المصلحة السلوکية

من ویکي‌وحدت

المصلحة السلوکية: هذه اصطلاحٌ أصوليٌ اخترعها الشيخ الأنصاري من علماء الإمامية لإثبات إمکانية التعبّد بخبر الواحد والأمارات الظنّية الاخری، لأن الإمامية تارة يقول بطريقية الأمارات واخری يقول بالتخطئة أي إمکان خطأ المجتهد في الاستنباط و الاجتهاد، وهذا لا يساعد بإمکانية التعبّد المذکور، والشبهة أثارها ابن قبة من علماء الإمامية حول إمكانية التعبّد بالأمارات الظنّية، وهي معروفة بـ شبهة ابن قبة، الذي أكّد في جانب منها على أنّ العمل بالأمارات الظنّية قد يؤدّي أحيانا إلى تفويت المصلحة وارتكاب المفسدة الواقعية في صورة الخطأ وعدم مطابقة الظنّ للواقع. ولقد أجاب الشيخ الأنصاري عن هذه الشبهة بما يلي.

المصلحة السلوکية

ولا يهمنا هنا التعرّف على المناقشات المختلفة الواردة على هذه الشبهة بقدر ما يهمنا التعرّف على أنّ الشبهة إنّما تتوجّه على مسلك الطريقية في الأمارات واعتبارها كاشفة عن الواقع، إذ على أساس هذا المسلك فقط يمكن أن تكون الأمارة مخطئة في إصابة الواقع فيفوتنا الملاك الذي يبتني على أساسه الحكم الواقعي.

وأمّا على مسلك السببية القائل بتسبيب الأمارات لحكم مطابق لمدلولها؛ بغض النظر عن الواقع، كما عليه الأشاعرة و المعتزلة، فإنّه لم يفوتنا على أساسها شيء في ملاكات الأحكام حينئذٍ؛ لأنّ الحكم يتحدد من خلال نفس الأمارات، فلا يفوتنا بالعمل بها شيء من ملاكاتها[١].

ولمّا كانت السببية بهذا المعنى مرفوضة على المذهب الإمامي لما تستلزمه من التصويب، طرح الشيخ الأنصاري تفسيرا آخر لها يبتني على تسبيب السلوك والعمل بالأمارات لمصالح يتدارك بها ما فات من مصالح الأحكام الواقعية، وتتفاوت هذه المصالح بتفاوت مقدار ما يسلكه المكلّف من عمل بالأمارات قلّة وكثرة حتّى يصل درجة يتدارك به جميع مصالح الأحكام الواقعية، وهذه النظرية هي المسمّاة بالمصلحة السلوكية التي حاول الشيخ الأنصاري[٢] ومن تبعه التخلّص من[٣] خلالها من الإشكالات المتوجّهه على السببية عند الأشاعرة و المعتزلة وما تستلزمه من تصويب، كما أراد التخلّص من الطريقية المحضة التي لم يعتقد بصحّتها الإمامية، فسلك طريقا وسطا بينهما متمثلاً بالمصلحة السلوكية، لكنّه لم يكن موفقا في ذلك باعتقاد البعض، لما تستلزمه المصلحة السلوكية من قيام حكم آخر يستند إلى هذه المصلحة، إذ لوفرض اشتمال سلوك الأمارة على مصلحة تتدارك بها مصلحة الواقع، فإنّه لن يبقى مبرر لتعلّق الأمر بالواقع على نحو التعيين، لكونه ترجيحا بلا مرجح، بل لابدّ من تعلّقه به وبسلوك الأمارة بنحو التخيير؛ كما لو كان الحكم الواقعي هو صلاة الظهر ودلّت الأمارة على صلاة الجمعة، فإنّ‏مقتضى التكافؤ بين المصلحتين عدم اختصاص الوجوب بصلاة الظهر، بل يعمّ صلاة الجمعة والظهر تخييرا، لقبح الترجيح بلا مرجح؛ ولأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد بحسب مذهب العدلية،وهذا يعني انجرار الشيخ ومن تبعه باتجاه التصويب الذي حاول التخلّص منه عن طريق المصلحة السلوكية[٤].

وعلى أي حال فإنّ مجرّد فوات المصلحة بسبب العلم بالأحكام الظاهرية أحيانا لا يلزمنا بجبرانها، خصوصا بعد سماح الشريعة بالعمل بها ومعذورية المكلّف تجاهها[٥].

المصادر

  1. . أنظر : مصباح الأصول 2 : 95 ـ 97 ، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 309 ـ 310.
  2. . فرائد الأصول 1: 114 ـ 116.
  3. . فوائد الأصول 3: 90 ـ 97.
  4. . مصباح الأصول 2: 95 ـ 97، أصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 45 ـ 49.
  5. . حقائق الأصول 2: 65.