الظن

من ویکي‌وحدت

الظن: وهو الاعتقاد الراجح الذي لم يبلغ إلی حدّ اليقين، وقد يسمی بالعلم العادي، والغرض في هذا المقال تعريف الظن وأقسامه وأحکامه.

تعريف الظن لغةً

الظنّ معروف، ظنّ يظنّ ظنا، والظنّة: التهمة[١]. الظنّ يقين وشكّ[٢]. الظنّ: شكّ ويقين إلاّ أنّه ليس بيقين عيان وإنّما يقين تدبُّر، فأمّا يقين العيان فلان يقال فيه إلاّ علم، وهو يكون اسما ومصدرا. وجمع الظنّ ـ الذي هو الاسم ـ : ظنون[٣].

تعريف الظن اصطلاحاً

عرّف الظنّ في الأصول واستخدم في أكثر من معنى: الأوّل: التعريف الذي ينسجم مع التعريف المنطقي له، وهو الاعتقاد الراجح مع عدم نفي الاحتمال المقابل. فقد ورد عن بعض الأصوليين تعريفه بعبارات مثل العبارات التالية: ترجيح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر من غير قطع[٤]. ترجح أحد ممكنين متقابلين في النفس على الآخر من غير قطع[٥]. الاعتقاد الراجح من اعتقادي الطرفين وكذا رجحان الاعتقاد[٦]. الطرف الراجح من طرفي الترديد في الذهن[٧]. رجحان أحد الطرفين ترجيحا غير مانع من النقيض[٨]. الاحتمال الراجح الذي يقارن احتمال الخلاف[٩]. الثاني: الأمارات التي تسبب تبلور الظنّ في الذهن، أي أسباب الظنّ، فإذا كانت معتبرة، قيل: الظنّ المعتبر أو الأمارة المعتبرة، مثل: خبر الواحد، وإن لم تكن معتبرة، قيل: ظنّ غير معتبر أو أمارة غير معتبرة. وهو ما ورد غالبا في كلمات أصوليي الشيعة، وخاصّة متأخّريهم[١٠]. ويُدعى ظنّا نوعيا[١١]. الثالث: العلم أو الظنّ المتاخم للعلم الذي يُدعى علما كذلك، فقد ورد عن بعضهم: إنّ المراد بالظنّ هنا العلم العادي الذي لا يعدّ العقلاء نقيضه من المخوفات[١٢]. المراد بالظنّ هو العلم[١٣]. نعم، لا يبعد القول بأنّ المراد من الظنّ العلم أو الظنّ الحجة لاستعمال الظنّ في ذلك[١٤]. وفي تقسيمه للظنون يستخدم الزركشي تعبير العلم بدلاً عن الظنّ[١٥]. الرابع: الشك، كما ورد في عبارات بعض الفقهاء مثل: إنّ المذموم من الظنّ هو ما كان بمعنى الشكّ، وهو التردد بين طرفين[١٦]. ويبدو أنّ المعنيين الأخيرين ناشئان عن استعمال الظنّ بمعنى العلم و الشك أو الاحتمال في القرآن والأحاديث[١٧]. وهناك اصطلاح ذات صلة يستخدمه الفقهاء، وهو اصطلاح غالب الظنّ أو أكبره، وفي تفسيره والتفريق بينه وبين الظنّ يقال: في الظنّ لم يطرح الطرف المرجوح في الاعتقاد، بينما في غالب الظن يطرح الطرف المرجوح ويترك[١٨]. وفسره آخر بأنّه الظنّ الراجح الذي يكون قريبا من الجزم وفوق الظنّ[١٩]. وآخر بأنّه الزائد في الرجحان[٢٠].

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ أمارة

ورد تعريفها عند بعض أهل السنة بأنّها: ما نصّه الشارع لأجل الدلالة على الحکم الشرعي[٢١]. وعن بعض آخر: ما يمكن أن يتوصّل بصحيح النظر فيها إلى الظنّ[٢٢]. وعرّفها بعض أصوليي الشيعة بأنّها: الطريق الظنّي الذي اعتبره الشارع في حقّ الجاهل بالواقع[٢٣]. وعلى هذه التعاريف، فالأمارة طريق يوصل إلى الظنّ وليس الظنّ نفسه، أي واحد من الطرق الموصلة إليه، لكن بعض الأصوليين يطلق أحيانا على الظنّ أمارة أو بالعكس، فذلك إطلاق مجازي من باب إطلاق السبب على مسببه أو المسبب على سببه[٢٤].

2 ـ احتمال

استخدم الأصوليون مفردة احتمال بأكثر من معنى، منها: كونه يعني درجة من الكشف دون القطع، أي ما يقابل الجزم والقطع. وبناء على هذا يكون فرقه عن الظنّ في كونه شاملاً للظنّ والشكّ؛ باعتبار كونهما مقابلين للجزم والقطع، ومشتركين من حيث كونهما قد يكونان حجّة بجعل شرعي، فالظنّ حجّة بجعل من الشارع في مورد الأمارة. والشكّ منجز لبعض التكاليف في بعض الأحيان.

3 ـ اطمئنان

الاطمئنان هو درجة عالية من الاحتمال قريبة من العلم واليقين، بحيث يكون احتمال العكس ضئيلاً جدّا لا يعتدّ به، أي أنّه بمستوى العلم الذي تكون حجّيته ذاتية. وهذا هو المستفاد من كلمات الاُصوليين والفقهاء في هذا المجال[٢٥]. وبهذا يتّضح أنّ فرق الاطمئنان عن الظنّ في درجة الاحتمال ومستوى الكشف، فإنّ احتمال العكس في الظنّ برغم كونه ضئيلاً إلاّ أنّه وارد ويعتدّ به، ولذلك لا تكون حجّيته ذاتية، أمّا الاطمئنان فدرجة احتمال العكس ضئيلة جدّا، بحيث لا يحتسب تقريبا. واختلف في حكمه ما إذا كان مساوقا لحكم العلم في كون حجّيته ذاتية أو مساوقا للظنّ في حاجته إلى جعل شرعي[٢٦].

4 ـ شكّ

وردت عدّة تعاريف له، منها: التردّد في أمرين متقابلين لا ترجيح لوقوع أحدهما على الآخر في النفس[٢٧] ويراد منه أحيانا ما يقابل اليقين، بحيث يشمل الظنّ كذلك[٢٨]. وبناءً على المعنى الثاني فإنّ الظنّ من مصاديق الشكّ، بينما بناءً على المعنى الأوّل يكون الاعتقاد في الشك دون مستوى الاعتقاد الحاصل بالظنّ، ففي الأخير رجح أحد طرفي الاعتقاد بينما في الأوّل تساوى الطرفان من حيث الاعتقاد.

5 ـ علم

عرّف العلم بعدّة تعاريف مثل: حصول صورة الشيء في الذهن[٢٩]. أو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تامّا[٣٠]. أو ما اقتضى سكون النفس[٣١]. وما يمكن ذكره في الفرق بين الظنّ والعلم هو أنّ الاعتقاد والترجيح لأحد الطرفين في العلم بلغ أوجه وتلاشى الاحتمال المقابل بالكلّية، بينما الاحتمال الآخر باقٍ في حالة الظنّ. وفي هذا المضمار يختلف الظنّ عن العلم أو القطع في أمرين: الأوّل: يقبل الظنّ منع الشارع عن العمل به، ويجوز للشارع أن ينهى عن العمل به من دون محذور، كما ورد فعلاً آيات وروايات عامّة ناهية عن العمل بالظنّ أو القياس الذي يوجبه. الثاني: يجوز للشارع أن يجعل للظانّ من حيث هو ظانّ حكما كلّيا بالنظر إلى احتمال مخالفة الواقع، وذلك من باب جعل الحكم الظاهري حكما على خلاف الحکم المجعول للواقعة من حيث هي، كجواز تناول ما ظنّ كونه خمرا، بخلاف القطع فلا يجوز للشارع جعل حكم كلّي له، من حيث كونه قاطعا لاحتمال مخالفة قطعه للواقع؛ لأنّ ذلك يلزم اللغوية، فإنّ القاطع لا يلتفت إلى اندراج الحکم الظاهري في الموضوع لعدم احتمال الخلاف[٣٢].

أقسام الظن

جلّ التقسيمات الواردة للظنّ وردت عن أصوليي الشيعة المتأخّرين، ولم ترد عن أصوليي أهل السنة ولا قدماء أو متقدّمي الشيعة.

الظنّ الشخصي والظنّ النوعي

قسّم الظنّ باعتبار تبلوره أو عدم تبلوره لدى شخص. فالظنّ الشخصي هو الاعتقاد الذي تبلور عند شخص، وقد يتبلور عند آخر ما يعاكسه، وهو نفسه الذي اصطلح لدى اللغويين والمناطقة.
وعرّفه البعض بأنّه: صفة نفسانية تنقدح في النفس نظير الشكّ والعلم.
وعرّف الظنّ النوعي بأنّه: الأسباب التي تكون غالبا سببا لانقداح الظنّ الشخصي في الذهن، كخبر العدل والثقة[٣٣].
وعرّف النوعي أيضا بأنّه: الاُمور المعتبرة شرعا والمفيدة للظنّ لو خليت وطبعها وإن لم تكن مفيدة للظنّ عند شخص خاصّ[٣٤]. ويبدو أنّ تسمية هذه الأسباب والاُمور و الأمارات الشرعية ظنّا نوعيا من باب كونها توجب تبلور الظنّ لدى نوع الناس[٣٥]، بل في تعريف الشيخ المظفر للأمارة تصريح بهذا الأمر: الأمارة تكون من شأنها أن تفيد الظنّ عند غالب الناس ونوعهم[٣٦].

الظنّ العقلي والظنّ اللفظي

وباعتبار منشأ الظنّ فقد قسّم إلى عقلي، وهو الذي نشأ من العقل مثل القياس، وإلى لفظي وهو ما كان منشؤه أمارة أو دليلاً لفظيا[٣٧].

الظنّ الطريقي والظنّ الموضوعي

باعتبار أنّ الظنّ بمثابة العلم شرعا (فيما إذا كان منشؤه معتبرا) فيؤخذ تارة طريقا للحكم، أي يترتّب الحكم على نفس متعلّقه، ويؤخذ تارة اُخرى موضوعا للحكم[٣٨]، لكن يمتاز الظنّ عن العلم في كون الظنّ طريقا مجعولاً من الشارع؛ لكون حجّيته ليست ذاتية، وكذلك شأن الظنّ الموضوعي فيجعل من الشارع بجعل منه، من قبيل: «مظنون الخمرية يحرم شربه» أو بجعل من العقل كما في حالة الانسداد على فرض القول به.
وقد وردت تفاصيل وتقسيمات وفروض عديدة للظنّ الموضوعي، مثل: كونه جزء الموضوع أو تمامه، أو أخذ في موضوع نفسه أو مثله أو ضدّه، وفي حالة كونه معتبرا أو غير معتبر[٣٩]. عدّها البعض بثلاثة وثلاثين قسما[٤٠].
ويبدو أنّ أقسام الظنّ الموضوعي افتراضية لا واقع لها غالبا، وصدرت من الأصوليين كبحوث افتراضية بحتة[٤١].

الظنّ الخاصّ (المعتبر) والظنّ المطلق (غير المعتبر)

عرّف البعض الظنّ المعتبر بالظنّ المنتهي إلى اليقين كظواهر الكتاب[٤٢].
وعرّفه آخر بأنّه: الظنّ الذي جعله الشارع حجّة مثل الظنّ الناشئ عن خبر الواحد. وغير المعتبر عكسه، أي لم يجعله الشارع حجّة[٤٣].
وعرّف أيضا بأنّه: كلّ شيء اعتبره الشارع لأجل أن يكون سببا للظنّ كـ خبر الواحد و الظواهر[٤٤].
ويُدعى هذا الظنّ الظن الخاص والظنّ الحجة[٤٥].
ويراد من اعتباره هو جعله طريقا وكاشفا بـ الجعل[٤٦].
وقد حصر الشيعة الظنّ المعتبر بظنون محدودة جدّا، وهي مثل الأمارات والأخبار و ظهور الكلام، بينما وسّع أهل السنة نطاقه ليشمل القياس و الاستحسان و سد الذرائع وما شابهه من الظنون غير المعتبرة لدى الإمامية.
ويقابله الظنّ غير المعتبر أو المطلق، وهو الظنّ الناشئ عن الأسباب التي لم يجعل الشارع لها حجّية، ويمثّل لها في فقه الشيعة بالقياس، فهو يوجب الظنّ وأحد مسبباته لكنّه سبب مطلق غير معتبر، ولم يرد دليل على حجّيته.
وتتبّع كلمات الأصوليين في هذا المجال يكشف عن أنّ استخدام اصطلاحي الظنّ الخاصّ والمطلق أكثر من استخدام اصطلاحي الظنّ المعتبر وغير المعتبر.

الظنّ المانع والظنّ الممنوع

يطرح بحث الظنّ المانع والممنوع غالبا ذيل موضوع انسداد باب العلم، حيث يستحيل تحصيل العلم، عندئذٍ لو كان لدينا ظنان أو أكثر يتعارضان، وأحدهما يمنع الآخر، والآخر لا يمنع، فيطلق على الذي يمنع مانع، ويطلق على الذي لا يمنع ممنوع. وفرضه: قام ظنّ من أفراد الظنّ المطلق على عدم حجّية ظنّ بالخصوص[٤٧]. ويمثّل له بأن حصل للمكلّف القائل بالانسداد ظنّ من قول الصبي أو الفاسق بوجوب صلاة الجمعة وحصل له ظنّ آخر بعدم حجية الظن الحاصل من قول الصبي الفاسق، فالأوّل هو الظنّ الممنوع، والثاني هو المانع[٤٨].
ويذهب من تناول هذا الموضوع إلى أنّ الظنّ الممنوع هو الظنّ الذي لم يدلّ على حرمة الأخذ بالظنّ المانع، لكن الأخذ به منافٍ للأخذ بالمانع[٤٩]. من هنا كان محلّ النزاع هو أنّ غاية ما يدلّ عليه الظنّ المانع هو عدم قيام دليل على حجّية الممنوع، وموضوع دليل الانسداد هو حجّية كلّ ظنّ لم يقم على حجّيته ولا على عدمها دليل بالخصوص.
وممّا يمكن استفادته من ذلك هو إمكان الاستدلال على حجّية الظنون غير المعتبرة لدى الشيعة مثل القياس أو الاستحسان بدليل الانسداد الذي يثبت الحجية لكلّ ظنّ[٥٠].
وباعتبار أنّ البحث افتراضي لم نأثر عن الأصوليين مثالاً حقيقيا أو مسألة فقهية فرعية تعتمد هذا البحث بالخصوص.

أحکام الظن

حجية الظن

طرح اُصوليو أهل السنة موضوع الظنّ في إطار الأدلّة غير القطعية، كمصاديق للظنّ، مثل: القياس، و الاستحسان، و المصالح المرسلة. والملاحظ في بحوثهم قول أكثرهم بحجّية هذه الأدلّة. وبناء على هذا فإنّهم يوسّعون من نطاق حجية الظن المعتبر لديهم ولا يحدّونه.
أمّا اُصوليو الشيعة فيذهبون إلى حرمة العمل بالظنّ خلافا للعلم الذي يجب العمل وفقه؛ وذلك بمقتضى الآيات والروايات الناهية عن العمل بالظنّ، وكذلك أدلّة واعتبارات اُخرى، وردت تحت مدخل انسداد باب العلم.
كما أنّهم التزموا بأصل أولي هنا وهو حرمة العمل بالظنّ المطلق دون قيام دليل على حجّيته، فهو ليس من قبيل القطع الذي حجّيته ذاتية، ولأجل هذا أسّسوا هنا أصلاً أجمعوا عليه، وهو عبارة عن عدم حجّية الظنّ إلاّ ما خرج بدليل، وذلك بناء على بيانين:
أحدهما: إنّ القواعد العملية العقلية والشرعية التي تجري عند فقد البيان تكون جارية حتّى مع ورود مشكوك الحجية، فقيام المشكوك لا يغيّر من الموقف العملي للمكلّف، سواء على مبنى قبح العقاب بلا بيان أو مبنى حق الطاعة. فلو فرض قيام مشكوك الحجية على جزئية أمر ما في الصلاة، فإنّ مقتضى القواعد هو الرجوع إلى اطلاقات الأدلّة الاجتهادية لنفي هذا الجزء، وإذا لم تكن هناك أدلّة اجتهادية نرجع إلى الأصول العملية كأصل البراءة لنفي الجزئية، وقيام أمارة مشكوك في حجّيتها (وهي الظنّ المطلق) لا يغيّر شيئا من هذه القواعد.
ثانيهما: كون الأحكام الواقعية فعلية حتّى على فرض الشكّ فيها، أمّا وصولها إلينا فهو شرط الفاعلية لا الفعلية، لكن الأحكام الظاهرية المستفادة من الظنون من سنخ الأحكام التي لا تتحقّق فعليتها إلاّ بوصولها للمكلّف وإلاّ فلا، فيكون الشكّ في حجّيتها مساوقا للقطع بعدم فعليتها[٥١].
وقد طرحوا مجمل النقاش في عدم حجّية الظنّ المطلق في باب انسداد العلم، واستدلّوا هناك على عدم حجّيته بالآيات والروايات الناهية عن العمل بالظنّ، مضافا إلى أدلّة عقلية، كما أنّ جزءاً من بحوثه طرحوها تحت موضوع الخبر والظواهر والتقليد كذلك.
هذا بالنسبة إلى الظنّ المطلق، حيث يلحق بـ الشك، أمّا بالنسبة إلى الظنّ الخاصّ المعتبر فيلحق بالقطع[٥٢]. وإلحاق الظنّ المعتبر بالقطع ليس ذاتيا، بل بجعل ودليل واعتبار من الشارع، ولأجل ذلك قد يوصف بأنّه علم تعبّدا [٥٣]. وفيما يخصّ الظنّ المانع والممنوع فهناك أقوال:
أوّلها: حجّية المانع دون الممنوع؛ لأنّهما بمثابة الشك السببي والمسببي في الاستصحاب، فيقدم السببي.
ثانيهما: حجّية الممنوع دون المانع؛ لأنّ الظنّ الممنوع ظنّ بالحكم الفرعي، بينما الظنّ المانع ظنّ بالحكم الاُصولي وهو الحجية، والمتيقن من دليل الانسداد هو حجّية الممنوع فقط دون الثاني.
ثالثها: لزوم اختيار أقواهما لو كان هناك أقوى وإلاّ فيتساقطان؛ لعدم وجود المرجح.
رابعها: تقسيم كلّ من الظنّين (المانع والممنوع) إلى موضوعي وطريقي، وفي هذا المجال اختلاف في اعتبار وإمكانية أخذ الظنّ موضوعا أو طريقا، والاختلاف يعود إلى اختلاف الفقهاء والأصوليين وآرائهم في هذا المجال [٥٤] .
لكن اشتهر في ألسنة الأصوليين أنّه يجب الأخذ بالظنّ المانع مطلقا سواء كان أضعف من الظنّ الممنوع أو أقوى؛ وذلك لأنّ دليل الانسداد يشمله[٥٥].
هذا مع أنّ البعض يرى كون البحث ساقطا من البداية؛ لعدم حجّية الظنّ المانع والممنوع أصلاً[٥٦]. على أنّ المسألة لاتخلو من نقاشات وردود مطوّلة[٥٧].

حجّية الظنّ في اُصول الدين

ممّا نوقش في ذيل موضوع الظنّ هو حجّيته في اُصول الدين، وقد أورد البعض في هذا المجال ستّة أقوال:
الأوّل: اعتبار العلم الفعلي.
الثاني: اعتبار العلم الفعلي ولو عن تقليد.
الثالث: كفاية الظنّ مطلقا.
الرابع: كفاية الظنّ المستفاد من النظر والاستدلال دون التقليد.
الخامس: كفاية الظنّ المستفاد من أخبار الآحاد، وهو الظاهر عن الأخباريين، حيث لايعوّلون في أصول الدين وفروعه إلاّ على الأخبار.
السادس: كفاية الجزم، بل الظنّ من التقليد، وبرغم وجوب النظر إلاّ أنّه معفوّ عنه[٥٨].
ومع غضّ النظر عن وجود قائل لهذه الأقوال أو عدم وجود قائل بها، فإنّ جلّ الشيعة يذهبون إلى عدم حجّية الظنّ في أصول الدين[٥٩].
وقد استدلّ على عدم حجّيته بنفس الأدلّة التي استدلّ بها على عدم حجّية الظنّ المطلق في الشؤون الفقهية مثل الآيات الناهية عن الظنّ كقوله تعالى: «إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»[٦٠]. فهي تفيد قاعدة كلّية مفادها المنع من العمل بالظنّ وخاصّة أنّ بعض هذه الآيات وردت في شؤون أصول الدين مثل موضوع اتّخاذ شركاء للّه‏، بل هو القدر المتيقن من تلك الآيات[٦١].
كما أنّ هناك نقاشا في خصوص حجّية الظنّ في أصول الدين الناشئ عن أخبار الآحاد، فقد ينسب القول به إلى الأخبارية[٦٢].

المصادر

  1. . ترتيب جمهرة اللغة 2: 481. مادّة «ظنن».
  2. . تهذيب اللغة 14: 260 مادّة «ظنن».
  3. . لسان العرب 3: 2464 مادّة «ظنن».
  4. . الإحكام الآمدي 2: 274.
  5. . البحر المحيط 1: 74.
  6. . البحر المحيط 1: 74.
  7. . اصطلاحات الاُصول: 161.
  8. . الرسائل العشر ابن فهد الحلّي: 428.
  9. . محاضرات في فقه الإمامية الميلاني: 407.
  10. . اُنظر: مصباح الاُصول 2: 13، فرائد الاُصول 1: 596.
  11. . اُصول الفقه المظفر 3: 16، اصطلاحات الاُصول: 161.
  12. . جواهر الكلام 17: 294.
  13. . هدى الطالب إلى شرح المكاسب 5: 360.
  14. . اُنظر: فقه الصادق الروحاني 8: 157.
  15. . البحر المحيط 1: 76.
  16. . المحلّى ابن حزم 1: 89.
  17. . اُنظر: الانصاف المرداوي 10: 369، فيض القدير (المناوي) 4: 642، تفسير مجمع البيان (الطبرسي) 4: 312، التفسير الكاشف (مغنية) 5: 138، تفسير الرازي 3: 50، إحقاق الحقّ (التستري): 333.
  18. . البحر الرائق ابن نجم 1: 169.
  19. . تكملة رد المحتار 2: 338.
  20. . البحر المحيط 1: 52.
  21. . المنخول: 336.
  22. . المحصول الرازي 1: 15، الإحكام (الآمدي) 1: 10.
  23. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 16، معارج الاُصول: 48.
  24. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 15 ـ 16.
  25. . اُنظر: اُصول السرخسي 1: 284 ـ 285، كشف الأسرار البخاري 2: 661، عوائد الأيام: 435 ـ 436، دروس في علم الاُصول 1: 287 و2: 156.
  26. . اُنظر: أجود التقريرات 3: 254 ـ 255، المباحث الاُصول‏ية 8: 208، بحوث في علم الاُصول الهاشمي 4: 19، إفاضة العوائد 2: 63، تحريرات في الاُصول (مصطفى الخميني) 6: 297.
  27. . نهاية السؤل 1: 40، البحر المحيط 1: 78.
  28. . دراسات في علم الاُصول 4: 24، الحدائق الناضرة 5: 416، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 454، المحكم في اُصول الفقه 5: 86.
  29. . اُصول الفقه المظفر 2: 395.
  30. . إرشاد الفحول 1: 30.
  31. . الذريعة المرتضى 1: 20.
  32. . تعليقة على معالم الاُصول القزويني 5: 13 ـ 15.
  33. . اصطلاحات الاُصول: 161.
  34. . فرائد الاُصول 1: 591، 3: 87.
  35. . اُنظر: وسيلة الوصول إلى حقائق الاُصول: 582 و786، منتهى الاُصول البجنوردي 2: 5 و84.
  36. . اُصول الفقه المظفر 3: 16.
  37. . بحر الفوائد الاشتياني 6: 308 و410 و462، فرائد الاُصول 1: 402، فوائد الاُصول 3: 281، العناوين الفقهية 2: 511.
  38. . بحر الفوائد الاشتياني 1: 55 ـ 56.
  39. . اُنظر: مجمع الأفكار ومطارح الأنظار 3: 73 ـ 78.
  40. . منتهى الاُصول 2: 27.
  41. . أنوار الهداية 1: 140، مجمع الأفكار ومطرح الأنظار 3: 72 الهامش.
  42. . مفاتيح الاُصول: 456 و470، هداية المسترشدين 3: 347.
  43. . منتهى الاُصول البجنوردي 2: 27.
  44. . اُصول الفقه المظفر 3: 15.
  45. . اُصول الفقه المظفر 3: 16، هداية المسترشدين 3: 384.
  46. . أنوار الهداية 1: 138.
  47. . نهاية الأفكار 3: 181.
  48. . اصطلاحات الاُصول: 162.
  49. . فرائد الاُصول 1: 517.
  50. . أوثق الوسائل في شرح الرسائل: 333، كفاية الاُصول تعليق السبزواري 2: 378.
  51. . اُنظر: الظنّ الحيدري 169 ـ 171.
  52. . أجود التقريرات 3: 9، فوائد الاُصول 3: 4.
  53. . منتهى الاُصول 2: 523، مصباح الاُصول 2: 84.
  54. . اصطلاحات الاُصول: 161 ـ 163.
  55. . مطارح الأنظار 2: 619، فوائد الاُصول 3: 322.
  56. . مصباح الاُصول 2: 235.
  57. . اُنظر: فرائد الاُصول 1: 532 ـ 536، كفاية الاُصول مع حواشي المشكيني 3: 482، عناية الاُصول 3: 370 ـ 371، إفاضة العوائد 2: 131 ـ 137.
  58. . فرائد الاُصول 1: 554 ـ 555.
  59. . مفاتيح الاُصول: 455، الأنصاري مجموعة رسائل فقهية واُصولية: 85، مقالات الاُصول 2: 135، كفاية الاُصول (مع حواشي المشكيني) 2: 416.
  60. . النجم: 28.
  61. . تعليقه على معالم الاُصول 5: 91 و 382 ـ 395، حقائق الاُصول 2: 211 ـ 220، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 5: 332، منتهى الدراية 5: 340.
  62. . نهاية الوصول 3: 403، واُنظر: الوافية: 159.