومخالفة ما جاء به التشريع السماوي، والأخطر من ذلك على الأمّة والوحدة الإسلامية هو الاختلاف في مصادر الإسلام الأساس؛ لأنّ هذا النوع من الاختلاف ليس إلّا الهوان والخسران، كما يعني- وبلا جدل- الضعف والتمزّق وهيمنة الأعداء.

لذلك فمن أهمّ أسس التقريب وخطواته العملية: الإسراع بتوحيد هويّة الأُمّة الإسلامية، بتأكيد وحدة مصادرها ومرجعياتها، والحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي والثقافي والعملي والاقتصادي؛ حتّى لا يقوى الاختلاف ويزداد التمزّق، فيسقط حقّ المسلم في حياة العزّة والمجد الذي هو نعمة من نعم الله على عباده المسلمين، والنظر بموضوعية إلى القضايا الإسلامية ذات الأولويات الكبرى، والتركيز عليها دون الدخول في جزئياتها؛ حتّى لا يستفرغ الجهد في الهوامش والجزئيات، ومن أهمّها بل ومن أولوياتها الكبرى مسألة التفريق بين المسلمين، وضراوة التنكيل بشعوبهم، وخطورة العمل على إخراجهم عن دينهم بأعمال التنصير والتهويد والتجهيل واستغلال حاجاتهم المادّية في هذا العمل الخطير.

المصدر

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 85-86.

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.