الشبه

من ویکي‌وحدت

الشبه: ويسمّى قياس الشَبَه، وقيل في تعريفه: هو تعدية الحکم بوصف لم يظهر أثره في الحكم لا بنصّ ولا إيماء ولا بإجماع ولا هو مخيل مناسب للحكم. وقد يقال: إن القياس لا يخلو إمّا أن يكون طريقُ إثباتِ العلّةِ المستنبطةِ فيه، المناسبةَ أو الشبهَ أو السبر والتقسيم أو الطردَ والعكسَ، فإن كان الأوّل فيسمّى قياس الإحالة، وإن كان الثاني فيسمّى قياس الشبه». ومثاله: كون الربا مثلاً غير مخصص بالبُرّ ولا مناط باسمه، بل يشمل الخبز والدقيق والعجين، من هذا يعرف أنّ مناط الربا والحرمة هو طعم البُرّ، أي كونه ممّا يُطعم به، فنعلل بهذا الوصف والعلامة لنعدّي الحكم إلى السفرجل كذلك.

تعريف الشَبَه لغةً

الشبَه والشبيه والشِّبْه واحد[١]. الشبْه والشبَه والشبيه: المثل، والجمع أشباه[٢]. الشبه بالكسر والتحريك وكأمير: المثل[٣].

تعريف الشَبَه اصطلاحاً

يعدّ الشبه من مسالك العلّة أو مسالك إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به في القياس، وباعتبار أنّ القياس الذي يعتمد الشبه يسمّى قياس الشبه فجلّ التعاريف الواردة تحت عنوان الشبه وردت لقياس الشبه لا الشبه نفسه[٤]، برغم هذا فهناك من عرّف الشبه نفسه كالتعريف التالي:
«تعدية الحكم بوصف لم يظهر أثره في الحکم لا بنصّ ولا إيماء ولا بـ إجماع ولا هو مخيل مناسب للحكم»[٥].
أمّا تعريف قياس الشبه فهو بالأساس القياس الذي يعتمد مسلك الشبه، لكن عبارات الأصوليين في هذا المجال مختلفة، وكلّها تشير إلى هذا المعنى، وهي من قبيل التعاريف التالية:
هو أن تحمل فرعا على أصل بضرب من الشبه[٦].
ما أخذ حكم فرعه من شبه أصله[٧].
ما تجاذبه الأصول فأخذ من كلّ أصل شبها[٨].
وهناك من اكتفى بتوصيفه ولم يورد له تعريفا، كما في الموارد التالية:
«أمّا حقيقته [قياس الشبه] فاعلم أنّ اسم الشبه يطلق على كلّ قياس، فإنّ الفرع يلحق بالأصل بجامع يشبهه فيه، فهو إذا يشبهه، وكذلك اسم الطرد؛ لأنّ الاطراد شرط كلّ علة جمع فيها بين الفرع والأصل، ومعنى الطرد السلامة عن النقض، ولكن العلة الجامعة إن كانت مؤثرة أو مناسبة عرفت بأشرف صفاتها وأقواها وهو التأثير، والمناسبة دون الأخس الأعم الذي هو الاطراد والمشابهة، فإن لم يكن العلّة خاصّية إلاّ الاطّراد الذي هو أعمّ أوصاف العلل وأضعفها في الدلالة على الصحّة خصّ باسم الطرد لاختصاص الاطّراد بها؛ لكن لأنّه لا خاصّية لها سواه، فإن انضاف إلى الاطراد زيادة ولم ينته إلى درجة المناسب والمؤثّر سمّي شبها وتلك الزيادة هي مناسبة الوصف الجامع لعلّة الحكم وإن لم يناسب نفس الحكم»[٩].
ويورد الآمدي توصيفا لقياس الشبه بقوله: «القياس لا يخلو إمّا أن يكون طريقُ إثبات العلّة المستنبطة فيه المناسبةَ أو الشبه أو السبر والتقسيم أو الطرد والعكس، كما سبق تحقيقه. فإن كان الأوّل فيسمّى قياس الإحالة، وإن كان الثاني فيسمّى قياس الشبه»[١٠].
وباعتبار أنّ وجها من الشبه يعتمد في كلّ قياس، ولا بدّ من وجود شبه بين الأصل والفرع[١١] فلم يخلو قياس الشبه من إبهامات وحيرة وقع فيها من همّ بتعريفه من الأصوليين، ولذلك ينقل عن ابن الأنباري قوله: «لست أرى مسألة في مسائل الأصول أغمض منه»[١٢]. كما عن الغزالي بعد شرحه وإيضاحه لقياس الشبه قوله: «فإن لم يرد الأصوليون بقياس الشبه هذا الجنس فلست أدري ما الذي أرادوا به»[١٣]. وينقل عن إمام الحرمين قوله: «لا يمكن تحديده»[١٤]. وعبارات اُخرى منقولة عن غيرهم كذلك[١٥].

طرق إثبات الشبه

يثبت الشبه من خلال تحليل الأوصاف والخصائص والعلامات في موضوعات الأحكام المنطوق بحكمها، من قبيل: كون الربا غير مخصص بالبُرّ ولا مناط باسمه، بل يشمل الخبز والدقيق والعجين، من هذا يعرف أنّ مناط الربا والحرمة هو طعم البُرّ، أي كونه ممّا يُطعم به، فنعلل بهذا الوصف والعلامة لنعدّي الحكم إلى السفرجل كذلك.
أو تنحصر الأوصاف والعلامات في أمرين أو أكثر، وهما غير مناسبين، لكن أحدهما ليس منتقضا فلا يمكن القول ببطلان التعليل به، لكن يوهم كونه يستبطن مناسبة أو مصلحة، فيكون أولى من التعليل بما لا يوهم.
من قبيل: تعلل حرمة الربا بكونه قوتا أو وزنا أو كيلاً، وباعتبار أنّ القوت يوهم بكونه يستبطن مصلحة ومناسبة تصبّ في مصلحة عموم الناس فيكون التعليل به أولى من التعليل بالوزن أو الكيل؛ باعتبارهما مقادير لا أكثر[١٦].
وكما هو ملاحظ فإنّ التعليل يعتمد العقل وتحليلاته.

الألفاظ ذات الصلة

1 ـ المناسبة

وفرقه مع الشبه في كون المناسب وصفا وعلامة نجد فيها تناسبا للحكم، بينما في الشبه لا توجد مناسبة، لكن أوهم الاشتمال على المناسبة والتناسب مبهم وغير ثابت[١٧].

2 ـ الطرد

وفرقه عن الشبه في كون العلامة أو الوصف الذي يراد تعديته قد اطّرد في جميع الموارد المظنونة ولم ينتقض في مورد. وبتعبير آخر: كون الطرد صفة السلامة عن النقض في العلّة، ولم يلحظ فيها المناسبة أو توهم المناسبة، لكنّه وصف غير مناسب ولا أوهم كونه مناسبا (كما هو الحال في الشبه)[١٨].

البحث حول حجية الشَبَه

يبدو أنّ جلّ أهل السنة وخاصّة المتأخّرين والمعاصرين منهم ذهبوا إلى صحّة مسلك الشبه في القياس، لكن ناقش بعضهم في الأمثلة والمصاديق التي تدرج تحت هذا المسلك، فالقوت الذي عدّ شبها ومسلكا لتعليل الحکم وتعديته نوقش فيه في مثل الملح كمصداق له؛ باعتبار أنّ علامة القوت فيه ضعيفة، والعلامة المشتركة بين الملح والتمر هي الطعم أو الكيل.
لكن نقل عن البعض نفي حجّيته، وهم مثل: السمعاني، والقاضي أبو بكر، وأكثر الحنفية، و أبو إسحاق الشيرازي، و أبو منصور الماتريدي، و أبو إسحاق المروزي، و أبو بكر الصيرفي، والقاضي أبو الطيب الطبري[١٩].

أدلّة القائلين بحجّية الشبه

استند القائلون بحجّية الشبه وشرعيته بما يولّده التشابه بين الفرع والأصل من الظنّ، وهذا هو الدليل الأساس لصحّة التمسّك بالشبه لتصحيح القياس وتعدية الحكم، ولا دليل قطعيا على رفض هذا الصنف من الظنّ وقد ظهر هذاالكلام في كلمات الغزالي.
يقول الغزالي: «وأمّا إقامة الدليل على صحّة الشبه هو أنّ الدليل إمّا أن يطلب من المناظر أو يطلبه المجتهد من نفسه، والأصل هو المجتهد، وهذا الجنس ممّا يغلب على ظنّ بعض المجتهدين، وما من مجتهد يمارس النظر في مأخذ الأحكام إلاّ ويجد ذلك من نفسه، فمن أثر ذلك في نفسه، فمن أثر ذلك في نفسه حتّى غلب ذلك على ظنّه فهو كالمناسب، ولم يكلّف إلاّ غلبة الظنّ، فهو صحيح في حقّه، ومن لم يغلب ذلك على ظنّه فليس له الحکم به، وليس معنا دليل قاطع يبطل الاعتماد على هذا الظنّ بعد حصوله...»[٢٠].
وعلى هذا فإنّ حجية الشبه تعتمد على حصول الظنّ الشخصي للمجتهد، الأمر الذي قد يختلف من مجتهد إلى آخر، ويعتمد كذلك على عدم ورود دليل قاطع ينفي حجّية وصحّة الاعتماد على هذا الظنّ.

أدلّة النافين لحجّيته

منع البعض حجّية الشبه باعتبارات مثل الاعتبارات التالية:
1 ـ لو صحّ ردّ الفرع إلى الأصل لشبه ما لصحّ كلّ قياس؛ لأنّه ما من فرع إلاّ ويمكن ردّه إلى أصل بضرب من الشبه[٢١].
2 ـ لا يوجد دليل يدلّ على حجّية العلّة في مثل القياس[٢٢].
3 ـ إنّ الوصف الذي عُدّ شبها إن كان مناسبا فهو معتبر بالاتّفاق وإن كان غير مناسب فهو الطرد المردود بالاتّفاق.
4 ـ لم نأثر عن الصحابة عملهم بالقياس الذي يعتمد الشبه مع أنّ عمل الصحابة هو المعتمد في حجية القياس[٢٣].

المصادر

  1. . جمهرة اللغة 2: 263 مادّة «شبه».
  2. . لسان العرب 2: 1971 مادّة «شبه».
  3. . القاموس المحيط: 1133 مادّة «شبه».
  4. . اللمع: 209، الإحكام الآمدي 3: 257 ـ 258، البحر المحيط 5: 40.
  5. . أساس القياس: 86.
  6. . اللمع: 209.
  7. . البحر المحيط 5: 40.
  8. . البحر المحيط 5: 40.
  9. . المستصفى 2: 159.
  10. . الإحكام الآمدي 3: 271.
  11. . ارشاد الفحول 2: 173.
  12. . ارشاد الفحول 2: 173.
  13. . المستصفى 2: 160.
  14. . البحر المحيط 5: 230.
  15. . إرشاد الفحول 2: 173 ـ 174، القياس وتطبيقاته المعاصرة: 45.
  16. . أساس القياس: 86 ـ 88.
  17. . أساس القياس: 89، القياس وتطبيقاته المعاصرة: 45 ـ 48.
  18. . أساس القياس: 89، المستصفى 2: 159، القياس وتطبيقاته المعاصرة: 56 ـ 57.
  19. . اللمع: 209 ـ 210، إرشاد الفحول 2: 177، القياس وتطبيقاته المعاصرة: 49.
  20. . المستصفى 2: 161 ـ 162.
  21. . البحر المحيط 5: 40.
  22. . اللمع: 210.
  23. . إرشاد الفحول: 177.