الصادق المهدي

من ویکي‌وحدت
الصادق المهدي
الاسم الصادق المهدي‏
الاسم الکامل الصادق الصدّيق عبد الرحمان المهدي
تاريخ الولادة 1354ه/1935 م
محل الولادة العبّاسية/السودان
تاريخ الوفاة
المهنة رئيس حكومة السودان فترتي (1967 م و 1986 م)، وسياسي ومفكّر سوداني، وإمام الأنصار، ورئيس حزب الأُمّة.
الأساتید ثابت جرجس
الآثار : مسألة جنوب السودان، جهاد من أجل الاستقلال، يسألونك عن المهدية، العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي، تحدّيات التسعينات، الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة.
المذهب سنی

الصادق الصدّيق عبد الرحمان المهدي: رئيس حكومة السودان فترتي (1967 م و 1986 م)، وسياسي ومفكّر سوداني، وإمام الأنصار، ورئيس حزب الأُمّة.
ولد بالعبّاسية بأُمّ درمان سنة 1935 م، وجدّه الأكبر هو محمّد أحمد المهدي القائد السوداني الذي فجّر الدعوة والثورة المهدية في السودان، وجدّه المباشر عبد الرحمان المهدي، ووالده السيّد الصدّيق المهدي، ووالدته هي السيّدة رحمة عبد اللَّه جاد اللَّه.
درس في الخلوة بالعبّاسية بأُمّ درمان في الطفولة الباكرة على يد الفقّي أحمد العجب، ثمّ في الجزيرة أبا على يد الفقّي علي السيوري، وحضر الكتّاب في الجزيرة أبا، ودرس الابتدائية في مدرسة الأحفاد في أُمّ درمان، والثانوية بدأها في مدرسة كمبوني (الخرطوم)، وواصلها في كلّية فكتوريا (الإسكندرية 1948 م- 1950 م)، حيث ترك الكلّية هاجراً التعليم النظامي رافضاً لعدّة مظاهر بالكلّية تسلخ الطلّاب عن هوياتهم العربية والإسلامية، ورجع لبلاده ملازماً للشيخ الطيّب السرّاج لينهل من علوم الفصحى وآدابها.
في سنة 1952 م اقتنع بالرجوع للتعليم النظامي بتشجيع من أُستاذ مصري قابله في جامعة الخرطوم اسمه ثابت جرجس، وجلس لامتحانات شهادة أُكسفورد الثانوية من المنزل، والتحق بكلّية العلوم في جامعة الخرطوم كمستمع على وعد بأن يواصل معهم لو نجح في امتحان آخر السنة. لاحقاً أخبره المستر ساندون (العميد) باستحالة ذلك وساعده في إيجاد قبول للالتحاق بكلّية سانت جون (القدّيس يوحنّا) بأُكسفورد ليدرس الزراعة، وكان القبول مصحوباً بشرط واحد هو أن ينجح في امتحان الدخول للجامعة.
التحق الصادق بطلبة السنة الأُولى لكلّية العلوم بجامعة الخرطوم في الفصل الأخير من‏
العام، حيث دخل الجامعة في يوليو سنة 1952 م، وكان العام الدراسي ينتهي في ديسمبر، وكان يحضر المحاضرات صباحاً، ويواصل تلقّي دروس العربية من الشيخ الطيّب السرّاج عصراً، ثمّ يدرس مساءً للحاق ما فاته والتحضير لامتحان السنة النهائية.
امتحن الصادق المهدي بكلّية القدّيس يوحنّا عام 1953 م وقبل لدراسة الزراعة، ولكنّه لم يدرسها، بل ذهب لأُكسفورد في عام 1954 م وقرّر دراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعتها على أن يدرس الزراعة بعد ذلك في كاليفورنيا، ووفّق في نيل شهادة جامعية بدرجة الشرف في الاقتصاد والسياسة والفلسفة، ونال تلقائياً درجة الماجستير بعد عامين من تاريخ تخرّجه حسب النظام المعمول به في جامعة أُكسفورد.
عمل موظّفاً بوزارة المالية في عام 1957 م، وفي نوفمبر عام 1958 م استقال من الوظيفة؛ لأنّ انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه، وعمل بعد ذلك مديراً للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضواً بمجلس الإدارة، كما كان رئيساً لاتّحاد منتجي القطن بالسودان، وانخرط في صفوف المعارضة، وبعد ذلك دخل المعترك السياسي الذي جعل همّه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان.
أصبح رئيس الجبهة القومية المتّحدة في الفترة من 1961 م- 1964 م، وانتخب رئيساً لحزب الأُمّة في نوفمبر 1964 م، وانتخب رئيساً لوزراء السودان في الفترة من 25/ يوليو/ 1966 م- مايو/ 1967 م، وأصبح رئيساً للجبهة الوطنية في الفترة من 1972 م- 1977 م، وانتخب رئيساً لحزب الأُمّة القومي في مارس 1986 م، وانتخب رئيساً لوزراء السودان في الفترة من سنة 1986 م- 1989 م.
أمّا المناصب التي يتقلّدها حالياً: رئيس مجلس إدارة شركة الصدّيقية، ورئيس حزب الأُمّة القومي المنتخب في أبريل سنة 2003 م، وإمام الأنصار المنتخب في ديسمبر سنة 2002 م.
وهو عضو في المجلس العربي للمياه، وعضو في نادي مدريد، وعضو في المؤتمر القومي الإسلامي ببيروت، وعضو سابق في المجلس الأسلامي الأوربّي بلندن، وعضو
سابق في مجلس إدارة دار المال الإسلامي بجنيف، وعضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية بالخرطوم، وعضو مجلس أُمناء المؤسّسة العربية للديمقراطية.
كان أوّل بروز للصادق المهدي في ساحات العمل السياسي السوداني في معارضة نظام عبّود، وفي أُكتوبر عام 1961 م توفّي والده الصدّيق الذي كان رئيساً للجبهة القومية المتّحدة لمعارضة نظام إبراهيم عبّود. وقد شارك بفعّالية في معارضة نظام عبّود واتّصل بنشاط الطلبة المعارض، كما كان من أوائل المنادين بضرورة الحلّ السياسي لمسألة الجنوب، حيث أصدر كتابه «مسألة جنوب السودان» في أبريل 1964 م، ونادى فيه بالأفكار التي كانت أساس الإجماع الوطني لاحقاً من أنّ مشكلة الجنوب لا يمكن أن تحلّ عسكرياً. وحينما قامت أحداث 21/ أُكتوبر/ 1964 م اتّجه منذ البداية لاعتبارها نقطة انطلاق لتغيير الأوضاع وسار في الموضوع على النحو الذي أوضحه في البيان الذي نشره بعنوان «رسالة إلى المواطن السوداني». وقد نجحت مساعيه في توحيد جميع الاتّجاهات السياسية في السودان وفي جمعها خلف قيادة الأنصار في بيت المهدي وفي جعل بيت المهدي (أي: القبّة والمسجد الرابع الشهير بمسجد الخليفة) مركز قيادة التحوّل الجديد.
حدث هذا رغم وجود اتّجاهات عديدة في بيت المهدي وبعض الأنصار كانت ترى التريّث والابتعاد عن الثورة، ولكن اتّجاه المشاركة كان غالباً فجرّ الجميع في اتّجاهه حتّى انتصر وقضى على الحكم العسكري وقامت الحكومة الانتقالية القومية، وقد قاد موكب التشييع وأمّ المصلّين في جنازة القرشي، وكان ذلك هو الموكب الذي فجّر الشرارة التي أطاحت بالنظام، كما كتب مسودّة ميثاق أُكتوبر 1964 م الذي أجمعت عليه القوى السياسية.
انتخب رئيساً لحزب الأُمّة في نوفمبر 1964 م، وقاد حملة لتطوير العمل السياسي والشعار الإسلامي وإصلاح الحزب في اتّجاه الشورى والديمقراطية وتوسيع القاعدة، استغلّها البعض لإذكاء الخلاف بينه وبين الهادي المهدي، ممّا أدّى لانشقاق في حزب الأُمّة، وصار رئيساً للوزراء عن حزب الأُمّة في حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتّحادي في 25/ يوليو/ 1966 م خلفاً للسيّد محمّد أحمد محجوب الذي كان رئيساً
للوزراء عن حزب الأُمّة والذي قاد جزءاً من عضوية حزب الأُمّة بالبرلمان للمعارضة.
قامت الحكومة الجديدة بإجراءات فاعلة في محاصرة الفساد وتحقيق العديد من الإنجازات، ولكن تكوّن ضدّها ائتلاف ثلاثي بين الجناح المنشقّ من حزب الأُمّة والحزب الوطني الاتّحادي وحزب الشعب الديمقراطي، فأسقطها في مايو 1967 م. خاض حزب الأُمّة انتخابات 1968 م منشقّاً، ثمّ التأم مرّة أُخرى في 1969 م، ولكنّه لم يستفد من قوّته الجديدة بسبب انقلاب 25/ مايو/ 1969 م الذي قوّض الشرعية الدستورية.
حينما وقع الانقلاب توجّه الصادق المهدي للجزيرة أبا حيث كان إمام الأنصار عمّه الهادي المهدي. أرسل قادة الانقلاب بطلبه للتفاوض وأعطوا الإمام الهادي عهداً بألّا يمسّ بسوء، ثمّ غدروا بالعهد حيث لم يجر تفاوض بل اعتقل ثمّ تعرّض لمحاولة اغتيال. أُبعد السيّد الصادق عن الكيان، واعتقل في 5/ يونيو/ 1969 م في مدينة جبيت بشرق السودان، ثمّ حوّل لسجن بورتسودان، ثمّ اعتقل بمدينة شندي، ثمّ نفي إلى مصر ووضع تحت الإقامة الجبرية، ثمّ أُرجع لسجن بورتسودان معتقلًا حتّى مايو 1973 م. وفي أثناء ذلك قام النظام الجديد الذي حمل رايات اليسار الشيوعي بالتنكيل بالأنصار، ممّا أدى لمجزرة الجزيرة أبا وحوداث ودنوباوي، قصفت الجزيرة أبا بالطائرات عصر الجمعة 27/ مارس/ 1970 م، واستمرّ القصف حتّى الثلاثاء، وحوادث ودنوباوي يوم الأحد 29/ مارس/ 1970، ثمّ حوادث الكرمك التي قُتل فيها إمام الإنصار.
أُطلق سراحه لعدّة أشهر، ثمّ اعتقل بعدها في سجن بورتسودان (من ديسمبر 1973 م حتّى مايو 1974 م)، وكتب خلال هذه الفترة: «يسألونك عن المهدية».
في 1974 م سافر إلى خارج البلاد، حيث بدأ جولة في العواصم العربية والغربية والأفريقية، كتب خلالها «أحاديث الغربة»، وألقى العديد من المحاضرات في جامعات درهام ومانشستر وأُكسفورد ببريطانيا وجامعة كادونا بنيجيريا، داعياً للحلّ الإسلامي ومبشّراً بالصحوة الإسلامية وعطائها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
تكوّنت الجبهة الوطنية الديمقراطية المعارضة لمايو بقيادته في المهجر (شملت حزب‏
الأُمّة والحزب الاتّحادي والأُخوان المسلمين). قامت الجبهة بمحاولة تحرير السودان من الاستعمار الداخلي عبر الانتفاضة المسلّحة في يوليو 1976 م التي فشلت في إسقاط نظام مايو، ولكنّها أقنعت النظام بجدوى وقوّة المعارضة، وأدّى ذلك متضافراً مع عوامل أُخرى للمصالحة الوطنية- الاتّفاق السياسي بين مايو والجبهة الوطنية في 1997 م، والذي تعيّن وفقاً له على النظام إجراء إصلاحات ديمقراطية أساسية.
عاد السيّد الصادق المهدي للسودان في 1977 م، وولكن ما لبث أن تبيّن له الخداع المايوي في ضمان الديمقراطية والإصلاح السياسي، فاعتبر أنّ المصالحة قد فشلت، ولكنّه آثر البقاء في السودان لمعارضة النظام المايوي من الداخل.
وفي 8/ سبتمبر/ 1983 م أعلن النظام المايوي ما أسماه «الثورة التشريعية» التي اعتبرها الصادق المهدي أكبر تشويه للشرع الإسلامي، وعقبة في سبيل البعث الإسلامي في العصر الحديث، وجاهر بمعارضتها في خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1403 ه الموافق 18/ سبتمبر/ 1983 م، فاعتقله النظام المايوي (في 25/ سبتمبر/ 1983 م)، في تلك الفترة من الاعتقال كتب «العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي»، وأُطلق سراحه في ديسمبر 1984 م، فخرج يقود المعارضة للنظام من الداخل ويتناغم مع الغضبة الشعبية التي أثمرت ثورة رجب 1985 م.
قامت سنة انتقالية جرت بعدها انتخابات عامّة (أبريل 1986 م)، حصل حزب الأُمّة فيها على الأكثرية، وانتخب السيّد الصادق رئيساً للوزراء. تعاقبت عدّة حكومات أو ائتلافات حتّى قام انقلاب 30/ يونيو/ 1989 م. وكان من أهمّ ما قام به الصادق في تلك الفترة السعي للتجميع الوطني لحلّ القضايا الأساسية قومياً، والسعي للتأصيل الإسلامي عبر الإجماع الشعبي وبالوسائل الدستورية.
اعتقل الصادق المهدي في 7/ يوليو/ 1989 م، وقد كان بصدد تقديم مذكّرة لقادة الانقلاب وجدت معه، وحبس في سجن كوبر حتّى ديسمبر 1990 م، في 1/ أُكتوبر/ 1989 م تعرّض للتصفية الصورية والتهديد، فكتب شهادته عن فترة حكمه كتابه عن‏
«الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة».
في أُكتوبر 1989 م وقّع مع قادة القوى السياسية الموجودين داخل السجن «الميثاق الوطني».
في ديسمبر 1990 م حوّل للاعتقال التحفّظي في منزل زوج عمّته بالرياض البروفيسور الشيخ محجوب جعفر، حيث سمح لأفراد أُسرته بمرافقته، وكتب خلال هذه الفترة «تحدّيات التسعينات» متعرّضاً فيه للوضع العالمي وتحدّيات العالم العربي والإسلامي وإفريقيا، و «ضحكنا في ظروف حزينة».
التحق السيّد الصادق- وذلك بعد هجرته إلى أرتيريا- بالمعارضة السودانية بالخارج، وبدأ أكبر حملة دبلوماسية وسياسية شهدتها تلك المعارضة منذ تكوينها، وفي أوّل مايو 1999 م استجاب لوساطة السيّد كامل الطيّب إدريس للتفاوض مع النظام، فتمّ لقاء جنيف بينه وبين الدكتور حسن الترابي زوج شقيقته، وفي 26/ نوفمبر/ 1999 م تمّ لقاء جيبوتي بينه وبين الرئيس عمر البشير وعقد حزب الأُمّة اتّفاق نداء الوطن مع النظام في الخرطوم، وذلك تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، وفي 23/ نوفمبر/ 200 م عاد للبلاد في عملية أُطلق عليها اسم «تفلحون»، وذلك للقيام بالتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام الحاكم والاستمرار في الاتّصالات الدبلوماسية.
وفي الفترة ما بين 15- 17/ أبريل/ 2003 م انعقد المؤتمر العامّ السادس لحزب الأُمّة حيث تمّت إعادة انتخابه رئيساً للحزب، يقود الحملة الآن بتحويل اتّفاقية السلام السوداني الثنائية بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي تمّ توقيعها في 9/ يناير/ 2005 م إلى اتّفاقية قومية تحلّ كافّة وجهات الاحتراب في دارفور والشرق وغيرها، وتشرك جميع الفاعلين في المجتمع السوداني عبر منبر قومي جامع.
من مؤلّفاته: مسألة جنوب السودان، جهاد من أجل الاستقلال، يسألونك عن المهدية، العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي، تحدّيات التسعينات، الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة.
في مجال الوحدة الإسلامية يقول: «الوحدة المتجسّدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنّها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأُموي في عام 150» ه. إنّ مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحاً للخيفة لم يعد وارداً؛ لأنّ ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصّاً بالسلطة التنفيذية ضمن إطار يحدّد مؤسّسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى المشاركة على نطاق واسع عبر مؤسّسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطوّر الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية، حتّى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسّسة قيادة شاملة مطلقة إلّافي الدولة الاستبدادية.
إنّ وجود دول مختلفة محكومة بنظم دستورية لا يمنع التعامل مع مفهوم السيادة الوطنية بمرونة وتحقيق وحدة في مجالات عديدة:
1- في المجال الروحي والعبادي؛ إذ يمكن للمسلمين الاتّفاق على ما يجمع بينهم والتعايش فيما يفرّق بينهم على أن يقيموا تنظيماً موحّداً يقرّر بشأن المسائل العقدية والعبادية ويتّخذ تكويناً جماعياً شورياً.
2- تكوين محكمة استئناف عليا ذات صلاحيات متّفق عليها للحكم في قضايا معيّنة.
3- برنامج موحّد للتعليم الديني وتعاون في كافّة المجالات التعليمية... برنامج يحقّق التعاون في مجالات معيّنة ويفسح مجال التنوّع.
4- تعاون ثقافي وإعلامي.
5- تنسيق تنموي وتجاري في المجال الاقتصادي والتجاري.
6- تحديد آليات للحار الداخلي بين المسلمين وأُخرى للحوار مع غيرهم.
إنّ الإبقاء على تعدّد الدول لا يتنافى مع تحقيق درجة عالية من التنسيق والتوحّد في المجالات الدينية والثقافية والاقتصادية والحضارية لبلوغ درجة من الوحدة الإسلامية وترك المجال مفتوحاً للتطوير المستقبلي.
هنالك نظرة سلبية جدّاً لدينا نحو التعدّدية في المسائل الاجتهادية... ينبغي أن تكون‏
نظرتنا لكلّ أنواع التعدّدية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية؛ لأنّها إحدى نتائج الحرّية اللازمة، على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما:
الأوّل: التسليم بالقطعي وروداً والقطعي دلالةً من نصوص الإسلام.
الثاني: تجنّب التعصّب لاجتهادنا الخاصّ، والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب. هذه النظرية المرنة للتعامل المذهبي مع التراث المنقول ومع العطاء الإنساني ومع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانفكاء ومن التعصّب الذميم.
التعدّدية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزّأ من نظام الكون، وينبغي التخلّص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية، فمن كفّر مسلماً فقد باء بالكفر أحدهما، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه.
إنّ الإنسان هو محور رسالة الإسلام لإسعاده في الدنيا والآخرة، وكلّ هداية للإنسان ينبغي أن تراعى عوامل الزمان والمكان. الشريعة الإسلامية تفوّقت على الملل والنحل الأُخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان، وتكريمها للإنسان كإنسان، ومراعاتها لظروف المكان والزمان... إنّ إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة.
وللإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن، هي المطالب: الروحية- الخلقية- العاطفية- المعرفية- المادّية- الاجتماعية- البيئية- الجمالية- الرياضية- والترفيهية.
إنّ الإسلام دين الفطرة... فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها (سورة الروم: 30) مستبين لتلك المطالب، ولضرورة إشباعها موزوناً ينبغي على المسلمين السعي لتحقيقه اجتهادياً في ظروف الزمان والمكان المختلفة.
الإسلام عقيدة وشريعة... الشريعة الإسلامية فيها عبادات ثابتة ومفصّلة ومعاملات مرنة، منذ عهد الخوارج هنالك من جعل أمر السلطة السياسية (الإمرة) كالعبادات، وهذا
عين الخطأ الذي وقع فيها الخوارج ومن خلفهم بعد ذلك.
علينا أن ندرك بوضوح أنّ العبادات مفصّلة وثابتة، لكنّ المعاملات معمّمة ومتحرّكة... الثابت من أحكام الشريعة لا تؤثّر، لكن المعاملات معمّمة ومتحرّكة، الثابت من أحكام الشريعة لا تؤثّر فيه عوامل الزمان والمكان. أمّا المعادلات- أي: المتحرّك من مقاصد الشريعة- فإنّ الثابت يفسده ويؤدّي إلى عكس مقاصده... الأُمّة باجتهادها المستمرّ مكلّفة بتطوير فقه المعاملات على أساس مقولة الإمام المهدي الشهيرة: «لكلّ وقت ومقام حال، ولكلّ زمان وأوان رجال». وفي ظروف معيّنة وأمام زحف التتار على ديار المسلمين اجتهد بعض الفقهاء ورأوا أنّ حماية بيضة الإسلام توجب تقديس المسؤولية السياسية، وعلى نفس النمط اجتهد الشيخ أبو الأعلى المودودي وصاغ مفهوم الحاكمية للَّه‏على نحو مشابه لمقولة الإمرة للَّه.
إنّ الذين رأوا باجتهاد معاصر أن يعطوا الإمرة أو القيادة السياسية قدسية تناهز قدسية العقائد والعبادات مهّدوا للتطرّف الإسلامي المعاصر الي يجعل اجتهاد أصحابه السياسي هو موقف الأُمّة كلّ الأُمّة، ونفي رأى الآخرين باعتباره كفراً وخروجاً عن ملّة الإسلام. هذا الاعتقاد هو الذي مهّد للتيّارات الاحتجاجية المتطرّفة المعاصرة عبر تكريسه للاستبداد وفتح باب المظالم السياسية والاجتماعية.
نعم، إنّ المسلمين في محنة، ويواجهون اضطهاداً عظيماً وإذلالًا على يد الهيمنة الدولية وإسرائيل. إنّ أصحاب هذا الاتّجاه اعتبروا أنفسهم مبعوثي العناية الإلهية، واستحلّوا لأنفسهم العمل لاستلام السلطة بالقوّة والانفراد بها، واستحلّوا لأنفسهم استخدام أساليب العنف العشوائي الذي يزهق الأرواح البريئة ويدمّر الأملاك في سبيل تحقيق أهدافهم.
الإمرة لا تكون في شريعة الإسلام إلّاعن طريق: وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ‏ (سورة الشورى: 39)، والعمل من أجل الأهداف- مهما عظمت- لا يكون إلّابموجب: ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (سورة النحل: 125)، والقتال في الإسلام له‏
ضوابطه، وهي: الدفاع عن النفس وعن حرّية الدعوة.
إنّ ربط الإسلام بالسلطة السياسية المستبدّة وربط العمل الإسلامي بأساليب العنف العشوائي جلب للإسلام ضرراً كبيراً، وأعطى أعداءه حجّة قوية للنيل من ديباجته الوضّاءة.
إنّ علينا- معشر أهل القبلة- أن نفرض أيّة عملية استيلاء على السلطة بالقوّة الغاشمة، وأن نفرض أيّة دولة تقوم على أساس بوليسي يقهر الناس، وأن نرفض أيّة صلة بين الدعوة للإسلام والعنف العشوائي، وأن نعتبر الاستيلاء على السلطة باسم الإسلام ترهيباً بعيداً عن مقاصد الشريعة، كما نعتبر أيّة دولة بوليسية قاهرة خارجة على مقاصد الشريعة».

المراجع

(انظر ترجمته في: ملحق موسوعة السياسة: 477، الموسوعة العربية العالمية 24: 303).