العزيمة

من ویکي‌وحدت

العزيمة: وهو سقوط الخطاب بجميع مراتبه من الإلزام والمشروعية، کترک الصيام للمسافر، ولذا يقال: «إنّ ترک الصيام للمسافر عزيمة». أي لايجوز له الصوم، کعدم جواز الصلاة للحائض.

تعريف العزيمة لغةً

العزيمة: مصدر من عزم على الشيء عزما وعزيمة إذا أهمَ به وعقد ضميره على فعله وتحصيله[١]، ومنه قوله تعالى: «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...»[٢]. وقوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «إنّ اللّه‏ يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه»[٣]. وقد يعبّر عن العزيمة أيضا بالصريمة[٤] والمريرة[٥].

تعريف العزيمة اصطلاحاً

هي عبارة عن الأمر الذي لابدّ من الالتزام به، وإن اختلف علماء الإمامية و الجمهور فى المورد الذي استعملوا فيه العزيمة، حيث غلب استعمالها عند الإمامية في لزوم ترك التكليف بعد سقوطه وزوال مشروعيته، كما في لزوم ترك الصيام للمسافر والصلاة للحائض[٦] بسبب سقوط ملاكهما المستتبع لسقوط الخطاب بهما [٧]، وهو الذي عبّر عنه السيّد الخوئي بسقوط الأمر بجميع مراتبه[٨] الشاملة لمرتبة الإلزام والمشروعية معا [٩].
كما استعمل الإمامية العزيمة في الأمر اللازم اتباعه، كقولهم مثلاً: القرعة عزيمة وليست رخصة[١٠]، أي لابدّ من الأخذ بما تؤدّي إليه.
وأمّا الجمهور فقد استعملوا العزيمة في الأحكام الأوّلية التي فرضها اللّه‏ في أفعال[١١] عباده في صورة عدم عروض ما يوجب العذر عن امتثالها والعمل بمضمونها [١٢].
وإنّما سمّي الفرض عزيمة لتأكيد المولى تعالى على الأخذ به والالتزام بمضمونه[١٣]، وبذلك يتّضح الفرق بين العزيمة باصطلاح الجمهور والعزيمة باصطلاح الإمامية؛ إذ هي باصطلاح الجمهور لا تتعدّى أفعال المكلّفين وفي دائرة الأحكام الأوّلية فقط، بينما تشمل باصطلاح الإمامية تروكهم أيضا من دون اختصاصها بالأحكام الأوّلية.
ويقابل العزيمة الرخصة التي تعني السماح للمكلفين بترك التكليف تسهيلاً عليهم ليكونوا مخيّرين بين الفعل والترك[١٤]، مع بقاء المشروعية على حالها، فلا يسقط الأمر فيها بجميع مراتبه كما في العزيمة، بل في مرتبة الإلزام فقط[١٥]، ويبقى الإتيان بالفعل على حاله من المشروعية.
والرخصة لا تصدق إلاّ مع العذر عن امتثال التكليف، كما في ترك الصيام للشيخ والشيخة، فلا تسمّى المباحات الأوّلية ـ كجواز الأكل والشرب ـ رخصة، لعدم مسبوقيتها بالحظر[١٦].
وقد تطلق الرخصة أحيانا على نفي احتمال التحريم والتمسّك بأصل من الاُصول العملية كـ البراءة مثلاً، فيقال: الأصل في الفعل الكذائي الترخيص مثلاً [١٧].

الرخصة والعزيمة من الأحكام الوضعية أم التكليفية؟

اختلف الاُصوليون في ماهية الرخصة والعزيمة، وأنّهما من نوع الأحكام التكليفية[١٨] أو الوضعية[١٩]، فذهب أكثر علماء الإمامية[٢٠] إلى أنّهما من نوع الأحكام التكليفية؛ لدلالة العزيمة على إلزام المكلّف بفرض اللّه‏، ودلالة الرخصة على إطلاق عنانه وإفساح المجال أمامه ليختار الفعل أو الترک، وكلاهما داخلان في دائرة الأحكام التكليفية[٢١].
وقد يظهر هذا الرأي أيضا من أكثر علماء الجمهور الذين عرّفوا العزيمة بفرض اللّه‏؛ لتناسب الفرض مع الأحكام التكليفية دون الوضعية.
وخالف في ذلك بعض علماء الإمامية[٢٢] والجمهور[٢٣]، حيث اعتبروا العزيمة والرخصة من الأحكام الوضعية، من دون أن يقدّموا دليلاً على مدعاهم.
بينما فصّل البادكوبي ـ من علماء الإمامية ـ بين الرخصة فاعتبرها من الأحكام التكليفية، وبين العزيمة فاعتبرها من الأحكام الوضعية؛ لرجوع العزيمة ـ كما قال ـ إلى عدم المشروعية التي هي باعتقاده من الأحكام الوضعية[٢٤].
كما فصّل الحاجبي ـ من علماء الجمهور ـ بين الرخصة فاعتبرها من الأحكام الوضعية، وبين العزيمة فاعتبرها من الأحكام التكليفية[٢٥].
والثمرة من هذا البحث تظهر ـ كما ذكر بعض علماء الإمامية ـ في عدم جريان الاُصول العملية في الرخصة والعزيمة إذا اعتبرناهما من الأحكام الوضعية بناءً على عدم تضمنها جعلاً شرعيا وكانت منتزعة من الأحكام التكليفية، فليست بنفسها من الأحكام الشرعية، إذ الاُصول العملية لا تجري باعتقاده إلاّ في المجعولات الشرعية أو متعلّقاتها [٢٦].
وقد واجهت هذه الفكرة اعتراض الكثير ممّن يرى أنّ الأحكام الوضعية ـ ومنها الرخصة والعزيمة بحسب الفرض ـ أحكام شرعية كالأحكام التكليفية يمكن جريان الاُصول العملية فيها، وعلى فرض عدم كونها أحكاما شرعية فإنّه يكفي في جريان الاُصول فيها انتسابها إلى الشارع عن طريق انتزاعها من الأحكام التكليفية[٢٧].والتفصيل في هذا المجال موكول إلى محلّه.

المصادر

  1. . القاموس المحيط: 1048، مادّة: «عزم»، المصباح المنير 2: 408، مادّة: «عزم»، العين 1: 363، مادّة «عزم»، الصحاح 5: 1985، مادّة: «عزم».
  2. . الأحقاف: 35.
  3. . وسائل الشيعة 1: 108، باب 25 جواز التقية في العبادات من أبواب مقدّمة العبادات ، ح 1، كنز العمال 3 : 669 ، ح 8412 و3 : 34 ، ح 5340.
  4. . الصحاح 5: 1966، مادّة: «صرم»، القاموس المحيط: 1040، مادّة: «صرم»، تاج العروس 17: 408، مادّة: «صرم».
  5. . الصحاح 2: 814، مادّة: «مرر»، لسان العرب 4: 3695، مادّة «مرر»، تاج العروس 7: 476، مادّة: «مرر».
  6. . مفاتيح الاُصول: 297 ـ 298، نهاية الأفكار البروجردي 4: 99، فوائد الاُصول 4: 403، غاية الاُصول 5: 104.
  7. . اُنظر: المحكم في اُصول الفقه 1: 90.
  8. . مصباح الاُصول 3: 86.
  9. . وبذلك يتّضح أن لا مبرر لما ذكره البعض في كتابه الاُصول العامّة: 68 من عدم معروفية ما عرَّف به السيّد الخوئي العزيمة بسقوط الأمر بجميع مراتبه؛ لأنّ تعريفه لها ناظر إلى ما يفهمه الإماميّة من العزيمة، وإن كان غير معروف عند الجمهور أو عند صاحب الكتاب المذكور.
  10. . عوائد الأيّام: 639.
  11. . وممّا يؤيّد اختصاص العزيمة بالأفعال عندهم دون التروك تصريح الرازي بأنّ «الفعل» الذي يجوز الإتيان به إمّا أن يكون عزيمة أو رخصة. المحصول 1: 29.
  12. . اُنظر: الإحكام الآمدي 1 ـ 2: 113، الاُصول (السرخسي) 1: 117، المستصفى 1: 114، المحصول 1: 29، الاُصول العامّة: 68.
  13. . الاُصول السرخسي 1: 117.
  14. . نهاية الأفكار البروجردي: 994، فوائد الاُصول 4: 403، الاُصول (السرخسي) 1: 117، الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2: 113 ـ 114.
  15. . مصباح الاُصول 3: 87.
  16. . المستصفى 1: 114، المحصول في علم الاُصول الرازي 1: 29.
  17. . اُنظر: هداية المسترشدين 1: 663، فوائد الاُصول 4: 8، أنوار الهداية الخميني 2: 176، المحكم في اُصول الفقه 4: 222.
  18. . وهي عبارة عن الأحكام الخمسة: الوجوب، و الحرمة، و الاستحباب، و الكراهة، و الإباحة.
  19. . وهي كلّ حكم شرعي غير الأحكام التكليفية الخمسة.
  20. . نهاية الأفكار البروجردي 4: 99، فوائد الاُصول 4: 403.
  21. . مصباح الاُصول 3: 87، عناية الاُصول 5: 104، المحكم في اُصول الفقه 1: 90.
  22. . يظهر ذلك من كلام المحقّق الخراساني في كفاية الاُصول: 400.
  23. . يظهر ذلك من عبارة الآمدي في موضع من كلامه في الإحكام 1 ـ 2 : 84 .
  24. . الهداية في شرح الكفاية 4: 72.
  25. . نسب ذلك إليه في أوثق الوسائل: 474.
  26. . اُنظر: الفوائد الرضوية رضا الهمداني 1: 3.
  27. . اُنظر: كفاية الاُصول: 367، فوائد الاُصول 3: 422، 4: 190، منتهى الدراية 7: 186 ـ 189.